ينظر الكثيرون الى التعلم الإلكتروني على أنه تعليم أقل مستوى من التعليم التقليدي باعتبار أنه لا يوجد لقاء حقيقي بين المعلم والمتعلم وأن الغش والتدليس فيه متاح بشكل أكبر. وربما يعود السبب في تلك النظرة الى التطبيق الحالي للتعليم الإلكتروني الذي اعتمدت عليه أغلب المؤسسات التعليمية خصوصا في المنطقة العربية والتي ركزت على مجرد تحويل التعليم التقليدي الى تعلم إلكتروني عبر بث وتسجيل المحاضرات العلمية من خلال الإنترنت أو استخدام التقنية في الصفوف الدراسية، متجاهلين كل التقنيات والأساليب الحديثة التي تؤثر على إنسان اليوم. وهم بذلك يحاكون التعليم التقليدي الذي يعتمد على نقل المعلومات من المعلم إلى الطالب ثم قيام الطالب بعد ذلك بنقل تلك المعلومات التي حصل عليها إلى الورق.
لقد زاد الأمر سوءاً تلك العزلة التي تفرضها تطبيقات إدارة التعلم الإلكتروني Learning management Systems المستخدمة في الجامعات والمؤسسات التعليمية اليوم لتقديم المقررات الإلكترونية. ففي الوقت الذي تتطور فيه وسائل التواصل الحديثة وأدوات المعرفة حولنا، تصر تلك التطبيقات على عزل الطالب عن أقرانه ليتعلم ويختبر وينجح وحده. لقد كان يدرس مع أقرانه في الصف الدراسي، لكنه ومع استخدام تلك الأنظمة التقنية يفقد ذلك ويعود وحيدا. فهل يمكن لهذه البيئة التي تساعد الطلاب على الحفظ والتلقين والاتكال على المدرس وتعتمد على القوالب التعليمية الجاهزة أن تساهم في حدوث تطوير في التعليم.
إن هذه الصورة للتعليم الإلكتروني لا يمكن أن تقدم شيئا للعملية التعليمية في العالم العربي سوى إضافة مصادر تعليمية الى شبكة الإنترنت، وهو و إن كان أمرا جيدا إلا انه غير كاف. فنحن بحاجة الى تعليم إلكتروني يعتمد على عملية تعليمية متكاملة وليس مجرد بث محاضرات أو استخداما لأدوات تقنية لأن الكثير من المؤشرات تدل على أن التعلم الإلكتروني سيكون أمرا حتميا خلال الأعوام القادمة، ولن يكون هناك أي خيار أمام الأجيال القادمة سوى التعلم الإلكتروني كوسيلة لتلقي المعرفة وينبغي أن نكون مستعدين لذلك، فندرة المعلمين المتميزين والتكلفة العالية للتعليم التقليدي وعدم قدرته على جذب الجيل الرقمي ستجبرنا على اللجوء للتعليم الإلكتروني كفرصة متاحة للتطوير في التعليم وتوفيره لعدد أكبر من الطلاب بالطريقة التي تناسبهم.
لكن حتى ينجح التعليم الإلكتروني في توفير عملية تعليمية متكاملة فانه لا بد أن تعتمد تلك العملية على عناصر تختلف عن تلك التي اعتمد عليها التعليم التقليدي وذلك حتى تجعله قابلا يوما ما لأن يكون بديلا للتعليم التقليدي وليكون أقرب لطبيعة المتعلمين اليوم. أهم تلك العناصر:
- البيئة المفتوحة: يجب أن تكون البيئة التعليمية الإلكترونية مرنة وديناميكية ومفتوحة لكل من المعلم والمتعلم غير مقيدة بنظام تقني أو فصل دراسي. ويتأتى ذلك عبر استغلال تقنيات التطبيقات السحابية Cloud Computing والأجهزة المتنقلة Mobiles والشبكات الاجتماعية وتقنيات البيانات الضخمة Big Data. لقد وفرت تلك التقنيات المئات بل الآلاف من التطبيقات التي يمكن استخدامها بكفاءة سواء في التعليم أو في إدارة العملية التعليمية، فيمكننا ببساطة استخدام الأدوات المناسبة لكل مقرر إلكتروني حسب حاجته وحاجة طلابه دون الالتزام بالتقيد بنظام واحد لجميع المقررات الإلكترونية.
