نشهد اليوم تغيرات محلية وعالمية متسارعة تؤدي إلى تطوير العديد من المجالات بجميع الدول ومن ضمنها مجال التعليم، فدول العالم تهتم بالتعليم باعتباره أساس بناء الدول ونهضة الإنسان وتقدمه في شتى المجالات الحياتية، وبناء الدول المتقدمة يعتمد على أساس قوي ومتين يربط الإنسان بالدولة معتمداً على قيادة تؤمن بأن الإنسان هو الهدف الإستراتيجي لِخُطة بناء الدولة ورُقيها وازدهارها، ومصدر قوتها العسكرية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية؛ فالإنسان يستخدم عقله ليتفاعل مع نفسه ومجتمعه وبيئته وبه يواجه التحديات ويستطيع مسايرة الأحداث المتغيرة والقفزات الحديثة المتسارعة، ولعل أهم وسيلة لتحقيق ذلك هي البحوث العلمية؛ لذا يعد المعلم الباحث أحد أشكال البناء وتطويره يتبنى فكرة التنمية المستدامة؛ فالمعلم هو المحور الرئيسي والعنصر الفعال في العملية التعليمية وسر نجاحها، لذا ينبغي إعداد المعلم وتطويره بشكل متجدد ومستدام وتشجيعه على متابعة البحث العلمي وإجراء البحوث أثناء مزولته لمهنته، ليلبي حاجات الجيل الحاضر والأجيال اللاحقة ويتوافق مع تطورات التعليم المعرفية والتكنولوجية ومبادئ التنمية المهنية، فيسعى إلى تقويم الواقع الفعلي واستشراف المستقبل بشكل أفضل (وزارة التعليم ، 1431هـ). وهذا المقال يعرض أهمية التطوير المهني للمعلم وعلاقته بالتنمية المستدامة، ثم يسلط الضوء على ضرورة إجراء المعلمين للبحث الاجرائي في الميدان التعليمي، ويبحث عن إجابة للسؤال التالي: ما حاجة المعلم السعودي للتنمية المهنية لإجراء البحث العلمي في مدرسته ؟
أهمية التطوير المهني للمعلم وعلاقته بالتنمية المستدامة
يعتبر المعلم الركن الأساسي للتعليم بشكل عام وللنظام التربوي بشكل خاص من خلال تعليمه وتنشئته لطلابه، لذا فتطوير التعليم قائم على إعداد المعلم وتطويره بشكل مستمر ومستدام. ويذكر أبو علوش (2020) تعريف التطوير المهني: بأنه عملية منظمة ومستمرة تتضمن الخبرات الرسمية وغير الرسمية للتعلم، ويشترك في تخطيطها وتنفيذها منسوبو المدرسة، لتزويد المعلمين بالمعارف والمعلومات، وإكسابهم المهارات اللازمة، وتنمية الاتجاهات الإيجابية للارتقاء بمستوى المعلمين وتحسين جودة أدائهم لرفع مستوى التعلم بما يتوافق مع المستجدات والمتغيرات وحاجة المجتمع. ويذكر ألساكني (2018) تعريف التنمية المستدامة: بأنه خطة استراتيجية واضحة ومنظمة لرؤية تربوية تستخدم استدامة الموارد الطبيعية والبيئية وتنميها لتحقيق التوازن البيئي بين أنشطة الإنسان وجهوده وبيئته بمجالاتها المتعددة من رفاهية الإنسان، والاقتصاد، والتقاليد والثقافة لتحسين فرص ومستوى حياة الفرد والمجتمع في الحاضر وللأجيال المستقبلية.؛ فهي الأداة الفعالة لتحقيق رؤية وأهداف التعليم في أي مجتمع إنساني، لذا تدرك الدول ووزارات التعليم الأهمية الكبرى لتطوير وتنمية المعلمين باعتبارهم الأكثر تأثيرا على الطلاب داخل الصف وخارجه، لذا تزداد الحاجة لتطوير المعلم نظرا لمتطلبات التغيير والتطورات المعرفية والعلمية والتكنولوجية المتسارعة، بالإضافة إلى اهتمام التعليم بمهارات القرن 21 في ظل الحراك والتواصل الاجتماعي في عالمنا الحالي، حيث تصبح الحاجة ملحة وضرورية لكي يحافظ المعلم على مستوى متجدد من معارفه و مهاراته واتجاهاته للتوافق مع الاتجاهات الحديثة لتكنولوجيا المعلومات والاتصال وطرق واستراتيجيات التعليم وتقنياته (الحجاجي ، 2019).
