“.The essential part of creativity is not being afraid to fail”
Edwin H. Land
أصبح مفهوم الإبداع و الابتكار حديث الأكاديميين و الباحثين في كل المؤتمرات التعليمية عربيا وعالميا، لعل أبرزها مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم وايز، و الذي أضحى مناسبة مهمة في البحث عن سبل تطوير التعليم من خلال مناقشة أفكار متجددة و مبادرات رائدة و عبر التوصيات التي تنتجها العديد من الورشات المؤطرة من خبراء عالميين.
التحدي اليوم هو كيفية بلورة هذه الأفكار و التوصيات على أرض الواقع، و سبل تكييف المناهج الدراسية بما يتناسب و ثورة التكنولوجيا الرقمية، كل ذلك من أجل تغيير الممارسة التعليمية من شكلها التقليدي القائم على تقييم التعلمات بناء على معايير و أهداف موضوعة سلفا، إلى منهج تربوي حديث يحفز الإبداع و الابتكار في المدارس و يشجع التفكير النقدي لدى الطلاب دون الخوف من الفشل أو الرسوب.
في هذا الصدد، تعتبر أبحاث بعض الأكاديميين كبول تورانس E. Paul Torrance مرجعا هاما في فهم ماهية الإبداع و آلياته و تطوره عند الأفراد من جميع الأعمار، حيث صمم اختبارا خاصا لقياس مستوى التفكير الإبداعي
TTCT) Torrance Tests of Creative Thinking) يتم استخدامه بشكل واسع في الولايات المتحدة، و ترجم إلى أزيد من 30 لغة. وقد حث في منشوراته على أهمية إدماج التدريب على تقنيات التفكير الإبداعي في البرامج التربوية بناء على أسس علمية تهتم بدعم نقط قوة كل متعلم، بدل محاولة تصويب نقاط ضعفه. فهو يؤمن أن لكل فرد شخصيته الفريدة، يجب احترام قدراتها و الوثوق في إمكانياتها و إعطائها فرصة النجاح ولو فشلت في محاولاتها.
أما دافيد هوجس David Hughes وهو مؤسس Decision Labs، و بروفيسور لدى UNC Chapel Hill، فيعتقد أن الابتكار أصبح مهارة أساسية تؤثر بشكل غير مباشر في الاقتصاد العالمي، و من المؤسف أن تفتقر الأنظمة التعليمية التقليدية إلى تصور علمي قابل للتطبيق داخل الفصول الدراسية، يجعل من الإبداع و الابتكار معيارا هاما في سيرورة التعلم.
نحن بحاجة إذن إلى تطبيق استراتيجيات جديدة تركز على تعليم الأطفال الأساسيات، مع الإدراج المرحلي لمناهج دراسية يتم تكييفها عبر طرق تدريس مبتكرة، تجعل من الفصل مكانا لاستلهام الأفكار و إثارة التفكير الإبداعي، و هنا تبدأ مهمة المدرس الذي يمكنه فعل الكثير في هذا المجال، مستعينا بهذه النصائح و الأفكار المتنوعة :
1- طرح الأسئلة المناسبة
باعتباره شكلا من أشكال التعلم الفعال المتمركز حول المتعلم، فإن منظمات و مؤسسات عالمية مثل : CEE
(Creativity, Culture and Education) توصي المدرسين بضرورة التخطيط للدروس على أساس أن يكتشف الطلاب المفاهيم و المعارف من خلال طرح الأسئلة المناسبة. فدور الأسئلة لا ينحصر فقط في جمع المعلومات و الحصول على المعرفة، بل تنمية التفكير النقدي و الاستكشافي، خصوصا تلك الأسئلة غير المقيدة و المخاطبة للفكر و المحفزة على الإبداع.
2- البحث عن الجواب
يعرف أيضا بأسلوب بيستالوزي the Pestalozzi method ، فعكس النموذج التعليمي التقليدي الذي يتيح للطلاب معرفة الجواب الصحيح عقب كل نشاط صفي من خلال التقويمات التكوينية، فإن هذا الأسلوب ينمي فيهم التفكير المنطقي و يشجعهم على التعلم الذاتي و البحث عن الجواب بكل الطرق الممكنة، بمساعدة من المعلم الذي يوفر الوسائل الديداكتيكية الضرورية didactic tools. فمن الجيد فسح مجال أكبر للمتعلم لإطلاق العنان لمخيلته فربما يحدو حدو ألبرت إنشتاين الذي عرف بتطبيق هذا الأسلوب وهو صاحب القولة الشهيرة :
Imagination is more important than knowledge. Knowledge is limited Imagination circles the world
3- طاولات دائرية في الفصل
أسلوب هاركنس Harkness method يهدف إلى تحويل قاعة الدرس إلى مكان للتفاعل والنقاش و الحوار بدل النهج التعليمي العقيم، و الذي يعتمد أسلوب الإلقاء و التلقين. يوصي هاركنس في هذا الشأن باستخدام طاولات دائرية على غرار تلك الموجودة في قاعات الاجتماعات و المؤتمرات. لكن و للظروف الخاصة التي تميز أغلب فصولنا في الدول العربية، يمكن إعادة تنظيم الطاولات المتوفرة بناء على هذه الطريقة لتحقق نفس الغرض.
