تبرز أهمية محتوى أية ثقافة مهنية -المتكون من مواقف وقيم وطرق عمل مشتركة داخل المؤسسة وبين مجموعة من المدرسين أو جماعة مهنية- عند تصور أو إنجاز تغيير تربوي. فالتجديد التربوي يكون مقبولا أكثر إذا كان في انسجام مع القيم والتصورات السائدة داخل المؤسسة وبين مجموعة مهنية. و حدوث هذا التغيير رهين طبيعة الثقافات السائدة هل هي ثقافات مفتوحة على التجديد والتغيير أم هي ثقافات منغلقة تتميز بالوثيقة ورفض التجديد، فالثقافة المؤسسية المفتوحة على مجلوبات المحيط الخارجي تساعد على الانخراط في كل مشروع تجديدي وتشجع على المبادرة والإبداع. وبالتساؤل حول كيف تتعلم المدرسة (Gather Thurler Gather Thurler 1996 et Perrenoud 1990)، تم تعداد مجموعة من الوظائف والملامح الثقافية المشتركة داخل المؤسسات ومنها:
- قيمة التنوع La valeur de diversité: تتعلم المدرسة عندما تقر بأن قوة نظام حي تكمن في تنوعه أكثر من وحدته وعندما تسمح وتشجع القيام بصورة مشتركة بتجارب محلية وتثمنها.
- إبستمولوجيا واقعية ونقدية: تتعلم المدرسة عندما تقبل حدود معرفة الطفل والتعلم وتقر بحدود كل عمل بيداغوجي وعندما ترفض التفكير السحري وتتخلى عن الآليات الدفاعية والمظاهر الخارجية.
- تفتح نحو الخارج: تتعلم المدرسة عندما تقبل أن تنظر إلى ما وراء الجدران فتبحث عن فرضيات ونماذج واستراتيجيات في تنظيمات ومجالات اجتماعية أخرى وأن تقبل أن تكون محلّ نظر من الخارج.
وتضيف (Gather Thurler1996) عاملا آخر مساعدا على التغيير يتمثل في أنماط العلاقة بين المدرسين، إذ ينمي نمط العلاقات المهنية الشعور بالانتماء إلى مجموعة أو ينمي بالعكس الشعور بالوحدة. وهي مشاعر تؤثر على درجة الشعور والتقييم الذاتي والنقد الذاتي وقدرة الفرد على التفكير في ممارسته وتحمل المسؤولية. كما أن نمط العلاقات المهنية يحدد في جانب هام منه القدرة على معالجة الأفكار الجديدة على صعيد كامل المؤسسة ومنافستها و إثرائها من خلال حوار رسمي أو غير رسمي، أي يساعد على ضمان الانخراط الجماعي في التغيير على الصعيد المحلي وأهم أنماط العلاقات بين المدرس والمؤسسة من جهة والعالم الخارجي المتمثل في مؤسسات وهيكل وموارد أو فاعلين (الزملاء، إطار الإشراف، أولياء الأمور، سلطات محلية، خبراء…الخ)، والتي تساعد على إنماء الممارسات البيداغوجية وتطوير كفاية التدريس وجودة التربية هي ثقافة التعاون والشراكة (Perreti 1997,Gather Thurler et Perrenoud1990).
و لقد اهتمّت الباحثة التربوية Gather Thurler بدراسة أنماط العلاقات المهنيّة فتوصّلت إلى رصد خمسة أنماط علائقيّة بالمؤسسات التربويّة وهي: نمط النّزعة الفرديّة و نمط البلقنة أو نمط المجموعات المتفرّقة و نمط العمل القسري و نمط العائلة الكبرى و نمط التّعاون و نورد فيما يلي ملخّصا لأهمّ خاصيّات كلّ نمط علائقي.
نمط النزعة الفرديّة
- يعمل المدرسون فرادى داخل فصول مغلقة و منعزلة فيبني المعلّم مع التلاميذ عالما خاصّا.
- الثقافة الفرديّة حسب ((Lortie 1975 تطوّر ثلاثة مواقف تجاه مهنة التّدريس وهي الآنيّة و المحافظة و النزعة الفرديّة.
