إن تأثير جائحة كورونا COVID19 العالمية قد طال أوجه الحياة من حولنا بما فيها التعليم، حيث أغلقت مايقارب 75 دولة المدارس وأوصد التعليم أبوابه أمام 400 مليون متعلم تقريبا. وكخطة بديلة لجأت بعض المؤسسات التعليمية للتعليم البديل عبر الإنترنت، أو كما نقول التعليم عن بعد. وعلى اختلاف المسميات والدلالات بين هذه المصطلحات إلا أنه يمكننا الإجماع على أنها تشترك في سمة واحدة وهي استخدام جهاز الحاسوب في إجراء عمليات التعليم والتعلم. و يبقى التحدي الأكبر الذي يواجهه التربويون أثناء هذا التحول المفاجئ والسريع نحو التعليم عبر الإنترنت هو نقل المقررات الدراسية للبيئة التعليمية الافتراضية، ففي حال تم نقلها دون تكييفها وإعادة تصميمها كي تتسق مع البيئة التعليمية الجديدة فقد يؤدي إلى نتائج عكسية على مستوى التحصيل الدراسي والدافعية والإنجاز.
التوجّه نحو التعليم عن بعد لم يعد ترفًا بعد الآن. إن القدرات التي تظهرها أدوات التقنية الحديثة خاصة تلك المتعلقة بالحواسيب والإنترنت تقنعنا بطريقة أو بأخرى بتبني هذا النوع من التعليم لأننا نستطيع من خلاله الوصول لجميع المتعلمين ونقل الخبرة التعليمية بكل سهولة، حتى تلك التي يستعصي علينا نقلها في بيئة التعلم التقليدية، بالإضافة إلى تعزيز المقرر الدراسي بالموارد والمصادر التعليمية المتنوعة. ولكن ما نغفل عنه هو أن التعلم الإلكتروني إن لم يتم توظيفه بالشكل الصحيح فإنه سيحّد كثيرا من التفاعل الاجتماعي والعاطفي بين المتعلمين، بحيث يشعر المتعلم بالعزلة والانطواء على ذاته والكآبة.
1- مفهوم أنسنة التعليم
إن مفهوم أنسنة التعليم ليس حديثًا، ويُعد باولو فريري أب التربية النقدية من روّاد الفلسلفة الإنسانية في التعليم. يقول فريري (1995) إن أنسنة التعليم هو المسار الذي يستطيع البشر من خلاله إدراك وجودهم في هذا العالم والوعي بدورهم. وينتقد فريري بحدّة تمحور التعليم على المعلم والمقرر الدراسي مما يعزز الصمت والسلبية لدى التلاميذ. ويشدد فريري على ضرورة توعية التلاميذ بأنفسهم ومقدراتهم ونقلهم من المجال السلبي إلى المجال الفاعل بحيث يستطيع الفرد التعبيرعن نفسه بحرية والتفكير بشكل ناقد.
2- أنسنة التعليم عن بعد
على عكس الفصول الدراسية التقليدية، يستخدم التربويون في التعليم عن بعد تقنية المعلومات بصفتها الوسيلة الوحيدة لتقديم الدروس والمصادر التعليمية. حيث يحل التواصل الافتراضي محل التواصل الفعلي ويفقد المتعلمون التفاعل الحسي والحقيقي، مما قد يؤدي إلى شعورهم بالعزلة وربما إلى فقدان الحافز للتعلم. وانخفاض الدافعية ليس هو التحدي الوحيد الذي يواجهه المعلمون فحسب، بل زيادة استنزاف المتعلمين. و بلغة أخرى يقوم التعليم عن بعد على مبدأ “التعلم في أي زمان ومكان” والذي يزيل العنصر البشري الأساسي والمتأصل في التعلم وهو “التعلم في نفس الوقت وفي نفس المكان”. ونتيجة لهذا، فحين يتم تطبيقه بشكل سيء فإنه سيكون أشبه بعملية آلية بواسطة الروبوت. ولحل هذه المعضلة ينبغي إضفاء الطابع الإنساني على الدروس المصممة إلكترونيا، فيٌنصح المعلم عند قيامه بالتدريس عبر الإنترنت التأكد من أن بيئة التعلم ترتكز على الأشخاص أو كما يقال “مؤنسنة” (هانسن & بريانت، 2005).
