العلم والهندسة لتلاميذ الروضة والابتدائي!
– ربع السكان على مقاعد الدراسة
يذهب في صباح كل يوم ملايين التلاميذ والطلاب إلى الروضات والمدارس في مراحل التعليم ما قبل الجامعي. على سبيل المثال، في بداية العام الدراسي الحالي، أيلول 2022، أكثر من ثلاثة ملايين في سورية بعد أن كانت خمس ملايين قبل 2011؛ و25 مليون في مصر، وستة ملايين في السعودية، أي ما يعادل ربع السكان يذهبون إلى مقاعد الدراسة يومياً، بهدف إعدادهم علمياً وعقلياً ومهنياً وخلقياً لمواجهة المستقبل، وحل المشكلات، وتطوير المجتمع، وتحقيق التنمية المستدامة المنشودة.
فهل تأخذ المؤسسات الراعية لهذه الملايين بالأسس العلمية والتربوية الحديثة التي تتلاءم مع التطور السريع في عصر المعرفة والتكنولوجيات الحديثة؟
– الأطفال طاقة واعدة
تؤكد البحوث التربية بشكل متواتر أن الأطفال يهتمون، منذ صغرهم، باستكشاف العالم، ويسألون بشغف أسئلة مهمة حول بيئتهم، ولديهم طرق بديهية وخيالية لاكتشافها، وقد لاحظت ذلك عن قرب من خلال مراقبة سلوكيات ونشاطات وكلام وأسئلة أبنائي وأحفادي الذين كانوا يسألون أسئلة علمية دقيقة، دون وعيهم لمعنى ودلالة الأسئلة التي يطرحونا، مثلاُ: لماذا الكلب لا يطير، وصياغات لغوية إبداعية، يطبق فيها قواعد النحو التي لم يفقهها بعد! ويقدمون أحياناً حلول تشبه حلول البالغين. فقابلية الاكتشاف والإبداع موجودة، لحسن الحظ عند كل الأطفال، ولكنها تحتاج إلى رعاية وتنمية، مثلها مثل قابلية الطفل للكلام والمشي والسباحة.
يقول تقرير الأكاديمية الوطنية للعلوم الأمريكية ، الصادر هذا العام 2022، إن الأطفال، بدءًا من مرحلة الطفولة المبكرة، يكونون قادرين على تعلم مفاهيم العلوم والهندسة المتطورة والانخراط في الممارسات المنهجية. إنهم فضوليون للغاية بشأن العالم من حولهم ومتحمسون للتحقيق في العديد من الأسئلة التي لديهم حول بيئتهم. يمكن للمعلمين تطوير بيئات تعليمية تدعم تطوير وإثبات الكفاءات في العلوم والهندسة عند هؤلاء التلاميذ، بما في ذلك إنشاء روابط عبر سياقات التعلم، والتي يمكن أن تساعد الأطفال على رؤية أفكارهم واهتماماتهم وممارساتهم على أنها ذات مغزى ليس فقط للمدرسة، ولكن أيضًا لأنفسهم والمجتمع.
يمكن أن يمهد هذا الفضول والحماس للتعلم، غير المستثمر، في مرحلة ما قبل دخول الأطفال سلمَ التعليم الرسمي. وفي الواقع، تتطلب التحولات الأخيرة في تعليم العلوم التي أثارها تقرير الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب إدخالَ إطار عمل لتعليم العلوم والهندسة من رياض الأطفال إلى الصف الثاني عشر.
– تجربة علوم التطوير (ستيم)
لنأخذ، على سبيل المثال، منهاج “علوم التطوير”، فبعد النجاح الباهر الذي حققه في التعليم العالي، يُعمل الآن على إدخال منهاج “علوم التطوير” ليس في برامج ما قبل الجامعة فحسب، بل يعمل على إدخالها في مناهج ما قبل المدرسة. وعلوم التطوير تتضمن أربع مواد رئيسية، هي: العلم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات Science, Technology, Engineering, And Mathematics (STEM)، “. يرى أنصار هذا الاتجاه أن الخريجين سيكونون مستعدين للعمل في القطاعات المهنية الأسرع نموًا، لذلك، أصبح هذا النموذج نمط عالمياً كمعيار من معايير قياس مستوى التقدم والمنافسة.