4- كل فكرة هي براءة اختراع
يعتبر أغلبنا أن الابتكار محصور في فكرة جديدة و فريدة فقط. لكن في الحقيقة، يجب على المدرس أن يجعل من أفكار الطلاب و إجاباتهم و منتوجاتهم ذات قيمة كبيرة و نوعا من الابتكار أو الاختراع و يشجعهم على نقدها لتطويرها أو تحسينها، فالطلاب بحاجة مستمرة إلى التحفيز و الدعم العاطفي الذي ينمي روح التفكير الإبداعي والثقة بالنفس.
5- التعلم القائم على المشروع
يساعد التدريس وفق بيداغوجيا المشروع على تنمية المهارات الاجتماعية، و تعزيز روح القيادة و الإبداع، و تحسين مهارات الكتابة و البحث. فمشروع الفصل الواحد قد يسمح للطالب بدمج تعلماته و معارفه ومهاراته بمجرد الانخراط في مرحلة التخطيط بمعية زملائه، انتهاء بمرحلة تقييم نتائج المشروع و مقارنتها بالأهداف المسطرة له، حيث يبقى دور المعلم في نمط التدريس هذا توجيهيا و مساعدا فقط.
6- أدوات التفكير الإبداعي الرقمية
بالنسبة لطلاب اليوم، التقنيات الحديثة يمكنها أن تكون تلك الوسيلة الممتعة التي تحقق أهدافا تربوية، خصوصا إذا ما تم استخدامها داخل الفصول الدراسية. فهناك بالفعل الكثير من التطبيقات التعليمية الخاصة بالأجهزة اللوحية و برامج الحاسوب وغيرها، و التي من شأنها إثارة التفكير الإبداعي لدى الطلاب و تحفيزهم على التعلم الفعال. و هنا يأتي دور المدرس الذي عليه اختيار المناسب من هذه الأدوات و تصنيفها بناء على طبيعة المادة المُدرَّسة و المهارات التي تنميها…
7- ربط المعارف و المهارات بالحياة اليومية
من الأهمية بمكان إثارة انتباه الطلاب إلى العلاقة التي قد تربط بين بعض المفاهيم و المهارات و المعارف و بين الواقع المُعَاش، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمفاهيم المجردة كالرياضيات… فمثلا عندما يتم التطرق إلى الهندسة يجب إعطاء أمثلة حية للمتعلم عبر ملاحظة أشياء معينة أو أشكال هندسية مناسبة، حيث تمكنه هذه الطريقة من تجسيد تعلماته عبر معاينة هذا الانتقال السلس من النظري إلى التطبيقي.
8- التقاطعات بين المواد الدراسية
إن استراتيجيات التعليم الحديثة تتجه لاستغلال التقاطعات و القواسم المشتركة بين مختلف المواد الدراسية متى كان ذلك ممكنا، فذلك يجعل التعلم قابلا للتطبيق و ملموسا إلى حد ما بالنسبة للمتعلمين. فهناك في الحقيقة الكثير من الدروس في مختلف المواد و المقررات التي قد تمثل فرصة سانحة للدمج بين مكونين أو أكثر، الرسم و الرياضيات مثلا، أو الجغرافيا و العلوم الطبيعية …يمكن في هذا الصدد الاستئناس ببعض الأمثلة التطبيقية التالية :
- أفكار لاستخدام الإبداع الفني في تحبيب الرياضيات للأطفال.
- مشاريع صفية تدمج الإبداع الفني في التعبير الكتابي.
- توظيف الفن في الرياضيات : درس التماثل نموذجا.
9- اختراعات و ابتكارات
يحب الطلاب معرفة تاريخ الاكتشافات و الاختراعات عندما يتم التطرق إليها خلال الدرس، و لعلها فرصة جيدة لوضعهم في الصورة من الناحية التاريخية و العلمية، عبر التعرف على سيرة أصحابها و التركيز على الدوافع السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي أدت مثلا إلى اختراع جهاز ما أو تطويره، والربط متى أمكن ذلك، مع الثورة العلمية التي ساهمت في هذه الاكتشافات و الاختراعات.
