يقصد بالإدارة الاستراتيجية إيجاد وتطبيق استراتيجية استجابة لأحداث المستقبل المتوقعة، والاتجاهات في العالم الخارجي، والإدارة الاستراتيجية تتعلق باتخاذ قرار حول كيفية التطبيق والتخطيط، وتتألف من التحليل، واتخاذ القرار، والتطبيق، والتقييم. فالقرارات الاستراتيجية تتعلق بـالنظرة الشاملة لأنشطة المنظمة، واتجاه المنظمة طويل المدى، وكذلك ملائمة أنشطتها للبيئة.
وأما البيئة فيقصد بها جميع المؤثرات من خارج المدرسة والتي يمكن أن تؤثر على مستقبلها، وبالتالي تغطي أكثر من البيئة المادية والاجتماعية. وهي تتضمن إطار القانون الذي يؤثر على المؤسسات التعليمية ويتضمن الضغوطات (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتكنولوجية)، كما على المدارس أن تتأقلم مع الاحتياجات القومية الواسعة، واحتياجات المجتمع المحلي.
أ- أهمية الإدارة الإستراتيجية
لعل الاعتبار الأكثر أهمية في غالبية المؤسسات هو البقاء لفترة طويلة، ويتبع ذلك النجاح طويل وقصير الأمد، ويمكن القول بوضوح أكثر: دون تعلم مهارات الإدارة الاستراتيجية والتخطيط العملي، فإن الرؤساء يجدون أنفسهم منخرطين فقط في إدارة الأزمات Jones, 1987)). والمدارس بحاجة إلى إدارة استراتيجية أكثر في أي وقت مضى، ليس فقط للبقاء رغم كون البقاء هو الاهتمام الأول، وبما أن النجاح يمكن أن يأتي بصور عديدة، فإن الاستراتيجية تتضمن فحص الإمكانيات المتاحة، واختيار أيها قد يكون الأكثر نجاحاً وفق الظروف الحالية، والمتنبأ بها في المستقبل.
يرى سيرت ومارشز (Cyert & Marchs, 1963) أن إدارة الأعمال في المدرسة، لها كثير من التشعبات والعلاقات والأفراد العاملين ضمنها، سواء داخلياً أو خارجياً، كما تبين أن هناك منظمات تهتم بتقليل التعقيدات من خلال التفاعل مع الأحداث والمستجدات، أكثر من محاولة توقعها، بل العمل على استباق حدوثها. هذا والإدارة الاستراتيجية في مجال الأعمال لها الانتشار الواسع والشامل، وربما هي اليوم في المدارس، في وضع مشابه لمنظمات الأعمال في نهاية الخمسينيات (1950).
قبل إصلاح التعليم كانت الملاحظة بأن بعض المديرين في المدارس المصغرة، يقومون بنشاطات تهدف إلى تغيير البيئة التي تعمل فيها المدرسة، وقد واجهوا كثيراً من الصعوبات والمعيقات، التي تحد من قدرتهم على التغيير، وكان التفكير بأن هناك رفضاً واضحاً للظروف الموجودة، ومحاولة لتغييرها، وكان الأمر بحاجة لكثير من العلاقات المتينة والقوية الداعمة، بالإضافة للدعم الداخلي والخارجي، والقدرات القيادية والتخطيط الاستراتيجي المصاحب.
لذلك كان لا بد من التخطيط الاستراتيجي للمديرين على مستوى المدرسة، وهو ما يحتاج إلى طرق أخرى في التفكير والتصرف. ومنذ وقت ليس بالقصير والمدارس بشكل عام تنخرط في تطوير خطط بشتى الأشكال والأنواع، وذلك في محاولة منها للبقاء والتطور والتحسين المستمر، ناهيك عن اكتساب الخبرات في موضوعات متنوعة أصبحت ضرورة ملحة، مثل تدقيق الحسابات، وبناء الخطط، وتنفيذ خطط محكمة لإجراء تطورات وتقييمات هدفها تمكين المدارس والعاملين فيها، ولكن تبقى بعض المدارس غير مهتمة، ولا تأخذ موضوع التخطيط الاستراتيجي بشكل جدي.
ب- الفرق بين التخطيط الاستراتيجي والتخطيط السنوي
هناك العديد من الاختلافات بين التخطيط لتطوير المدرسة، والتخطيط الاستراتيجي كما يراه فيدلر وآخرون(Fidler et al., 1991). وأكثر المظاهر الرئيسية التي تميز بينهما هي:
- التحقق من أهداف المدرسة.
- التحقق من الموقف الاستراتيجي للمدرسة.
- فهم تأثيرات البيئة.
- دمج الرؤية بما ستكون عليه المؤسسة في المستقبل.
- الخطط على المدى البعيد.
