توطئة:
تؤرّق مسألة عقبات التّعلّم العالم المدرسيّ بأكمله. فهي تمثّل تحدياّ حقيقيّا للفاعلين التّربويين وخاصّة المدرّسين منهم. ومن البديهيّ القول أنّ تطوّر أداء المدرسة لا يحدث إلاّ إذا أخذنا عقبات التّعلّم مأخذ الجدّ وأفردناها بحيّز داخل المناهج التّعليميّة. فالتّعلّم حالة معقّدة لا يجري على سَنن خطيّ، بل تتظافر في تشكيله عدّة مشارب وجدانيّة وذهنيّة متعاضلة ومتفاعلة ذاتيّة وبيئيّة تَؤزّه نحو العسر والإغلاق. ويكون مصحوبا بعقبات يستوجب تذليلها في الإبان حتّى يتسنّى للمتعلّم مواصلة تعلّمه في أفضل الظروف. وما زاد الاهتمام بعقبات التعلّم اقتضاءً، إهمال المناهج التّربويّة -خاصة بالوطن العربيّ- عقبات التعلّم في برامجها ومخطّطاتها وترك المدرّسين يواجهون مصيرهم لوحدهم دون تكوين مخصوص ودون تقديم منهجيات ومحتويات ملائمة…
في هذا الإطار، نقترح إطارا مرجعيّا لتدخلات الدّعم والإسناد قوامه خوارزميّة متناسقة تؤلف بين مختلف العناصر الفاعلة داخل المنظومة التّربويّة سعيا لعقلنة العمل التّربوي والرّفع من نجاعته. وسنفصلّ الحديث تباعا في توجّهات المرجعيّ (أي الإطار المرجعيّ) ونوع المرافقات المرتبطة به والمسالك العمليّة المفضّلة لتلك المرافقات. وسنعتمد على خلاصات لدراسات علميّة عندما يتعلّق الأمر ببعض الإقرارات. لكن قبل ذلك لابدّ من تحديد مفهوميْ التّعلّم والعقبة المعتمدين في هذا المرجعيّ توخيّا للدّقة.
1- الضبط المفهوميّ:
أ- مفهوم التّعلّم في السّياق المدرسيّ:
التّعريف:
لقد تعدّدت الدّراسات الّتي اهتمّت بموضوع التّعلّم وتنوّعت. ويمكن أن نذكر في هذا المجال المقاربات السلوكية والمقاربات البنائية والمقاربات المعرفية… ويرى S.Johsua و J.Dupin أنّه لا يمكن البتّة نفي تأثيرنظريّة Piaget البنائيّة في البحوث الّتي تمّت في مجالي التعلم والتّعليم، لقد احتُفظ بأغلب فرضياته. ورغم ذلك وُجهت ثلاث فئات من النّقد لنظريته:
- أوّلا: لقد أنقصت نظرية Piaget من أثر اختلاف المحتويات وكذلك من أثر اختلاف الوضعيات في التعلم،
- ثانيا: تميل هذه النّظريّة إلى اختزال سيـرورة المـوازنات فـي العلاقـة المخصوصة مع المواضيع وتهمل تبعـا لذلـك التأثـيرات الاجتماعية-المعرفيّة في التّعلّم،
- ثالثا: لكن تُعتبر العوامل المذكورة في واحد واثنين حاسمة عند دراسة ظروف التّعلّم في السيّاق المدرسيّ.
أمّا بالنسبة للنّظريات المعرفية الّتي تعتمد على نماذج معالجة المعلومة، فقد أخذت تأثير المحتويات وكذلك الوضعيات بعين الاعتبار، كما أنّها لم تهمل تأثير العوامل الاجتماعية (على الأقلّ من وجهة نظر منهجيّة). بالإضافة إلى ذلك فقد حافظت على المظهر البنائي لتكوّن المعارف أي على جدلية معقّدة بين قاعدة المعارف المتوفّرة لدى الفرد والمعطيات الخارجيّة الجديدة. لكنّها تشكو من نقائص-على عكس نظرية Piaget -تتمثّل أساسا في عدم الانتباه إلى نشوء (genèse) البنيات المعرفية المعقّدة والمخصوصة (spécifiques) الّتي تُلابس التّعلّم المدرسي (المرجع السّابق ص 115،114).
