يُعَدُّ اللقاء الأول بين المعلم والدراسين الخطوة الأولى في بناء جسور الثقة بينهم طوال فترة الدراسة، وكذلك هو ما يُعَوِّلُ عليه المعلم في كسر الحاجز النفسي بينهم.
ولأننا دائما نسمع (الانطباع الأول يدوم)، وأحيانا نسمع (الانطباع الأول هو الانطباع الأخير) فإننا نحاول في هذه المقالة أن نضع أيدي المعلم على بعضِ المهارات المهمة التي يستطيع بها أن يخرج من هذا اللقاء وقد حقق فيه أهدافه المرجوة منه، ومن أهم هذه المهارات:
1-تقديم النفس:
على المعلم في بداية لقائه بالدارسين أن يقدم نفسه بالطريقة المناسبة التي تَبُثُّ الثقة في نفوسهم -بلا إفراط ولا تفريط-، فلا يقدم نفسه بطريقة يشعر منها الدارسون بأنه يَتَعَالَى عليهم، وأنه صاحب العلم الذي لا يضاهيه فيه أحد، و أنه أفضل منهم لأنهم طلاب، إلى غير ذلك من الطرق التي يلاحظها الدارسون بشدة وخاصة في أول لقاء.
وكذلك لا يقدم نفسه بطريقة تفقد ثقة الدراسين فيه، وتهز صورته أمامهم من البداية، فلا يقول مثلا: هذه هي المرة الأولى التي أدرس فيها وأتمنى أن أكون موفقا معكم، أو: كنت أُدَرِّسُ لدارسين قبلكم ولكن الطريقة لم تكن مناسبة وسأغير هذه الطريقة معكم إن شاء الله، إلى غير ذلك من الأمور التي تهز صورة المعلم في عين الدراسين، وخاصة أن مَنْ يتعلمون اللغة العربية من غير الناطقين بها ينقدون كل صغيرة وكبيرة، ويلاحظون كل شاردة وواردة.
2-التعرف على الدارسين:
وذلك بأن يقدم كل دارس نفسه بالطريقة المناسبة له، ويجب على المعلم في هذه المهارة النظر إلى كل دارس يقدم نفسه، وإظهار الاهتمام به، وعدم الانتقال إلى غيره حتى ينتهي، وطرح الأسئلة التي تفتح المجال لتكملة الحديث بما يتيح للمعلم التعرف على الخبرات السابقة للدارسين.
ويفضل أن ينادي المعلم كل دارس باسمه فيما بعد؛ فهذا مما يترك أطيب الأثر في نفوس الدارسين، وإن لم يستطع المعلم حفظ الأسماء لكثرة طلابه مثلا فإنه يمكنه أن يطلب من كل دارس أن يكتب اسمه على بطاقة أو ورقة صغيرة ويضعها أمامه على مقعده في مكان يستطيع المعلم أن يراه، وبمرور الوقت سيحفظ المعلم الأسماء.
3-كسر الحاجز النفسي بين المعلم والدارسين:
وهذا من الأهمية بمكان، ويمكن ذلك عن طريق تهيئة الصف قبل دخول الدارسين ببعض أشكال الزينة التي تشعرهم بالاهتمام بهم والترحاب، وأيضا إعداد بعض أنواع الحلوى لتقديمها لهم في الوقت المناسب، إضافة إلى الابتسامة التي يكون لها مفعول السحر في القلوب.
4-وضع القواعد المنظمة لسير العملية التعليمية:
وفي هذه المهارة لا يفرض المعلم قواعده بصورة مباشرة على الدارسين، وإنما يستعين بهم ليضعوا هم تلك القواعد، وتكون بمثابة الميثاق الذي ينظم سير العملية التعليمية وإدارة الصف.
ويفضل أن يجهز المعلم لوحة بجانب السبورة تكون ظاهرة للدارسين جميعا، أو سبورة صغيرة إضافية تكون بجانب السبورة الأساسية، ويطلب من أحدهم مساعدته في كتابة القواعد، ويفسح المجال للدارسين لوضع تلك القواعد، ويعيد المعلم صياغتها بصورة مبسطة ليكتبها الدراس المساعد له.
وإن لم يستوف الدارسون ما يريده المعلم فلا يُقَدِّمُ هو القواعد مباشرة، وإنما يطرح بعض الأسئلة عليهم وتكون إجابتها تكملة للقواعد، كأن يقول: هل نستخدم الهاتف في أثناء الدرس؟ هل ننقد الشخص أم ننقد الرأي؟ هل نقاطع المتحدث أثناء حديثه؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تفتح بابا لوضع القواعد.
