وفي ضوء التطورات التي تشهدها المملكة العربية السعودية في منظومة التعليم، تغيرت النظرة للدور الذي يلعبه المعلمون، فمعلم اليوم هو باني أجيال المستقبل، لذا فهو مطالب بأن يقوم بأدوار تستدعي منه مهارات ومهام تختلف كثيراً عن تلك التي كان يمارسها بالأمس، حيث أنيطت به أدوار جديدة تهدف جميعها إلى تحسين المنتج التربوي وهو المتعلم، وتفعيل دوره في الموقف الصفي وفي تعلمه، وعليه أن يمارس مهامه بفعالية وتمكن في ظل المناهج المطورة التي تتطلب أن يكون هناك توازن بينها من جهة وبين تنمية أداء المعلم من جهة أخرى، لأن التركيز على تطوير المناهج لا يمكن أن يحقق أهداف العملية التعليمية، ما لم يتوفر لدينا المعلم الكفء. فإذا كنا نحاول جاهدين أن نرتقي بالممارسات التربوية التي تسعى إلى تحقيق الأهداف المتفق عليها فإن ذلك يدعو بحق إلى الاهتمام بأهم مدخل من مداخل منظومة العمل التربوي والذي تتوقف عليه بشكل كبير العوائد المأمولة من الجهود التربوية وهو المعلم.
فالمعلم يمثل محور الارتكاز في تحقيق الأهداف التربوية التي يتبناها النظام التعليمي وعلى عاتقه تقع مسؤولية تحويل الأفكار والرؤى التجديدية التي يطرقها القائمون على هذا النظام وواضعوا خططه وراسموا سياسته إلى نواتج تعليمية تتمثل في صورة معارف ومهارات واتجاهات تظهر في سلوك المتعلمين.
وفي ظل هذا الدور الهام والأساسي للمعلم تكون الحاجة ماسة إلى تقويمه بصورة مستمرة بغرض رفع كفاءته وزيادة فاعليته، وتنمية جميع إمكاناته وتشخيص نواحي القوة والضعف لديه، وتحديد الإجراءات العلاجية المناسبة، مما يعين على تحقيق الأهداف في تطوير أداء المعلم إلى أحسن صورة ممكنة. وفي هذا الصدد، سوف تتناول هذه الورقة أهم الاتجاهات الحديثة في تقويم المعلم.
مفهوم تقويم المعلم:
بما أن التقويم يعني إصدار الحكم لتحديد نقاط القوة وتعزيزها، وتعيين الصعوبات التي يواجهها المعلم ومساعدته على تذليلها، فهو عملية مستمرة تلازم التخطيط، وتشمل كل الوظائف الإدارية التي تليه لأنها قائمة على أساس تحسين وتطوير الأداء، وعملية التقويم عملية منهجية ومنظمة ومخططة، تتضمن إصدار الأحكام على السلوك أو الفكر أو الواقع المقاس، وذلك بعد موازنة المواصفات والحقائق لذلك السلوك الذي تم التوصل إليه، وعليه يعرف ربيع والدليمي (2008م) تقويم المعلم بأنه: عملية إصدار الحكم على مدى كفاءته في أداء المهام المنوطة به، بما يحقق أهداف العملية التربوية والتعليمية المنشودة.
بينما عرفاه اللقاني والجمل (2003م) بأنه مراجعة الأداءات الوظيفية التي يقوم بها المعلم، بهدف التعرف على مدى نجاحه في تحقيق الأهداف التعليمية، التي يجب أن يحققها في فترة زمنية معينة، ويهتم في الكشف عن نواحي القوة والضعف في أداء المعلمين ومعرفة الصعوبات والمعوقات التي تواجههم في أداء مهامهم، بهدف تطوير أدائهم للوصول بهم إلى المستوى الذي يساعدهم على تحقيق أهدافهم “.
