هذا المقال هو الجزء الثالث من سلسلة مقالات للدكتور أيمن أصلان تُنشر حصريا على صفحات الموقع. يمكنكم الاطلاع على المقال الثاني من هنا: أقوى استراتيجية من أصل (138) ممارسة.
مستويات التعلم الثلاثة:
يأتي هذا المقال ضمن سلسلة مقالات عن التغذية الراجعة. لقد تطور مفهوم التعلم وأصبح أعمق بكثير من مجرد القراءة والاطلاع، حيث وُضعت فيه نظريات، وتم تقسيمه إلى عدة مجالات ومستويات، وليس المجال هنا مجال تفصيل عن مستويات التعلم، وإنما سنشير إليها إشارة سريعة بما يلقي الضوء على علاقة التغذية الراجعة، وكيفية تأثيرها على أداء المعلم. وفيما يلي ثلاثة مستويات، اجتَهدتُ في اشتقاق مسمى لكل واحدٍ منها بما أراه مناسبًا مع ما يشير إليه؛ وقد تم تفصيل ذلك في كتابي التغذية الراجعة الفعالة نموذج المثل النابض.
المستوى الأول: مستوى التعلم القائم على الإجراءات
حيث يقارن المعلم أداءه أو أداء طلابه بمعايير أو محكات محددة وواضحة، تم إقرارها أو اعتمادها من المعلم نفسه، أو من جهة تشرف عليه وتديره، أو من أي جهة صاحبة الصلاحية والخبرة في ذلك.
مثال:
يسعى المعلم (س) إلى تمكين طلابه من فهم موضوع التعلم الذي يقوم بتدريسه، والقدرة على القيام بعمل ما باستخدام هذا الفهم، وقد قام بتطبيق إستراتيجيات تدريسية جديدة، وتنفيذ أنشطة تعليم وتعلم لم يمارسها من قبل. وبعد القيام بتدريس موضوع التعلم المستهدف قام بتقييم مستوى التعلم في المعارف والمهارات المستهدفة وقارنها مع المستوى الذي خطط له وسعى إليه.
وعندئذ سيكون المعلم أمام حالتين:
- إذا كانت النتائج متطابقة مع المستهدف، فإن ذلك يعني حدوث التعلم، حيث يتعلم المعلم أن إستراتيجيات التدريس وأنشطة التعليم والتعلم التي نفذها مع هؤلاء الطلاب ناجحة، ويجب تكرارها في الدروس المشابهة مع الطلاب أنفسهم.
- إذا كانت النتائج غير متطابقة مع المستهدف، فإن ذلك يعني حدوث التعلم، حيث يتعلم المعلم أن إستراتيجيات التدريس وأنشطة التعليم والتعلم التي نفذها مع هؤلاء الطلاب غير ناجحة، ويجب عدم تكرارها في الدروس المشابهة مع الطلاب أنفسهم، أو إدخال تعديلات عليها ثم التقييم، وهكذا حتى يتعلم المعلم ويصل إلى ما يجب فعله في السياق نفسه مع الطلاب أنفسهم في موضوعات التعلم المشابهة.
المستوى الثاني: التعلم القائم على الافتراضات والقناعات
في مستوى التعلم السابق احتكم المعلم في اتخاذ القرارات التدريسية إلى مجموعة افتراضات وقناعات تقول بإن الأسلوب الأفضل مع الطلاب هو كذا، وقام المعلم – بناءً على تلك الافتراضات والقناعات – بتنفيذ مجموعة من الإستراتيجيات. وعندما قام بتقييم تعلم الطلاب في المعارف والمهارات المستهدفة بعد انتهاء عملية التدريس لم يتمكن الطلاب من التعلمات، رغم قيامه بتكرار المحاولة وإدخال تعديلات على إستراتيجياته التدريسية وإجراءاته التنفيذية لها، هنا يجب على المعلم التفكير خارج إطار افتراضاته ومعتقداته، متهمًا إياها، أو على الأقل يعيد التفكير فيها.
المستوى الثالث: مستوى التعلم القائم على مبادئ مجتمعات التعلم المهني
مجتمع التعلم المهني ليس برنامجًا أو بدعة، أو مجرد لقاء، بل هو طريقة للقيام بالعمل في المدارس، وهذا العمل هو التعلم، وتعمل المجتمعات التعلمية المهنية واضعة في ذهنها هذه القيمة للتعلم، فهي تفترض أن المفتاح لتحسين تعلم الطلاب هو التعلم المستمر للتربويين، فمجتمع التعلمي المهني هو “عملية مستمرة يعمل فيها التربويون بشكل تآزري في دورات متكررة من التقصّي الجماعي والبحث الإجرائي؛ لتحصيل نتائج أفضل للطلاب الذين يعلمونهم” (DuFour et al., 2010: 4).
في مجتمعات التعلم المهني يتحمل المعلمون مسؤولية جماعية تجاه تعلم جميع الطلاب بدلًا من النظر إلى دورهم وكأنهم مسؤولون فقط عن تعليم الطلاب الذين هم في صفوفهم، ونتيجة لهذه المسؤولية الجماعية فإن الطريق لتحقيق مستويات عالية من التعلم لا يتحقق من خلال أفعال عشوائية من التحسين الذي يطبق في بيئة منعزلة من قِبَل معلمين فرادى، بل من خلال تطويرات ممنهجة تُحسِّن تعلّم جميع الطلاب.
وفي مجتمع التعلم المهني تسود ثقافة التآزر، حيث يوجد التزام جماعي تجاه جميع الطلاب في المدرسة، حيث يزول الخط التقليدي الذي يقسم “طلابك” مقابل “طلابي” لصالح ثقافة “طلابنا”، وتكون الفِرَق مسؤولة عن تعلم جميع الطلاب؛ وللوصول إلى هذه النتيجة توجه جهود كل فرد في الاتجاه نفسه لتحقيق هذه الغاية، فمن المستحيل على المعلمين الذين يعملون بشكل منعزل ضمان مستويات عالية من التعلم لجميع الطلاب، فهي مهمة عظيمة جداً وتحتاج إلى مزيد من الخبرة والمعرفة التي قد لا تتوفر لدى كل المعلمين، فليس كل المعلمين مسلحين بكل المعرفة أو الطاقة لتحقيق ذلك الهدف بمفردهم.
وهذا هو أعلى مستوى من مستويات التعلم الجماعي التشاركي (التقصي الجماعي)، حيث تعتبر جميع التجارب التي يمر بها المعلم مستودع خبرات، ليس له بمفرده، بل لجميع معلمي التخصص نفسه بصفة خاصة، ومعلمي المدرسة كلها بصفة عامة، بل معلمي العالم في ظل السماوات المفتوحة والتواصل اللامحدود.
في حالة المعلم (س) الذي جرب التغيير على مستوى الإجراءات ولم تفلح معه في بعض الحالات، ثم ذهب إلى افتراضاته فتعرض لها ووضعها تحت النقد محاولًا البحث عن أفضل منها أو تغييرها، إلا إنه ما زال لم يحقق ما يرجوه، هنا يجب الانتقال إلى مجتمع التعلم، وعرض المشكلة على فرق مجتمعات التعلم المهني داخل المدرسة، أو على مستوى المنطقة، أو أوسع من ذلك، من خلال المنتديات التخصصية المهنية.
المرجع:
أصلان، أيمن محمد (2021). التغذية الراجعة الفعالة نموذج المثلث النابض، الرياض