يشهد العالم الحاضر تقدما وتطورا تكنولوجيا هائلا وسريعا لم يشهده من قبل في نواح متعددة، مما جعلنا لا نستطيع الاستغناء عن التكنولوجيا الحديثة في حياتنا اليومية مهما بلغت بنا الظروف، بل وقد استطاعت خلقَ بُعدٍ رابعٍ لنفسها في الحياة بعد النوم والأكلِ والشُرْبِ. ومع انفجار الثورة المعرفية والمعلوماتية والسكانية، استطاعت التكنولوجيا تيسيرَ وتسهيلَ الحصول على المعرفة والمعلومات بين يدي الباحثين والمعلمين والمتعلمين في كل مجالات الحياة، لأن امتلاك المعرفة والمعلومات هو المفتاح الذهبي لصندوق التقدم والازدهار لأي أمة بالعالم.
يعد هذا التقدمُ والتطورُ التكنولوجي نقلة نوعية جديدة في حياة البشر، فَفِيه يكمن التحدي وخلق الإبداع والتطلع إلى ما هو جديد، حيث يشمل العديد من التقنيات والأجهزة الملموسة وغير الملموسة والتي تساهم في دعم وتطوير قطاعات الحياة بشكل عام والقطاع التعليمي بشكل خاص. ومن أهم التحديات التي تواجه العملية التعليمية هي القدرة على استكشاف طرق جديدة للتعلم والتعليم مستندة على أساس ومنهج وأسلوب تعليمي منظم وفقًا لنظريات التعلم، والتمكن من تصميم بيئة تعليمية إبداعية مناسبة تساهم في تيسير وتسهيل وتحسين عمليتي التعلم والتعليم، وإضفاء الجانب التفاعلي فيها والاستثمار الصحيح في استخدامها وعرضها.
وتمثلت هذه الثورة الهائلة في ظهور العديد من المستحدثات التكنولوجية في المجال التعليمي، والتي أصبحت محور الاهتمام من قبل التربويين والمعلمين، وذلك لبيان حقيقتها وطرق الاستفادة منها في العملية التعليمية. ومن هذا المنطلق ظهرت العديد من البحوث والدراسات التي دعت إلى ضرورة التوظيف الفعال للمستحدثات التكنولوجية في العملية التعليمية، لما لها من مزايا عديدة وعوامل إيجابية، كما أن مزايا المستحدثات التكنولوجية ليست مقتصرة على المعلمين فقط بل إنها تعمل على تحسين مهارات حل المشكلات لدى الطلاب وتساعدهم على تحسين مهارة التفكير والإبداع.
وهذا من شأنه أن يراعي مصالح المتعلمين محور عملية التعليم ومركزها، خاصةً في عصرنا هذا الذي يطلق عليه العصر التكنولوجي أو العصر الرقمي. ففي السابقِ، كان التعليمُ يقتصر على التعلم البصري عن طريق الصور والرسوم التوضيحية، ثم تطور إلى التعلم السمعي من خلال المذياع مع تطور الإذاعات العالمية مثل: هيئة الإذاعة البريطانية BBC التي كانت وما زالت تقدم برامج تعليمية وتوعوية، حيث عملت على نشر التوعية الصحية والبيئية لدى الدول الفقيرة. ومع ظهور التلفاز والفيديو أصبح التعليمُ أكثرَ يسرا وحداثة وهذا ما سماه التربويون بالتعلم السمعي البصري، ومن ثم استفاد التعليم من تطور أجهزة الحاسوب استفادة عظيمة والتي كان لها الدور البارز في تحسين عمليتي التعلم والتعليم ومحاولة محو الأمية التكنولوجية وصولاً إلى إبراز مفهوم الإنترنت الذي ذاع صيته في العقدين الأخيرين لما له من مميزات عديدة عامةً و في مجال التعليم خاصةً، ومن تطبيقاته: البريد الإلكتروني E-Mail ، محرك البحث غوغل Google وتطبيقاته. فمن الواضح أن التعليم يواكب كل عصر بعصره، ويحاول جاهداً توظيف التكنولوجيات الحديثة في العملية التعليمية لما لها من فوائد تصب في مصلحة المعلم والمتعلم.
كان من الطبيعي أن تتأثر عناصر المنظومة التعليمية بتلك الثورة التي حدثت في مجال المستحدثات التكنولوجية حيث تغير دور المعلم والمتعلم، كما تأثرت المناهج بأهدافها ومحتواها وأنشطتها وطرق عرضها وتقديمها، كما تغيرت أساليب التعلم والتعليم وظهرت العديد من المفاهيم الحديثة في ميدان التعليم ارتبطت بالمستوى الإجرائي والتنفيذي للممارسات التعليمية بصفة خاصة، منها: التعليم الإلكتروني E-learning، التعلم عن بعد Distance Learning، الوسائط المتعددة Multimedia، التعلم المقلوب Flipped Learning، الحوسبة السحابية Cloud Computing، المتاحف الافتراضية Virtual Museums، الخرائط الذهنية Mental Mapping، المقررات الإلكترونية مفتوحة المصدر الـ MOOCs، بيئات التعلم الافتراضية ثلاثية الأبعاد 3D Virtual Learning Environments، والقصة الرقمية Digital Storytelling ….، وغيرها من المفاهيم المرتبطة بالمستحدثات التكنولوجية في مجال التعليم.
وبالرغم من فاعلية المستحدثات التكنولوجيا وتأثيرها الإيجابي على العملية التعليمية، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه المسؤولين والمعلمين والمتعلمين، منها:
- عدم استيعاب المعلمين نوع المستحدث المناسب للعملية التعليمية باعتبار خصائص المدرسة والفصل.
- ضرورة تدريب المعلمين على استخدام المستحدث قبل تقديمه للمتعلمين.
- التكلفة المادية.
- سرعة تطور التكنولوجيا.
- توفير البنية التحتية المناسبة لمتطلبات المستحدث.
أخيرا، نحتاج إلى وضع خطط مناسبة لتوظيف المستحدثات التكنولوجية في العملية التعليمية، ويجب الأخذ في الاعتبار العواقب التي تعيقنا ومحاولة التغلب على التحديات التي تواجهنا، والأهم من ذلك كله هو تحديد الإطار العام لتوظيف هذا المستحدث التكنولوجي، فقد لا يلزم توظيفه في كثير من الحالات والعمليات التعليمية، بالإضافة إلى ضرورة نشر الوعي حول استخدامات ومميزات وعيوب المستحدث التكنولوجي المخطط توظيفه في العملية التعليمية، وكذلك تدريب المعلمين والمتعلمين على كيفية استخدامها بالطريقة الصحيحة وتوظيفها بالطريقة المناسبة.
المراجع:
الدريويش (أحمد)، عبدالعليم (رجاء): “المستحدثات التكنولوجية والتجديد التربوي”، أحمد بن عبدالله الدريويش، دار الفكر العربي، 2017م.
الحلفاوي (وليد): “مستحدثات تكنولوجيا التعليم في عصر المعلوماتية”، وليد سالم الحلفاوي، دار الفكر، 2018م.