يعد التعلم تغيرًا في الميل للاستجابة تحت تأثير الخبرة المكتسبة، أي أن الإنسان يمر بمواقف اجتماعية، ونتيجة لتلك المواقف يكتسب معان ومفاهيم جديدة تشير عليه بأهمية وضرورة إتباع أنماط مختلفة من السلوك، وبالتالي يميل الإنسان إلى تغيير سلوكه في ضوء تلك الخبرة المكتسبة (عوض، 2021).
1- مفهوم التعلم التنظيمي
يعرف التعلم التنظيمي على أنه مجموعة الإجراءات المتخذة التي تتضمن: اكتساب المعرفة، ونشر المعرفة، وتفسير المعلومات، وتخزين المعرفة في الذاكرة التنظيمية داخل المنظمة والتي تؤثر بطريقة مقصودة أو غير مقصودة في التغيير التنظيمي الإيجابي (الحربي، 2021).
أما المليجي (2010) فعرّفه على أنه عملية استثمار خبرات وتجارب المنظمة والأفراد العاملين بها، ورصد المعلومات الناجمة عن هذه الخبرات والتجارب، في ذاكرة المنظمة ومن ثم مراجعتها من حين لآخر، للاستفادة منها في حل المشكلات التي تواجهها.
وتعرفه الدراسة الحالية إجرائيًا بما يتناسب مع طبيعتها وأهدافها على أنه عملية مخططة ومستمرة بالمنظمة؛ لإحداث التعلم بكل مستوياتها من خلال تمكين العاملين من اكتساب المعرفة من خبراتهم وتجارب الموارد البشرية ذات الخبرة والمعرفة والعمل على تخزينها وتسهيل نشرها وتشاركها؛ لإحداث التحسين والتطوير في أداء الموارد البشرية، وتحقيق أهداف الجامعة بكفاءة وفعالية.
2- خصائص التعلم التنظيمي
هناك مجموعة من الخصائص التي يتميز بها التعلم التنظيمي وهذه الخصائص (همشـري، Gilaninia et. Al, 2013):
- أن التعلم هو نتاج الخبرة والتجارب الداخلية والخارجية للمنظمة، وعلى العاملين الاهتمام والتعلم والاكتسـاب من الخبرة، بل يتعدى ذلك إلى تطوير العمليات العقلية الإدراكية للأفراد لتوجيه سلوكهم.
- نشاط هادف للتعلم المستمر والحصول على معرفة جديدة وتجديد وتنقيح ذاكرة المنظمة.
- يتم التعلم التنظيمي في وقت واحد على 4 مستويات هي: التعلم الفردي، والتعلم الجماعي، والتعلم بين المجموعات، والتعلم التنظيمي.
- التعلم التنظيمي عملية تلقائية ومستمرة ضـمن عدد من العمليات الفرعية المتمثلة في إكساب المعلومات وتخزينها في ذاكرة المنظمة، ثم الوصول إلى هذه المعلومات وتنقيحها للاستفادة منها في حل المشكلات الحالية والمستقبلية في إطار ثقافة المنظمة.
- ينصب التعلم التنظيمي على ذاكرة المنظمة: التي تحتوي على الأدلة التنظيمية والهيكل التنظيمي، الملفات والسجلات والوثائق الرسـمـيـة والقوانين والأنظمة والتعليمات وثقافة المنظمة والأفراد العاملين.
3- أبعاد التعلم التنظيمي
اتفقت الأدبيات التي تناولت التعلم التنظيمي على أن أبعاده، هي (الحميري وبريس، 2016):
أ- إكساب المعلومات Information Acquisition
يمثل إكساب المعلومات الخطوة الأولى في عملية التعلم التنظيمي ويقصد بها: تحديد المعلومات الملائمة والمفيدة للمنظمة، والعمل من أجل الحصول عليها من المصادر الداخلية والخارجية، وتحصل المنظمة على المعلومات من خبرة العاملين فيها مثال ذلك، قد توظف المنظمة بعض العاملين الذين يمتلكون معرفة إدارية مهمة، أو أي معرفة في مجالات عملها الأخرى، وفي مثل هذه الحالة تكون المنظمة بحاجة إلى كتابة مخزونها المعرفي بشكل يستطيع العاملون استخراج المعلومات المفيدة منه.
