تُعاني شريحة واسعة من طلبتنا من صعوبات جمّة عند قراءة الكتب والبحوث والدراسات والتّقارير. ومن مظاهر هذه المعاناة بُطْءُ إيقاع القراءة وتواضع الناتج التلخيصيّ، ما ينعكس سلبا على المستوى الدّراسيّ والثّقافي للطالب. وإنّ المأساة لتزداد تعمّقا بعزوف الطالب وترسّخ نفوره من المكتوب وكرهه للكتب لِشعوره بضعف مردوديّته القرائيّة، ذلك أنّ درجة الدّافعيّة تتحدّد وتتأثّر بمستوى النّجاعة الذاتيّة (اُنظر أعمال Bandura 1997 ، 2003). ويقول Carré في هذا الصّدد : “إذا حصل لدى الفرد اعتقاد أنّه لا يستطيع تحقيق النّتائج المرجوّة من أعماله، فإنّ جذوة الحماس والمثابرة سرعان ما تخبو وتنطفئ” 1
ولمساعدة الطلبة على الخروج من هذه الوحلة النفسيّة وتجنيبهم التردّي في قاعها المدبّق، يجدر بالأساتذة أن لا يقتصر دورهم التعليميّ على مجرّد تمرير المضامين المدرجة بالمقرّرات أو البرامج، بل يجب أن يتجاوز ذلك إلى تيسير اكتساب الاستراتيجيات العِرفانيّة Stratégies cognitives المؤهلة للنّجاح في المَهمّات التي يكلّفون بها مَنظوريهم. لأنّ مبدأ “اذهب وربّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون” أو “عُمْ بحرك وحدك” كما نقول في لهجتنا التّونسيّة لا يعدو إلاّ أن يكون إلقاءً بالطالب في اليمّ مكتوف اليدين مع الضّنّ عليه بربع درس في السّباحة! ومن الغريب أنّ بعض المتحذلقين في البيداغوجيا والتّربية يُبرّرون هذا السّلوك بالحرص على ضمان استقلاليّة المتعلّم ودعم روح المبادرة لديه وحمله على التّعويل على ذاته. و إن هذا إلا محض مناورة وكلمة حقّ يراد بها باطل كما يقال.
فكيف يستقلّ العاجز؟ وأيّ معنى لدعوة المفلس إلى المبادرة، والأعزل إلى خوض الخضمّات؟
وإذا كان تعليم الاستراتيجيات العرفانية على هذه الدّرجة من الأهميّة في كلّ المجالات التّعليميّة، فلَعلِّي لا أبالغ إذا جعلتها حاسمة حين تمكّن المتعلّم من خطّة ناجعة في القراءة خصوصا، فقد عدّها بعضهم مفتاح العلوم وبوّأها Alain مكانة رفيعة حين قال: “إنّ من يمتلك القراءة، يمتلك أكثر ممّا يعتقد أنّه يمتلك.” 2
وقبل عرض مقترحنا الاستراتيجيّ العرفانيّ لأجل قراءة سريعة وناجعة للكتب، من المهمّ أنّ نُعرّف، وإن بعُجالة، مفهوم الاستراتيجية العرفانيّة ، لنعرض إثرها للقارئ مكوّنات المقترح.
