المقدمة
لا شك أن قضية المعنى من القضايا التي شغلت العلماء من فلاسفة ولغويين منذ وقت مبكر، حيث إن طبيعة المعنى تتصف بالتعقيد؛ فالمعاني لا تنتقل من المتكلم إلى المستمع أو من الكاتب إلى القارئ، وإنما الذي يحدث في عملية الاتصال أن المتكلم أو الكاتب يمد السامع أو القارئ بجملة من الرموز يساعده عن طريقها على استحضار المعاني التي يرى هو أنها قريبة أو مماثلة للمعاني التي عنده. فالمتكلم أو الكاتب يمد المستمع أو القارئ بمجموعة من الرموز ليترجمها هو إلى معانيها في إطار خبراته. فكأن الكلمات والتراكيب والجمل ما هي إلا رموز أو شفرة. وعلى هذا فالمستمع أو القارئ ليس مجرد مستقبل، وإنما هو شخص ناشط إيجابي يقوم بتلقي هذه الرموز أو الشفرة وترجمتها إلى مدلولات معينة قد تكون متفقة أو مختلفة عن مدلولاتها عند المتكلم أو الكاتب. ويختلف المتحدثون والكتّاب في درجة الدقة والوضوح التي يعرضون بها أفكارهم ومشاعرهم ومشاكلهم، وكذلك يختلف المستمعون والقراء في درجة إدراكهم للمعاني التي يستمعون إليها أو يقرؤونها.
ويمكن أن يفسر هذا في ضوء الفروق الفردية واختلاف ظروف حياة الناس واختلاف بيئاتهم وثقافاتهم. وبناء على ما سبق فإن كمال الاتصال بين المتكلم والمستمع الكاتب والقارئ يعتبر أمرًا مستحيلا. فلا يمكن أن يحدث أن يتكلم المتكلم فيفهم المستمع المعاني التي يقصدها المتكلم كاملة دون زيادة أو نقصان، حتى لو كانا قد تربيا في ظروف واحدة تماما أو كانا توأمين ذوي مشيمة واحدة. وكمال الانقطاع كذلك أمر مستحيل. فمهما اختلفت ظروف وبيئات وثقافات المتكلم والمستمع أو الكاتب والقارئ، فما دامت الرموز التي يستخدمانها واحدة فلابد أن يحدث بينهما نوع من التفاهم مهما كان قليلا.
مما سبق يتبين أهمية معاني اللغة حيث إنها متفق عليها بين أبناء المجتمع الذي يتكلم هذه اللغة، وبدون هذا الاتفاق لا يحدث الاتصال بين المتكلم والمستمع، وبين الكاتب والقارئ[1].
من هنا جاء البحث الحالي ليكشف جانبا من جوانب الدرس الدلالي بناء على العلاقات التي تجمع الدال بمدلوله، وهو جانب المعنى؛ ويدرس دلالة الألفاظ ومعناها، وأغراضها، وطرق قياسها والتي تساعد في تسهيل التواصل بين أفراد المجتمع بالاتفاق على معاني اللغة التي يتكلمونها.
تعريف علم الدلالة (المعنى)
يُعرّف بأنه” دراسة المعنى” “أو العلم الذي يدرس المعنى”، أو هو “الذي يدرس الشروط الواجب توافرها في الرمز حتى يكون قادرًا على حمل المعنى”. ويُقصد بالرمز أنه” مثير بديل لنفسه نفس الاستجابة التي قد يستدعيها شيء آخر عند حضوره”. وهذه الرموز قد تكون لغوية أو غير لغوية وتحمل معنى.[2]
وكما هو معروف بأن النشاط الكلامي ذا الدلالة الكاملة لا يتكون من مفردات فقط، وإنما من أحداث كلامية تكوّن جملا تتحدد معالمها بسكتات أو وقفات، فعلم المعنى لا يقف فقط عند معاني الكلمات المفردة؛ لأن الكلمات ماهي إلا وحدات يبني منها المتكلمون كلامهم، ولا يمكن اعتبار كل منها حدثا كلاميا مستقلا قائما بذاته.
