السيميائية مقترح للتدريس ناجم عن التعامل السيميولوجي مع النص في سياقه اللغوي، بما يضمن الانفتاح على خبرات غائبة في ضوء الخبرات الظاهرة، كما يستهدف انفتاح التدريس والتحليل على الإشارات والأحداث بوصفها علامات تحمل معنى، مع ما يصاحب ذلك من استكشاف العلاقات الدلالية للمضمون بما ينمي القدرة على الإبداعية والنقدية (الأستاذ، 2007).
– مفهوم السيميائية
لقد ظهرت السيميائية في الغرب على يد دي سوسير في فرنسا تحت مصطلح Simiology، وعلى يد بيرس في الولايات المتحدة الأمريكية تحت مصطلح Simiotics كلٌّ على حدة في وقتين متقاربين Barthes, 1996) (. ولكن يبدو أن أصل الكلمة عربي، وأن هذين العالِمين قد أخذا هذا المصطلح عن اللغة العربية ونسبه كل منهما لنفسه، ومما يدل على ذلك، أن هناك تشابه كبير بين اللفظ العربي الوارد في القرآن الكريم ومعاجم اللغة العربية وبين اللفظ الأجنبي، مع أن ظهور اللفظ العربي سابق على ظهور اللفظ الأجنبي بمئات السنين، كما أن المعنى واحد تقريباً للفظين العربي والأجنبي، فعندما يقول تعالى: “سيماهم في وجوههم من أثر السجود ” (سورة الفتح، الآية: 292)، فإن معنى ذلك أن هناك علامات تدل على أن هؤلاء الناس الوارد ذكرهم في الآية يكثرون من السجود بالرغم من أننا لا نراهم وهم يكثرون من السجود، ولكن هذه العلامات هي التي دلت على هذا الأمر. ويقول تعالى عن المنافقين مخاطباً رسوله الكريم: “فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول” (سورة محمد، الآية: 30 )، فهؤلاء المنافقون الذين يُظهرون الإيمان ويخفون الكفر، لا يدل ظاهرهم على أنهم كفار، ولكن الله يوجه رسوله إلى أن هناك علامات ودلائل على ما يخفونه من الكفر، ويوجهه إلى إحدى هذه العلامات وهي لحن القول (العمري، 2005).
– السيمياء لغةً
إن لفظ السيمياء ورد في القرآن الكريم بمعنى العلامة، سواء أكانت متصلة بملامح الوجه أو الهيئة أو الأفعال والأخلاق. قال تعالى: “سيماهم في وجوههم من أثر السجود”، وقال تعالى: “تعرفهم بسيماهم”، والخيل المسومة هي التي عليها السمة أو العلامة المميزة (العمري، 2003). وفي معاجم اللغة السيمياء هي العلامة، أو الرمز الدال على معنى مقصود لربط تواصلٍ ما. فييشير ابن منظور(1980،ص 58) إلى أن مصطلح “السّيميائّية” يحيل على ألفاظ مشتقة من جذر ” و.س.م ” ومنها: الوسم: وهو ” أثر الكي، والجمع وسوم. وفي الحديث: أنه كان يسم إبل الصدقة، أي يعلم عليها بالكي، واتسم الرجل إذا جعل لنفسه سمة يعرف بها، والوسم والوسمة شجرة ورقها خضاب”. والسمة والوسام: ما وسم به البعير من ضروب الصور. والميسم: المكواة أو الشيء الذي يوسم به الدواب، والجمع مواسم ومياسيم. والموسوم: هو ما وُسم بِسِمة يُعرف بها، إما كية، وإما قطع في أذن أو قرمة تكون علامة له. والموسم: موسم الحج سمي موسماً لأنه معلم يجتمع إليه، وكذلك كانت مواسم أسواق العرب في الجاهلية، قال ابن السكيت، كل مجتمع من الناس كثير هو موسم، ويقال: وسمنا موسمنا أي شهدناه. وتوسم: توسم فيه الشيء: تخيله، يقال: توسمت في فلان خيراً أي رأيت فيه أثراً منه، وتوسمت فيه الخير، أي تفرست، مأخذه من الوسم، أي عرفت فيه سمته وعلامته. والوسامة: أثر الحسن والجمال. والوسيم: الثابت الحسن كأنه قد وسم. كذلك هناك ترادفاً بين جذر (و.س.م) وجذر (و.ش.م) في الدلالة على معنى ” العلامة ” فـ ” الوسوم والوشوم العلامات. ويروى: وشم ووسم، فوشم بدا ورقة، ووسم حسن”.