في حين عرفه الدوسري (2009م) بأنه قدرة المعلم على حل المشكلات التعليمية التعلمية بكفاءة عالية، وعلى تعليم المعلم الصفي ومدى فاعليته، وليس على المعلم نفسه على الرغم من صعوبة فصل شخصية المعلم وسلوكه وأخلاقه عن ممارساته المهنية وتعامله مع طلبته ومع زملائه في البيئة المدرسية. ويلاحظ من التعريفات السابقة أن تقويم أداء المعلم يركز على وجود معايير يتم التقويم على ضوئها، وأنه يتضمن تحديد الكفايات المهنية للمعلم ومن ثم الحكم عليها، فتقويم المعلم يتطلب تعدد الأدوات، وقياس مدى فاعلية المعلم يتم وفقاً لقدرته على تحقيق نواتج التعلم لدى طلابه، حيث ينتج عن تقويم المعلم اتخاذ قرار حول أداءه المهني.
مبررات ودواعي تقويم المعلم:
هناك مجموعة من المبررات العلمية والعملية لتقويم المعلم للوصول إلى تعليم عالي الجودة للطلبة، ولن يأتي إلا من خلال عملية واضحة المعالم والخطوات، تسمح للمعلمين وللمشرفين التربويين بالعمل سوياً والتعاون فيما بينهم. ويمكن تحديد أهم مبررات تقويم التعليم وفق الدوسري (2009م) ومجدولي (2011م) في:
- تحسين وتطوير التعليم الصفي من خلال ترسيخ مبدأ التطوير الذاتي للمعلم، ودعم زملائه المعلمين.
- تطوير نشاطات الهيئة التعليمية بالمدرسة، من خلال تحديد وتقدير مستوى أدائها.
- زيادة مستوى الصدق والمصداقية في عملية انتقاء المعلمين لمهنة التدريس.
- نظام تقويم المعلم المصمم جيداً والفعال في عملياته يكون بمثابة حلقة تواصل بين المدرسة والمعلمين.
- حماية الطلبة من المعلمين غير الأكفاء، من خلال الدعم المنظم للمعلم الضعيف وفق نتائج تقوم فاعلية أدائه الصفي وضمن مؤشرات متعددة تحدد المعلم الضعيف وغير الكفء.
- تأمين قاعدة أساسية من أجل اتخاذ قرارات منطقية حول قضايا الاحتفاظ بالمعلمين أو تحويلهم أو نقلهم أو فصلهم.
- تأمين قاعدة أساسية من أجل اصدار أحكام أكثر تأكداً حول قضايا اختلاف مستويات الأداء في البرامج التعويضية، مثل مخصصات الرواتب، والسلم الوظيفي.
- المساعدة في وضع قواعد سليمة من أجل التخطيط والتطوير المهني للمعلمين.
كما يهدف تقويم المعلم إلى مساعدة المعلمين المبتدئين على النمو المهني، وكذلك مساعدة المعلمين ذوي الخبرة الطويلة على اكتساب المزيد من النمو المهني، وإيضاح مكانة المعلم بين زملائه وعلاقته بالإدارة المدرسية وعلاقته بطلابه وأولياء أمورهم ومدى اندماجه في المدرسة، كذلك تحديد مدى تعاون المعلم مع إدارة المدرسة، ومدى إسهامه في معالجة مشكلات طلابه، بالإضافة لتوفير قاعدة بيانات يمكن استخدامها لأغراض البحث العلمي، ولتطوير برامج إعداد المعلمين وبرامج التدريب أثناء الخدمة.
التوجهات الحديثة في تقويم المعلم:
هناك مجموعة من التوجهات الحديثة في تقويم المعلم، والتي يتوقع أن تسهم إسهاماً فعالاً في تحسين جودة تقويم المعلم إذا ما تم تطبيقها بصورة صحيحة، وذلك بالتضافر مع العوامل الأخرى والمكونات الأساسية التي تشكل بنية البيئة التربوية والفضاء التربوي والإنساني الذي يتحرك في مجاله المعلم ويمكن تلخيص أهم هذه التوجهات كالتالي:
ترسيخ الوظائف الأساسية لتقويم المعلم: من خلال جمع البيانات وحفظ السجلات وصياغة الأحكام وإبراز الممارسات النموذجية للمعلم والمواد والاستراتيجيات الفعالة والتحصيل العالي للطلبة والإعداد الجيد للمعلم والسلوك المهني الاحترافي. فيجب أن تكون الرسالة هنا واضحة للمسؤولين عن تعليم المعلم وإعداده، أي أن ممارسات المعلم الحالية يجب أن ترسخ التحسين والتطوير المستقبلي للمعلم بما يتضمنه من تغذية راجعة ومساءلة تربوية للمعلم ولا تغفل إنجازاته.