إنّ هذا القصور فيما هو شائع، دفع بعض المختصّين في علوم التّربية إلى بلورة مقاربات تعتني بخصوصيات التعلم في السّياق المدرسيّ. وقد سعى Philippe Jonnaert مثلا إلى تنزيل مقاربته للتّعلّم المدرسيّ ضمن نموذج بنائي وتفاعلي واجتماعي (Un modèle socio-constructiviste et interactif-SCI-) تتمفصل داخله الأبعاد المختلفة للعلاقة التّعلّمية (la relation didactique) بشكل تفاعلـي ودينامي:
– يتّخذ البعد البنائي الفرد الّذي يتعلّم مرجعيةً. كما ينظّم التّعلّم بما يسمح للمتعلّم بأن يتعلّم بنفسه.
– ويتّخذ البعد الاجتماعي مجالاً شركاء الوضعيّة التّعليميّة (التّلاميذ والمعلّم)، كما ينظّم التّفاعلات الاجتماعية.
-وأخيرا يهتمّ البعد التّفاعلي بالمحيط (الوضعيات التّعلّميّة وتنظيم موضوع التّعلّم داخل هذه الوضعيات). كما يُموضع الوضعيات داخل سياق معيّن.
لكن لا يمكن الحديث عن التّعلّم المدرسيّ في المطلق (1999 Jonnaert)، بل تقتضي طبيعته إدراجه داخل العلاقة التّعلّميّة وتحديدا في فضاء الحوارات الّتي تفتح بالفصل، وأن خارج هذا الفضاء يصبح التّعلّم المدرسيّ مشكوكا في حدوثه. ويلعب في هذا الاتّجاه العقد التّعلّمي-التّعليمي دورا مهمّا، إذ يساعد على تحديد مساحات للحـوار داخل العلاقة التّعلّمية نفسها وتنظيم مختلف التّفاعلات بين شركاء الوضعيّة التّعلّميّة-التّعليميّة كما يعدّل باستمرار علاقاتهم مع موضوع المعرفة.
لكن إدماج التّعلّم المدرسيّ داخل فضاء العلاقة التّعلّمية لا يُعبّر-في الواقع- إلاّ على الزّمن الوَمْضي لتكوّن المعارف. وأنّ التّعلّم في جوهره وروحه هو تمشّ مفتوح لا ينتهي أبدا. لذلك تتمثّل الغاية النهائيّة للتّعلّم المدرسيّ في إحداث انفقاس (éclosion) لتمشّ أوسع ممتدّ في الزّمن يتواصل خارج المدرسة.
ويتطلّب تحقيق هذه الغاية بناء تعلّمات مدرسيّة تمكّن المتعلّم من نقل ما تعلّمه من معارف جديدة وكفايات إلى وضعيات أخرى غير تعلّميّة. في هذا السياق، يلعب النّقل التّعليميّ دورا مهمّا بالتّساؤل عن مدى أهميّة تلك المعرفة بالنسبة إلى المتعلّم وما عسى أن يفعل بها خارج الإطار المدرسيّ وبالتّالي تصبح من بين الوظائف البارزة للنقل التّعليميّ داخل النموذج SCI إلى جانب وظيفة التّشريع للمعارف وتحديد الوضعيات المناسبة لها وظيفة التّقييم من خلال التّثبّت من حصول نقل أثر التّعلّم (le transfert) من عدمه.
وتسلمنا التّوضيحات أعلاه إلى تعريف التّعلّم المدرسيّ من خلال النموذج SCI “على أنّه سيرورة ديناميّة تمكّن المتعلّم من خلال سلسلة من التّفاعلات مع أقرانه والمعلّم من أن يضع معارفه الخاصّة في تفاعل مع المعارف المقترحة عليه من أجل بناء معارف جديدة متكيّفة مع الوضعيّة الّتي يواجهها بضاغطاتهـا ومواردهـا. ويكون الهدف من وراء كلّ ذلك إقدار المتعلّم على توظيف تلك المعارف الجديدة في وضعيات غير تعلّميّة (أي خارج السّياق المدرسي).“
الإطار المرجعي كاملا من هنا.