ويشمل الحدث الكلامي عدة جوانب، وهي:
-الجانب الصوتي، الذي قد يؤثر على المعنى، مثل وضع صوت مكان آخر، ومثل التنغيم والنبر بنغمات مثل الاستفهام والتعجب والتقرير.
-جانب التركيب الصرفي للكلمة وبيان المعنى الذي تؤديه صيغتها. فمثلا لا يكفي لبيان معنى” استغفر” بيان معناها المعجمي المرتبط بمادتها اللغوية (غ ف ر)، بل لا بد أن يضم إلى ذلك معنى الصيغة وهي في هذا المثال(استفعل) التي تدل على الطلب.
-الجانب النحوي، لكل كلمة داخل الجملة، فمثلا هناك فرق بين قول: طارد الكلب القط، وطارد القط الكلب.
-جانب المعاني المفردة للكلمات، وهو ما يعرف بالمعنى المعجمي. ويمكن أن يوجد المعنى المعجمي بمعزل عن المعنى النحوي كما في الكلمات المفردة، ويمكن العكس بأن يوجد المعنى النحوي دون المعجمي كما في الجمل التي تركب من كلمات لا معنى لها مثل: القرعب شرب البنع. بل من الممكن ألا يوجد للجملة معنى مع كون مفرداتها ذوات معان، إذا كانت معاني الكلمات في الجملة غير مترابطة، مثل: الأفكار عديمة اللون تنام غاضبة.
-جانب دراسة التعبيرات التي لا يتضح معناها بمجرد تفسير كل كلمة من كلماتها، والتي لا يمكن ترجمتها حرفيا من لغة إلى لغة، مثل: البيت الأبيض في الولايات المتحدة.[3]
أغراض المعنى
استخدم اللغويون وعلماء النفس صورا من قياس المعنى، وذلك لتحقيق عدة أغراض منها:
1 – قياس المعنى الأساسي للكلمات المتضادة.
2- قياس التشابهات والاختلافات في المعاني النفسية الداخلية عند الأفراد بالنسبة إلى المفاهيم المختلفة أو المعاني التي يشعر وينفعل بها هو ذاته.
3- قياس ردود الأفعال الفسيولوجية التي تعد استجابات المثيرات لغوية معينة.
4 – قياس معاني الأحداث (كالضحك والتكلم والقراءة والكتابة)، والصفات (كالذكاء والطول…).
أنواع المعنى
عندما نبحث في معنى كلمة فلا يكفي الرجوع إلى المعجم ومعرفة المعنى المدون فيه. لذلك فرق علماء الدلالة بين أنواع من المعنى لا بد من ملاحظتها قبل التحديد النهائي لمعنى الكلمة. وقد اختلفوا في حصر أنواع المعنى، فمنهم من جعل تصنيفه يرتكز على الإدراك لطبيعة العلاقة بين قطبي الفعل الدلالي، وهي: اعتبار العرف، أو اعتبار الطبيعة، أو اعتبار العقل، وعلى ذلك فالمعنى إما عرفي، أو طبيعي، أو عقلي.
ومنهم من صنف المعنى من حيث المفهوم لثلاثة أصناف: دلالة المطابقة، دلالة التضمن، ودلالة الالتزام.[4]
وكذلك هناك من قسم المعنى إلى: المعنى التحليلي والمعنى التركيبي، المعنى المفرداتي والمعنى القواعدي، المعنى والسياق، المعنى والمؤثرات الخارجية، المعنى النسبي، المعنى النفسي، المعنى والتعريف، المعنى والنمط، المعنى الأساسي والمعنى الإضافي، المعنى الأسلوبي، المعنى الصوتي.[5]
ولعل أبرز أنواع المعنى وأهمها هي الأنواع الخمسة:
١ – المعنى الأساسي أو المركزي، ويسمى أحيانا المعنى التصوري أو المفهومي. وهذا المعنى هو العامل الرئيس للاتصال اللغوي، والذي يمثل الوظيفة الأساسية للغة، وهي التفاهم ونقل الأفكار. ومن الشرط لاعتبار متكلمين بلغة معينة أن يكونوا متقاسمين للمعنى الأساسي. ويملك هذا النوع من المعنى تنظيما مركبا راقيا من نوع يمكن مقارنته بالتنظيمات المشابهة على المستويات الفونولوجية والنحوية. وقد عرّف Nida هذا النوع من المعنى بأنه المعنى المتصل بالوحدة المعجمية حينما ترد في أقل سياق أي حينما ترد منفردة.
