مقدمة:
“تتناول كارولين في هذا المقال بعض الأسباب التي تجعل من المدرسة فضاء غير آمنٍ عاطفيا. حيث تجعله الضغوط وكثافة البرامج الدراسية لا يراعي الجوانب العاطفية والحاجيات النفسية للمتعلمين، خاصة أصحاب التجارب السلبية عاطفيا واجتماعيا.
تستخدم كارولين مفهوم (Base de sécurité) تارة باعتباره مبدأ رمزيا مجردا، يكتسي طابعه الواقعي من خلال مراعاة قواعد الأمن العاطفي/النفسي للمتعلم، وتارة أخرى باعتباره قاعدة/بنية واقعية وفعلية ذات طابع ملموس، للإشارة إلى المدرسة بوصفها فضاء آمنا أو يتوخى تحقيق الأمن العاطفي.”
في كتابها مساعدة المتعلمين ذوي صعوبات التعلم: تأثير الارتباط على السلوك المدرسي (Aider les élèves en difficulté d’apprentissage : L’influence de l’attachement sur le comportement en classe)، تقترح هيذر جيدس فك رموز المعنى المحتمل لسلوك معين كوسيلة لنقل مخاوف وتجارب الأطفال.
تستند هيذر على نظرية الارتباط كما تصورها جون بولبيJohn Bowlby لفهم الصعوبات التي يواجهها بعض المتعلمين والاستجابة لها.
أ- الارتباط الآمن
السمة الرئيسية التي تميز الارتباط الآمن عن الارتباط غير الآمن مرتبطة، في المقام الأول، بحقيقة أن الأب يستجيب على نحو كافٍ لإشارات الطفل واحتياجاته، ولا يضطر الطفل إلى بذل أي جهد خاص لإسماع صوته وإثارة الانتباه والحب اتجاهه.
يرتبط الارتباط الآمن ببعض المرونة التدخلية والمعرفية المترابطة مع وجهات النظر ومجالات الاهتمام، دون أن تكون، بشكل منتظم، في حالة دفاع أو تناقض.
لقد نشأ لدى الأطفال الذين يتمتعون بالارتباط الآمن شعور بالذات ومواقف وانتظارات اتجاه الحياة مشبعة بالأمل والثقة.
ب- الارتباط غير الآمن
تستشهد غيدس بدراسة تشير إلى أهمية جودة الارتباط كمؤشر تنبؤي لسلوك الأطفال في رياض الأطفال (Erickson et al., 1985).
تسرد جيدس بعض عواقب الارتباط غير الآمن على أطفال المدارس الداخلية (الرياض):
- يستجيبون للتحديات بمستوى متدن من الثقة
- يواجهون الصعوبات في ظل حالة انعدام الأمن
- يملكون تقديرا سلبيا للذات
- يبدون ارتباطا عاطفيا أقل ايجابية مع البالغين وغيرهم من الأطفال (أقلّ شعبيّة)
من المرجح أن الأطفال ذوي الارتباط الآمن، والذين لم يعرفوا تجارب إيجابية تصحيحية (الدفء والدعم العائليين من قبل الأجداد أو غيرهم من البالغين المقربين) يمكن أن تواجههم صعوبات سلوكية وتعلمية.
ج- دور المعلمين باعتبارهم شخصيات ثانوية للارتباط
في ظل غياب حساسية الآباء لإشارات الطفل، دون تلبية احتياجاته، ودون الشعور بالارتياح أو الإجابة على صرخاته، يصير الارتباط، إذا، غير آمن. بيد أن الخبرة/التجربة المبكرة للأطفال مع والديهم التي تؤدي إلى الارتباط غير الآمن يمكن تحسينها من خلال التجارب الإيجابية اللاحقة أو شخصيات أخرى للارتباط. هذه الشخصيات الثانوية يمكن أن تكون من أفراد العائلة، الأصدقاء، الجيران أو حتى المعلمين.
انطلاقا من رياض الأطفال، يمثل المعلم شخصاً ثانويا للارتباط. ويمكنه تقديم تجارب تصحيحية آمنة ومطمئنة من خلال إظهار التعاطف والحنان للأطفال. ويتحدث المتخصصون في نظرية الارتباط عن مفهوم ”قاعدة آمنة” من أجل وصف دور المعلمين في عالم المدرسة المربك والمتطلب.
ومن المفهوم إذا، أن معرفة سلوك الارتباط في السياق المدرسي يحسن من جودة المصاحبة عند المتعلمين (المصاحبة التعليمية وفي الوقت نفسه الأكاديمية والعلائقية).
‘’ وبالتالي فمن الممكن إعادة إنتاج التجربة “الآمنة” ضمن الممارسات وردود الفعل المدرسية.