لقد أصبح هناك توجه جديد لتعليم يبتعد عن التعليم التقليدي ويقود الدول نحو مفاهيم أخرى مثل التعليم الإلكتروني والتعليم النقال وغيرها. وفي ظل الظروف المحلية والعالمية وانتشار فيروس كورونا تستدعي الحاجة لتطوير المعلم أكثر من قبل لضمان استمرار عملية التعليم عن بعد؛ لأنه يواجه تحديات كثيرة، وأهمها تفتح آفاق لمعارف ومهارات جديدة ومتنوعة. وتزداد الحاجة أكثر لتنبي فكرة التنمية المستدامة للمعلم لإزاله العوائق التي يتعرض لها عند أدائه لمهمة التدريس وخصوصا عند استخدامه حاليا لمنصة مدرستي الإلكترونية. وتطويره يشمل الممارسات الصفية واللاصفية فكلاهما جزء مهم في العملية التعليمية، فالممارسات الصفية يمكن تطويرها من خلال مساعدته على الإلمام بالأساليب الحديثة واستخدام استراتيجيات التعليم وأنشطة التعلم المناسبة للتعليم عن بعد، والاشراف على تخطيط وإعداد الدرس، وتوجيه لإدارة الصف وتقويم الطلاب وتحليل النتائج وتفسيرها، أما الممارسات اللاصفية فتتمثل في جهود الطلاب وتفاعلهم مع البرامج والأنشطة وتحدد من معرفة المعلم بالطلاب وهو المعيار الخامس من معايير تنمية المعلمين (الإدارة العامة للبحوث والابتكار، 2020) ملحق(1)، بتوجيههم بما يتوافق مع رغباتهم وقدراتهم وثقافتهم في حدود الإمكانيات المتاحة، ليكون المعلم مركز بناء مواطن صالح ومنتج للمعرفة يمثل الوطن الطموح فينافس عالميا ويساهم في الاقتصاد المزدهر فيخدم نفسه ومجتمعه ودولته (ألساكني، 2018).
ضرورة توجيه المعلمين للبحث الاجرائي في الميدان التعليمي
ظهر مسمى المعلم الباحث في الولايات المتحدة الامريكية من عشرين عاما لتجويد التدريس، ثم لحقت بها الدول الأوربية، وانتقل التعليم إلى مرحلة التجديد والابتكار عام 2009م ليواكب تطلعات المجتمع المعرفي ويحفز التطوير والبحث العلمي ليضع قاعدة أساسها باحث المستقبل في الجيل الجديد (الثعلي، د.ت). وتتبنى الكاتبة تعريف البحث الإجرائي للمعلم: بأنه إجراء دراسة ميدانية منظمة يقوم بها المعلم بنفسه أو مع أقرانه من المعلمين أو مع أشخاص من خارج المنظمة التعليمية تبحث عن حل لمشكلات تواجهه أو تتعلق بعمله ويصل من خلالها إلى معرفة جديدة يمكن تطبيقها بهدف تطوير عملية التعليم والتعلم لدى الطلاب على المستوى الشخصي أو مستوى المدرسة أو مستوى النظام التعليمي بمنطقته أو على مستوى الدولة (الحسيني و آخرون، 2018). لذا تُعد بحوث المعلمين الإجرائية من أقوى الوسائل التي تجعل المعلم منتجا للمعرفة من خلال معرفته السابقة واكتسابه لمعارف جديدة من مصادر علمية توظف كممارسات فعليه داخل الصف وخارجه؛ ليستفيد الطلاب منها، وتزيد من عمق تعلمهم وتطور نموهم المعرفي والسلوكي والوجداني ويكون تأثيرها إيجابيا على الطلاب، فهذه البحوث تُكسب المعلم الثقة بنفسه، وتطلق أفكاره وإبداعاته، وترتقي به لمهارات التفكير العليا، وتسمو بطموحه وتطلعاته نحو إنشاء جيل منتج للمعرفة ومنافس محليا وعالمياً (الغفيلي ، 2019).