لا يقتصر العمل على “علوم التطوير” في مستوى التعليم العالي، إنما يشمل كافة مراحل التعليم. تجري الآن دراسات لإعادة النظر في التعليم ما قبل الجامعي وما قبل المدرسة ليتلاءم مع هذا النمط من التعليم والبحث العلمي. كما أن الكثير من دول العالم تعمل على تبني هذا النموذج والتنافس على أساسه.
– القوة الناعمة: العلم والهندسة
قَلّ ما يتحدث الإعلام عن القوى الناعمة في الدول المتقدمة، مثل الثقافة، والعلم، والتربية، والتعليم، والأخلاق. هذه المؤسسات تشكل الإسمنت المسلح لبناء الدول المتقدمة. على سبيل المثال، من هذه المؤسسات “الأكاديمية الوطنية للعلوم” (مؤسسة فيدرالية في الولايات المتحدة)، وريثة الأكاديمية الوطنية للعلوم التي تأسست في عام 1863. ترعى هذه المؤسسة العريقة عمليات تطوير العلم والبحث والعلمي والتكنولوجيا والثقافة والمعرفة، في المجلات كافة، وتمثل الجناح الناعم للبنتاغون والبيت الأبيض.
تصدر الأكاديمية الوطنية للعلوم التقارير والكتب المتتالية التي ترصد حالات العلوم والتكنولوجيا والمعرفة والمؤسسات الراعية والمنتجة لها، وتبين اتجاهاتها والفرص والمعوقات التي تعترضها، ونقاط القوة والضعف فيها، وتقدم الاقتراحات والإرشادات التي يجب أن تُتبع لتحقيق عملية التحسين والإبداع، وأن تظل هذه المؤسسات الرقم الأول على المستوى العالمي، وتوزع كتبها بثمن ومجاناً، حسب الطلب.
– نعم يمكن أن يتعلم الأطفال مفاهيم العلوم والهندسة
أصدر مجلس تعليم العلوم، في الأكاديمية الوطنية للعلوم، من خلال “لجنة تعزيز العلوم والهندسة في رياض الأطفال حتى الصف الخامس” تقريراً حديثاً، مؤلفة، من 285صفحة، بعنوان:
“العلوم والهندسة في مرحلة ما قبل المدرسة من خلال الصفوف الابتدائية: تألق الأطفال وقوة المعلمين (2022)”
يبدأ التقرير بالقول من حق كل طفل أن يحظى بتجربة العلوم العجائبية، وأن يستمتع بفنون الهندسة، حتى في سن مبكرة قبل الدخول إلى المدرسة. فالأطفال لديهم الفضول العميق حول العالم من حولهم ويحرصون على التحقيق في العديد من الأسئلة التي لديهم حول بيئتهم. إن إشراك الأطفال في تعلم العلوم والهندسة سيجعلهم يستفيدون من هذا الاهتمام ويساعدهم على الإجابة على أسئلتهم الحقيقية، وفهم عالمهم بطريقة معقدة، وحل مشكلات العالم الواقعي التي تهمهم. إن القيام بذلك، من قبل المؤسسات المختصة، يساعد الأطفال على التطور ليصبحوا أشخاصا يمكن لصناع القرار إبلاغهم بالقضايا التي تهمهم كبالغين، كالقضايا المتعلقة بصحتهم أو بيئتهم، على سبيل المثال، والتي تؤثر عليهم وعلى مجتمعاتهم بعمق. حيث يمكن للأطفال أن يربطوا الأفكار ببعضها، ويبنون المفاهيم الصحيحة، وينخرطوا في ممارسات علمية وهندسية ذات مغزى.
يركز التقرير على كيفية رعاية هذه الكفاءات الصغيرة، وكيف يصمم المعلمون فرصًا للتعلم تلبي احتياجات الأطفال؛ ويبين كيف يتفاعل اختصاصيو التوعية مع أفكار الأطفال واهتماماتهم؛ ومتى يمكنهم سماع أفكار الأطفال ورؤية نجاحاتهم. والغاية النهائية هي الاستفادة من فضولهم حول العالم الطبيعي والصناعي بشكل يسمح للأطفال بالإجابة على الأسئلة وحل المشكلات التي تهمهم أثناء الانخراط في ممارسات علمية وهندسية أصيلة.
يهدف التقرير إلى دعم المعلمين في هذا العمل من خلال مراجعة وتفصيل ما تقوله العلوم والأدبيات حول كيفية دعم مشاركة الأطفال ونموهم.
https://nap.nationalacademies.org/