تحديد أسباب واضحة وقوية لتقويم المعلم: من الأسباب والمبررات القوية لتقويم المعلم، التأكيد لصانعي القرارات التربوية والوالدين والمجتمع أن تغير النظرة والتوجه نحو تقويم المعلم سيؤدي إلى تقويم أكثر فعالية وسيؤدي بالتالي إلى تحسين أداء المعلم وتحصيل الطلاب وتطوير النظام التربوي برمته حيث سيكون هناك نوع من المساءلة التربوية بشكل منصف وترسيخ مبدأ الثواب والعقاب، وتحسين الوضع المهني للمعلم.
وضع المعلم في مركز عملية التقويم ونشاطاته: من المهم جعل التقويم مهمة يديرها المعلم بنفسه، حيث ينظر المعلم بجدية في واجباته ومسؤولياته التربوية واسهاماته ونواتج أدائه نظرة واعية ومسؤولة ويحاسب نفسه بنفسه قبل أن يحاسبه غيره، فيكون المعلم مسؤولاً عن جمع البيانات وكفاية الأحكام التقويمية واستخدام نتائج التقويم، كذلك من المهم منح الفرصة للمعلمين لتقويم زملائهم المعلمين في المدرسة وخاصة الذين يدرسون نفس المادة.
إشراك أكثر من جهة في تقويم المعلم والحكم على جودة أدائه: من المهم أن تكون الأحكام المتعلقة بجودة أداء المعلم صادرة عن أكثر من جهة وهذه الجهات ممثلة في المعلمين الزملاء ومدير المدرسة والمساعد والمشرف التربوي وكذلك الطلبة.
تضييق نطاق تقويم الإداري المدرسي لأداء المعلم: من الخطأ استبعاد مدير المدرسة أو الوكيل من عملية تقويم المعلم ولكن يجب أن يكون ذلك في أضيق نطاق ممكن، لأنهما على دراية تامة بالمعلم وشخصيته ومشكلاته، فيكون حكمهم على أداء المعلم يشوبه شيء من التحيز (الإيجابي أو السلبي) مما يؤدي إلى بعض الظلم في حق المعلم.
إغناء تقويم المعلم ببيانات حقيقة عن تحصيل الطلاب: فالبيانات الحقيقية لتحصيل الطلاب لا تشمل درجاته الرقمية فقط التي يضعها المعلم، بل يجب أن تتضمن شرحاً تفصيلياً عن جوانب القوة والضعف في أداء الطلبة مع تحديد المعلم لكيفية تعزيز وإثراء جوانب القوة وعلاج جوانب الضعف.
توجيه الوقت والموارد الضرورية لإبراز التعليم الصفي الجيد: إن الوقت المخصص لتقويم المعلم ينحصر في زيارات قصيرة يليها اجتماع قصير بين المعلم والمقوم ثم كتابة تقارير عن نتائج تقويم المعلم، ولكن التقويم الشامل والجاد يتطلب من المعلم أن يصرف جزءا من وقته في التأمل والتمعن في المواقف التعليمية وتحليل بياناتها ومناقشتها ثم الحكم على جودتها، كما يجب توافر الاستشارات الفنية لتحسين جودة التقويم وحفظ بيانات تقويم المعلم في مكان آمن وبطرق حديثة وذات كفاءة.