فما هي الاستراتيجية العرفانيّة؟
يعرّف معجم المفاهيم المفاتيح في التّعلّم والتّكوين وعلم النّفس العرفانيّ (2009) 3 الاستراتيجية العرفانيّة كما يلي:
” الاستراتيجيّات العرفانية هي مجموع المهارات التي يعتمدها المتعلّمون لتعديل تمشّياتهم التّعلّميّة المتّصلة بالتّذكّر والتّفكير. وهذه المهارات المنظمة داخليّا، بشكل طريف وشخصيّ، أطلقت عليها عديد التّسميات من قبل الباحثين فـ Bruner يدعوها الاستراتيجيّات العرفانيّة ويربطها بالتّمشيّات المستعملة من قبل المتعلّم للبحث عن حلول جديدة للمشاكل المستجدّة… كما أطلق عليها مُنظّرو التّعلّم وتحديدا المشتغلون منهم في إطار نظريّة المعالجة الإنسانيّة للمعلومة Grenno و Bjork تسمية “التّمشّيات الإجرائيّة للتحكّم Processus exécutifs de contrôle”
ويستطرد التّعريف موضّحا أهميّة تعليم الاستراتيجيّات العرفانيّة وحاضّا المدرّسين على الاهتمام بها:
” كلّما كانت إستراتيجيّات المتعلّم العرفانيّة ناجحة فإنّه يضمن قدرا عاليا من النّجاعة لأعماله. فمن واجب المدرّسين إذا أن يولوها ما تستحقّ من اهتمام. وعلى سبيل المثال، فإنّ المدرّسين يستهدفون تدريس المضامين: “الثورة الفرنسيّة 1789″، “نظريّة فيثاغورس”، “جملة الشّرط” … ولكن من المهمّ خاصّة تعليم الاستراتيجيّات العرفانيّة المتّصلة بتيسير تمثّل وتوظيف تلك المضامين وهو ما توصي به أغلب الصّنافات التربويّة الحديثة. واليوم تشتغل عديد مخابر البحوث التربويّة حول إنتاج الاستراتيجيّات البيداغوجيّة الميسّرة لتطوير الاستراتيجيّات العرفانيّة لدى المتعلّمين.” (نفس المصدر السّابق)
ومن الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا الصّدد:
– هل يمكن تلقين الاستراتيجيات العرفانية أو تمريرها؟
– إذا كانت الاستراتيجيّات العرفانيّة شخصيّة، فما الفائدة من التّعرّف على إستراتيجيّات الآخرين؟
– هل يمكن أن يمتلك الفرد الواحد إستراتيجيّات متنوّعة لنفس المجال أو الموضوع؟
ويمكننا القول إجابة عن هذه الأسئلة، أنّ التّعبيرات الميتاعرفانيّة المنبجسة من الأنشطة التي يَحمل من خلالها المدرّس تلميذه على الإفصاح عن التّمشيّات والاختيارات الذهنيّة التي توخّاها لمعالجة نصّ قصد الإحاطة بفكرته الأساسيّة وأفكاره الفرعيّة واستطراداته…إلخ، تحقّق غنما بيداغوجيّا ذا بال على صعيدين على الأقلّ:
– صعيد الذّات القارئة: تحقّق الوعي بالاستراتيجيات الفرديّة ونقدها لخلق فرص تعديلها وتجويدها.
– صعيد الذّوات القارئة لنفس النّصّ: التّعرّف على استراتيجيات الآخرين، وهو ما يتيح إمكانات التّبادل والقبس منها والإغناء المتبادل.
أ- الاستراتيجيات العرفانية
وللتمكّن من القراءة النّاجعة لا بدّ من تبنّي استراتيجيا عرفانيّة تكون عبارة عن تشكيلة طريفة من المهارات المكتسبة في القراءة. وفي ما يلي مقترح على سبيل المثال يصلح للقبس منه وتطويره، وهي استراتيجيا تشتمل على المراحل التّالية:
1 – بعد قراءة العنوان واسم الكاتب، اذهب إلى رابعة الدّفتيْن La quatrième de couverture ، وهي الصّفحة الأخيرة من غلاف الكتاب، واقرأْها فستعطيك فكرة عامّة أو اقتضابة Synopsis عن الفكرة الأساسيّة للكتاب.
2- اقرأ الفهرس واستنتج منه هندسة الكتاب أو خريطته أي الطريقة التي وقعت وفقها تفريع الفكرة الأساسيّة لتحليلها وبسطها عليك. وعُد إليه مرارا كلّما دعت الحاجة لتترسّخ في ذاكرتك البصريّة صورة عن محتويات الكتاب الذي بين يديك.
3 – امسح بصريّا وبسرعة الصّفحات الأولى (المقدّمة، المدخل، التنويهات…) ولوّن بالقلم المزهر الجمل التي تشيد بأهميّة الكتاب أو المبحث والإضافة أو الفائدة التي يحقّقها في المجال أو الاختصاص.
