إن تحقيق الدور الإيجابي للمتعلم يتطلب أن تحرص الاستراتيجيات الحديثة على ربط التعلم ببيئة الدارسين ومواطِن اهتماماتهم، والمشكلات الحياتية التي يمرون بها، وكيفية حل هذه المشكلات، بدلاً من النقل والتلقين.
و يبقى ربط التعلم ببيئة الدارسين ومشكلاتهم الحياتية من الأمور التي يمكن تحقيقها بسهولة إذا قُدِّمت المادة التعليمية بشكل مُحبّب للتلاميذ، كأن تُقدَم في صورة ألعاب تعليمية. وفي هذا الصدد نذكر أن الألعاب التعليمية تُعد مدخلاً أساسياً لنمو الجوانب العقلية والجسمية والاجتماعية والأخلاقية والانفعالية والمهارية واللغوية للمتعلمين، كما تسمح باكتشاف العلاقات بينها، وهي عامل أساسي ورئيس في تنمية التحصيل والتفكير بأشكاله المختلفة، وتسمح بالتدريب على الأدوار الاجتماعية، وتُخلص الإنسان من انفعالاته السلبية ومن صراعاته وتوتره، وتساعده على إعادة التكيف.
وقد طالب الكثير من العلماء والتربويين باستخدام التعلم باللعب؛ نظراً لما قد توفره الألعاب التعليمية من بيئة خصبة تساعد على النمو، وتستثير الدافعية للتعلم، وتحث على التفاعل النشط في جو واقعي قريب من مدارك التلاميذ الحسية، مما يجعلهم أكثر إقبالاً على التعلم.
ومع تطور الحياة والعلم الإنساني تطورت الألعاب التعليمية وتغيرت بشكل مثير للغاية، وتطورت أيضا الأدوات المستخدمة فيها، فبعد أن كانت الأدوات مقتصرة على الألعاب التقليدية الملموسة وما يتوفر في الطبيعة من مواد فقط، دخلت أدوات جديدة كالآلات والأجهزة الإلكترونية إلى عالم الألعاب التعليمية باستنادها على التكنولوجيا الحديثة في التعليم، و من أكثر الألعاب شيوعاً في هذا العصر ما يُعرف بالألعاب الإلكترونية التعليمية.
إن الألعاب الإلكترونية التعليمية ما هي إلا توظيف لأدوات التعلم الإلكتروني من ألعاب فيديو وألعاب الكمبيوتر أو الإنترنت لخدمة هدف تعليمي محدد، توظيف يراعي المعايير المحددة في التصميم.
وتقوم هذه الألعاب على مجموعة من الأسس النفسية والتربوية ومنها النظرية السلوكية، فالفوز في اللعبة يمثل عنصر دفع للمتعلم لتكرار ظهور الاستجابة وأثناء ذلك يتعلم معلومات ومهارات جديدة، وبواسطة تلك الألعاب يمكن تحقيق أهداف تعليمية متنوعة، فلا يتمكن المتعلم من إنجاز اللعبة بنجاح إلا من خلال فهمه وتطبيقه وإتقانه للمهارات التي يتم تدريسها.
الألعاب الإلكترونية التعليمية والنظرية البنائية
تُعد النظرية البنائية Constructivism من أهم نظريات التعلم الحديثة، ويُعد جان بياجيه Jean Piaget مؤسس البنائية في العصر الحديث؛ حيث يرى أن التفكير عملية تنظيم وتَكيُّف، ومن خلال هاتين العمليتين يكتسب المتعلم قدراته المعرفية، فالتنظيم هو الجانب البنائي من التفكير، أما التكيف فهو عملية سعي المتعلم لإيجاد التوازن بين ما يعرف (خبراته) والظواهر والأحداث التي يتفاعل معها في البيئة.
وتقوم النظرية البنائية على اعتقاد أن المتعلمين ينشؤون معرفتهم الشخصية من خلال خبراتهم، و أن المعرفة تُبنى بواسطة المتعلم، وتلعب الخبرات والتفاعلات الاجتماعية دوراً مهماً في عملية التعلم. بمعنى أن التعلم عبارة عن عملية إيجابية نشطة يتعلم فيها المتعلم أفكاراً جديدة مبنية على معارف وخبرات سابقة، عن طريق دمج المعلومات الجديدة في المعرفة القديمة المتوفرة عند المتعلم، ومن ثم يجرى تعديل المفاهيم والتصورات السابقة لاستيعاب الخبرات الجديدة.
1- المبادئ الرئيسة للتعلم البنائي
من مبادئ التعلم البنائي التي تميزه عن التعلم في ظل النظريات الأخرى ما يلي:
– التعلم عملية بنائية نشطة ومستمرة وغرضية التوجيه: ويُقصد بالعملية البنائية أن التعلم عملية بناء تراكيب جديدة تنظم وتفسر خبرات الفرد في ضوء معطيات العالم المحيط به، كما يُقصد بأن التعلم عملية نشطة أن المتعلم يبذل جهداً عقلياً لاكتشاف المعرفة بنفسه، ويقصد بأن التعلم عملية غرضية التوجه أن التعلم غرضي يسعى فيه المتعلم لتحقيق أغراض معينة تسهم في حل مشكلة يواجهها أو تجيب عن أسئلة محيرة لديه أو ترضي نزعة ذاتية داخلية نحو تعلم موضوع ما، وهذه الأغراض هي التي توجه أنشطة المتعلم وتكون بمثابة قوة الدافع الذاتي له وتجعله مثابراً في تحقيق أهدافه.
