مقدمة
في حين يعني الاستعمار في اللغة العربية إعمار الأرض واستصلاحها لتصبح مؤهلة لعيش البشر عن طريق استغلال ثرواتها بما فيه خير البشرية، إلا أنه في الاستعمار تتسلط أمة على أخرى وتتحكم باقتصادها وفكرها وقيمها وسياستها العامة بحجة أنها تريد إعمارها. ومن أجل التمويه وتجميل الصورة يقوم المُحتل باستخدام مصطلح الاستعمار بدلا من الاحتلال من أجل أن يكسب ثقة الشعوب الأخرى، ولكن في حقيقة الأمر الاستعمار والاحتلال هما وجهان لعملة واحدة، وليتم الاستعمار لأي بلد فإنه لا بد من أن يتحقق أمران وهما السيطرة الاقتصادية على مقدرات البلد المُحتل والتدخل العسكري لفرض السيطرة (بكير، 2022).
مفهوم الاستعمار
يعرف الاستعمار على أنه ظاهرة تتمثل في سيطرة دولة قوية على أخرى ضعيفة، وبسط نفوذها عليها واستغلال خيراتها الاقتصادية وثرواتها الطبيعية والاجتماعية والثقافية. وكثيرا ما ينتج عن الاستعمار نهب وسلب لمعظم ثروات البلاد المستعمَرة (التي تقع تحت الاستعمار)، وتحطيم كرامة شعوبها وتدمير إرثها الحضاري وتراثها الثقافي، وفرض ثقافة الاستعمار على أنها الثقافة الحضارية الوحيدة القادرة على نقل البلاد المستعمَرة من حالة التخلف والجهل إلى مرحلة الحضارة (سطور، 2019). ويشير الاستعمار تاريخيًا إلى السيطرة على الحُكم، والأرض، والناس – ويكون ذلك متعلقًا بالسلطة السياسية (بركات، 2021).
استعمار التعليم
تعرض التعليم لدى الكثير من الأمم والشعوب على مر التاريخ إلى أشكال مختلفة مما يمكن تسميته “استعمار التعليم” الذي كان وما زال أداة استخدمتها القوى الاستعمارية لتعزيز هيمنتها على الأراضي والشعوب المستعمرة، بما يتضمنه ذلك من ترويج للغة وثقافة وتاريخ المستعمرين مع قمع أو تهميش لغات وثقافات وتاريخ الشعوب الأصلية أو المستعمرة.
لم تتوان السياسات التعليمية الاستعمارية عن مهاجمة ومحاولة تحطيم الأنظمة التعليمية القائمة وعلى رأسها المدارس في الشعوب المستعمرة، وتقديم برنامج تعليمي غربي عنصري يستهدف شريحة صغيرة جداً من تلك المجتمعات، بهدف تعليمها تعليماً غربياً، والاهتمام بها لتكون طبقة من النخبة الموالية للمستعمر، وذلك لتحقيق أهدافه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وللأسف إن مرحلة ما بعد الاستعمار لم تختلف كثيراً عن سابقتها، بل أطرت تلك السياسات في ثوب جديد وشرعت لها تحت مظلات وطنية مصطنعة (مشرف، عبد اللطيف، 2019).
يشير مصطلح “استعمار التعليم” إلى العملية التي يتم من خلالها فرض الأنظمة التعليمية لثقافة أو أمة ما على تلك الموجودة في ثقافة أو أمة أخرى أو السيطرة عليها، أو إلى ممارسة فرض النظام التعليمي والمناهج الدراسية في دولة مستعمرة على دولة أو أمة أخرى. وغالبًا ما يكون ذلك بهدف تأكيد السيطرة باشكالها المختلفة الثقافية والسياسية والاقتصادية. ويمكن أن يتجلى ذلك بطرق مختلفة، بما في ذلك فرض لغة القوة المهيمنة ومناهجها وقيمها ورواياتها التاريخية على الأنظمة التعليمية للشعوب المستعمرة أو المهمشة.