استخدام نتائج تقويم المعلم في توثيق نجاحه وكفاءته والاعتراف بها: من الغريب في كثير من النظم التربوية أن المعلمين الذين قضوا سنوات طويلة في مهنة التعليم توثق لهم ملفات ضئيلة الحجم لا تشمل الكثير من إنجازاتهم وإبداعاتهم وجوانب النجاح لديهم ومستوى تحصيل طلابهم، ولا تبين جهودهم في تطوير ذواتهم وإسهاماتهم والمؤتمرات التي حضروها والأعمال التي قاموا بإنجازها ذاتياً وتطوعياً، لذلك من المهم إبراز ذلك علنياً أمام الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور وصناع القرار التربوي.
أساليب تقويم المعلم:
تعددت أساليب التقويم المستخدمة في تقويم أداء المعلم لعل من أهمها:
1- مقابلة المعلم: يستخدم هذا الأسلوب عادة في بداية تعيين المعلمين، وتبعاً لهذا الأسلوب يوجه المقوم عدداً من الأسئلة المتنوعة للمعلم، ثم يحلل إجابته عنها، وأسلوب المقابلة في حد ذاته لا يعد دقيقاً، وفعالاً في جميع المعلومات حيث إنها تعتمد بشكل كبير على مهارات الشخص الذي يعهد إليه بالمقابلة.
2- اختبار كفاءة المعلم: وفيه يجيب المعلم عن أسئلة اختبار يقيس الكفاءات الذاتية (الأكاديمية، التدريسية، الاجتماعية) وقد أشارت بعض الكتابات التربوية ذات الصلة بتقويم أداء المعلم إلى أن معامل الارتباط بين نتائج هذا النوع من الاختبارات، وبين نتائج تقويم أداء المعلم تبعاً للأساليب الأخرى يعد ضعيفاً، ويعزى ذلك إلى أنه لا يوجد اختبار يمكنه أن يقيس بكفاءة كل من التزام المعلم المهني اتجاه طلابه، وقابلية المعلم لاتخاذ القرارات السليمة في الوقت المناسب داخل الحصة، والمسؤولية الاجتماعية للمعلم اتجاه طلابه.
3- الملاحظة الصفية: تعد من أكثر أساليب تقويم أداء المعلم شيوعاً، وتشير نتائج الدراسات التي أجريت في مجال إعداد المعلم أن الملاحظة المنظمة التي تستخدم فيها بطاقات الملاحظة تعد من أكثر الأساليب موضوعية لتقويم الأداء التدريسي للمعلم، فهي تتيح ملاحظة سلوكه التدريسي مباشرة داخل حجرة الدراسة، وفي أثناء تعلم الطلاب، حتى يمكن معرفة الجوانب الإيجابية والسلبية في أدائه مما يساعد على تطوير برامج إعداده، وتدريبه في أثناء الخدمة.
4- تحصيل الطلاب: وفيه تستخدم نتائج اختبارات الطلاب التحصيلية كدليل على سلوك المعلم التدريسي مما يساعد على تقويم أدائه، وترى بعض الدراسات التربوية ذات الصلة أن الاختبارات التحصيلية إذا ما طبقت على الطلاب تحت شروط معينة، فإن نتائجها يكون لها ارتباط إيجابي بسلوك المعلم التدريسي داخل حجرة الدراسة، غير أن هذا الأسلوب في تقويم المعلم غير صادق في كثير من الأحيان وذلك لأنه قد يكون لنفس المعلم فصل جميع طلابه متفوقون وفصل آخر طلابه ضعفاء مع أنه يدرس لهم بنفس الأسلوب، أي بسبب اختلاف طبيعة الطلاب وخبراتهم السابقة، وتغير العوامل الاجتماعية والأسرية تتغير استجاباتهم مع المعلم، واختبارات التحصيل ذاتها قد ينقصها في كثير من الأحيان الصدق والموضوعية والثبات، بالإضافة إلى أن تقييم المعلم على أساس تحصيل الطالب – أي نسبة النجاح= يجعله يركز على الطلبة المتوسطين وليس على الأقوياء أو الضعفاء جداً لأنه بمجهود قليل يمكنهم اجتياز الامتحان وتزداد نسبة النجاح التي يقوم المعلم على أساسها (الدوسري، 2009).
