يندرج هذا الموضوع في إطار التعاون بين مدونة تعليم جديد والكاتبة ليلى جبارة، وهو الخامس من سلسلة “حكايات كما يجب أن تروى“. تُنشر حصريا على صفحات الموقع. يمكنكم قراءة المقال التقديمي للسلسلة من هنا، و الحكاية الأولى من هنا، و الحكاية الثانية من هنا. والحكاية الثالثة: الجزء الأول من هنا، الجزء الثاني من هنا، والجزء الثالث من هنا. و الحكاية الرابعة من هنا. و الحكاية الخامسة-الرحلة الأولى من هنا. و الرحلة الثانية من هنا. و الرحلة الثالثة من هنا. و الرحلة الرابعة من هنا، والرحلة الخامسة من هنا، والرحلة السادسة من هنا.
بعدما أنهى السندباد تدوين رحلاته وذكر كل ما مر معه من أهوال وخاضه من مغامرات، قرر الاستقرار وعدم السفر مجددا وآثر البقاء في دياره والابتعاد على ركوب موج البحر، وبقي يتاجر في مدينته وجنى أرباحا كثيرة ونسي تماما حياة الترحال والمخاطرة إلى أن جاءه مرسال من عند الخليفة هارون الرشيد يطلب منه الحضور إلى القصر الملكي، فذهب السندباد للقاء الخليفة الذي رحب به ودعاه للغذاء معه. وبعد حديث وسمر أخبره الخليفة أنه بعدما اطلع علماء مجلسه على ما دونه تعرفوا على آخر مدينة مر بها وأكدوا أنها تقع في جزيرة كبيرة في المحيط الهندي جنوب الهند، يُطلق عليها اسم جزيرة سرنديب، وتعرف أيضا باسم سيلان، ويتكلم سكانها عدة لغات والقليل منهم فقط من يتكلم العربية.
طلب الخليفة من السندباد أن يحمل لملك سرنديب رسالة وهدية، فاعتذر السندباد قائلا: ” يا أمير المؤمنين، منكم الأمر وعلي الطاعة، ومستعد لخدمتكم في كل وقت، ولكني التمس منكم العذر لما خضعت له من مخاطر وما عانيته من مآس في أسفاري وأنني قررت عدم مغادرة بغداد، فقد تقدم بي العمر ولم أعد ذاك الشاب المقدام المغامر”.
ولكن الخليفة أصر على أن السندباد هو من يقوم بهذه الرحلة من أجله وكرد نبيل على صنيع الملك معه وطلبه التحالف مع بلده، فلم يجد السندباد إلا الموافقة وتعهد الخليفة بتحمل نفقات الرحلة كاملة، وما هي إلا أيام حتى اكتمل تجهيز سفينة فخمة بطاقم بحارة ومؤونة وكان السندباد هو قائد الرحلة، ومن لطف الله به أن كانت الظروف الجوية مواتية فأبحروا في سلام حتى وصلوا إلى جزيرة سرنديب لتسليم الخطاب والهدية إلى الملك الذي لم يصدق خبر عودة السندباد إلى أن رآه فسعد أيما سعادة برؤيته مجددا، وامتن الملك للغاية برد الخليفة هارون الرشيد عليه وأمر بإحضار هدايا كثيرة ونفيسة وأرسلها له تعبيرا عن تقديره، كما أجزل العطاء للسندباد وكل مرافقيه. وبعدما أقاموا في كرم وعز بضعة أيام غادروا الجزيرة باتجاه مدينتهم ولكن في طريق العودة اعترضت سبيلهم سفينة قراصنة وهاجمتهم بشراسة واستولت على سفينتهم ومتاعهم رغم مقاومة السندباد وطاقمه بل منهم من دفع حياته ثمنا لهذه المواجهة، أما السندباد فقد رأى القراصنة أنه نبيل ويظهر أنه من علية القوم ويمكن جني مال وفير من ورائه، فحملوه وباعوه لتاجر ثري أخذه معه إلى منزله ، وعامله معاملة حسنة رغم أنه من العبيد وبعد أيام سأله التاجر عن خبره، فأعلمه السندباد أنه تاجر غني من بغداد والقراصنة أسروه وباعوه وحرموه من كل ما يملك وحتى حريته، فسأله التاجر الذي اشتراه:” قل لي يا سندباد، هل تستطيع حمل قوس وسهام والتصويب بدقة ؟” ، فرد عليه موضحا: ” سيدي، أنا تاجر أفهم بالبيع والشراء وجودة السلع وأثمانها ولا أفقه شيئا في أمور الصيد، اللهم إلا صيد البحر”.