4 – قبل قراءة كلّ محور أو باب، تخيّـلْ السّؤال الرّئيس (أو الأسئلة الرّئيسة) الذي يجيب عنه متن الباب أو المحور، إذ لا يعدو كلّ عرض إلا أن يكون إجابة عن سؤال صريح أو ضمنيّ. فإذا كان صريحا لوّنه بلون مزهر شفّاف، وإذا كان ضمنيّا فصُغْه صياغة شخصيّة واضحة ومقتضبة بقلم الرّصاص في إحدى الحواشي العليا. وبصفة عامّة عنوان المحور أو الباب يكون في صيغة مثبتة و يحسن تحويله إلى صيغة استفهاميّة.
5 – اقرأ خلاصة المحور أو الباب التي عادة ما تكون في الثلث الأخير من العرض ويعبّر عنها بصيغ من قبيل: “…وخلاصة القول فإنّ…” أو ” …ولو أجملنا القول …” ، وضعها في إطار، وإذا لم تعثر على مثل هذه الصّياغات فابحث سريعا عن الجمل أو الفقرات التي تجيب عن السّؤال الرّئيسيّ ولوّنها بالمزهر.
6 – يمكنك الاكتفاء بهذا لقراءة المحور دون التوغل في التّفاصيل، خاصّة إذا كانت الإجابة الموضعيّة مفيدة وشافية. أمّا إذا رغبت في الاستزادة لأنّك استشعرت حاجة للتّعمّق فيما يتّصل ببعض المفاهيم، فدوّن نقاط استفهام أو تعجّب أمامها في الحواشي البيضاء بقلم الرّصاص.
ب- استراتيجية الخرائط الذّهنيّة
وهي استراتيجيا مكمّلة أو موازية للاستراتيجيا العرفانيّة، إذ يمكنك أن تمرّ إلى تمثيل محتويات الكتاب في خريطة ذهنيّة وفق المثال الذي سنعرضه لاحقا. وهي عبارة عن تمثيل خُطاطيّ لكتاب يشتمل على فكرة مركزيّة قد يعبّر عنها عنوانه أو يصوغها القارئ في جملة قصيرة داخل الفقاعة الوسطى، وقد حلّلها الكاتب في محاور أربعة يمكن التّعبير عنها باقتضابة في الفقاعات المحيطة، وقد تفرّعت المحاور في مثالنا إلى 17 فكرة فرعيّة نكتبها على أغصان الشُّعَبِ المتفرّعة عن فقاعات المحاور. ومن ثمّ يمكن التّفريع في مستوى ثالث إلى فروع الفروع (ف.ف) على غصينات الشّعيبات الأخيرة بكلمة واحدة أو اثنين على الأقصى وفي مثالنا هذا أكثر من 50 تفريعة للأفكار الفرعيّة رمزنا لها بـ” ف.ف”.
ونُنَوّه ههنا، إلى أهميّة استعمال الأقلام الملوّنة ضمانا لمقروئيّة الخريطة الذّهنيّة للكتاب مع التزام منطق الانسجام بحيث يكون كلّ محور وأفكاره الفرعيّة ومتفرّعاتها الثانويّة بنفس اللّون. ففي مثالنا اللاحق سيكون لون المحور الثّالث المعتمد هو الأزرق الذي سنلتزم به حتّى نهايات الشّعيبات الأخيرة.
كما يمكن لصاحب الخريطة أن يعبّر بأسهم متقطّعة عن الصلات التي تتراءى له بين الأفكار الفرعيّة وبين المحاور أو بين “ف.ف” و “ف.ف” ينتميان إلى محورين مختلفين أو غيرها من العناصر (انظر الخريطة أدناه).