وأشار الملحم (2005) إلى أن هذه لطريقة تسمى قياس كفاءة المعلم بالأثر الذي يحدثه في تلاميذه، وبناء على هذه الطريقة في التقويم فإن المعلم يعتبر كفء إذا حقق تدريسه أكبر قدر من النتائج والتغيرات المرغوبة في تلاميذه مع مراعاة عامل الذكاء والقدرات لهؤلاء التلاميذ… وقد وجه العديد من رجالات التربية والتعليم النقد إلى استخدام هذه الطريقة في تقويم المعلمين وذلك أن قدرة المعلمين ومقارنة مجهوداتهم على أساس اختبارات التحصيل لا يمكن الاعتماد عليها خاصة وأن مجموعات التلاميذ ليست متشابهة في القدرات العقلية والظروف البيئية والاقتصادية والاجتماعية ونمو العوامل الوجدانية …الخ مما يؤثر في القدرة على التحصيل لديهم، ثم إن نتائج الامتحانات لا تتأثر فقط بجهود المعلم في التدريس وإنما تؤثر فيها عوامل أخرى اضافية مثل : عادات الاستذكار وتشجيع المعلمين الآخرين والآباء وغيرهم من المحيطين بالتلميذ، بالإضافة إلى عوامل الحفظ والميل للمادة العلمية والصفات المزاجية للتلميذ نفسه.
5- التقويم الذاتي: يُعد هذا الأسلوب أحد أهم المصادر لجمع المعلومات عن أداء المعلم، حيث إن المعلم يكون على وعي بآماله وتطلعاته واهتماماته وإنجازاته والأمور المتعلقة به أكثر من وعي الآخرين بها، ويتطلب التقويم الذاتي محاسبة النفس، واكتشاف الأخطاء، وتقدير العواقب والنتائج، والتخطيط لعمل أفضل، كما يتطلب هذا الأسلوب من التقويم أيضاً نضجاً عقلياً ونفسياً واجتماعياً.
6- تقديرات الطلاب: وفيه تستخدم تقديرات الطلاب في تقويم أداء معلميهم من خلال تطبيق بعض استطلاعات الرأي عن طريق الاستبيانات المفتوحة، أو المقيدة.
7- تقويم الزملاء: تبعاً لهذا الأسلوب، يقوم زملاء العمل من المعلمين بملاحظة أداء بعضهم البعض من حيث فحص خطة الدرس، ومتابعة المهارات التدريسية في أثناء الحصة، وأساليب المعلم مع طلابه، ويعد أسلوب نقد الزملاء من أكثر أساليب التقويم نفعاً، لأنه يكشف مجالا واسعاً من أنشطة التعليم التي يتبعها المعلم، ولابد لدى اتباع هذا الأسلوب في تقويم المعلم من قبل زملائه احترام مشاعر المعلم والتعاون معه والاحتفاظ بأسراره.
8- التقويم في ضوء المعلم كباحث: بحيث يقوم المعلمون بعمليات البحث في ممارستهم، وأداء زملائهم ومحاولة اكتشاف النواتج عن تأثير أدائهم داخل الفصل ثم يجمعون تلك البيانات والمعلومات ويحللونها لتوفير الدلائل الكمية أو النوعية على حدوث تقدم في تحصيل الطلاب. وفي إطار الدعوة إلى تمهين التدريس فالمعلم باحث لابد أن تتوافر لديه مجموعة من المعارف الأكاديمية والتربوية المتخصصة ومهارات مهنية وبحثية بالإضافة إلى معرفة إجرائية وكيفية عن القيام بعمله المدرسي كمهنة بالإضافة إلى مسؤوليته عن الالتزام بمستويات الأداء المهني واختيار الأفعال المناسبة في ظل المواقف التعليمية المتغيرة.
