يواجه المعلمُ في زمننا المعاصر انفجارًا تكنولوجيًا ومعرفيًّا وعلميًّا يدعوه إلى التنمية المهنية والتكوين المستمر الذي يُمكّنه من مواكبة التطوُّرات في ميدان عمله؛ ليمتلك المعلومات والمهارات، ويدرك الاتجاهات الحديثة في طُرُق التعلم وتقنياته، فالتنميةُ المهنية ضرورةٌ للرفع من كفاءة المعلم، وإكسابه المهارات اللازمة لتطوير أدائه (التركي، 2015). وعلى الرغم من هذه الأهمية البالغة للتنمية المهنية، إلا أنَّها مازالت تواجه تحديات عديدة كقلَّة الموارد المالية والبشرية، وعدم وجود الوقت الكافي، وضعف كفاءة التدريب، وضعف أدوات التقييم (الحر، 2010).
ومع الاهتمام المتزايد بتكنولوجيا المعلومات؛ لخَلْقِ موارد جديدةٍ للتعلم والتدريب، ظهر التدريب الإلكتروني الذي يسعى إلى تحسين الاستفادة بكفاءةٍ وفاعليةٍ من شبكات وقواعد البيانات؛ لتحقيق التعلم والتدريب الأفضل (الزهراني، 2019). ولأنَّ التدريب التكيُّفي يلعب دورًا مهمًّا في التنمية المهنية، ويتناسب مع التوجُّهات الحديثة في التعليم، سنُسلّط الضوء في هذا المقال على التدريب الإلكتروني التكيُّفي ودوره في التنمية المهنية للمعلم؛ وسيُناقَش هذا الموضوع من خلال المحورَينِ التاليَينِ: الأول مفهوم التدريب الإلكتروني التكيفي وأنظمته وخصائصه، والثاني دَور التدريب الإلكتروني التكيفي في التنمية المهنية للمعلم.
مفهوم التدريب الإلكتروني التكيفي وأنظمته وخصائصه:
يُعرَّف التدريب الإلكتروني التكيفي أو ما يُطلَق عليه بالتدريب الإلكتروني المؤقلم بمفهومه الواسع، بأنه نظامٌ تدريبيٌّ تتغيَّر فيه طريقة تقديم المحتوى بناءً على الاستجابات الفردية لكل مُتدرّب على حدةٍ؛ لإحداث تغيير حيوي يُقدّم أفضل خيارات التدريب ردًّا على المعلومات التي تمَّ جمعها خلال عملية التفاعل، وليس على أساس المعلومات الموجودة سابقًا المتعلقة بالجنس، والعُمر، ودرجة الاختبار التحصيلي للمتدرب (ياسين وآخرون، 2018). ويُعرَّف أيضا بأنه تدريبٌ إلكترونيٌّ تفاعليٌّ يُمكِنه تخصيص وتكييف المحتوى، ونماذج التعلم والعمليات بين المتعلمين وفقًا لحاجاتهم الفردية، وخصائصهم، وأنماط تعلُّمهم؛ لغرض تقديم التدريب الملائم لكل فرد في ضوء المدخلات والمعلومات التي يحصل عليها (هداية، 2019).
وتَكتسب أنظمةُ التدريب التكيفية خصائصَها من خلال نوعَينِ من الأنظمة، وهما: نُظُم الوسائط المتشعبة التكيفية؛ وهي النُّظُم التي تختلف باختلاف المتعلمين من خلال المعلومات التي يتمُّ تجميعها أثناء عملية التعلم، ونُظُم التدريب الذكية؛ وهي النُّظُم التي تُطبّق وتستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ من أجل تقديم دعمٍ أفضلَ للمتعلم (محمد، 2018).