ويستخلص من التحديد اللغوي لمادة (و.س.م) ومن مختلف معاني الألفاظ المشتقة منها أنها تدور على معنى جامع هو إحداث علامة تصبح صفة طارئة أو دائمة في غيرها.
– السيميائية اصطلاحاً
يعرِّف سعيد بنكراد (2003) السيميائية بأنها “دراسة حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية، ويقول بأنها في حقيقتها كشف واستكشاف لعلاقات دلالية غير مرئية من خلال التجلي المباشر للواقعة، كما يقول بأنها تدريب للعين على التقاط الضمني والمُتوارِي والمتمنع، لا مجرد الاكتفاء بتسمية المناطق أو التعبير عن مكنونات المتن”. ويعرفها شولز (1994،ص 13، 14) بأنها “دراسة الإشارات والشفرات، أي الأنظمة التي تمكن الكائنات البشرية من فهم الأحداث بوصفها علامات تحمل معنى. ويعرفها بارت (1993،ص 20) بأنها “لعبة الدلائل، أي القدرة على إقامة تعدد حقيقي للأشياء في اللغة المستعيدة ذاتها”. أما أتكن (Atkin, 2013) فيعرف السيميائية بأنها الدراسة العميقة للنص والغوص إلى المعاني البعيدة وقراءة ما بين السطور ومحاولة اكتشاف الفكرة التي يريد الكاتب أن يوصلها بطريقة غير مباشرة. ويعرفها الرغيني (1987،ص 5، 12) بأنها “ذلك العلم الذي يبحث في أنظمة العلامات أياً كان مصدرها لغوياً أو سننيا أو مؤشرياً، وحسب مدلول الجذر اللغوي للكلمة فهي تعني علم العلامات والأنظمة الدالة”.
مما سبق يمكن ملاحظة أن هناك علامات ودلائل على أمرٍ ما، وأن هذا الأمر مَخفٍ وغير ظاهر ولولا تلك العلامات والدلائل لما أمكن معرفة هذا الأمر، وأن دراسة هذه العلامات يتم ضمن سياقها الاجتماعي، لذا فإن أفضل طريقة لدراسة هذه العلامات يكون بالتجلي المباشر للواقعة، وفي ضوء ذلك يمكن اعتبار السيميائية المعنى البعيد الذي يرمي إليه الكاتب وليس المعنى القريب المباشر. ويذكر ديلي (Deely,2006) إن السيميائية ليست بنظرية جديدة أو محددة، وإنما هي ذات جذور فلسفية عميقة ظهرت عند أفلاطون وكذلك أرسطو الذي اهتم بغائية اللغة، وبلغت السيميائية شأنها عند القديس أوغسطين الذي أكد على العلاقة بين الدال والمدلول حينما قال: إن ما يحدو بالمتكلم إلى الدلالة، هو إظهار ما يدور في ذهنه، ونقله إلى ذهن شخص آخر.
ولم تصبح السيميائية علما قائما بذاته إلا بعد مجيء الفيلسوف الأمريكي بيرس والفيلسوف السويسري دي سوسير. ولقد اتخذت السيميائية اسمها من جملة النتائج المعاصرة في حقول النص القرآني الإنسانية مع موجة البنيوية، ولعل أبرز ما كتب في هذا الموضوع لا يستطيع أن يدعي الإحاطة الكاملة بهذا الحقل الذي فتح، ولن تكون له -على ما يبدو- حدود معروفة عما قريب (اليوسف، 2000،ص 14، 13).