استراتيجيات استعمار التعليم
ينظر المستعمرون إلى الشعوب التي تخضع إلى سيطرتهم على أنها فقيرة، متخلفة، جاهلة، أمية، متوحشة وغير متحضرة، لذلك يزعمون أنهم يحملون رسالة حضارية لنشر الثقافة والتعليم بين هذه الشعوب (القحطاني، 2017). ويتبعون مجموعة من الاستراتيجيات في استخدام التعليم كأداة للسيطرة والهيمنة، وبالتالي العمل على فقدان الهوية الثقافية والتعليمية الوطنية في الدول الخاضعة للسيطرة، وتبعيتها للنظم الاستعمارية والقيم الأجنبية. من هذه الاستراتيجيات:
- فرض اللغة: يؤدي فرض لغة المستعمر، أو استبدال اللغة الأم بلغة أجنبية في النظام التعليمي، إلى تهميش أو ضعف استخدام اللغة الأصلية وتراجعها: فيضطر الطلبة إلى تعلم واستخدام لغة المستعمر من أجل الوصول إلى التعليم أو المناصب المتقدمة في المجتمع.
- السيطرة على سياسات التعليم: تتدخل القوى الاستعمارية أو المهيمنة في تحديد سياسات التعليم وتوجيهها بما يخدم مصالحها، مثل تحديد لغة التعليم أو التركيز على مواد معينة.
- السيطرة على المناهج الدراسية: غالبًا ما تسعى القوى الاستعمارية إلى السيطرة على المناهج الدراسية في المدارس، وتشكلها لتعكس قيمها ووجهات نظرها وسردياتها التاريخية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى محو أو تشويه تاريخ السكان الأصليين وثقافاتهم ومساهماتهم، مما يعزز هيمنة المستعمر. لقد عمل التعليم كأداة للحفاظ على السيطرة على السكان المستعمرين من خلال تشكيل عقول الجيل الأصغر، وسعى المستعمرون إلى خلق قوة عاملة موالية والحد من صعود النزعة القومية. إن تطبيق مناهج تعليمية وقيم ثقافية أجنبية على الطلبة في الدول المستعمرة أو المتأثرة، كثيرا ما يؤدي إلى تهميش الثقافة المحلية.
- الاستيعاب الثقافي: تعمل أنظمة التعليم في ظل الاستعمار على تعزيز استيعاب الشعوب المستعمرة في الثقافة السائدة، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب هوياتهم الثقافية الخاصة. يمكن أن يشمل ذلك تعليم الطلبة كيفية تبني عادات ومعتقدات وقيم المستعمر، مع تشويه سمعة الممارسات الثقافية الأصلية أو تجاهلها. لقد هدف المستعمرون إلى استيعاب الشعوب المستعمرة في ثقافتهم الخاصة عن طريق تعزيز لغتهم وآدابهم وقيمهم من خلال التعليم، وتهميش المعرفة والتقاليد الأصلية.
- التعليم بلا تثقيف: يمكن أن يقدم المستعمر تعليماً ضيقاً جداً يجعل أبناء الشعوب المستعمرة آلات صماء في أيدي الاستعمار. وقد بذلت الدول المستعمرة جهودها في وضع نظام للتعليم على هذا الأساس، بجعل التعليم وسيلة ميكانيكية بحتة، إذ يكون لغايات محدودة معينة بدون أن يدخل على هذا التعليم أي عنصر من عناصر الثقافة العامة (مشرف، عبد اللطيف، 2019).
- الوصول المحدود للتعليم: يخلق الاستعمار حواجز أمام التعليم للفئات المهمشة، مثل الشعوب الأصلية والأقليات العرقية والطبقات الاجتماعية والاقتصادية الدنيا. ويمكن أن يكون ذلك من خلال السياسات التمييزية، أو عدم المساواة في تخصيص الموارد، أو التحيز الثقافي داخل نظام التعليم الذي يحرم مجموعات معينة؛ مما يجعل الفرص التعليمية غالبًا محدودة، خاصة بالنسبة للتعليم العالي، ويؤدي هذا الأمر إلى الحد من قدرة الشعوب المستعمرة على تطوير قياداتها.
- التبعية الاقتصادية: يخدم التعليم في ظل الاستعمار أيضًا المصالح الاقتصادية للمستعمر، من خلال إنتاج قوة عاملة متوافقة ومناسبة لخدمة احتياجات الاقتصاد الاستعماري. ويمكن أن يشمل ذلك تدريبًا مهنيًا موجهًا نحو تلبية متطلبات العمل في الصناعات التي يسيطر عليها المستعمر، بدلاً من تعزيز التفكير النقدي والإبداع والفكر المستقل. وربط تمويل التعليم وشروطه بمساعدات أو قروض من جهات خارجية، مما يجعل النظام التعليمي يعتمد على تلك الجهات وملتزماً بشروطها.