واعتبارا لكون الخريطة الذّهنيّة تتميّز بكونها صورة ناطقة لفكرة مركزّية متّصلة بشبكة مفاهيميّة وهي صيغة من صيغ التمثيل البصريّ الميسّرة والمبيّنة لمسألة معقّدة، فمن المهمّ القيام برسومات بسيطة تكون بمثابة الرّموز الممثّلة للأفكار. ذلك أنّ هذه الخرائط يفترض أن تنشّط نصفي الدّماغ: الأيسر للتّعبيرات اللّفظيّة والمنطقيّة، والأيمن للصّور و الخيال والابتكاريّة كما ورد في نظريّة عالم النّفس العصبيّ روجر سبيري Roger Sperry 1981.
وفي ما يلي مثال لكتاب موضوعه ترشيد استهلاك الطاقة: المشكلات و الحلول (الكهرباء والغاز والبنزين والطاقات البديلة) والتّمثيل يقدّم الهيكلة العامّة للخريطة:
ومن الممكن استعمال هذه الخرائط عند الاستعداد للمناظرات والمباريات المهنيّة لتحديد الموارد المستوجب تحضيرها والاطلاع عليها لضمان أوفر حظوظ النّجاح وذلك بتكوين صورة واضحة عن المهمّة وتدبير المراجعة والتّكون بعقلانيّة. وهي عبارة عن تلخيص شامل للعناصر ومواضيعها بالعود إلى تسعة كتب تفصّل مضامين محاور المناظرة انطلاقا من قائمة الشّروط والموضوعات الواردة في نصّ إعلانها كما في المثال التّالي:
وكما تُبنى الخرائط الذّهنيّة يدويّا، فإنّه بالإمكان اليوم استثمار برمجيّات عديدة لبنائها على الحاسوب وهي من حيث تصنيفها نوعان:
على الخطّ (أونلاين) (4)
– Draw.io) Google Drive, Dropbox)
– MindMup) Google Drive, Dropbox)
– MindMeister) Google Drive)
– MinMaps) Cloud, Google Drive)
و من امتيازات هذا الصّنف أنّه يتيح فرصة العمل الجماعي على خريطة واحدة لمجموعة من الطلاب على منصّة تفاعليّة مجّانيّة، وذلك في إطار التّعلّم الاجتماعي والتّعاونيّ وباستثارة ما يسمّى الصّراع الاجتماعي العرفانيّ conflit socio-cognitif المثمر ما يمكّن من تبادل وجهات النّظر حول كتاب مقروء أو تقرير أو وحدة تكوينيّة وذلك عن بعد كلّ من بيته بالتّزامن أو بغير تزامن أي مع التّحرّر من ضغطيْ الفضاء الزّماني و المكانيّ. كما تمنحك فرصة الاحتفاظ بالأعمال المنجزة على المخزّنات السّحابيّة مثل: Google Drive و Dropbox.
خارج الخطّ
وذلك بتحميل البرمجيّة المناسبة والاشتغال دون حاجة للإنترنت. غير أنّ بعض هذه البرمجيّات يوجد أحيانا في صيغ تشمل الوظائف الأساسيّة وتكون مجانيّة، وفي صيغ متطوّرة تُحمّل بمقابل ماليّ، ومنها نذكر:
– MINDMEISTER
– Freeplane
– SPIDER SCRIBE
– iMindMap …إلخ
ويمكن إغناء الخرائط المعمولة بالحواسيب بروابط مُحِيلةٍ على موارد متنوّعة كالنّصوص والصّور والفيديوهات وعناوين المواقعع المختصّة…إلخ.
ج- استثمار تقنية القراءة السّريعة
يمكن أن تشعر أنّك لا تقرأ بالسرعة الكافية أو هكذا يُساورك الاعتقاد الذي قد يشاركك فيها كثير من زملائك، وأحيانا تصل إلى نهاية ما قرأت وحين تراقب نفسك تجد أنّك نسيت كلّ شيء تقريبا أو تكاد. وقد يضيع تركيزك حين تقرأ وتجد صعوبة في التركيز بسبب الشرود الذي يشبه الأحلام.
سنرى معا كيفيّة الخروج من هذه المآزق.