10- فضاء الإبداع و الابتكار
عادة ما يحب المتعلمون عرض إبداعاتهم من أبحاث ميدانية أو تقارير صحفية أو كتابات أو رسومات أو أعمال يدوية …أو أي شيء تم إنجازه في إطار الأنشطة المدرسية أو بمبادرة فردية منهم للتعبير عن آرائهم و إبراز موهبتهم. لذلك سيكون جميلا تخصيص مكان في الفصل يسمى مثلا: فضاء الإبداع، سترى أن الجميع سيسارع لإنتاج و عرض شيء مميز. حينها عليك كمدرس، تشجيع كل الأفكار و المبادرات و تقديم النصائح حيالها لتطويرها أو تحسينها.
خاتمة :
الإبداع و الابتكار أصبحا اليوم مهارتين أساسيتين ستمكنان الطلاب من مواجهة تحديات المستقبل و متطلبات سوق العمل المتنامية، و الذي ستحتدم فيه المنافسة حتما بين شباب يمتلكون مهارات و قدرات متباينة ستُحدّد مدى أهليتهم لشغل مناصب ريادية، وذلك بناء على تفاصيل دقيقة لعب فيها المسار الدراسي الدور الأهم بكل التعقيدات التي تتخلله، و التي ساهمت فيها جودة النظام التعليمي بشكل مباشر.
فالأنظمة التعليمية الحالية تحتاج فعلا إلى ثورة إصلاحية على مستوى المناهج و طرق التدريس تواكب ثورة العالم اقتصاديا و تكنولوجيا، بشكل يتيح للمدرسين وسائل أكثر و حرية أكبر للإبداع في مهنتهم و اختيار ما يناسب تطلعاتهم لتجهيز جيل المستقبل، جيل يُنتَظر منه الكثير…
شكرا أخي
بالفعل مقال رائع ، أرجو أن يقراه كل مهتم بعملية تطوير التعليم في الوطن العربي. فأنظمتنا التعليمية تحتاج أن تنتقل من ثقافة الحفظ والتلقين إلى ثقافة الابداع والانتاج.
احتاج الى مقال علمي يثبت ان التعليم الالكتروني مهم وله مكانته الخاصة
اشكرك مقال يستحق النشر عبر الاتصال ووسائله . نحن في عصر 21 يجب علينا ملائمة المهارات للتعليم والخروج من القديم الى الجديد
الابداع والابتكار نابع من داخل الانسان وكلما زادت المشكلات وجب علي العقل ايجاد الحل والتغلب علي معوقات والمشكلات والمهارات المطلوبة الان هوة الابداع وتسخير الموارد والخامات في حسن استغلالها في الصالح العام والمنفعة وتلبية للاحتياجات والتعلم في كيفية الاستخدام الأمثل في حسن الابداع وتنمية المهارات تتطلب التدريب والممارسة للوصول الي الاهداف. فالأنظمة التعليمية الحالية تحتاج فعلا إلى ثورة إصلاحية على مستوى المناهج و طرق التدريس تواكب ثورة العالم اقتصاديا و تكنولوجيا، بشكل يتيح للمدرسين وسائل أكثر و حرية أكبر للإبداع في مهنتهم و اختيار ما يناسب تطلعاتهم لتجهيز جيل المستقبل، جيل يُنتَظر منه الكثير…
شكرًا جزيلا للأستاذ نجيب زوحي على هذا المقال الجيّد الذي يتطرّق
لقضية التعليم المنشود في عصرنا: التعليم الذي يركّز على تطوير
مهارات الإبداع والابتكار، وليس على مهارات الإيداع والحفظ.
ولنتذكّر أن الإبداع والابتكار من أهمّ المهارات التي ترقى بالشعوب
والأمم، ولنا أسوة حسنة في دولة اليابان أو كوريا الجنوبيّة وغيرهما.
ولكن – وهنا بيت القصيد أو مربط الفرس – لتحقيق هذه الغاية في عمليّة
التعليم – التعلّم نحتاج إلى ثورة في إعداد المعلّمين وتأهيلهم، ونحتاج
إلى ثورة في إعداد المناهج والمواد التعليميّة، ونحتاج إلى تغيير جذري
في مدارسنا من حيث الغرف والقاعات والمختبرات والتجهيزات…
ومع ذلك لن يكون هذا التغيير المرجوّ المنشود مستحيلا إذا توفّرت السياسات
التربويّة المطلوبة والميزانيّات الكافية، فلدينا المتعلّمون ذوو الذكاء
والقدرات والكفاءات الذين لا يقلّون عن غيرهم لدى الدول المتقدّمة في العالم!
شكرا للجميع على تفاعله الإيجابي، وأظن أن موضوع الإبداع في المدرسة يحتاج منا البحث و التجديد المستمر في طرق التدريس خصوصا مع تأثر الطلاب المتنامي بالتكنولوجيا الحديثة..
مقال مفيد ورائع وشامل..شكرا جزيلا