- الآنيّة: يركّز مدرّسو التعليم الابتدائي اهتمامهم على اعتماد تخطيط على المدى القصير داخل قاعة القسم حيث يمكن الحصول على نتائج محسوسة.
- المحافظة: يتفادى المدرّسون مناقشة و الالتزام بمشاريع قد تفضي إلى عدم الاستقرار و طرح تساؤلات عميقة حول طريقتهم في التدريس.
- النزعة الفرديّة: يفضّل المدرّسون العمل المنفرد و يتفادون الالتزام بقضايا و مشاريع مشتركة: (تفريد التعليم/إدماج ذوي الاحتياجات الخصوصيّة/توظيف الذكاءات المتعددة في التدريس/المشاريع التربويّة)
نمط المجموعات المتفرّقة
- نوع من البلقنة يفضي إلى تكوين مجموعات متفرقة تكون عادة في حالة تنافس أو صراع: (مجموعة مدرسي الدرجات السفلى و مجموعة الدرجات العليا -مجموعة الموالين و مجموعة المعارضين -مجموعة القدامى و مجموعة المعلّمين الوافدين).
- إنجاز مشاريع فسيفسائيّة بشكل منعزل دون أدنى تنسيق.
- التخلّي عن دور القيادة البيداغوجية من خلال عدم التدخل في عمل الفاعلين.
نمط العائلة الكبرى
- نمط العمل القسري يشبه نمط العلاقات القرويّة: كلّ شيء جيّد كلّ شيء على أحسن ما يرام.
- إرساء نوع من السلم الاجتماعيّ على قاعدة الاحترام المتبادل و الالتزام بعدد من القواعد الصريحة أو الضمنيّة.
- ندرة تبادل وجهات النّظر بين المدرّسين حول العمل و المشاكل المترتّبة عنه (النتائج/إدماج ذوي الحاجيات الخصوصيّة/الانقطاع المبكر)
- إجراءات رسميّة و إداريّة ترمي إلى خلق عادات العمل المشترك (عمل جماعي مفروض).
- يجابه العمل الفوقي بشكوك المدرسين وتحفّظهم.
- النتيجة: تقليص الحيّز الزمني المخصص عادة للتواصل ولمبادرات العمل التّعاوني العفويّة.
نمط التعاون
- ثقافة التعاون تتطلّب اتفاقا مستمرّا وانسجاما كبيرا بين الأهداف و الممارسات كما تتميّز بتفتحها على التجديد.
- الشعور بإنجاز مهمّة مشتركة: استخدام نفس الاستراتيجيات والمقاربات يفضي إلى ظهور إرادة مشتركة لحلّ المشكلات البيداغوجيّة والديداكتيكيّة.
- كل مدرس يمكنه أن يتطور وينمي كفاياته المهنية بالتعرف على أفكار جديدة وبمتابعة حلقات التكوين المستمر وبالتفكير في ممارساته (Altet 1994 Allal 1994 Gather Thurler 1992,) وبتقييم أثر تدريسه وباستخدام التعديلات الضرورية. ولكنّه لا يقوم بكل ذلك بمعزل من الآخرين فهو يتعلم ويطور كفاياته من خلال التفاعل والاحتكاك بأفراد آخرين من ذوي الخبرات والتجارب والمعارف في مجال التعليم والتعلم.
ويمكن أن يتمّ ذلك (Gather Thurler 1996,Duterq1999) بصورة غير رسميّة خلال المحادثات الودية في قاعات المعلمين أو أثناء الخروج من المؤسسة. ولكن هذه التعليمات رهينة العلاقات التي يربطها مع الزملاء في إطار نوع من الثقافة المدرسية من معتقدات وقيم وطرق عمل سائدة بين مجموعة المدرسين التي تتعرض إلى طلبات وضغوطات متشابهة منذ سنوات. وهي من الحلول التي وقع استنباطها وتوارثها وتقاسمها في شكل ثقافة محددة للمؤسسة، فثقافة المؤسسة إطار مرجعي يمكن من التعلم واكتساب مهنية ويساهم في إعطاء المعنى والهوية للمدرسين ولعملهم (Gather Thurler 1996).