٢ – المعنى الإضافي أو الضمني، وهو معنى زائد عن المعنى الأساسي وليس له صفة الثبوت والشمول، وإنما يتغير بتغير الثقافة أو الزمن أو الخبرة، فإذا كانت كلمة «امرأة» يتحدد معناها الأساسي بثلاثة ملامح هي (+ إنسان – ذكر + بالغ) فهذه الملامح الثلاثة تقدم المعيار للاستعمال الصحيح للكلمة. ولكن هناك معاني إضافية كثيرة، وهي صفات غير معيارية، وقابلة للتغيير من زمن إلى زمن، ومن مجتمع إلى مجتمع. هذه المعاني الإضافية تعكس بعض الخصائص العضوية والنفسية والاجتماعية، كما تعكس بعض الصفات التي ترتبط في أذهان الناس بالمرأة (كالثرثرة وإجادة الطبخ ولبس نوع معين من الملابس)، أو التي ترتبط في أذهان جماعة معينة تبعا لوجهة نظرهم الفردية أو الجماعية، أو لوجهة نظر المجتمع ككل (استخدام البكاء – عاطفية ـ غير منطقية – غير مستقرة). ولا يعتبر شرطا بالنسبة للمتكلمين بلغة معينة أن يتفقوا في المعنى أو المعاني الإضافية. كما أن المعنى الإضافي مفتوح وغير نهائي، بخلاف المعنى الأساسي. ومن الممكن أن يتغير المعنى الإضافي ويتعدل مع ثبات المعنى الأساسي.
3 – المعنى الأسلوبي، وهو الذي يحدد قيما تعبيرية تخص الثقافة أو الاجتماع. ويكشف عن مستويات أخرى مثل التخصص ودرجة العلاقة بين المتكلم والسامع ورتبة اللغة المستخدمة (أدبية – رسمية – عامية – مبتذلة)، ونوع اللغة (لغة الشعر – لغة النثر – لغة القانون – لغة العلم – لغة الإعلان)، والواسطة (حديث – خطبة – كتابة)، فكلمتان مثل father و daddy تتفقان في المعنى الأساسي ولكن الثانية يقتصر استعمالها على مستوى الشخص الحميم.
4– المعنى النفسي، وهو الذي يتصل بالكلمات ذات القدرة على الإيحاء نظرا لشفافيتها، و يشير إلى ما يتضمنه اللفظ من دلالات عند الفرد. فهو بذلك معنى فردي ذاتي. وبالتالي يعتبر معنى مقيدا بالنسبة لمتحدث واحد فقط، ولا يتميز بالعمومية، ولا التداول بين الأفراد جميعا. ويظهر هذا المعنى بوضوح في الأحاديث العادية للأفراد، وفي كتابات الأدباء وأشعار الشعراء حيث تنعكس المعاني الذاتية النفسية بصورة واضحة قوية تجاه الألفاظ والمفاهيم المتباينة.
5 – المعنى الإيحائي، وهو ذلك النوع من المعنى الذي يتعلق بكلمات ذات مقدرة خاصة على الإيحاء نظرا لشفافيتها، وقد حصر أولمان تأثيرات هذا النوع من المعنى في ثلاثة، هي:
التأثير الصوتي، التأثير الصرفي، التأثير الدلالي.[6]
طرق قياس المعنى
تتسم طبيعة المعنى بالتعقيد، وقد اهتم علماء اللغة بذلك، ولعل أبرز المؤلفات التي أبرزت ذلك التعقيد كتاب أوجدن وريتشارد (معنى المعنى)، والذي وضح بشكل جلي ما تتصف به طبيعة المعنى من تعقيد. وتفسير أوجدن وريتشارد للمعنى يقوم على أساس رياضي/آلي، فالمعنى عندهما يرجع إلى أربعة عناصر هي: القصد، القيمة، المدلول عليه، والانفعال/ العاطفة[7].