إن مجموع العاملين في نطاق المدرسة: الإدارة، المديرون، المنسقون، المعلمون، وكل المعنيين ببرامج الدعم، يتحدون لتعزيز رفاهية جميع المتعلمين، حيث يشكلون بيئة عمل يمكن أن يشعر بها المتعلم كقاعدة آمنة وموثوقة’’ هيذر جيدس
د- المدرسة باعتبارها مصدرا لانعدام الأمن (بدلا من كونها قاعدة آمنة)
تأسف هيذر جيدس لكون الضغوط التي تمارس على المدارس والمعلمين للتركيز على تقويم الأداء ومقارنة المتعلمين، يمكن أن تؤدي إلى طمس التجربة العاطفية والشخصية في قلب عمليات التعليم والتعلم. كما يمكن أن تحدث للمعلمين القلق بشأن الأداءات والمحتوى، تحجيم قدراتهم على التركيز على التجربة العاطفية للتعلم (التفكير في العواطف والاحتياجات، إظهار التعاطف اتجاه أسباب السلوك، الوساطة في النزاعات، وما إلى ذلك).
وقد يكون لهذا تأثير سلبي على التجربة المدرسية للمتعلمين الذين مروا من علاقات سلبية مبكرة، تم فيها تجاهل احتياجاتهم نظراً لصعوبات آبائهم أو الضغوط الخارجية.
من هنا، تحذر جيدس من أن النظام المدرسي يمكن، بالتالي، أن ينتج حالة انعدام الأمن عندما تكون الأهداف التعلمية قائمة على المنافسة، والمقارنة وأداء المتعلمين متجاهلة تجربتهم العاطفية.
“يمكن اعتبار المناخ المدرسي الذي يهتم بالأداء والنتائج ولوحات الشرف على أنه أقل اهتماماً بالنمو العاطفي للمتعلم وقد يكرر تجارب الارتباط غير الآمن”
هكذا، يصير من المثير للاهتمام أن نفكر في ظروف المدرسة ]بوصفها[ “قاعدة آمنة”.
هـ- سمات مدرسة القاعدة الآمنة
تساعد نظرية الارتباط في بناء المدرسة باعتبارها “قاعدة آمنة” تضع، على حد سواء، النمو العقلي والصحة العاطفية في قلب مشروعها.
بالنسبة للمتعلمين، هذا يعني:
- احترام جميع الطلاب (سلامتهم وكرامتهم)، بغض النظر عن كفاياتهم والصعوبات التي يواجهونها.
- مؤسسة آمنة ومحيط مهيأ يلبي الاحتياجات الأساسية للأطفال، سواء الإدراكية أو البدنية أو العلائقية (على سبيل المثال، الحق في الذهاب إلى المرافق الصحية بشكل مستقل وبدون قيود، الفرصة والحق في الانطلاق والتحرك…)
- مهارات في مجال التواصل اللطيف والانصات الفعال
- بالغين ذوي نمط ارتباط خاص بهم، تاريخهم الشخصي وذاكرتهم المجروحة
- مساحة لتنظيم النزاعات غير العنيفة (على سبيل المثال: رسائل واضحة، وساطة بين الأقران، دوائر تصالحية)
- علاقات أسرية طويلة الأجل حيث تشعر الأسر بأنها تتسم بالوضوح، ومعروفة ومعترف بها
- نموذجا للعلاقات الجيدة بين البالغين
بالنسبة للفرق، هذا يعني:
- إدارة قوية وتسلسلا متين يستمع إلى الفريق بأكمله ويمكن أن يضمن دعما مستمرا ومنسقا
- احترام الراحة البدنية للفريق، قاعة للمعلمين جيدة التنظيم كقاعدة آمنة رمزية
- القدرة على التفكير في الصعوبات دون تبني موقف زجري وعقابي
- الدعم والمساندة المتبادلة عبر الفريق
وفقا لهيذر جيدس، هذا النوع من المدارس يمكن أن يصبح قاعدة آمنة بديلة وأن يحتوي القلق المتولد عن تحديات التعلم. وبالإضافة إلى ذلك، ستتمكن المدرسة من توفير علاقات وتجارب تعويضية للمتعلمين الذين أضعفت قدراتهم التعليمية بسبب التجارب العاطفية والاجتماعية السلبية.
يتعلق الأمر إذا، بقرار سياسي لتغيير النظام المدرسي والشخصي لأن كل معلم يستطيع أن يضع الكفايات العاطفية والمرتبطة بالعلاقات الاجتماعية في قلب طريقة تدريسه.
المصدر:
https://apprendre-reviser-memoriser.fr/ecole-base-de-securite/