“على الرغم من أن التدريس عن بعد في حالات الطوارئ والتعليم عن بعد غير مترادفين، إلا أنه يمكن للمعلمين الذين يقومون بالتدريس عن بعد في حالات الطوارئ الاستفادة من ذوي الخبرة في التعلم عن بعد لتوفير تجارب تعليمية عالية الجودة وجذابة لطلابهم. أعتقد وبشكل جازم أن الدرس المستفاد الوحيد الأكثر أهمية وباعتقادي أنه الأكثر أهمية لأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات هو التفكير في بيئة تعلم جديدة من منظور متمركز حول الطالب ((Student-Centered“
هناك شبه إجماع بين الباحثين على اختلاف كل من التدريس في حالات الطوارئ عن التعلم عن بعد من حيث الخطوات المتبعة في التنفيذ وجودة المحتوى التعليمي المقدم وكذلك آلية تقييم المخرجات. في الفترة الأخيرة ظهرت أصوات تشكك في عملية التعلم عن بعد لبعض الخبرات السيئة في تجربة التدريس عن بعد مما جعلهم يربطون تلك المعيقات في التدريس عن بعد في حالات الطوارئ مع التعلم عن بعد في غير حالة الطوارئ. فالمرحلة الحالية لا نستطيع تعميم سلبياتها على نمط من أنماط التعلم عن بعد سواء كان الإلكتروني أو التعلم المحمول، ممكن الاستفادة من التجارب الناجحة في مرحلة الطوارئ وترحيلها إلى التعلم عن بعد العادي. ومن هذا المنطلق من المهم الاستفادة من قبل المعلمين الجدد الذين يدرسون في بيئة التعلم المفاجئة من الدروس المستقاة من ممارسة المعلمين ذوي الخبرة في التعليم عن بعد والذين يوفرون تجارب تعليمية عالية الجودة وجذابة للمتعلمين.
مشاركة المحتوى التعليمي الرقمي مع الطلاب، إلقاء المحاضرات المباشرة أو المسجلة، وتسهيل الوصول إلى المحتوى التعليمي الرقمي تعتبر من الأولويات القصوى في عملية التدريس عن بعد في حالات الطوارئ. النهج هذا منطقي في مرحلة الانتقال من التعليم التقليدي إلى التدريس عن بعد في حالات الطوارئ نظرا للاحتياجات الملحة في عملية التدريس عن بعد في حالات الطوارئ. بالرغم من أن تلك الخطوات رائعة في عملية التحول الرقمي، إلا أنها لا تجعل التدريس عن بعد في حالات الطوارئ عالي الجودة إلا من خلال إشراك المتعلمين لتعزيز الفهم العميق للمحاضرة والمواد التعليمية الرقمية.
إن انخراط الطالب أمر ضروري في التعلم عن بعد، ولكن كيف يمكننا إشراك المتعلمين في بيئة التدريس عن بعد في حالة الطوارئ لتكون نقطة انطلاق مستقبلا بعد انتهاء أزمة كورونا؟
التجارب العربية
الوطن العربي حاليا مليء بالتجارب الناجحة في التدريس عن بعد من ليبيا إلى العراق إلى فلسطين إلى المغرب والجزائر. في تلك الدول تم تشكيل فرق على مستوى وزارة التعليم العالي وعلى مستوى المؤسسات التعليمية من أجل العمل على تقديم الدعم والمساندة لأعضاء الهيئة التدريسية وتطوير آلية العمل. المعيقات والصعوبات متشابهة ومختلفة أحيانا أخرى بالاعتماد على الثقافة المحلية لكل مجتمع. ومن أبرز تلك المعيقات عدم المساواة الرقمية واختراق الخصوصية للطالب وولي الأمر بالإضافة الى ضعف انخراط الطالب في التدريس عن بعد. باعتقادي ومن خلال متابعة العديد من المحاضرات المباشرة وتدريب أعضاء الهيئات التدريسية فإنه نادرا ما يتم التطرق إلى كيفية العمل على إشراك الطالب وتشجيع انخراطه (Students’ Engagement) في التعلم عن بعد، ونادرا جدا أن يتم دعوة الطلبة إلى اجتماع لمعرفة احتياجاتهم للتعلم عن بعد في حالات الطوارئ والاستماع إليهم، فالاستماع للطلبة أمر مهم، فهو العنصر الأساسي للتعلم عن بعد.