لذلك استخدم اللغويون وعلماء النفس صورا من قياس المعنى، ولعلي أذكر ما جاء به أحمد مختار، وهي:
۱ – القياس بالتدريج، وذلك بوضع معيار متدرج لتحديد درجات الكلمات التي تقع في التضاد المتدرج بين طرفين متضادين. وعلى هذا المقياس يجري توزيع سلسلة الكلمات المتضادة، وهذا المعيار يُقاس به المعنى الأساسي للكلمات المتضادة.
ويكون بعمل مقياس متدرج توزع عليه كلمات التسلسل. فيمكن مثلا بالنسبة لدرجات الحرارة وضع مقياس متدرج على النحو التالي: عال- ساخن – حار – دافئ – معتدل ـ بارد ـ قارس ـ متجمد بعد تحديد درجة الحرارة أو البرودة بالنسبة لكل كلمة. كما يمكن على سبيل المثال – عمل مقياس للعلو توزع عليه الكلمات: يهمس – يوشوش – يتمتم – يتنهد – يغمغم – يحف – يطن ـ يتذمرـ يصيح – يتكلم – يصرخ – ينادي ـ يبكي – ينهنه … فلكي يكون اللفظان متضادين يجب أن يختلفا فقط في ملمح «العلـو». وتكون أي كلمة من كلمات العلو مضادة لأي كلمة من كلمات الانخفاض.
۲ – التمايز السيمانتيكي، والذي عُني بقياس التشابهات والاختلافات في المعاني النفسية الداخلية عند الأفراد بالنسبة إلى المفاهيم المختلفة أو المعاني التي يشعر وينفعل بها هو ذاته. فقد تطور من خلال الدراسات النفسية، وأشهر من حقق له تقدما Charles E. Osgood وحلقته، وذلك عن طريق ما عرف باسم علم الدلالة النفسي psycho semantics. وقد عرف هذا المقياس باسم التمايز السيمانتيكي Semantic differentiation. ويتلخص هذا المقياس في أن يسمع الشخص المسؤول كلمة معينة ثم يُسجل استجابته لهذا المثير عن طريق اختيار واحدة من صيغتين متقابلتين مثل: سعيد – حزين، خشن – ناعم، بطيء-سريع. أو عدة صيغ مطروحة أمامه.
تقول الدكتورة نوال عطية: (محاولة أوزجود وضع وسيلة قياس موضوعي للسيمانتيك يسرت للباحثين قياس دلالات الألفاظ ومعانيها النفسية عند الأفراد في مجالات سلوكية متباينة مثل الاتجاهات، والاتصال، واللغويات، والجماليات، والإعلام، والشخصية، والعلاج النفسي).
وقد فصل Charles Osgood) ، وزملاؤه) طرق وأهداف قياس المعنى في كتابهمThe Measurement of Meaning ومن أهم ما ورد في هذا الكتاب المعلومات الآتية:
1 – ما عدا هذه الدراسات المعروضة ( في الكتاب ) لا يوجد إلا قليل – إذا وجد شيء – من المحاولات المنظمة لإخضاع المعنى لقياس كمي، وهناك عدة أسباب لهذا، منها : أن مصطلح معنی يبدو وكأنه يدل على شيء غير مادي بطبيعته، شيء متصل بالفكرة والروح، أكثر من اتصاله بجانب المثير والاستجابة القابل للملاحظة. ومنها أنه يشير إلى حالة كامنة يجب تخمينها من أشياء ملاحظة، فهو نوع من المتغير الذي يتجنبه السيكولوجيون المعاصرون بقدر الإمكان.
2 – أي منهج للقياس لا بد أن يقيم بتوفر المعايير الآتية:
أ – الموضوعية والبعد عن التأثر بآراء الباحث الخاصة.
ب – الثبات بأن يكون في حدود هامش الخطأ المسموح به حينما تكرر نفس المواصفات.
ج – الصدق.
د – الحساسية والتمايز، بأن تكون قادرة على إظهار أي تميز دقيق في المعنى كما يحدث في الاتصال.