9- التقويم في ضوء التقويم الشامل للمدرسة: تقويم المعلم باعتباره جزء من التقويم الشامل لمنظومة المدرسة. وهذا يتطلب إعادة النظر في العلاقة بين المدرسة وإدارة التعليم وأولياء الأمور والطلاب، كما يتطلب توفير آليه تقوم في الأساس على تطوير نظم جديدة في تقويم المدارس كوحدات أو مؤسسات متكاملة العناصر، وما تقوم به بعض مؤسسات التعليم العالي في مجال الاعتماد الأكاديمي يعد أنموذج لهذا الاتجاه، وتقوم عملية التقويم في ضوء هذا الاتجاه على لجان خارجية تقوم بزيارة المؤسسة التعليمية والاتفاق معها على عدد من الإجراءات والمعايير التي ستبنى عليها تقارير التقويم، ويشمل هذا التقويم كافة جوانب أداء المؤسسة التعليمية بما في ذلك من تجهيزات ومرافق ومعامل ومعلمين وطلاب وخدمات مجتمعية وأبحاث وغيرها ويمنح الاعتماد بناء على مدى وفاء المؤسسة التعليمية بالمعايير التي تم وضعها.
10- تقويم المعلم من خلال بناء الأهداف التعليمية: من المهم التأكيد أن بناء الأهداف التعليمية على مستوى الصف والمدرسة يجب ألا يستبعد الملاحظة والمشاهدة الصفية لأداء المعلم، أو استخدامها كمصدر وحيد لتقويم فاعلية أداء المعلم. ويتم ذلك التقويم من خلال اتباع الخطوات التالية: تحديد هدف واضح ومحدد وقابل للقياس، انتقاء استراتيجيات تقييم منسجمة مع الأهداف كجمع البيانات قبل وبعد التعليم الصفي، واستخدام مقاييس متعددة لتعلم الطلاب ولتحليل نتائجهم والتحقق منها. ومن ثم المراجعة النهائية آخر العام الدراسي كإجراء تعديلات ملائمة للتعليم الصفي وتوزيع الطلبة حسب مستوياتهم التعليمية.
كما يجب أن تشمل الأهداف التعليمية معلومات عن المعلم ( المقررات، المستوى الصفي الذي يدرسه، المدرسة ) ومعلومات أساسية عن الطالب ( درجات الطالب في الاختبارات القبلية والبعدية، سجل الحضور، الطلبة المتفوقون الذين يحتاجون رعاية خاصة) وبيان عن أهداف المعلم التي تتضمن النتائج التحصيلية التي يرغب تحقيقها لطلبته، والاستراتيجيات التي تحقق تلك الأهداف، وتقارير عن مدى التقدم الدراسي للطلبة، وملخص للإنجازات التي حققها المعلم في نهاية العام الدراسي ( الدوسري، 2009، 171).
11- ملفات الأعمال المهنية: تعتبر من الطرق الفعالة في تقويم كفاءة التدريس من منظور شمولي وتسمى نظام ( portfolio) وهي ليست مجرد حوافظ أو تجميعات من المشروعات والتقارير والصحائف التي تصمم لإرضاء شخص ما أو إبهاره، وإنما ينبغي أن تنظم هذه الملفات استناداً إلى مستويات ونواتج تعليمية ذات قيمة وظيفية، بحيث تقدم أدلة قائمة على الأداء وتبرهن على اكتساب المعارف والمهارات والاتجاهات المتعلقة بالكفاءات المهنية للمعلم.
12- الممارسة التأملية: وتعني التفكير في الموقف التعليمي قبل تنفيذه وفي مختلف مكوناته وفي الأداء المترقب، وتخطيط مسبق لهذا الموقف ثم تنفيذه ثم معاودة التأمل والتفكير أثناء التنفيذ وأثر التنفيذ من أجل الوقوف على التباين الذي يمكن أن يحدث بين الأهداف وما تحقق منها بالفعل على اعتبار أن التباين مشكلة مهنية يتعين تشخيصها للخروج بتصور لطريقة التعامل معها، وتحث الممارسة المتأملة على التفكير الناقد وتوليد الحلول للمشاكل التي تواجه المعلم أثناء تدريسه (هارون، 2013).
13- تقويم المعلم القائم على اختبارات الورقة والقلم: يتم عن طريق اختبار المعلمين من خلال اختبارات متخصصة في موضوع تخصصهم وفي مجال طرق وأساليب التدريس العامة، حيث يلجأ إلى هذا المنحى عند ترخيص المعلمين لمزاولة مهنة التدريس أو إعادة تجديد ترخيصهم، وهو يمكن من الوقوف على تمكن المعلم من موضوع تخصصه وأساليب التدريس الخاصة به.