فقال الرجل:” لا بأس الأمر ليس صعبا ويظهر أنك نبيه فطن يمكنك أن تتعلم بسرعة، والآن هيا معي.”
اصطحب الرجل السندباد إلى غابة كثيفة ووقفا عند شجرة عملاقة، ثم طلب من السندباد أن يتسلق هذه الشجرة وأن يطلق السهام على أي فيلة يراها تمر من هذه المنطقة ليأخذ منها العاج ويبيعه، وترك الرجل للسندباد طعاما وشرابا وغادر عائدا إلى المدينة، على أن يلحق به فور إنجاز المهمة.
ظل السندباد على الشجرة يوما وليلة ولم ير أثرا للفيلة، ولكن في صباح اليوم التالي رأى عددا كبيرا منها، وبمجرد أن اقتربت أراد أن يطلق عليها السهام ولكنه تراجع وصوب نحو الأرض لأنه رأى فيلة صغيرة مع أمهاتها فأشفق عليها، فهربت جميعها ولم تظهر لثلاثة أيام وفي اليوم الرابع بينما كان نائما سمع ضوضاء شديدة فاستيقظ فزعا وإذا به يتفاجأ بأعداد هائلة من الأفيال تحاصر الشجرة التي يجلس فوقها وتهزها بقوة، فشعر السندباد بالخوف الشديد وسقط كل من القوس والسهام من يده فزعا ثم سقط هو الآخر على ظهر أحد الفيلة الذي حمله معه إلى مكان بعيد غريب فيه الكثير من جثث الأفيال ورأى الكثير من العظام والأنياب وتيقن السندباد أن هذه مقبرة الفيلة، وأنهم حملوه إلى هذا المكان لكي يخبروه أن يتوقف عن صيدهم وأن يأخذ ما يريد من العاج.
لما طال غياب السندباد عاد التاجر إلى الشجرة التي تركه عليها فلم يجده فأخذ يلوم نفسه على هلاك السندباد وندم على تركه وحده وعاد للمدينة ليجلب المساعدة والبحث عنه في الغابة.
ترك السندباد المقبرة ورجع إلى المدينة وعندما رآه التاجر أسرع إليه وعانقه ثم أخذ يلومه: “أين كنت كل هذا الوقت، فقد بحثت عنك في كل مكان من الغابة، ووجدت القوس والسهام على الأرض فشعرت بالقلق الشديد عليك يا سندباد، فأين كنت؟.”
روى السندباد تفاصيل ما حدث معه لراعيه وأخبره بما وجده في مقبرة الأفيال، فرح الرجل كثيرا بعودة السندباد وحمد الله على سلامته وقال:” لقد وجدت المقبرة إذن، كم بحثنا عنها دون جدوى حتى اعتقدنا أنها مجرد خرافة، إذ يُقال أن للأفيال موضعٌ تأوي إليه من تِلقاء نفسها حين تشعر بقرب موعد رحيلها عن الدنيا، وهي لا تقصد تأسيس مقبرة جماعية و لكنها تتجه بفعل الكبر والإجهاد للسكن عند مواقع المياه إلى حين تموت، وكم بحث عنها الكثيرون ولم يجدوها يا لك من محظوظ.”
ومنذ تلك اللحظة اتخذ التاجر السندباد كأخ له وليس كعبد، وأعطاه حريته ومنحه نصيبه من المال مما جناه من بيع العاج.
شكر السندباد الرجل وطلب منه السماح له بالعودة إلى بلاده، وافق التاجر وأرسل السندباد على سفينة من العاج، وخلال هذه الرحلة قابل سندباد الكثير من التجار الذين كانوا يتاجرون في العاج وأصبح شريكا لهم في تجارتهم، ومن بحر لبحر وجزيرة لأخرى وصل السندباد لبغداد وذهب لزيارة الخليفة وأخبره بما جرى معه فهنأه بالنجاة وشكره على إخلاصه، ثم توجه السندباد إلى بيته والتقى بأهله وأصحابه وأقام معهم بسلام بعدما ودع السفر والبحر وأهواله للأبد.
Good idea ,Good job.
Thank you.