هـ – قابلية المقارنة والتطبيق على مجال واسع من الظواهر داخل الحقل.
و – المنفعة بألا تكون معقدة ومستلزمة لمصاعب تعوق جمع المادة.
3 – عرض لطرق القياس المختلفة مثل الطرق الفسيولوجية، والطرق التعليمية، والطرق الإدراكية، والطرق المتدرجة.
4 – عرض فكرة التمايز السيمانتيكي (السيمانتي) وخطواتها الإجرائية، والمنطق الذي يحكمها، ونماذج من التجارب التي طبقتها. ومناقشة ميكانيكية تكوين واستخدام التمايز السيمانتيكي كأداة للقياس، وتصنيف أنواع المادة الناتجة عن هذه الأداة، وطرق تحليل وتفسير هذه المادة.
ولإيضاح نظرية التمايز السيمانتيكي، يقول Osgood: نبدأ بفرض مجال سيمانتيكي، وهي منطقة تحوي بعض الاتجاهات غير المعروفة. كل مقياس سيمانتيكي يعرف بواسطة صفتين متقابلتين على مدرج مقسم إلى سبع نقاط (وكلما كان المدرج أطول كان أكثر تمثيلا).
وتتابع الصفات حسب الغرض المقصود منها، ويمكن أن توضع في مجموعات تبعا لدلالاتها. وليس هناك عدد معين يجب الوقوف عنده.
واختلاف المعنى بين مفهومين هو نتيجة الاختلافات في الحصص الخاصة داخل المجال المعين، أو الفروق في وضع هذين المفهومين داخل المجال السيمانتيكي.
بالتمايز السيمانتيكي يقصد : الحصص المتتابعة المفهوم ما على إحدى تدريجات المجال السيمانتيكي متعدد الأبعاد، ويحدد عن طريق الاختيار من بين طاقم من الاختيارات السيمانتيكية المتدرجة.
وبما أن هذا المقياس يقيس المعاني النفسية الداخلية، فإنه لا يعكس المعاني الإشارية أو الحرفية للمفهوم، أي المعاني التي يتفق على تعريفها الأفراد، وإنما يعكس التشابهات والاختلافات في المعاني النفسية الداخلية عند الفرد بالنسبة إلى المفاهيم المختلفة، أي المعاني التي يشعر بها وينفعل بها هو ذاته … فهي معان غير مباشرة للمفهوم.
٣ – القياس العضلي، الخاص بردود الأفعال الفسيولوجية فيقوم على قياس المعنى اعتمادا على ما يؤدي إليه من ارتباطات فسيولوجية مباشرة، وما يصحبه من نشاط عضلي يمكن قياسه.
وقد قدم كل من Jacobson و Max تسجيلات تفصيلية للجهد العضلي أثناء لحظات التفكير المباشر. وقد وجدا ارتباطات موضعية ثابتة بين بعض أنماط التفكير وبعض الحركات العضلية (الصم والبكم مثلا يظهرون نشاطا عضليا وبخاصة في حركات الأصابع). كذلك قاس Razran رد فعل اللعاب، واتخذ من نفسه مقياسا. وقد وجد أن الكلمات التي عرفها منذ طفولته المألوفة يزداد معها اللعاب (الكلمات الروسية) وبعدها جاءت كلمات لغته العلمية (الإنجليزية). وكان اللعاب أقل مع اللغات التي يعرفها بصورة ضعيفة كاللغات (الفرنسية – الأسبانية – البولندية).
4-أما القياس التركيبي الاختياري الخاص بمعاني الأحداث والصفات على معيار مدرج بقصد تحديد ما يمكن أن يتلاءم أو لا يتلاءم معها في الجملة فهو صعب التطبيق؛ لأن الأمر بالنسبة له ذو طبيعة ذاتية، ويختلف من شخص لآخر. وعلى سبيل المثال لو أخذنا الفعل (يقرأ، فأي الأسماء تكون مقبولة كفاعل بالنسبة له؟ هل هو الاسم الذي يحمل ملمح (الحي) أو الذي يحمل ملمح (الذكي)، (بالنسبة لكثير من الناس تقع الكلاب والقطط والقرود في هذا الصنف) أو الذي يحمل ملمح (الآدمي).