على الرغم من أن التدريس عن بعد في حالات الطوارئ والتعليم عن بعد غير مترادفين، إلا أنه يمكن للمعلمين الذين يقومون بالتدريس عن بعد في حالات الطوارئ الاستفادة من ذوي الخبرة في التعلم عن بعد لتوفير تجارب تعليمية عالية الجودة وجذابة لطلابهم. أعتقد وبشكل جازم أن الدرس المستفاد الوحيد الأكثر أهمية وباعتقادي أنه الأكثر أهمية لأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات هو التفكير في بيئة تعلم جديدة من منظور متمركز حول الطالب (Student-Centered.)
أنواع التفاعل في التعلم عن بعد
من خلال عملي كمصمم تعليمي للمحتوى التفاعلي الرقمي والعمل كباحث ضمن فريق بحث في جامعة انديانا في الولايات المتحدة الامريكية، تعرفنا على أنماط متنوعة من التفاعل تتمحور حول المتعلم من خلال التركيز على إنشاء ثلاثة أنماط من التفاعل في بيئة التعلم عن بعد، وبغض النظر عن نمط التفاعل، إلا أنه تم رصد ثلاثة أنواع من التفاعل المتمحورة حول المتعلم وتساهم في بناء المعرفة واكتساب المهارات، وتلك الأنواع هي: تفاعل أحادي الاتجاه، تفاعل ثنائي الاتجاه، التفاعل المتعدد وهو المعقد الذي يتم من خلاله بناء شبكة التفاعل والتواصل ما بين المتعلمين مع بعضهم البعض ومع المحاضر أو المعلم (Khlaif, Nadiruzzaman, & Kwon, 2017).
أنواع التفاعل
- التفاعل بين المتعلم-المتعلم: بناء وتصميم نشاط يوفر خبرات التعلم للطلبة من بعضهم البعض بشكل هادف ويوجد منه عدة أنواع من التفاعل: تفاعل اتجاه واحد، تفاعل اتجاهين، التفاعل المتعدد وهو المعقد والذي من خلاله يتم بناء المعرفة.
- التفاعل بين المتعلم-المعلم: حيث يقوم المعلم بتصميم نشاط تفاعلي من أجل أن يكون إطارا للتفاعل فيما بينه وبين المتعلمين أثناء تجربة التعلم.
- التفاعل بين المتعلم-المحتوى: الخطوة الأساسية في التعلم عن بعد هو التصميم التعليمي للمحتوى، ففي تلك الخطوة يتم تصميم كيفية التفاعل ما بين المتعلم-المحتوى، المتعلم-المتعلم، وأيضا المتعلم-المحتوى. يظهر الفرق الشاسع ما بين التدريس عن بعد في حالات الطوارئ وما بين التعلم عن بعد. الشكل التالي يوضح العلاقة بين أنواع التفاعل.