ويذكر اليوسف (2000،ص14) أيضاً أن “السيميائية لا تستطيع أن تتجمد كعلم، إنها طريق بحثي مفتوح، ونقد دائم يُحيل إلى ذاته، أي أنها تقوم بنقد ذاتي، دون أن تتحول إلى مذهب، ويشير أيضا أن لدى تطبيقها على حقل ما، لا تتوقف عن تفكيك بنيته وكشف مدلولاته وسبر أعماقه الاستراتيجية في إطار جديد”. كذلك يذكر بنكراد (2003،ص 1-5) أن السيميائية تمثل وعياً معرفياً جديداً لاحدّ لامتداداته، ولقد فتحت أمام الباحثين -في مجالات متعددة- آفاقاً جديدة لتناول المنتوج الإنساني من زوايا نظر جديدة، حيث أسهمت في تجديد الوعي النقدي والإبداعي من خلال إعادة النظر في طريقة التعاطي مع قضايا المعنى. ويشير كل من مازالي وشولز (Mazzali & Schulz, 2004) إلى إن السيميائيات لا تنفرد بموضوع خاص بها، فهي تهتم بكل ما ينتمي إلى التجربة الإنسانية العادية شريطة أن تكون هذه الموضوعات جزءا من سيرورة دلالية. فالموضوعات المعزولة، أي تلك الموجودة خارج نسيج السميوز، لا يمكن أن تشكل منطلقاً لفهم الذات الإنسانية أو قول شيء عنها. فليس بمقدورنا أن نتحدث عن سلوك سيميائي إلا إذا نظرنا إلى الفعل خارج تجليه المباشر، فما يصدر عن الإنسان لا ينظر إليه في حرفيته، بل يدرك باعتباره حالة إنسانية مندرجة ضمن تسنين ثقافي هو حصيلة لوجود مجتمع، ووجود المجتمع ذاته رهين بوجود تجارة للعلامات. فبفضل العلامات استطاع الإنسان أن يتخلص من الإدراك العام، وأن يتخلص من التجربة الصافية، وينفلت من ربقة الزمان والمكانGorny,1995,p.1.2 )).
وبشكل عام فإن التدريس سيميائيا وفقا لرؤية الأستاذ (2015) يسير باتباع الخطوات التالية:
- مرحلة تحديد النص: وفيها يتم التعرف إلى ماهية النص من خلال تحديد الشكل المادي للدرس.
- مرحلة تعرف النص: وفيها يتم التعرف على بنية الدرس من خلال تحديد الشكل اللفظي للنص، وجمله، وفقراته، وطوله، وقصره… إلخ.
- مرحلة تدارك النص: وفيها يتم التعرف على الفكرة الرئيسة في النص وتحديدها، وذلك بالوقوف على الشكل الدلالي العام للنص.
- مرحلة تشرب النص: في هذه المرحلة يستطيع الطلاب فهم النص ككل وتحديد الأفكار الفرعية، أي الوقوف على الشكل الدلالي الخاص للنص.
- مرحلة التشبع بالنص: في هذه المرحلة يناقش المعلم النص مع الطلاب، ويطلب منهم تحديد العلامات المتضمنة في النص، أو ما يسمى بـالشكل الدلالي الخفي والبعيد للنص.
- مرحلة تمثل النص: في هذه المرحلة، يتمكن الطلاب من فهم النص فهماً تاما، ويصير بمقدورهم تحديد الدال والمدلول لكل علاقة موجودة في النص أو ما يسمى بـالشكل التداولي للنص.
- مرحلة تفرس النص: في هذه المرحلة يصل الطلاب إلى درجة أكبر من الإبداع، فيكون بإمكانهم تقديم استدلالات إبداعية أكثر ارتباطاً بمنظوراتهم؛ بمعنى أنهم يستطيعون تقديم مدلولات عديدة للدال الواحد أو ما يسمى بـالشكل الرمزي الابداعي للنص.
المرجع الأساسي:
الأستاذ، محمود (2015). صك السيميائية كاستراتيجية تدريس جديدة في التربية. بحث مقدم إلى مؤتمر “التربية في فلسطين بين المتطلبات الوطنية والمتغيرات العالمية “، جامعة الأقصى، 27- 28 أكتوبر 2015م
أشكرك دكتور محمود قمة في الروعة
هذا يذكرني بضرورة التعليم في السياق Contextualization لدراسة الظواهر الطبيعية في العلوم
الموضوع في صميم الفهم والاستيعاب شكرا يااستاد الفاضل
شرح مفصل ودقيق ، جزيل الشكر د محمود حسن الأستاذ . في شرحك تفصيل بدقة وإخلاص لمهنتك . أغبط الذين يتعلمون على يديك الطاهرتين.