ولحل هذا الإشكال ربما كان من الأفضل الاعتماد على سلسلة ممتدة من القيم بدلا من الاعتماد على نظام ثنائي الملامح. وتوضع الأشياء على امتداد المقياس لتحديد درجتها.[8]
الخاتمة
يتضح من خلال العرض السابق بأن علم المعنى لا يتناول المفردات في الحقل المعجمي، إنما يتناولها بوظائفها الصرفية، ودلالات التراكيب على مستوى المعاني النحوية، مع عدم إغفاله للجوانب اللغوية والإدراكية والنفسية والاجتماعية، فيكون بذلك مراعيا لطبيعة اللغة الإنسانية.
وهذا بدوره انعكس على تعدد أنواع المعنى، واختلف العلماء في تصنيفها، فمنهم من جعل تصنيفه يرتكز على الإدراك لطبيعة العلاقة بين قطبي الفعل الدلالي، وهي: اعتبار العرف، أو اعتبار الطبيعة، أو اعتبار العقل، وعلى ذلك فالمعنى إما عرفيا، أو طبيعيا، أو عقليا. ومنهم من صنف المعنى حيث المفهوم لثلاثة أصناف: دلالة المطابقة، دلالة التضمن، ودلالة الالتزام. وكذلك هناك من قسم المعنى إلى: المعنى التحليلي والمعنى التركيبي، المعنى المفرداتي والمعنى القواعدي، المعنى والسياق، المعنى والمؤثرات الخارجية، المعنى النسبي، المعنى النفسي، المعنى والتعريف، المعنى والنمط، المعنى الأساسي والمعنى الإضافي، المعنى الأسلوبي، المعنى الصوتي. ومنهم من صنفها لخمسة أنواع: المعنى الأساسي، والمعنى الضمني، والمعنى الأسلوبي، والمعنى النفسي، والمعنى الإيحائي، ولعل هذا التصنيف هو الأشمل؛ وذلك لمراعاته لوظائف المعنى المتنوعة وجميع جوانبه.
وبالمقابل فعند قياس المعنى بالطرق التي اتبعها الباحثون والتأمل في طريقة تطبيقها نجد بأنها لم تتمكن من قياس المعنى بصورة متعمقة؛ وذلك يعود إلى طبيعة المعنى المعقدة، وعدم استناد الباحثين على أسس علمية مضبوطة في قياس المعنى.
المراجع
الخولي، م (2001). علم الدلالة (علم المعنى). دار الفلاح للنشر والتوزيع: الأردن.
السعران، م. (1997). علم اللغة مقدمة للقارئ العربي. دار النهضة العربية: بيروت.
صبري،ه .(2015). فلسفة اللغة عند نعوم تشومسكي. المكتب العربي للمعارف: القاهرة
عمر، أ.م.(1998م). علم الدلالة. عالم الكتب: القاهرة
[1] تدريس فنون اللغة، مدكور، مكان الصدور، البلد ودار النشر، التاريخ ص32
[2] علم الدلالة، أحمد مختار، القاهرة، عالم الكتب(1998م)، ص12
[3] علم الدلالة، أحمد مختار، القاهرة: عالم الكتب(1998م)، ص14
[4] علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي، منقور عبد الجليل. دمشق: اتحاد الكتاب العرب (2001)، ص71
[5] علم الدلالة، محمد الخولي. الأردن: دار الفلاح للنشر والتوزيع (2001)، ص64- 80
[6] علم الدلالة، أحمد مختار، القاهرة: عالم الكتب(1998م)، ص36-39
[7] علم اللغة مقدمة للقارئ العربي، محمود السعران، بيروت: دار النهضة العربية(1997)،ص294
[8] علم الدلالة، أحمد مختار، القاهرة: عالم الكتب(1998م)، ص42-48
مقالة متميزة، بس لو كان بها العديد من الأمثلة من واقع الكلمات تكن جل المعرفه .
شكرًا لكِ د. سحر على مرورك، وتعليقك البناء الذي سأضعه في الحسبان.. تحياتي