3- لماذا أنسنة التعليم عن بعد ؟
عادة عند الحديث عن التعليم عن بعد تدور المناقشات حول مشاركة الطلاب وتحفيزهم وأنشطة التدريس واستراتيجياته واستخدام المنصات التعليمية وتقنيات التعليم المناسبة لتصميم المحتوى التعليمي ونشره، بينما يتم تجاهل نقطة محورية في تصميم المحتوى الإلكتروني والتي تجعل من التجربة التعليمية الإلكترونية ناجحة وهي توصيل العنصر “البشري” إليه. و على النقيض من استخدام التقنية في حياتنا، توظيفها في التعليم يختلف تماما. فالتعليم بطبعه اجتماعي، والدافع نحو التعلم لا ينبع من الفضول فحسب، بل من خلال التواصل الذي يخلقه التفاعل ذو المعنى والترابط والتعاطف والشفقة. ولعل أكبر المعضلات التي واجهها مصممو المقررات الإلكترونية هو نقص العنصر البشري. فعندما تقوم بإعداد وتطوير مواد محتواك الرقمي فإنك تلقائيا تكتب كما لو كنت جهاز كمبيوتر. لذلك فإن نسيان أن جمهورك المستهدف أشخاص حقيقيون قد يؤثر سلبا على فاعلية المقرر الرقمي.
4- كيف نؤنسن التعليم عن بعد
يجب أن ترتكز أنسة التعليم عن بعد على ثلاثة أعمدة:
- الحضور presence
- التعاطف Empathy
- الوعي Awareness
الحضور :
مجموعة من الاستراتيجيات التي تعزز حضور المعلم في المقرر الإلكتروني:
- توافر مقدمة ذاتية للمعلم بداية المقرر الإلكتروني سواء كانت هذه المقدمة عبارة عن فيديو أو رسالة أو صفحة.
- إرسال رسالة أسبوعيا للطلاب من خلال البريد الإلكتروني أو الإعلانات بالإضافة إلى إرسال فيديوهات، وتحديث الصفحة الرئيسية أسبوعيا.
- التفاعل مع الطلاب من خلال منتديات النقاش بطرق مختلفة، مثل إرسال التحايا للطلاب في الأسبوع الأول والثناء على الطلاب وتشجيعهم والرد عليهم.
- إضافة التعليقات والملاحظات في قسم الدرجات وتشجيع الطلاب على اتخاذ الإجراء المناسب حيال هذه الملاحظات مثل مراجعة الكتابة وإعادة الاطلاع على الدرس وإعادة إجراء الاختبار.
- التواصل مع الطلاب بصفتهم مجموعة كاملة، أو عبر مجموعات صغيرة أو فرديا كما تقتضي الحاجة.
- استخدام صور واقعية لأشخاص حقيقيين في أماكن ومواقف حقيقية. وتوظيف الوجوه التعبيرية للتعبير عن المشاعر والقيم التي لا يمكنك التعبير عنها. (من الأفضل استخدام صور مقاربة لتلاميذك).
- تحدّث كإنسان وليس كرجل آلي. انتبه لنغمات صوتك أثناء الحديث. استخدم كلمة نحن وأنت لجعل الجربة شخصية أكثر. تأكد من أن ماتكتبه للتلاميذ واضح تماما.
التعاطف :
لتحفيز التعاطف لدى المتعلمين في التعليم عن بعد ينبغي على المعلم:
- الاعتراف بالضعف “تجربتي في التعليم الإلكتروني جديدة، أرحّب بآرائكم الصادقة والتي تساهم في تطوير هذا المحتوى الإلكتروني حتى نحظى بتجربة تعليمية قيّمة، أنا بشر مثلكم ومعرّض للخطأ لذلك ساعدوني إذا اكتشفتم خطأ ما”
- إنشاء سياسة اتصال واضحة ومعقولة ” أنا إنسان، لذلك لدي حياة بجانب مهمتي التدريسية. سأحاول الرد على أسئلتكم واستفساراتكم خلال 48 ساعة. لا تتوقعون مني الرد في ساعات متأخرة أو قبل عشرين دقيقة من تاريخ تسليم الواجب.
قام فولر (2012) بتلخيص أبرز ثمانية أفكار لبناء التعاطف داخل المقرر الإلكتروني:
- يجب على المعلم في بداية المقرر التعليمي الإلكتروني تزويد الطلاب بملف “خطوات نجاح المقرر التعليمي”
- استخدام غرف النقاش والمحادثات المتزامنة والإعلانات غير المتزامنة والمنشورات عبر البريد الإلكتروني ومنتديات النقاش لتعزيز التعاطف.
- استخدام نغمة تخاطبية بحيث يكون المقرر موجّها للطلاب بطريقة تحقق التفاعل بين المعلم والطالب وليس بين المعلم والمقرر.
- تعزيز التفاعل من خلال التبسيط والتيسير عبر غرف النقاش.