– المعرفة القبلية للمتعلم شرط أساسي لبناء التعلم ذي المعنى: حيث إن التفاعل بين معرفة المتعلم الجديدة ومعرفته القبلية تعد إحدى المكونات المهمة في عملية التعلم ذي المعنى.
– الهدف من عملية التعلم هو إحداث تكيفات تتلاءم مع الضغوط المعرفية الممارسة على خبرة الفرد: والمقصود بالضغوط المعرفية هي عناصر الخبرة التي يمر بها الفرد التي لا تتوافق مع توقعاته، وتؤدى إلى حدوث حالة من الاضطراب المعرفي لدى الفرد نتيجة مروره بخبرات جديدة عليه، وهدف التعلم في البنائية هو إحداث التوافق والتكيف مع هذه الضغوط المعرفية الموجودة لدى المتعلم.
– مواجهة المتعلم بمشكلة أو مهمة حقيقية تهيئ أفضل ظروف للتعلم: فالتعلم القائم على المشكلات يساعد المتعلمين على بناء معنى لما يتعلمونه، ويُنمي الثقة لديهم في قدراتهم على حل المشكلات، فَهُمْ يعتمدون على أنفسهم ولا ينتظرون أحداً لكى يخبرهم بحل المشكلة بصورة جاهزة، وكذلك يشعرون أن التعلم هو صناعة المعنى وليس مجرد حفظ معلومات.
– تتضمن عملية التعلم إعادة بناء الفرد لمعرفته من خلال عملية تفاوض اجتماعي مع الآخرين: أي أن الفرد لا يبني معرفته من خلال أنشطته الذاتية التي يُكوِّن من خلالها معانٍ خاصة بها في عقله فحسب، وإنما قد يتم من خلال مناقشة ما وصل إليه من معانٍ مع الآخرين، مما يترتب عليه تعديل هذه المعاني.
– التعلم عملية تحتاج لوقت، إذ أن التعلم لا يحدث بشكل لحظي مباشر. ولإحداث التعلم ذي المعنى نحتاج إلى إعادة التأكيد على أفكار معينة وتأمل معانٍ جديدة واستخدامها في مواقف حياتية مختلفة.
2- استفادة الألعاب الإلكترونية التعليمية من النظرية البنائية
– تؤكد النظرية البنائية على أن التعلم يحدث عندما يكون المتعلم أكثر نشاطاً وقدرة على بناء هيكله المعرفي بنفسه، والألعاب الإلكترونية التعليمية تقوم على تنويع المثيرات، وبالتالي يتم بناء المعنى لدى المتعلم من خلال المشاهدة الهادفة والتفاعل مع العروض واللقطات والنصوص والأصوات، وممارسة اللعبة والانتقال من مستوى لآخر من مستويات اللعبة.
– ترى البنائية أن المتعلم ينبغي أن يتوصل بنفسه إلى المعرفة (التعلم) وبطريقته الخاصة؛
فلا نحدد المحتوى مسبقاً بشكل تفصيلي، بل يكتفي بالأفكار الرئيسية فيه، وعلى المتعلم
البحث عن المعلومات التفصيلية المناسبة، وتحقق الألعاب الإلكترونية التعليمية ذلك حيث إنها لا تقوم بتقديم المعلومة بصورة فورية للمتعلم ولكن تجعله يحصل عليها من خلال ممارسته للعبة وتكتفي بتقديم التغذية الراجعة فقط لتصحيح مساره للوصول للمعرفة.
– ترى البنائية أن لكل فرد خصائصه وأفكاره وخلفياته وخبراته الفريدة وطريقة تعلمه الخاصة، ومن ثم فهي تنظر إلى كل متعلم كفرد بعينه وليس متعلماً عاماً، ومن خلال الألعاب الإلكترونية التعليمية يحصل المتعلم على المعلومة بنفسه واعتماداً على مهاراته الخاصة ومن خلال المحاولة والخطأ وتكرار ممارسة اللعبة.
– ترى البنائية أن الهدف من عملية التعلم تتمثل في تحسين قدرة المتعلم على استخدام ما تعلمه عن موضوع ما ضمن سياقه البيئي في مهام حقيقية، و هو ما يتوافق مع اعتماد الألعاب الإلكترونية التعليمية على استخدام المتعلم لما يتعلمه من معلومات ومهارات في المستويات الأولى من اللعبة لكي يستطيع تحقيق الفوز في المستويات النهائية من اللعبة.
المراجع:
– حسن حسين وكمال عبد الحميد(2003). التعليم والتدريس من منظور النظرية البنائية. القاهرة: عالم الكتب.
– محمد محمود الحيلة(2007). تكنولوجيا التعليم من أجل التفكير(ط2). عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع.
– منال عبد العال مبارز وسامح إسماعيل(2010). تفريد التعليم والتعلم الذاتي. عمان: دار الفكر ناشرون وموزعون.
– محمد عطيه خميس(2003). منتوجات تكنولوجيا التعليم. القاهرة : دار الكلمة.
– Moedritscher, F. (2006).e-Learning Theories in Practice: A Comparison of three Methods,Journal of Universal Science and Technology of Learning, vol. 0,no. 0, 3-18
موضوع غاية في الأهمية وفي صميم العملية التعليمية التعلمية .آمل من المعنيين الاستفادة وصولا إلى تعلم أفضل لأبنائنا الطلبة. أحسنت د.رأفت .تحياتي.