لقد تضمنت دراسة (الحسيني و و أخرون، 2018) العديد من الدراسات التي تؤكد على ضرورة إجراء المعلمين للبحوث؛ فهي وسيلة يصل بها المعلم إلى التنمية المهنية المستدامة من خلال ممارسة التساؤل البحثي والتعلم الذاتي وتطبيق ذلك عملياً لإيجاد حلول لمشكلات وقضايا يمر بها في المواقف التعليمية، ويبرز دورها في تطوير معرفة المعلم التي تحتاج إلى تطبيق فعلي في عمله؛ لذا فإن بحوث المعلمين تعالج الكثير من القضايا التربوية التي يعاني منها الميدان التعليمي وقد تساعد صناع القرار في الإدارات الوسطى والعليا على الاستفادة منها وتبنيها والنظر في نتائجها لتطوير التعليم وبالتالي وتجويد التدريس من خلالها وتساهم في تحقيق أهداف التعليم ورفع مستوى أداء المعلم. وتشير الدراسة إلى عدة فئات مستفيدة من بحوث المعلمين. وفي هذا المقال نعرض استفادة المعلمين الباحثين أنفسهم من إجرائهم للبحوث، حيث لوحظ المؤشر الإيجابي الذي يستوجب ضرورة حث المعلمين على إجراء البحوث في مدارسهم ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: تنمية مهارات البحث العلمي لدى المعلم الباحث، وتصميم وابتكار وسائل تعليمية وأنشطة تعلمية يستخدمها عند تنفيذ الدروس، ومهارة إعداد وتنظيم برامج أو ورش عمل لتبادل المعلومات ونقل الخبرات، ومشاركة الآخرين نتائج بحوثه الإجرائية والتي قد تساهم في حل ومعالجة مشكلات صفية أو لاصفية وتحقق تعلما ذا مستوى أفضل للطلاب، وتبني أفكار البحث وتنفيذها على شكل مشاريع خاصة بالمقررات الدراسية، وتبسيط المعلم لإجراءات العمل والإبداع والتطوير في الجانب الاداري للمدرسة.
إن إجراء المعلم للبحث متطلب أساسي لطلاب ذوي الإعاقة لتحسين الاحتياجات التعليمية، لأنها تقوم على ممارسات مثبتة علميا باعتبارها الأداة الأمثل للتأكد من فاعلية الممارسات التي يقوم بها المعلم مع طلابه؛ لذا تزداد الحاجة لتوفير قاعدة بحثية في هذا المجال تسعى لتطبيق ممارسات حديثة بديلة عن الممارسات التقليدية لتوفير الوقت والجهد، ويمكن من خلال البحوث الإجرائية قياس فاعلية تطبيق الاستراتيجيات والأدوات والوسائل المستخدمة من قبل المعلم؛ لذا أصبح من الضروري حث المعلمين على إجراء الأبحاث العلمية كدراسة الحالة لحل مشكلات الطلاب وعلاجها، ولهذا توصي دراسة القحطاني (2019) بتحفيز المعلمين على إجراء البحوث وتطبيق نتائج الأبحاث العلمية المنشورة وربط الممارسات بنتائج البحوث العلمية واختصارها بعد تجربتها وإجراء بحث في مدرسته لإعادة تداولها ونشرها وتسهيل الوصول لها. يعد البحث الإجرائي نوعا من أنواع البحوث التربوية التي تبعد المعلمين عن العشوائية في أدائهم للتدريس وترتبط بالمنظمات التعليمية مباشرة (الربيعان و الدغيم ، 2020م) فحضور المؤتمرات العلمية والتعليمية من الأنشطة المهمة للتنمية المهنية للمعلم، وتساهم في إجراء بحوث تتوافق مع المستجدات، وفي المقابل نجد أن مشاركة المعلمين السعوديين في المسح الدولي- تالس2018- ذات مؤشر سلبي وتعتبر الأقل على مستوى الدول المشاركة (هئية تقويم التعليم والتدريب، 2017م) ملحق(2). نستنج نسبة المستوى التعليمي للمعلمين المشاركين في تالس وفق الجنس ملحق (3) وفق البيان التالي:
الجنس | الدرجة العلمية البكالوريوس | الدرجة العلمية ماجستير | الدرجة العلمية دكتوراه |
الذكور | 91.5 | 6.2 | 0.1 |
إناث | 94.1 | 3.1 | 0.1 |
من هذا المنطلق يمكن تحديد احتياج المعلم للتنمية المهنية لإجراء البحث في مدرسته، ونوصي باتباع وسائل أكثر فاعلية لتشجيع المعلمين على إجراء البحوث والتركيز على مجال القيم والمسؤولية المجتمعية في معايير وممارسات التنمية المهنية للمعلمين في السعودية، وبالتحديد المعيار الثاني والثالث ملحق (1)؛ ليكون المعلم منتجا للمعرفة أكثر من متلقي وملقن لها.
المراجع
أبو علوش، يوسف محمد . (30 مايو, 2020). دور مدير المدرسة في التنمية المهنية للمعلمين من وجهة نظر مديري المدارس في لواء بني كنانة. مجلة العلوم التربوية والنفسية مجلد(4)، العدد (19).
إدارة التقارير الادارة العامة للبحوث والابتكار. (2020). مهنة التعليم وقيمتها في نظر المعلمين و قادة المدارس (تقرير عن مشاركة المملكة العربية السعودية في المسح الدولي للتعليم والتعلم) . هيئة تقويم التعليم والتدريب، مارس 2020.
الثعلي، ليلى. (د.ت). المعلم الباحث في الميدان التربوي. تم الاسترداد من إدارة التعليم بمحافظة عفيف: https://edu.moe.gov.sa/Afif/MediaCenter/maqal/Pages/77766.aspx
الحجاجي، ربيع بن طالع . (ديسمبر, 2019). سبل مواجهة تحديات التطوير المهني للمعلمين فى ظل العصر الرقمى بمدارس تطوير فى محافظة الليث. المجلة التربوية – العدد 68.
الحسيني وأخرون. (يوليو, 2018). مجالات بحوث المعلمين في سلطة عمان وواقع الإستفادة منها . مجلة الدراسات التربوية والنفسية – جامعة السلطان الغفيلي، عبدالعزيز بن محمد . (13 4, 2019). البحث العلمي والواقع التربوي تحديات وطموحات. تم الاسترداد من تعليم جديد: https://www.new-educ.com/?p=25984
الربيعان، هيفاء محمد ، و الدغيم، خالد إبراهيم . (يناير, 2020م). واقع استخدام معلمات الدراسات الاجتماعية للبحث الإجرائي على النطاق المدرسي. المجلة التربوية – العدد التاسع والستو ن.
ألساكني، سهاد جواد. (كانون الأول, 2018). التنمنية المهنية لمعلمي التربية المهنية في ضوء مؤشرات التنمية المستدامة. مجلة الأداب/ العدد127.
الغفيلي، عبدالعزيز بن محمد . (13 4, 2019). البحث العلمي والواقع التربوي تحديات وطموحات. تم الاسترداد من تعليم جديد:https://www.new-educ.com/?p=25984
هئية تقويم التعليم والتدريب. (26 أكتوبر, 2017م). المعايير والممارسات المهنية للمعلمين في المملكة العربية السعودية . الرياض .
وزارة التعليم . (28 8, 1431هـ). مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية. تم الاسترداد من وزارة التعليم : https://www.moe.gov.sa/ar/about/Pages/Center-for-Research-and-Strategic-Studies.aspx
الملاحق
ملحق (1)
ملحق (2)
ملحق (3)