- التعاطف ممارسة: يجب أن يشعر الطالب بأن المعلم موجود بل وأكثر من ذلك. ويتحقق ذلك من خلال لوحات النقاش وجهات الاتصال في البريد الإلكتروني، سواء فردية أو جماعية وعادة ما يفضل الرد في نفس اليوم أو بعد ساعات قليلة من إرسال البريد.
- على المعلم أن يصمم جميع الدروس بشكل موحد بحيث تكون واضحة ومفهومة للطلاب، كما يجب أن تكون الدروس على درجة عالية من الاتساق حتى تكون المفاهيم والتعليمات واضحة وليعتاد الطلاب على تنسيق متسق سهل المتابعة يسمح لهم بالتركيز على المحتوى مستقبلا، وعدم إضاعة الوقت في معرفة ما يجب فعله أو إلى أين يذهبون في نظام إدارة التعلم -داخل الموقع أو المنصة-.
- يجب على المعلم أن يتفحص باستمرار عملية حدوث التعلم وأن الطلاب يفهمون الدروس! و يتم ذلك من خلال فتح الحوار والأسئلة حول أي نقطة مهمة وحيوية في الدرس “التقويم التكويني“.
- يعمل المعلم اتصالا شخصي في بداية المقرر. فمثلا، في المقدمات التمهيدية عندما يقوم الطلاب بتقديم أنفسهم للمعلم من خلال لوحات المناقشة، على المعلم أن يبذل الجهد للرد على مشاركة كل طالب لإنشاء علاقة شخصية إيجابية معهم.
الوعي :
توجد استراتيجيات عديدة لبناء الوعي في مقررات التعليم الإلكتروني ومنها:
- إرسال استبانات للطلاب بداية الفصل الدراسي للسؤال حول ما يمكن للمعلم أن يقوم به لمساعدة الطلاب على اجتياز هذا المقرر بنجاح. بالإضافة إلى سؤالهم حول التحديات الشخصية التي يمكن لها أن تحول دون إنجاز هذا المقرر بنجاح.
- من خلال التقويم التكويني.
- في نهاية كل تقييم ( ملخص، التدريس الشخصي).
المراجع:
Czerkawski, Betül C., & Schmidt, Nicole. (2017). Editorial: Why We Need to Humanize Online Education. Retrieved from https://journals.uair.arizona.edu/index.php/itet/article/view/20121/19752
Ducharme-Hansen, B. A. & Dupin-Bryant, P. A. (2005). Course planning for online adult learners. TechTrends, 49(2), 31-39. doi: 10.1007/BF02773969
Fuller, R. G. (2012). Building empathy in online courses: effective practical approaches. International Journal of Information and Communication Technology Education. 8.4. (October – December 2012): p38
Ladyshewsky, R.K. (2013). Instructor Presence in Online Courses and Student Satisfaction. International Journal for the Scholarship of Teaching and Learning. Volume 7, No. 1, Article 13.
Shitia. (2018). Humanizing Online Learning. Retrieved from http://blogs.oregonstate.edu/inspire/2018/01/09/humanizing-online-learning/
Weobong, Don. (2014). How to Humanize Your Training Materials. Retrieved from https://www.eleapsoftware.com/how-to-humanize-your-training-materials/
اريد مشاركة المقال على صفحتي لكن لا يوجد رابط للنشر
رابط المقال
https://www.new-educ.com/%D8%A3%D9%86%D8%B3%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%B9%D9%86-%D8%A8%D8%B9%D8%AF
تفضل
https://www.new-educ.com/?p=29878
جميل جدا جدا ومفيد واتمنى استمرار التعليم عن بعد لتجديده بالطريقة التي شرحتها سابقًا واستخدام الانسنة في التعليم الالكتروني رائع بالفعل
جزاك الله خير .
شكرًا أستاذة لينا
أسعد بقرائتك المقال ومشاركته التربويين
مقالة جد راپغة و هذا مايسمى بالحل البديل فلل يجب الوقوف هنا بسبب هذا الوباء لا بد من استكمال التعليم و هذه طريقة جيدة و مفيدة.
شكرًا أستاذة آية، وأتمنى فعلا كتربويين أن نصل لتطبيق التعليم عن بعد بنجاح وفاعلية.
مقال اعتبره مرجع لي كمعلمة ، أعجبني جداً طرح الحلول و تقريب هذه المسافة بين الطالب و المعلم فالانتقال من الصف الى التعليم عن بعد يحتاج استعداد و ممارسة ، شكرا لك
شكرا لقرائتك عزيزتي الهنوف
سعدت برأيك وإثرائك، بالفعل تجربتنا حديثة في التعليم عن بعد خاصة في مراحل التعليم العام ومع القراءة والاطلاع والممارسة ستنضج هذه التجربة.