كما أن هناك فروقاً فردية هامة، و ربما يكون الفرق الأكبر أن الإدارة الاستراتيجية استباقية، استشرافية، قبل أن يحصل الحدث القادم. وهذا يبدو ظاهراً في أمرين:
الأول: الخطة الاستراتيجية لا تنتظر حتى يفرض التغيير من الخارج.
الثاني: لا تفترض الإدارة الاستراتيجية أن العالم الخارجي ثابت، ولكنها تسعى إلى أن تؤثر فيه وأن تهذبه، إذ من الأفضل أن يكون التفاعل مع العالم الخارجي ذا اتجاهين من أن يكون باتجاه واحد.
كما أن الإدارة الاستراتيجية هامة لتأكيد النجاح لأنها مفتاح للعمليات المدرسية الأخرى، وهي الخريطة التي توضح وتنظم القرارات الأخرى حول موضوعات مثل:
- المنهاج.
- التوظيف- المواعيد والتطور.
- الموارد.
- التسويق والعلاقات العامة.
ج- الاستراتيجية والتغيير الاستراتيجي
إن التغيير في البيئة قد يحتاج إلى منظمة تقوم بما هو أكثر من تغيير صغير، من أجل أن تبقى قادرة على مجاراة الحاضر والمستقبل. وقد قام مينتزبيرغ Mintzberg في دراسة تاريخية بتعريف أربعة أنماط من التغيير الاستراتيجي، الاستمراري، والمتنامي، والمتدفق، والعالمي أو التحويلي.
أما التفتيش الدوري من قبل “OFSTED” فقد أكد بأن المدارس التي تعاني من الفشل، تتطلب بالضرورة تغييراً تحويلياً، وأن هناك اتجاهين للتغيير الاستراتيجي هما (التغيير التراكمي Incremental Change، والتغيير الراديكالي Radical Change or Global Change).
1- التغيير المتنامي (التراكمي) المنطقي
التغييرات يمكن تخطيطها وتنفيذها بسهولة إذا كانت صغيرة، وغير سريعة، ويمكن أن يكون ذلك مناسباً إذا كانت البيئة تتغير بشكل بطيء، مع تجاوب صغير من المنظمة مع كل تغيير بسيط من البيئة. أما التغييرات الكبيرة فيمكن إنجازها بنفس الطريقة، ولكن على المدى الطويل، وفي هذه الحالة إذا كان التغيير أكبر في البيئة، يمكن أن تكون هناك توقعات لبداية تغييرات في المنظمة، وبشكل علني وصريح للحافظ على مظهر التغيير الناتج والواضح في المنظمة.
و عرف كوين (1980 (Quinn, عملية التغيير المتنامي في المؤسسة، والتي سماها التراكمي المنطقي، بأنها العملية التي تقوم المؤسسة من خلالها بعدد من التغييرات الاستكشافية مع تقييم تأثيراتها. ويرى أن بعض تلك التغييرات سيكون ناجحاً، بينما البعض الآخر لن يتكرر لأنه أقل نجاحاً. وهذا له ميزتان:
الأولى: إذا كانت اتجاهات البيئة قد حددت بدقة فإن تلك التغييرات ستكون ناجحة بشكل رئيس.
الثانية: إذا كانت اتجاهات البيئة قد حددت بدقة أقل، ستكون التغييرات الداخلية أقل وضوحاً، ولكن يمكن قياس تأثيراتها بشكل طفيف، مع تطلع إلى نجاح أكثر، ومحاولة التعرف على تأثيراتها المتوقعة مستقبلاً، ولأجل تحقيق نتائج التغيير التراكمي المنطقي، فإن هناك حاجة إلى درجة عالية من التخطيط وفهم التقييم.
2- التغيير الجذري (الراديكالي)
يعتبر أكثر صعوبة في الممارسة من التغيير التراكمي، وفي صياغة مفهومه، وتوفير آليات ملائمة لتنفيذه، وهو يشبه (سلق الضفدع) ببطء، لأن وضعه في ماء حار مباشرة سوف يقفز الضفدع، لكن وضعه ورفع الحرارة بين فترة وأخرى هو الأفضل. في هذه الحالة التغيير الراديكالي (الجذري) يمكن تجنبه من خلال القيام تغييرات جديدة إضافية، لذلك فإن أفضل مشورة يمكن قولها، أن الشخص يجب ألا يبدأ بالتفكير بالتغيير الجذري (الراديكالي) بل يكون الحل النهائي.
ولعل الحالة الأصعب هي اقتراح بدائل عندما يكون هناك تغيير مفاجئ وغير متوقع في البيئة. والتغيير الراديكالي (الجذري) سواء تم التنبؤ به في وقت مبكر أو لم يكن بالإمكان التنبؤ به، فهو يشكل تحدياً حول آلية وكيفية تحقيقه.
المرجع
Fidler, B. (1996). Strategic planning for school improvement. London: Pitman.