فمهنة المدرس كما يشير إلى ذلك (Fullan 1982) تعاني من انعدام المناسبات السانحة للمدرسين للتفكير والملاحظة والمناقشة والتخطيط كأفراد أولا ولكن بالتفاعل مع زملائهم أساسا، وإنماء ثقافة التعاون والشراكة إحدى المدخلات الأساسية لممارسة مهنة التدريس وبناء “مهنيتها”. ويدرج (Perrenoud1993,1994) التعاون كإحدى مكونات مهنية التعلم حث يمكن من:
- الاهتمام بالمراقبة والمتابعة من طرف الأتراب ذوي التكوين المشترك والمكانة في تعارض مع المراقبة الصادرة من المسؤولين المباشرين عن المهنة.
- افتراض قدرة جماعية للتنظيم الذاتي للتكوين المستمر والاضطلاع به من طرف الجماعة المهنية.
- دعوة المعلم إلى ابتكار إجاباته الخاصة بشرط أن تبنى على قاعدة معرفة مشتركة وتفاعل مع المهنيين.
- بناء هوية مهنية واضحة تتزود من ثقافة فكرية مشتركة”.
و يتطلب التعاون كفايات متكاملة حسب Gather Thurler1996)) و منها:
- معرفة التعاون بصورة فعالة والانتقال من الفريق المزيف إلى الفريق الحقيقي.
- معرفة حصر المشاكل التي تتطلب تعاونا مكثفا فأن تكون مهنيا هو أن تعرف كيف توظفه عندما يتطلب ذلك توظيفا فعالا، أي المشاركة في ثقافة تعاون وأن تكون منفتحا وتتفاوض حول أنماط العمل الأساسية والمشاكل الواجب حلها.
- معرفة إدراك وتحليل ومجابهة العوائق والمفارقات وحركات الرفض للتعاون ومعرفة التحليل الذاتي والتحلي بنظرة المتفهم لكل مظهر من مظاهر المهنة نظرا لتعقدها. و يتطلب ذلك تغييرا في أدوار المعلم. فما هي أدوار المعلم الجديدة ؟
.
المصادر و المراجع
I باللغة العربية
1) باكاي(و من معه) ترجمة ساسي(ن)،تكوين معلمين مهنيين:الاستراتيجيات و الكفايات ،المنظمة العربية للثقافة و التربية و العلوم،تونس،1991.
2) بوستيك(م)،العلاقة التربويّة، ترجمة (النحاسم.ب)،مراجعة (أحبدو م.)،نشر المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، تونس، 1986.
3) بياجي (جون)،التوجهات الجديدة للتربية، ترجمة.بلكوش(م.ح) دار توبقال للنشر الدار البيضاء المغرب، 1979.
3) فرحات(م)، مساهمة مشروع القسم في ﺇرساء ثقافة المؤسسة ، بحث تخرج لنيل الأستاذية في علوم التربية بالمعهد الأعلى للتربية و التكوين المستمر باردو-بحث غير منشور- (2004)
II باللغة الفرنسية
- Altet(M. ;Styles d’enseignement, Styles pédagogiques ; p89 ;in La pédagogie :une encyclopédie pour aujourd’hui -J.Houssaye-(Dir.) ;
- J.M:Les Concepts d’Ami Critique et de Maillage au Cœur de l’Accompagnement,du Suivi et de l’Evaluation ;in « Bulletin Pédagogique. Ministère de l’education.n°3-décembre 2001.
- J ; Démocratie et Education ,Edition inter-nationales,1975
- Dewey J :La démocratie créatrice- La tâche qui nous attend-in Horizons philosophiques, vol 5, no 2, 1997
- Gather Thurler (M.) ;In M.Bonami et M.Garant(dir.) Systèmes scolaires et pilotages de l’innovation : émergence et implantation du changement, Bruxelles : De Boeck,pp.145-168. Innovation et coopération : liens et limites ;1996.
- Gather Thurler,M.(1994) :Relation professionnelles et culture des établissements scolaire :au de-delà du culte de l’individualisme ;in Revue Française de pédagogie ;n°109 p.p 19-39
- Pelletier G.(1997) :Le .Partenariat : Du discours à l’action, Faculté des Science de L’Eduction, Université du Montréal.
- D.)1994( : Partenariat in Dictionnaire encyclopédique de l’éducation et de la formation
موضوع مهم ، و قد أحاط بالمسألة بكافة تفاصيلها..