د- المآزق الأربعة للقراءة التقليديّة
و تتجلى في أربع نقاط:
1- ما تعلّمته حول الفعل القرائي في المدرسة الابتدائية
يبدأ تعلّم القراءة في المسارات الكلاسيكيّة في سن السّادسة بتهجئة الحروف والمقاطع واحدة واحدة والجمل والنّصوص القصيرة وينتهي الأمر. لا شيء بعد سن الابتدائي تلقيتَه حول تقنيات القراءة، ومع ذلك فثمّة الشّيء الكثير.
2- حركة العينين
هل تعتقد أن عينيك تمسح الأسطر بصفة خطيّة من اليمين إلى الشمال سطرا سطرا؟ هذا ليس صحيحا لسوء حظّك.
فقد أظهرت الدراسات العلميّة أنّ العينين تقومان بقفزات صغيرة عند القراءة مع رجعات دقيقة رقيقة إلى الوراء وبسبب ذلك يهدر وقت كثير في إعادة قراءة كلمات كنت قد قرأتها.
3- القراءة بالتّلفّظ الدّاخلي المُحاكي للكلام
وهذا أيضا مأزق، لأنّ الأذن البشريّة لا تفهم الكلام إذا فاق منسوبُه سرعة معيّنة.
وهذا بالتّجربة نلمسه حين نشاهد ونسمع فيديوهات VLC مثلا فنختار فيها سرعة المنطوق من السرعة 1.5 إلى 22 فبعد مضاعفة السّرعة لا نفهم شيئا.
ما علاقة هذا بالقراءة؟
إذا كنت تنطق داخليا الجمل التي تقرؤها وتحاول أن تسرع فلن تفهم. والأمر بسيط في التّفسير: إذا كنت تقرأ مثلما تتكلّم، أي تقوم بقراءة جهريّة في سرّك فلن تتجاوز في سرعة قراءتك السّرعة المقبولة لقدرة الأذن في فهم المسموع من الكلام. وهذا هو المأزق الذي تسبّبه القراءة باعتماد التلفّظ الدّاخليّ La subvocalisation.
4- عدم تذكر المقروء
هذا كثيرا ما يحدث للقرّاء رغم أنّ الإرادة لا تعوزهم. يقرؤون ويتلفّظون داخليّا فإذا أسرعوا لا يفهمون لأنّ الأذن لا تستوعب إذا تضاعف المنسوب فيتمهّلون ليفهموا وإذا بأذهانهم يعتريها الملل فيشردون ويسرحون ويضيع تركيزهم. فما الحلّ إذا؟
هـ- ثلاثة تقنيات بسيطة لتسريع القراءة
يقترح علينا Cyril maitre تقنيات بسيطة لتسريع القراءة تبدو ناجعة.
1- المؤشر البصريّ Le guide visuel
وهي تقنية بسيطة وطبيعيّة. ذلك أنّ الطفل حين يتعلّم القراءة نراه يلجأ تلقائيّا إلى وضع سبابته على أسطر المقروء. وهو يتوقّف عن هذه العادة بإلحاح المعلمين في المدرسة الابتدائية على الفكاك منها. وهذا خطأ جسيم بحسب هذا الباحث، لأنّ استعمال المؤشّر يمنح العين نقطة تكبيش (في اللغة العربيّة كبّش تكبيشا الزّرعَ وضع له السّماد عند أصوله .معجم المعاني) لتُبقِيَ العين على النّصّ وهو ما يجنّبها الرجوع إلى الوراء. هذه التّقنية البسيطة تمكّن على بساطتها من زيادة سرعة القراءة بصفة ملحوظة. ويوجد حسب نفس الباحث صنفان من المؤشرات البصريّة.
أ. مؤشرات الصّوْب : مثل القلم.
وهنا يكفي أن تحرك قلمك على الكتاب بقفزات صغيرة وبسرعة منتظمة ولا حاجة إلى التسّرع في البداية ولا إلى الإجهاد.
ب. مؤشّر السّطر مثل الورقة تحت السّطر أو المسطرة.
والقراءة باعتماد المسطرة الصّغيرة تساعد على التركيز وتمنع العودات. وللقارئ اختيار أحد المؤشرين عند التدرّب على تسريع القراءة.