- التبعية الفكرية: يسعى استعمار التعليم إلى خلق تبعية لأنظمة المعرفة والتقنيات والمؤسسات الخاصة بالمستعمر، مما يقوض تطوير المعرفة الأصلية وتقرير المصير. وهذا يمكن أن يؤدي إلى إدامة دائرة من التبعية الفكرية التي تعيق قدرة الشعوب المستعمرة على تأكيد سيادتها الثقافية والفكرية، ويؤدي إلى تهميش أوإضعاف الهوية الثقافية للطلبة والمجتمعات المحلية.
- البرامج التعليمية والتدريبية الموجهة: يؤدي استخدام برامج تعليمية وتدريبية موجهة من قبل المستعمر، وتوظيف معايير دولية تفرضها منظمات أو دول خارجية إلى جعل التعليم في الدول المتلقية متماشياً مع توجهات المستعمر، فمثلا كثيرا ما نشهد سعي الجهة المسيطرة إلى تنظيم تدريب المعلمين والموظفين، في الدولة الخاضعة لسيطرتها، في الخارج وتوجيههم لاتباع طرق تعليمية ومعايير معينة تتوافق مع مصالح هذه الجهة.
ممارسات التعليم المستعمرة
حدد راشيل ليمان (Lehman, Rachael, 2020) في مدونة له بتاريخ 26 حزيران 2020 عشر طرق لتحديد ممارسات التعليم المستعمرة، وهذه الطرق هي الآتية:
- تدمير العلاقة بين الطالب والمعلم مما يؤدي إلى ضعف الثقة والاحترام المتبادلين، وتدني التحصيل لدى الطالب، وكذلك دافعيته للتعلم.
- تكليف المعلمين بواجبات مفرطة خارج الفصل الدراسي، مما يستنزف إمكاناتهم العاطفية والفكرية والإبداعية
- قطع الروابط بين الزملاء من أجل الحفاظ على السلطة والسيطرة.
- تعيين الكثير من المعلمين والموظفين على نحو مؤقت أو بدوام جزئي لضمان عدم حصول أعداد كبيرة من الطلبة على توجيه طويل الأمد.
- ارتفاع معدل دوران أعضاء هيئة التدريس والموظفين وغيرهم من صناع التغيير.
- استبعاد المعلمين والطلبة والحد من مشاركتهم في عملية صنع القرار.
- عقد اجتماعات لا تتيح المشاركة في صنع القرار.
- الإكثار من الحديث الأجوف عن التنوع والشمول والمساواة من قبل المسؤولين، وتوظيف مستشارين من خارج الدولة بتكلفة عالية.
- المبالغة في التركيز على اتباع القواعد والعقاب.
- الحرص على أن تكون الميزانية غير متاحة أو غامضة أو مربكة أو سرية.
يلاحظ المتتبع للتعليم في البلدان التي خضعت للاستعمار وتأثرت به تفشي هذه الممارسات على نحو واضح في مستويات التعليم المختلفة، وتتم هذه الممارسات بوعي أو غير وعي، ولا ينتبه الكثيرون أنها من رواسب ومخلفات استعمار التعليم التي حرص على ترسيخها.
مداخل استعمار التعليم
استعمار التعليم يشير إلى السيطرة أو التأثير على النظام التعليمي من قبل قوى استعمارية أو نخب ثقافية واقتصادية لتحقيق مصالح معينة. هناك عدة مداخل يمكن أن تستخدمها القوى الاستعمارية أو الهيمنة الثقافية للسيطرة على التعليم. هذه المداخل تؤدي إلى فقدان الاستقلالية التعليمية وتحويل التعليم إلى أداة لتعزيز الهيمنة الثقافية والسياسية والاقتصادية. فيما يأتي أهم هذه المداخل:
- فرض المنهج التعليمي: فرض مناهج تعليمية تعزز قيم وثقافة المستعمر على حساب الثقافة المحلية، وتروج لأجندات أيديولوجية أو قومية معينة؛ وهذا يمكن أن يؤدي إلى إدامة الانقسامات والقوالب النمطية والأحكام المسبقة، وتفاقم التوترات وإعاقة جهود المصالحة وبناء السلام.