- المناهج الدراسية المرنة: ينبغي أن يعتمد التعلم الإلكتروني الحقيقي على مناهج مرنة يتم التعديل والتطوير فيها عاما بعد عام اعتمادا على التغذية الراجعة التي ترد من المتعلمين أو المعلمين أو نتيجة التغيرات التي يمكن أن تحدث في المعرفة أو في أدوات التعليم ذاتها. ينبغي أن تتضمن تلك المناهج عدم إجبار المتعلم على مسار تعليمي محدد أو كتاب مدرسي ومنحه حرية أكبر في تحصيله للمعرفة من مصادر متنوعة ليكون بذلك أكثر ابداعا.
- الممارسة الحقيقية: لا يمكن للمعرفة أن تصل للمتعلم دون أن يمارس المتعلم ما تعلمه لأنه في النهاية هو يتعلم ليعمل. هذه القاعدة لا تستثني التعلم الإلكتروني بل على العكس تماما فالتعلم الإلكتروني هو الذي يوفر الوقت لتفعيل الممارسة أكثر من التعليم الصفي. ينبغي أن يتضمن التعلم الإلكتروني نشاطات تعليمية حقيقية أقرب للحياة العملية والمهنية للطالب بعد تخرجه وليس نشاطات تقليدية مرتبطة بالقيود الأكاديمية الجامدة، بحيث تتضمن تلك النشاطات للمتعلم تعلم مهارات التخطيط والتفكير والإدارة والتحليل والنمذجة والتشخيص واتخاذ القرار والتفاوض والعمل الحقيقي الجماعي لأن هذا ما سيحتاجه المتعلم بعد انهائه العملية التعليمية.
- المعلم الخبير: نحن لا نحتاج الى المدرس في التعلم الإلكتروني الحقيقي بل الى الخبير الذي يساعد المتعلمين على التعلم. فلم تعد مهمة المعلم هي التلقين لأن المعلومات والمعرفة متوفرة وبغزارة على شبكة الإنترنت. بل أصبحت مهمة المعلم المتميز اليوم مساعدة المتعلمين على أن يتعلموا من خلال رسم خارطة الطريق لهم وإرشادهم للمصادر والأدوات التعليمية المناسبة وإدارة العملية التعليمية بل والمشاركة فيها.
- التعلم الذاتي: يجب أن يأخذ التعليم الإلكتروني التعلم الذاتي للمتعلم بالاعتبار، فقدرة المتعلم على التعلم ذاتيا هو ما يمكنه من الاستمرار في أي مقرر دراسي إلكتروني دون وجود المدرس كعنصر أساسي ومسيطر في العملية التعليمية، فهذا ما قد يساعد المتعلم على اكتساب المعرفة الحقيقية لأنه يقوم بذلك بنفسه وبجهوده الذاتية، وبالتالي فلا مكان للجدول الدراسي الجامد المعد مسبقا وللقوالب الجاهزة للجميع في أي تعلم إلكتروني حقيقي، بل لابد أن يحدد المتعلم الطريقة التي سيتعلم بها والمصادر التي سيعتمد عليها والأدوات التي سيستخدمها من خلال استخدام خبرته السابقة ومهارته في البحث وعبر التواصل مع الآخرين.
إن التعلم الإلكتروني حتمي وقادم لا محالة لأجيالنا القادمة، وينبغي الاستعداد لذلك من خلال العمل على بناء منظومة تعلم إلكتروني حقيقي يعتمد على بيئة تعليمية مفتوحة ومرنة ومعلمين خبراء يساعدون المتعلمين في تلقيهم للمعرفة من مصادر متنوعة غير محصورة بمدرس أو كتاب أو زمان أو مكان وتعتمد على ممارسة حقيقية لما يتم تعلمه، بحيث تساهم في إخراج متعلمين صالحين لسوق العمل وصالحين لأوطانهم.
مشكور جهودكم