14- تقويم المعلم المعتمد على أنماط التفاعل الصفي: وتتم أثناء العملية التعليمية ذاتها، والتي تنجم عن تفاعل أنماط السلوك التعليمي للمعلم مع أنماط السلوك التعلمي للطالب، وتتضح أنماط سلوك المعلم من خلال الطرق التي يتبعها في شرح المادة الدراسية، وإثارة الأسئلة، وإدارة الحوار والمناقشة داخل الصف كما تتضح من خلال الأساليب التي يزاولها في إرشاد الطلاب وتزويدهم بالتغذية الراجعة وتقويم نتاجاتها، أما الأنماط السلوكية للمتعلم فتتجلى من خلال طرق استجابته للنظام، تركيز الانتباه، بذل الجهد والمثابرة، والقيام بالتجارب والممارسات العملية، وأساليب إدارة الحوار والمناقشات. ولتقويم فعالية المعلم ونجاح التعليم في ضوء هذا المحك، يتم استخدام أساليب الملاحظة المباشرة للوقوف على الأنماط السلوكية للمعلم والمتعلم والتي يمارسها كل منهما أثناء عملية التعليم والتعلم، بحيث تتم ملاحظة هذه الأنماط ووصفها وتسجيلها وتفسيرها للحكم على فعالية التعليم في ضوء ما يجري داخل الصف.
15- تقويم المعلم في ضوء المعايير المهنية: سعت الوزارة ممثلة في مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام، إلى تطوير معايير مهنية جديدة لتحديد ما يفترض أن يتمكن منه المعلم المبتدئ ليكون قادراً على تدريس تخصصه في مراحل التعليم العام بكل كفاءة واقتدار حيث يتم تقويم أداء المعلم في ضوء هذه المعايير. وتتكون المعايير المهنية الوطنية للمعلمين من جزء عام يشترك فيه جميع معلمي التخصصات وجزء خاص متعلق بالتخصص، وتشمل المعايير المشتركة على أحد عشر معياراً، فيما تشتمل المعايير التخصصية على معيار واحد يتناول بنية التخصص وطرق تدريسه (هيئة تقويم التعليم، 2017).
مشكلات تقويم المعلم:
أشارت بعض الكتابات التربوية ذات الصلة بموضوع تقويم أداء المعلم إلى وجود مجموعة من المشاكل التي تعتري هذه العملية وتعيقها في كثير من الأحيان عن تحقيق أهدافها المطلوبة، وتتمثل أبرز هذه المشاكل في أننا نقّوم أداء المعلم في ضوء معايير سلوكية محددة سلفاً لتحكم بها على مدى امتلاكه لمهارات تدريسية معينة أو مدى توظيفه لها بصورة سليمة في أثناء الموقف التعليمي، وهذا غير منطقي حيث أن المعلمين الأكفاء المبتكرين من الممكن أن يتعاملوا مع الموقف التعليمي بأساليب غير تقليدية لا يمكن التنبؤ بها ولا تفسيرها ولا تخضع في بعض الأحيان لتلك المعايير السلوكية، وذكر (ربيع والدليمي، 2008م) أنه يمكن تلخيص مشكلات تقويم أداء المعلم في خمس نقاط رئيسة وهي:
1- غياب الهدف من التقويم أي ما الذي نريد تقويمه بالتحديد في المعلم، هل نقوم طريقته في التدريس؟ أم أسلوبه في إعطاء المادة؟ أو مدى قدرته على الاستخدام الأمثل للوسيلة التعليمية؟ أم أننا نريد تقويم كل هذه الأمور إضافة إلى أمور أخرى متعلقة بشخصية المعلم؟ إن غياب هذا الهدف يخلق في كثير من الأحيان مشكلة أمام عملية التقويم الصحيحة للمعلم.