2- القراءة فقرة فقرة أو كتلة كتلة La lecture par blocs
من الاعتقادات الخاطئة حول القراءة أنّه ينبغي لنا أن نقرأ كلمة فكلمة، إذ عند القراءة بالفقرات يمكننا مضاعفة سرعة القراءة، لذلك يُستحسن وضع المؤشر وسط الفقرات وقراءة الكلمات كلمتين فكلمتين وثلاثة ثلاثة ومع التدريب المستمرّ ينمو عدد الكلمات المقروءة في مسحة عين واحدة.
3- تنشيط الرؤية المحيطيّة
ذلك أنّنا نملك نوعين من الرؤية:
أ – الرّؤية البؤريّة أو النُّـقْريّة Foveal وهو المركز على التفاصيل.
ب- الرؤية المحيطيّة Périphérique وهي التي تمكّننا من شساعة حقل الإبصار وهذا النّوع من الرّؤية يتطوّر في وظيفته شيئا فشيئا كلّما تدرّبنا على القراءة بالفقرات والكتل المكتوبة.
ويكبر حجم الكتل مع التدريب فيصير من السّهل علينا قراءة المقالات الصادرة في المجالات بالأعمدة الكاملة.
وهذا يذكّرنا مُجدّدا بأهميّة الحيلة القاضية بالتوقّف عن القراءة المعتمدة على التّلفّظ الدّاخلي لأنّها مَكْمَنُ الدّاء. وتوطين الذّات القارئة على الصّمت الداخلي silence intérieur.
يتطلّب هذا الهدف خطّة تدريب وإصرار لأنّ المهمّ هو الوعي بالمشكلة وخطّة التدريب هذه لن تأخذ منك أكثر من 15 إلى 30 دقيقة يوميّا لمدّة أسبوع أو أسبوعين لتحقيق المنشود.
وعليك طبعا أن تقيّم وتقيس أداءك القرائيّ بعد ذلك. وبحسب Keith Raynerr وهو عالم نفس لِساني فإنّ القرّاء العاديين يقرؤون بين 200 و 400 في الدقيقة ومن معدّل 500 كلمة في الدقيقة يصبح القارئ سريعا وثمّة من يضاعف ذلك!
وعلينا أنّ نعلم أنّ:
– التثبّت في كلمة بأخذ 0.25 ثانية.
– 80 % من المقروء يُنسى وأن 20 % فقط يمكن أن نتذكّره إذا ركّزنا على المهمّ.
لذلك ينبغي أن يحشد القارئ كلّ خبراته واستراتيجيّاته ومعارفه السّابقة عن الموضوع المقروء حتّى لا يتثاقل عند الفقرات التي يملك مكتسبات يعتدّ بها عن مضامينها ويركّز على ما هو طريف بالنّسبة له. وربّما لهذا السّبب نرى القارئ المختصّ الذي ألِف القراءة في مجال معيّن أسرع من القارئ المبتدئ.
المراجع:
1- Philippe Carré, De l’apprentissage social au sentiment d’efficacité personnelle : autour de l’œuvre d’Albertt Bandura, coll. « Savoirs », 2004.
2 – ألان ، أحاديث عن التربية ، تعريب عبد الرزاق الحليوي ، دار المعرفة للنشر 2005 تونس
3- Françoise Raynal, Alain Rieunier : Pédagogie, dictionnaire des concepts clés : Apprentissage, formation,, psychologie cognitive Ed, ESF, 2009,p 426
4 – Rémi Bachelet : http://rb.ec-lille.fr/l/CarteConceptuelle/cours-cartes_conceptuelles.pdf
5- Rayner, K. (1998). “Eye movements in reading and information processing: 20 years of research.”. Psychologicall Bulletin. 134 (3): 372–422
أقترح ترجمة المعرفية : COGNITIVE وأيضا عملية : PROCESSUS بدل العرفانية والتمشيات
شكرا
مقالة جيدة أتت على عديد الجوانب المساعدة لكل قارئ أراد لنفسه النفع مما يقرأ…شكرا أستاذنا على هذا المجهود البيّن.