كما تتميَّز بيئاتُ التدريب الإلكتروني التكيفي بعدَّةِ خصائصَ منها؛ إمكانيةُ استيعاب أعداد كبيرة من المتدربين بالاعتماد على وسائل الاتصال الإلكترونية، ووجود أنظمة تُتيح وسائلَ تدريبيةً متنوعةً (مرئية – مسموعة – مطبوعة)، فهي مُصمَّمة لتتناسب مع خصائص المتعلمين، وتعمل على تحفيز القدرات العقلية، وتحقيق الراحة والرضا لديهم، حيث تتميَّز أنظمتها بالسهولة؛ فهي تُساعد المتعلمين على إنجاز المهام المطلوبة أثناء التدريب، وتتيح أيضًا بيئاتُ التدريب التكيفي فُرَصَ الاتصال بمصادر المعلومات المختلفة، ونشر العُروض التعليمية في مختلف الأماكن من العالم؛ مما يُعطي للمتعلم صبغةً عالميةً تساعده على الخروج من الإطار المحلي. كما يُوفر التدريبُ التكيفي رؤيةً جديدةً في عملية التدريب؛ وهي تدريبٌ عالميٌّ يفتح للمعلم آفاقًا جديدةً في التطوير المهني مع التغلب على عامل الزمان والمكان، فمن خلالها يستطيع المتعلمُ الحصولَ على المعلومات التي قد لا تتوفَّر لديه في بيئات التدريب التقليدية (ياسين وآخرون، 2018).
دور التدريب التكيفي في التنمية المهنية للمعلم:
أشارت دراسة القحطاني (2020) إلى أهمية الأدوات الرَّقْمية في استدامة التنمية المهنية للمعلم، مع ضرورة تنويع آليَّاتها وربطها بالممارسات التدريسية، ومنها التدريب الإلكتروني التكيفي الذي يلعب دورًا مهمًّا في التطوير المهني للمعلم؛ وذلك للأسباب التالية:
تناسُبُهُ مع الاحتياجات الفردية:
فهو يتميَّز بطريقةِ تدريبٍ تتوافق مع قُدُرات واستعدادات وخبرات المتعلم، من خلال تكييف المحتوى الذي يحتوي على المعارف والمهارات وأدوات التقييم؛ لتتلاءم مع قُدُرات واحتياجات المتعلم. تقول العايد (2015) إنَّ من أهم شروط نجاح عملية التدريب الفعَّال هو تحديد الاحتياجات التدريبية للمعلم، والعمل على تلبيتها. وتُؤكّد الخطة الاستراتيجية لوزارة التربية والتعليم (2018) بأن تلبية الحاجة الفعلية للمعلم هي الأساس في توليد الرغبة في ممارسة التدريب. فنظامُ التدريب الإلكتروني التكيفي يُحدّد الاحتياجات الفردية من خلال جمع المعلومات اللازمة؛ إما أن يُطلَب من المتعلم بشكل صريح إدخالُ المعلومات بالإجابة على الأسئلة، والاستبانات، والنماذج، ثم تقديم التدريب المناسب له، أو عن طريق مراقبة تفاعله مع النظام وجمع المعلومات بطريقة آلية؛ فيجمع النظام البيانات ضمنيًّا من خلال استجاباته (هداية، 2019).
اعتمادُهُ على أسلوب التعلم الذاتي:
حيث تتعامل بيئات التدريب التكيفية مع كل متعلم على حدةٍ، فتُقدّم له الأنشطة والمهمات التعليمية والعُروض التدريبية وَفْقًا لنمط تعلُّمه، حيث يؤدي المتعلم هذه الأنشطة والمهام معتمدًا على ذاته، وبما يتوافق مع قدراته الخاصة، وتُقدَّم له التغذية الراجعة الفورية؛ لتحقيق الأهداف بصورة أكثر كفاءة وفعالية (هداية، 2019).
ففي دراسة التركي (2015) تم التأكيد على أهمية التعلم الذاتي في التنمية المهنية؛ لأنه وسيلةٌ يمكن بواسطتها مواجهةُ الانفجار المعرفي، ومواكبة التطوُّرات والتغيرات السريعة المتلاحقة، وهو أحدُ أساليب التعلم الفعَّالة للحصول على المعرفة، وبناءِ مجتمع دائم التعلم، وتحقيقِ أهدافِ تنميةٍ مهنيةٍ مستدامةٍ. كما أوْلت وزارةُ التعليم اهتمامًا كبيرًا بتطوير مهارات التعلم الذاتي لدى المعلم، والتي تُعَدُّ من المهارات المهمة في المجالات المهنية (هيئة تقويم التعليم والتدريب، 2017).
إتاحتُهُ للوسائط التكيفية:
إن التدريب الإلكتروني التكيفي يتميَّز بالمرونة التي بدورها تُراعي الفروق الفردية بين المتعلمين (هداية، 2019)، فيعمل النظام على تكيُّف المحتوى ليتناسب مع أنماط التعلم والمستويات المعرفية المختلفة (الملاح، 2016)، فهو يُقدّم محتوًى رقميًّا تفاعليًّا يحتوي على وسائط متنوعة غير محدودة السعة مثل: (الصور المتحركة، الرسومات، النص، الصوت، الفيديو) لتقديم خبرات تدريبية تُشبه الخبرات التي يمُرُّ بها المتعلمون في التدريب التقليدي (ياسين وآخرون، 2018).