- تهميش اللغة الأصلية: يؤدي فرض لغة المستعمر كلغة أساسية للتعليم إلى تهميش استخدام اللغات المحلية ويضعف التراث اللغوي والثقافي.
- تشويه دور المؤسسات التعليمية: يقوم المستعمر بتأسيس أو السيطرة على المؤسسات التعليمية لإنتاج نخبة تخدم مصالح المستعمر أو الفئات المهيمنة.
- توجيه الموارد التعليمية: توجيه الموارد نحو التعليم الذي يدعم الاستعمار الاقتصادي أو الفكري، مثل تمويل أبحاث وتقنيات تخدم مصالح قوى معينة بدلاً من تلبية احتياجات المجتمع المحلي.
- التوجيه الفكري وتشكيل العقول: يقوم المستعمر بتشكيل العقول وفقًا لقيم معينة من خلال التعليم، بهدف تحييد أي فكر نقدي أو مقاوم للنظام القائم. ويتم من خلال البعثات التعليمية إرسال الطلبة للدراسة في دول المستعمرين أو القوى المهيمنة بهدف تكوين كوادر تتبنى نفس المنظومة الفكرية والثقافية، كما يتم فرض نماذج تعليمية ومناهج وأولويات قد لا تتماشى مع احتياجات وقيم المجتمعات المتضررة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى الانفصال بين التعليم المقدم والسياق الثقافي واللغوي والاجتماعي والاقتصادي للسكان المتضررين.
6- المساعدات المشروطة: تمارس بعض الجهات المانحة والمنظمات الخارجية نفوذها على السياسات التعليمية والأولويات وتخصيص الموارد من خلال تقديم المساعدات الخارجية للتعليم في حالات الطوارئ والاعتماد عليها. إن هذا الأمر يمكن أن يؤدي ذلك إلى الافتقار إلى الاستدامة في ملكية مبادرات التعليم من قبل المجتمعات المحلية، فضلاً عن التشوه المحتمل للأهداف التعليمية لتتماشى مع مصالح الجهات المانحة بدلاً من احتياجات السكان المتضررين.
7- تعطيل الوصول إلى التعليم: في المناطق المتضررة من النزاع، قد تستخدم القوات العسكرية المدارس أو المرافق التعليمية لأغراض عسكرية، مثل القواعد أو الثكنات، مما يزيد من تعطيل الوصول إلى التعليم وتعريض سلامة الطلبة والمعلمين للخطر. من جانب آخر، غالبًا ما تؤدي حالات الطوارئ إلى نزوح جماعي للسكان مما يجعل المجتمعات النازحة تواجه عوائق كبيرة في الوصول إلى التعليم، بما في ذلك الافتقار إلى البنية التحتية، والموارد المحدودة، والحواجز اللغوية، والتمييز، والصدمات. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان الاستمرارية التعليمية وتفاقم الفوارق القائمة في الوصول إلى التعليم والتحصيل العلمي.
آثار الاستعمار على التعليم
قد تستمر الهياكل والتحيزات التي نشأت خلال الحكم الاستعماري في التأثير على النظم التعليمية وإدامة عدم المساواة. ويمكن أن يشمل ذلك: التفاوت في الوصول إلى التعليم، والتمثيل غير المتكافئ لوجهات نظر متنوعة في المناهج الدراسية، وإدامة الصور النمطية والتحيزات في المواد والممارسات التعليمية. لنأخذ استعمار التعليم في فلسطين مثالا على ذلك، حيث يتشابك استعمار التعليم بشكل عميق مع التاريخ الأوسع للاحتلال الإسرائيلي والاستعمار الاستيطاني. فيما يأتي بعض الأمثلة على كيفية تأثر التعليم في فلسطين بالاستعمار الاسرائيلي:
- تهميش اللغة الأم: منذ إنشاء إسرائيل في عام 1948 والاحتلال اللاحق للأراضي الفلسطينية، تم الترويج للغة العبرية باعتبارها لغة التدريس الأساسية في العديد من المدارس، وخاصة في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. وقد أدى هذا إلى تهميش استخدام اللغة العربية، اللغة الأم للفلسطينيين، في البيئات التعليمية.