2- اختلاف أيدولوجيات التقويم حيث أن اختلاف أيديولوجية وفكر من يقوم بعملية تقويم المعلم قد تخلق هي الأخرى مشكلة أمام عملية تقويم المعلم بالشكل الصحيح، فما يراه أحد المقومين ضروريا ولازماً من أمور تخص المعلم، قد يراه آخر أمراً عادياً، مما يؤدي إلى اختلاف في عملية تقويم المعلم.
3- قلة خبرة المقومين قد تكون هي الأخرى سبباً في كثير من الأحيان بعدم الوصول إلى أحكام موضوعية فيما يخص عملية تقويم المعلم.
4- المسؤولية عن التقويم تعتبر من أهم المشاكل التي تواجه عملية تقويم المعلم أي من هو المسؤول الحقيقي عن عملية تقويم المعلم؟ هل هو مدير المدرسة؟ أم المشرف التربوي؟ أم الطالب؟ أم زملاؤه من نفس المهنة؟…الخ، إن هذا الاختلاف يخلق في كثير من الأحيان مشكلة أمام تقويم المعلم.
5- وقوع المقوم في الأخطاء التي تؤثر على القياس الكمي الدقيق لأداء المعلم مما يتعذر في ضوئها إصدار حكم موضوعي عن أداء المعلم.
توصيات لتطوير تقويم المعلم:
- إجراء دورات تدريبية للأفراد المعنيين بتقويم الأداء الوظيفي للمعلم.
- اطلاع المعلم على آليات وأساليب تقويمه منذ بداية استلامه للعمل.
- تهيئة الظروف المدرسية المناسبة التي تساعد المعلم على القيام بعمله على أكمل وجه.
- وضع نظام فعال للحوافز المادية والمعنوية يرتبط بنتائج تقويم أداء المعلم.
- تعديل النظرة إلى تقويم أداء المعلم والتأكيد على أنه لا يستهدف تحديد نقاط القوة والضعف في أدائه من أجل المحاسبة فقط، وإنما بهدف التطوير، كما أنه يستهدف تحديد وتحليل أي مشكلات وظيفية والعمل على حلها، فضلاً عن تحديد الاحتياجات التدريبية للمعلمين.
- الحرص على دقة المعلومات وتكاملها وموضوعيتها حيث يعتبر ذلك محددا أساسيا لنجاح عملية تقويم المعلم.
- ضرورة وجود أكثر من نموذج لتقويم أداء المعلم، حيث يجب تصميمها في ضوء خصائص ومهام ومسؤوليات المعلم وعدم الاعتماد على نموذج أو طريقة واحدة فقط للحكم على أدائه لما قد يحصل من بخس في حقه.
المراجع:
الدليمي، طارق و ربيع هادي. ( 2009) . معلم القرن الحادي والعشرين أسس إعداده وتأهيله. عمان: مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع.
الدوسري، راشد. (2009 ) . تقويم المعلم مقاربات جديدة وأساليب حديثة. دمشق: دار كيوان لطباعة والنشر والتوزيع.
ضحاوي، بيومي و حسين، سلامة. (2009 ) . التنمية المهنية للمعلمين مدخل جديد نحو إصلاح التعليم. القاهرة: دار الفكر العربي.
الطعاني، حسن. (2005). الاشراف التربوي مفاهيمه وأهدافه وأسسه وأساليبه. عمان
كوجك، كوثلا حسين. (2012). البورتفوليو في التعليم والتعلم رؤيا شاملة. القاهرة: عالم الكتاب للنشر والتوزيع
مجدولي، جمانا عيسى. (2011). أنموذج مقترح لتقويم أداء المعلم في المدارس الأردنية. رسالة دكتوراه. الجامعة الأردنية، كلية الدراسات العليا: عمان
ملحم، سامي محمد. (2005). القياس والتقويم في التربية وعلم النفس. ط3. عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع
هارون، منيرة محمد. (2013). درجة ممارسة المشرفين التربويين لدورهم في تقويم أداء معلمي المرحلة الثانوية في محافظات غزة وسبل تفعيلها. رسالة ماجستير، كلية التربية، الجامعة الإسلامية، غزة.