يُقارن المتعلم بنفسه وليس بالآخرين:
ويخلُقُ التدريبُ التكيفي هُويةً تعليميةً إيجابيةً خاصَّةً بالمعلم، تُعزّز من ثقته بقدراته؛ وذلك بالتقليل من المقارنة الاجتماعية بينه وبين زملائه، والتركيز على الإيجابيات الخاصة به، ومتابعة تطوُّره الذاتي للوصول لأهدافه الفردية (عبد المنعم، 2021).
نستخلص مما سبق أنَّ التدريب التكيفي من الأساليب المُثلى في التطوير المهني للمعلم؛ لما له من خصائص يتميَّز بها عن أساليب التدريب التقليدية، فهو يُلبي حاجات المتعلمين، ويُراعي قدراتهم واستعداداتهم للتعلم، ويُقدّم محتوًى تعليميًّا متنوعًا يلائم أنماط التعلم المختلفة بمستوياتٍ متعددةٍ، بالإضافة لذلك فهو يراعي عامل الزمان والمكان والطاقة الاستيعابية للمتدربين بخلاف البيئات التدريبية التقليدية.
المراجع:
- التركي، خالد محمد. (2015). استخدام التعلم الذاتي في التطوير الأداء المهني للمعلمين. مجلة العلوم الإنسانية، (10)، 67-86.
- الحر، عبد العزيز. (2010). أدوات مدرسة المستقبل التنمية المهنية (ط.2). مكتب التربية العربي لدول الخليج.
- الزهراني، نورة أحمد. (2019). فاعلية بيئة تعلم تكيفية في تنمية مهارات تصميم وإنتاج المستودعات الرقمية لدى طالبات دبلوم الحاسب الآلي بجامعة الباحة. مجلة كلية التربية، 35(8)، 357-371.
- العايد، يوسف محمد. (2015). الاحتياجات التدريبية لمعلمي التربية الخاصة: دراسة ميدانية بمحافظة المجمعة. مجلة التربية الخاصة والتأهيل، 9(3)، 225- 264.
- عبد المنعم، رانية عبد الله. (2021). البيئات الرقمية القائمة على التعلم التكيفي وفاعليتها في تنمية مهارات الفهم العميق. المجلة العلوم الإنسانية والإدارية، 22(1)، 293-289.
- القحطاني، عثمان علي. (2020). تصور مقترح لبدائل التنمية المهنية المستدامة للمعلمين في ضوء احتياجاتهم والرؤية الوطنية للمملكة 2030م. المجلة الدولية للدراسات التربوية والنفسية، 2(8)، 203- 224.
- محمد، أهلة أحمد. (2018). فاعلية بيئة تعلم تكيفية وفق أساليب التعلم الحسية في تنمية مهارات تصميم مواقع الويب وخفض العبء المعرفي لدى تكنولوجيا التعليم. مجلة البحوث في مجالات التربية النوعية، (17)، 87-115.
- الملاح، تامر المغاوري. (2016). التعلم التكيفي “Learning Adaptive”: ثورة تعليمية قادمة. المجلة العربية للمعلومات، 26(1-2)، 193-204.
- هداية، رشا حمدي. (2019). تصميم بيئة تعلم إلكترونية تكيفية وفقًا للذكاءات المتعددة وأثرها في تنمية مهارات إنتاج الاختبارات الإلكترونية لطلاب كلية التربية. الجمعية العربية لتكنولوجيا التربية، (38)، 473-540.
- هيئة تقويم التعليم والتدريب. (2017). المعايير والمسارات المهنية للمعلمين في المملكة العربية السعودية.
- وزارة التربية والتعليم، المملكة الأردنية الهاشمية. (201/8). الخطة الاستراتيجية لوزارة التربية والتعليم. منظمة اليونسكو العالمية.
- ياسين، مي أحمد، خميس، محمد عطية، وسعيد، أحمد محمد. (2018). بيئة تدريب إلكتروني تكيفي عن بعد قائم على مستوى المعرفة السابقة وأثره على تنمية الكفايات الأدائية لفنيي مصادر التعلم بمدارس مملكة البحرين. مجلة البحث العلمي في التربية، (19)، 407-458.