- أسرلة المناهج الدراسية: تمارس الحكومة الإسرائيلية سيطرة كبيرة على المناهج الدراسية التي يتم تدريسها في المدارس الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وتخضع الكتب المدرسية الفلسطينية للرقابة أو التعديل لتتماشى مع الروايات الإسرائيلية، مما يقلل أو يحذف الإشارات إلى التاريخ والثقافة والهوية الوطنية الفلسطينية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى إدامة رؤية مشوهة للتاريخ وتقويض التراث الثقافي الفلسطيني.
- تقييد الحرية الأكاديمية: تواجه الجامعات والمؤسسات التعليمية الفلسطينية تحديات عديدة في ظل الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك القيود المفروضة على الحرية الأكاديمية، وحرية التنقل، وقيود التمويل. قد يواجه الطلبة والأكاديميون الفلسطينيون عوائق في الوصول إلى الفرص التعليمية، أو إجراء البحوث، أو المشاركة في التبادل الأكاديمي بسبب نقاط التفتيش الإسرائيلية، وقيود السفر، ومتطلبات التصاريح.
- الفصل والتمييز: تواجه المدارس الفلسطينية في القدس الشرقية عدم كفاية التمويل، واكتظاظ الفصول الدراسية، ونقص الموارد مقارنة بنظيراتها الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، قد يواجه الطلبة والمعلمون الفلسطينيون التمييز والمضايقات في الوصول إلى التعليم، بما في ذلك حالات العنف والترهيب من قبل المستوطنين الإسرائيليين وقوات الأمن.
- عسكرة المدارس: كثيرًا ما تتعرض المدارس الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية لمداهمات عسكرية وإغلاقات واعتقالات للطلاب والمعلمين من قبل السلطات الإسرائيلية. إن وجود نقاط التفتيش والدوريات العسكرية الإسرائيلية بالقرب من المدارس يمكن أن يخلق بيئة عدائية وترهيبية للطلاب، مما يؤثر على قدرتهم على التعلم والمشاركة في الأنشطة التعليمية، وقد يؤدي ببعض الطلبة إلى التسرب من المدارس.
لقد أشار عودة (2023) إلى قيام السلطة القائمة بالاحتلال باستهداف العملية التعليمية، وفرض نظام الأبرتهايد، وفرض الرواية الصهيونية المزيفة، وهدم المدارس والحد من قدرة الطلبة والمعلمين على التنقل، إضافةً إلى سلسلة متواصلة من القتل والتنكيل والاعتقال والأسر بحق مكونات العملية التعليمية. فالاستعمار في فلسطين ليس موجهاً فقط للأرض والإنسان، وإنما هو أيضاً موجه نحو التعليم. ويعتبر التعليم في القدس نموذجاً حياً على ممارسات التنكيل والأبرتهايد وفرض الرواية الإسرائيلية. ليس هذا فقط، وإنما تمارس الدول المانحة العديد من الضغوط على السلطة الوطنية الفلسطينية من أجل تغيير المناهج الفلسطينية بحجة أنها مناهج تغذي خطاب الصراع والكراهية.
من جهته، أوضح رفعت الصباح رئيس الائتلاف التربوي الفلسطيني أن التعليم في فلسطين مستهدف برؤى استعمارية واضحة، تريد تعطيل أي دور تنموي حقيقي للتعليم في بناء الإنسان الفلسطيني الحر، من خلال فرض شروط على تمويل التعليم في فلسطين. وأضاف أن سياسات الاحتلال الاستعمارية في استهداف تمويل التعليم تكون بالضغط على الجهات الدولية المانحة، من أجل تجفيف مصادر تمويل التعليم، ومنها حراك اللوبيات الداعمة للاحتلال عبر الضغط على البرلمانيين الأوروبيين وحكوماتهم، والعمل على تصفية وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، والتي تعتبر الخدمات التعليمية للطلبة اللاجئين أهم عمل تشغيلي تقوم به الوكالة. ولفت إلى أنها تعمد أيضا إلى تشويه وملاحقة مؤسسات المجتمع المدني العاملة في التعليم، ومحاولة وصمها بالإرهاب لقطع التمويل عنها، إضافة لوضع تقييدات واشتراطات معقدة لبرامج تمويل التعليم في مناطق “ج” (وفا، 2023).