بالنسبة لطلاب المستوى المبتدئ يمكن استخدام الصور والملصقات والإشارات التي تدل على القواعد، وفي حال خروج أحد الدارسين عن تلك القواعد يكفي فقط الإشارة إلى اللوحة التي كتبوها بأيديهم فتعيدهم إليها دون جدال.
5-إبراز الهدف العام:
وذلك بعرض الخطوط العريضة لسير العملية التعليمية خلال فترة الدراسة، والهدف المراد تحقيقه في تلك الفترة.
6- التوقعات:
يستمع المعلم لتوقعات الدارسين بعد إبراز الهدف العام، لِيُعَدِّلَ برنامجه الذي أعده بداية -إن استدعى الأمر-؛ ليحقق بقدر المستطاع توقعاتهم بما لا يُخِلُّ بهدفه العام.
7- تعديل طريقة الجلوس:
غالبا سيجد المعلم الدارسين الذين ينتمون لجنسية واحدة يجلسون متجاورين، والأصدقاء يتجمعون في مكان واحد، وحتى يعيد ترتيب طريقة الجلوس بما يتناسب مع طريقة التدريس عليه أن يستخدم فطنته في ذلك ولا يفصلهم ابتداء، وإنما يكون ذلك بعد كسر الحاجز النفسي.
ولا يفصل المعلم بنفسه مباشرة، و إنما يكون عن طريق لعبة مثلا أو مهمة مبسطة تكون نتيجتها تغيير أماكن الجلوس بطريقة عشوائية، وهكذا يكون المعلم قد حقق هدفه دون تدخل مباشر منه.
8- توزيع المهام:
يوزع المعلم المهام على الدارسين بما يخدم أهدافه المعدة مُسْبَقًا، وذلك بعد عرض الإرشادات، والتأكد من فهمهم لها، على أن تكون محددة المدة.
9- تقسيم المجموعات:
يقسم المعلم الدارسين إلى مجموعات -إن استدعت المهمة ذلك- بإحدى طرق التقسيم المناسبة لطبيعة الدراسين، ويكون التقسيم إما مقصودا أو عشوائيا حسب المهمة التي سَيُكَلَّفُون بها.
10- التعزيز الإيجابي:
لا ننسى أن طبيعة الإنسان تميل إلى التعزيز والشعور بجدوى ما يفعل؛ ولذلك يجب على المعلم أن يقدم لدارسيه التعزيز المناسب في الوقت المناسب، سواء أكان معنويا أم ماديا، معنويا مثل: أحسنت، ما شاء الله ! ممتاز، أو ماديا: بأن يقدم للدارس حلوى أو هدية عينية أو شيئا مناسبا لطبيعته.
11- ملخص اليوم الدراسي:
في نهاية اليوم الدراسي يقدم المعلم ملخصا سريعا لكل ما دُرِّسَ خلال اليوم؛ ليكون تجميعا وترتيبا لعقل الدارسين، وتثبيتا للمعلومات التي حصلوا عليها، و يكون بمثابة فرصة أخرى لمن شَرَدَ ذِهْنُهُ أثناء الدرس ولم يستطع إدراك ما قُدِّمَ له، إضافة إلى أن ذلك يعطي انطباعا إيجابيا عن المعلم لدى الدارسين بأن عقله منظم ومرتب ومُعد إعدادا جيدا.
12- الختام السار:
كما أن البدايات مهمة وتبني الانطباع الأول، فإن النهايات هي التي تثبت في الذاكرة حتى اللقاء التالي، فعلى المعلم أن يجعل آخر شيء في ذاكرة الدراس سارًّا، يبقى عالقا في ذهنه، منتظرا لقاءه مرة أخرى.
وختاما أقول: على الرغم من أهمية تلك المهارات إلا أنه ربما لا يستطع أن يطبقها كل المعلمين؛ لأسباب مختلفة: بعضها يرجع لطبيعة المعلم نفسه، وبعضها يرجع لطبيعة الدارسين، وبعضها يرجع لطبيعة المكان الذي يُدَرِّسُ فيه المعلم، وبعضها يرجع للإمكانات المتاحة، وبعضها يرجع إلى أسباب أخرى لا يتسع المجال لذكرها.
ولكن مع كل هذا يبقى اللقاء الأول هو أهم اللقاءات التي تجمع بين المعلم والدارس، فعلينا الاهتمام به قدر المستطاع، والخروج به في أفضل صورة ممكنة.
مقال رائع
حياك الله
المقال رائع
شكرا جزيلا
جميل ومفيد وشيق
جزاك الله خيرا