أنماط التفاعل الثلاثية لا يمكن أن تحدث تلقائيا في المقرر الرقمي وإنما يتطلب ذلك تخطيطا وتصميما تعليميا. عندما نقوم بكتابة السيناريو التعليمي، لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار شكل التفاعل الذي سيحدث لتنفيذ أنشطة المقرر وحدوث عملية التعلم. إن التفاعل المتعدد والمعقد لا يتطلب مجموعات محددة من التقنيات التربوية على مستوى المؤسسة التعليمية، وإنما نحتاج إلى منهج متمحور حول الطالب، ولتنفيذ ذلك لا بد من طرح مجموعة من الأسئلة أثناء مراحل التصميم التعليمي للمقرر منها:
- كيف سيتفاعل المتعلمون مع المحتوى في المقرر: بعيدا عن حضور المحاضرة او قراءتها أو الاستماع إليها، ماذا سيفعلون؟ ماذا سيكتبون؟ وكيف سينتجون معرفة جديدة بناء على محتوى المقرر؟ هل بإكمال المهام والواجبات، سينتهي دورهم في التعلم؟ ما هي آلية التفاعل فيما بينهم؟ هل المقرر سيساعدهم في التفكير الناقد؟ هل سيقومون بالتحليل والنقد والتعليق على محتوى المقرر؟ كيف سيتفاعل المتعلمون معي؟ هل فقط من خلال الرسائل الخاصة، أم البريد الإلكتروني؟ أم من خلال منتدى النقاش؟
إن عملية التفاعل تتطلب من المعلم أو المحاضر القيام بأعمال إضافية من خلال تصميم وبناء أدوات تساعد في عملية التفاعل الثلاثي.
آلية التفاعل
فيما يلي سأقوم بتوضيح كيفية التفاعل لكل نمط على حدة:
أولا- التفاعل بين المتعلم-المحتوى
يقوم على مبدأ عمل شيء ما في المحتوى مثل الاستماع، القراءة كجزء من عملية التفاعل، ولكن يطلب من المتعلم أكثر من أجل أن يتم التفاعل. الموقف السلبي من التعلم بأن تكون مستلما للمعلومات ليس كافيا للتعلم عن بعد، لا بد من أخذ ذلك بعين الاعتبار عند تصميم المقرر وهو خلق بيئة للتعلم النشط أي أن يقوم المتعلم بعمل ذو معنى يتعلق بالمحتوى التعليمي وبناء معرفة جديدة. بعد الانتهاء من متابعة المحاضرة أو قراءة المحتوى، يطلب من المتعلم مثلا:
- تلخيص الموضوع.
- إنشاء عرض تقديمي أو فيديو قصير عن أهم المفاهيم التي تعلمها وكيف سيستفيد منها مستقبلا.
- المشاركة في نشاط تفاعل مزدوج: يطرح المعلم سؤالًا، ويطلب من المتعلمين تدوين بعض الملاحظات بشكل مستقل لتكوين أفكار أولية، وتوزيع المتعلمين على مجموعات افتراضية، ثم يتم تحديد يوم للقاء افتراضيا عبر المنصات المباشرة لعرض إنتاج الطلبة ومناقشتهم.
- يستطيع الطلاب استثمار اللوح الأبيض Whiteboard لتدوين أهم المفاهيم والمصطلحات في المحاضرة. الكثير من المنصات المباشرة توفر خاصية السبورة البيضاء مجانا.
- إعطاء الطلبة فرصة لقيادة المناقشة عبر المنصات المباشرة.
بالإضافة الى ذلك وبالاعتماد على طبيعة المحاضرة أو المادة التعليمية، يمكن تكليف المتعلمين بتنفيذ المهام التالية:
-القيام بمهام ميدانية وكتابة تقرير عن الزيارة أو إنتاج فيديو قصير عن الزيارة.
– كتابة تقرير عن مشكلة من الحياة اليومية للطالب من البيئة لها علاقة بالمحاضرة.
– العمل على تحليل بيانات وكتابة التصورات بناء على تلك البيانات.
– إعداد وتقديم عروض وسائط متعددة.
– إنشاء الرسوم البيانية، وصفحات الويب، ومشاركات المدونات، والمجموعات، جمع صور ذات علاقة بالمحاضرة..