سبل مواجهة استعمار التعليم
تعد مواجهة الاستعمار في التعليم ضرورية للحفاظ على الهوية الثقافية والوطنية، وتعزيز الاستقلال الفكري والسياسي. يساعد ذلك في تطوير نظام تعليمي يعكس قيم المجتمع واحتياجاته، بدلاً من تعزيز مصالح القوى المهيمنة. تسهم المواجهة أيضًا في تحرير العقول من التبعية الثقافية والاقتصادية، وتشجيع التفكير النقدي الذي يمكّن الأجيال القادمة من بناء مستقبل مستقل ومستدام. هناك مجموعة من السبل التي يمكنها أن تلعب دورا أساسيا في مواجهة استعمار التعليم، من أبرزها:
تحول المناهج الدراسية
- الابتعاد عن المناهج الدراسية التي أعدتها أو أشرفت على إعدادها الجهة المستعمرة، واستبدالها بمناهج يتم فيها دمج أنظمة المعرفة وتاريخ ووجهات نظر الشعوب الأصلية في الموضوعات ذات الصلة، وإعادة تقديم وتقدير تاريخ وثقافة ولغات الشعوب المستعمرة في المناهج الدراسية.
- مراجعة المناهج الدراسية وتطويرها بحيث تشمل وجهات النظر والتاريخ والثقافة والأدب الخاص بالمجتمع المحلي، وتعكس الروايات والقيم الأصيلة.
- تنمية مهارات التفكير النقدي لدى الطلبة لتحليل المعلومات من وجهات نظر مختلفة.
التحول التربوي
- ضمان الوصول العادل إلى التعليم لجميع الفئات، وتمكين المجتمعات من تأكيد السيطرة على العمليات التعليمية الخاصة بها وأنظمة المعرفة.
- الابتعاد عن النموذج الذي يركز على المعلم وتشجيع مشاركة الطلبة من خلال المناقشات والمشاريع الجماعية والمشاريع البحثية التي تركز على القضايا الفلسطينية.
- تعزيز تعلم لغة المجتمع الأصلية ودمجها في جميع المواد الدراسية، وإيجاد مساحة لاستكشاف لغات أخرى.
- الاهتمام بالتعليم القائم على طرح الأسئلة، وتشجيع الطلبة على التساؤل والتحليل والمشاركة في خلق المعرفة من خلال المناقشة والتعلم القائم على الاستقصاء.
- خلق نظام تعليمي شامل يستجيب لاحتياجات جميع الطلبة بغض النظر عن خلفياتهم.
- تطوير طرق بديلة ليظهر الطلبة فهمهم، مثل العروض التقديمية أو المحافظ أو المشاريع الإبداعية أو المناقشات التي يقودها الطلبة.
إشراك المجتمع
إشراك الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور والمجتمع الأوسع في المناقشات حول اجتثاث الاستعمار لضمان أن يكون تغييرًا مجديًا ودائمًا. وفي هذا المجال من المهم:
- العمل مع أولياء الأمور لضمان أن تعكس المناهج الدراسية قيمهم وتراثهم الثقافي. يمكن أن يتضمن ذلك لجان أولياء الأمور والمعلمين وورش عمل حول اجتثاث الاستعمار من التعليم.
- إشراك الأكاديميين والفنانين وقادة المجتمع في تطوير المواد التعليمية وإجراء ورش العمل للطلبة والمعلمين.
- الاستفادة من التكنولوجيا لإنشاء ومشاركة موارد تعليمية بديلة ذات منظور وطني.
- اختيار استراتيجيات تكون مستدامة على المدى الطويل. قد يتضمن ذلك استخدام الموارد المتاحة محليًا وبناء شراكات مع المنظمات الدولية.
مناصرة الحد من استعمار التعليم
- تنظيم حملات من أجل الحرية الأكاديمية والحق في التعليم، والدعوة إلى التضامن والدعم الدوليين، وتمكين المجتمعات المضطهدة من استعادة حقوقها، والسيطرة على مؤسساتها ومواردها التعليمية.
- رفع الوعي حول أضرار استعمار التعليم وضرورة الحد منه مع المنظمات الدولية مثل اليونسكو وجماعات حقوق الإنسان.
- بناء شراكات مع الجامعات والأكاديميين في جميع أنحاء العالم لدعم المعلمين الفلسطينيين وتطوير موارد تعليمية بديلة.
أما في حالات الطوارىء التي تشكل أرضية خصبة لاستعمار التعليم، فإن التخفيف من حدة استعمار التعليم يتطلب استراتيجيات مبتكرة وقابلة للتكيف، وحزمة متكاملة من الجهود التي يمكن أن تضم الآتية:
- تعزيز مبادئ المساعدات الإنسانية (الإنسانيةوالحيادية وعدم التحيز والاستقلالية) التي تعطي الأولوية لقدرة السكان المتضررين وكرامتهم وحقوقهم. ويشمل ذلك ضمان المشاركة الهادفة للمجتمعات المحلية في عمليات صنع القرار
- تطوير أنظمة تعليمية قادرة على الصمود والتعافي من الأزمات، ودعم مبادرات التعليم المستجيبة للسياقات الثقافية والاحتياجات المحلية.
- الدعوة إلى حماية المدارس والمرافق التعليمية من الاستخدام العسكري والهجوم.
- الاستثمار في استراتيجيات طويلة الأجل لبناء القدرة على الصمود والشاملة. تضم هذه الاستراتيجيات الآتية:
- توثيق حالات تعطيل التعليم والاعتداءات على المدارس، ومشاركة التوثيق مع المنظمات الدولية وجماعات حقوق الإنسان لبناء ضغط من أجل التغيير.
- تطوير منهج أساسي يمكن تكييفه مع بيئات تعلم مختلفة، حتى في أوقات الأزمات، مع التركيز على المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة والعد والتفكير النقدي.
- تدريب المعلمين على تقنيات الدعم النفسي الاجتماعي، ودمجها في الأنشطة التعليمية لمساعدة الطلبة والمعلمين على التعامل مع حالة الطوارئ.
- إنشاء شبكات تعلم غير رسمية من خلال المراكز المجتمعية أو المؤسسات الدينية أو حتى منصات الإنترنت مثل وسائل التواصل الاجتماعي. يمكن لهذه الشبكات مشاركة الموارد التعليمية وإجراء مناقشات حول الموضوعات ذات الصلة وتوفير شعور بالاستمرارية للطلبة.
المراجع:
- بركات، رنا. (2021). الاستعمار. معهد مواطن للديمقراطية – جامعة بيرزيت. http://www.muwatin.birzeit.edu/ar/pea/colonialism
- بكير، منال. (2022). تعريف الاستعمار لغة واصطلاحا. مقال منشورة بتاريخ 11 تشري أول 2022 في موقع موضوع. متاح في: https://2u.pw/aQaBoZri
- عوده، رمزي. (2023). الوصفة الفلسطينية لمقاومة الاستعمار في تمويل التعليم. مقالة منشورة في جريدة الحياة الجديدة بتاريخ 28 أيار 2023. متاح في: الوصفة الفلسطينية لمقاومة الاستعمار في تمويل التعليم-الحياة الجديدة (alhaya.ps)
- القحطاني، عبد الله بن هادي. (2017). الاستعمار وخراب التعليم. مقالة منشورة بتاريخ 21 حزيران 2017 في البيان. متاح في: الاستعمار وخراب التعليم (albayan.co.uk)
- سطور. (2019). ما هو الاستعمار؟ مقالة منشورة بتاريخ 11 تشرين ثاني 2024 في موقع سطور. متاحة في: https://sotor.com/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1
- مشرف، عبد اللطيف. (2019). الاستعمار ما بين صناعة وهم النخب والتعليم بلا تثقيف. متاح في: https://2u.pw/rDECZ
- وفا (2023). متحدثون يؤكدون ضرورة إنهاء استعمار التمويل في التعليم ورفض اشتراطه. خبر منشورة في وكالة وفا للأنباء والمعلومات الفلسطينية بتاريخ 25/5/2023. متاح في: رام الله: متحدثون يؤكدون ضرورة إنهاء استعمار التمويل في التعليم ورفض اشتراطه (wafa.ps)
Lehman, Rachael. (2020). Ten Ways to Identify Colonized Education Practices. Available at: https://academeblog.org/2020/06/26/ten-ways-to-identify-colonized-education-practices/