ثانيا- تفاعل الطالب مع الطالب
عندما يتفاعل الطلاب مع بعضهم البعض، يشعرون أنهم جزء من مجتمع المعرفة والتعلم. يساعد التفاعل بين المتعلمين مع بعضهم البعض في الانخراط في التفكير البناء والناقد والذي يساهم في عملية بناء المعرفة والذي يصعب على المتعلم إدراكه في حال كان يدرس منفردا (Khlaif et al., 2017)
يعتبر العمل التعاوني من إحدى مهارات القرن الحادي والعشرين والتي يجب علينا كتربويين ومعلمين أن نقوم بغرسها في الطلاب من أجل أن يكونوا قادرين على الانخراط في سوق العمل مستقبلا. فمن خلال العمل التعاوني سيتم تعزيز مهارات العصف الذهني والتداول والنقاش واحترام رأي الآخرين وتقبل النقد البناء.
تم رصد مجموعة من الاستراتيجيات التي يمكن استخدامها لتعزيز تفاعل المتعلم مع زميله، منها:
- إنشاء منتديات المناقشة في نظام إدارة التعلم كصفوف جوجل Google Classroom, Moodle وغيرها.
- استخدام المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي.
- تحكيم أعمال الطلبة لبعضهم البعض وكتابة الملاحظات والتعليقات البناءة.
- مشاريع جماعية.
- عروض جماعية.
- مشاريع فردية.
- تشجيع المتعلمين على استخدام بعض أدوات انترنت الأشياء مثل التخزين، الحوسبة السحابية، على أدوات جوجل درايف، Box.
- تكليف المتعلمين بكتابة بروتوكول التعاون فيا بينهم.
- تشجيع المتعلمين على استخدام منصات البث المباشر مثل زووم، وصفوف جوجل، سكايب.. لعقد الاجتماعات.
- تشجيع المتعلمين على توظيف أدوات التعلم عن بعد.
ثالثا- تفاعل المتعلم -المحاضر/المعلم
التفاعل لا يكون فقط سؤال/جواب وإنما يشمل البعد الإنساني في منح وبناء الثقة والاحترام المتبادل بين المتعلم والمحاضر وخاصة أنهم منفصلون مكانيا وربما زمانيا.
يتطلب تقديم المعلم أو المحاضر تفاعلا منتظما وموضوعيا من الاستراتيجيات المتبعة في تعزيز التفاعل بين المتعلم والمحاضر عبر التعلم عن بعد:
– المشاركة والتفاعل مع المتعلمين حول محتوى المحاضرة عبر إنشاء منتدى مناقشة أو حوارا على نظام إدارة التعلم مثل مودل وصفوف جوجل، وحول محتوى الدورة التدريبية عبر منتديات المناقشة في نظام إدارة التعلم.
- العمل على تسجيل فيديو قصير لتقديم واجب أو لتوضيح هدف تعلمي محدد ومناقشته (استخدام Microlearning).
- كتابة تعليقات تعليمية على ما يكتبه المتعلم أو يسجله (الشكل 2) يوضح أنواع التعليقات التي تم رصدها في العديد من منتديات النقاش للمعلمين.
- عقد اجتماعات افتراضية لمناقشة المهام والواجبات.
الخلاصة
على الرغم من الاختلاف بين التدريس عن بعد في حالات الطوارئ والتعليم عن بعد، يمكن للمعلمين أن يستفيدوا من ذوي الخبرة في التعلم عن بعد لتضييق الفجوة بين النمطين المختلفين في التعلم عن بعد ليكون مناسبا للتمحور حول الطالب في مجتمع المعرفة.
المراجع
Cho, M. H., & Cho, Y. (2014). Instructor scaffolding for interaction and students’ academic engagement in online learning: Mediating role of perceived online class goal structures. The Internet and Higher Education, 21, 25-30.
Khlaif, Z., Nadiruzzaman, H., & Kwon, K. (2017). Types of Interaction in Online Discussion Forums: A Case Study. Journal of Educational Issues, 3(1), 155-169.
Martin, J. (2019). Building Relationships and Increasing Engagement in the Virtual Classroom: Practical Tools for the Online Instructor. Journal of Educators Online, 16(1), n1.
Chicago
الله يعطيكم العافية ويوفقكم جميعا