ب – نشر المعلومات Information Dissemination
بمجرد الحصول على المعلومات يفترض نشرها عبر المنظمة، أي جعلها متاحة لكل الاجزاء أو الوحدات التنظيمية، وعلى وجه الخصوص الوحدات التي تكون بأمس الحاجة لها. وتستخدم المنظمات أساليب متنوعة تمكنها من نشر المعلومات بين مواردها البشرية، ومن بين أهم هذه الأساليب أسلوب الرسائل الموجهة، وأسلوب الرسائل الملخصة. ففي فريق الرسائل الموجهة توزع المعلومات وتُنشر إلى وحدات تنظيمية محددة، في حين تسعى المنظمة من خلال تبني أسلوب الرسائل الملخصة إلى تقليل حجم المعلومات وإعادة تشكيلها، كما أن نشر المعلومات يعزز من تعلم الأفراد والوحدات التنظيمية، ومن ثم المنظمة ككل لأنها تتضمن مصادر عديدة للمعلومات، كما أنها تزيد من المعرفة التنظيمية خاصة في الحالات التي لا تعرف فيها المنظمة مقدار المعلومات المتاحة لديها فعليًا، لغاية ما يتم تجميع أجزاء المعلومات المختلفة في الذاكرة الرئيسة لها.
ج – تفسير المعلومات Information Interpretation
تعد مرحلة تفسير المعلومات جزءاً مهمًا في عملية التعلم التنظيمي، كون المدراء أو العاملين قد يمتلكون المعلومة الملائمة إلا أنهم يفشلون في إعطاء التفسير الصحيح لها، ومن جانب آخر يتم استيعاب المعرفة المتولدة من تفسير المعلومات داخل النظام القائم عند المستويين الفردي والجماعي، لذا يفترض تحويل المعرفة الضمنية إلى معرفة صريحة لتسهيل المشاركة فيها ومن ثم دمجها في الروتين والإجراءات التنظيمية.
د – الذاكرة التنظيمية Organizational Memory
إن المرحلة الأخيرة في التعلم التنظيمي تتضمن إيداع المعرفة الجديدة في ذاكرة المنظمة، وأن هذه المعلومات يتم تحويلها إلى فعل تنظيمي جديد، فضلاً عن إعادة تعديل إجراءات المنظمة في ضوء تلك المعرفة التي يتم تخزينها، والذاكرة التنظيمية تتضمن جزئين هما: التخزين والاحتفاظ بالمعلومات، واسترجاع المعلومات، فالمعلومات المخزونة في الذاكرة التنظيمية قد تكون حول القواعد والاجراءات والتكنولوجيا والمعتقدات والثقافات التي يتم تبنيها عبر عمليات التنشئة الاجتماعية، وفيما يتعلـق، باسترجاع المعلومات فإنه يعتمد على مدى توافر المعلومات المخزونة ومستوى الاسترجاع، وإن توافر المعلومات يعتمد على سهولة ايجاد المعلومات ومدى تكرار استخدامها.
4- مبررات تبني مفهوم التعلم التنظيمي في الجامعات
هناك العديد من الأسباب الرئيسة التي جعلت الجامعات تبذل المزيد من الجهود لتحقيق أفضل طريقة للمواءمة بينها وبين غيرها من الجامعات المنافسة، ومن هذه الأسباب:
- تعرض الأنظمة التعليمية للضغوط المتعددة لتبقى المنظمات التعليمية قادرة على البقاء والمنافسة ومواجهة تحديات العصر الحديث المتتالية الناتجة عن التغير والتطور في البيئة المحيطة التي فرضت عليهـا واقعاً متطوراً ومتطلبات متلاحقة (رمضان، 2014).
- تحسين أداء مواردها البشرية من (الإداريين، والموظفين، وأعضاء هيئة التدريس، والطلاب) بصورة مستمرة للتغلب على الصعوبات التي تواجههم، وتقديم خدمات تعليم وتعلم أفضل (سلطان وخضر،2010).
- حاجتها إلى إعداد أفرادها للعيش في المستقبل الذي أصبح استشرافه والتنبؤ بظروفه أصعب من أي وقت مضى.
- المراجعة والتقويم لتطوير مفاهيم جديدة لبناء ثقافة التعلم والتفكير المنظم والنهوض بالثروة المعرفية التي تختزنها لتضمن الاستمرار والتميز (جبران، 2011).
- ظهور الاهتمام المتزايد من قبل قطاع الأعمال وقطاع الصناعة للضغط على الجامعات لإنتاج جيل قادر على المشاركة في صنع القرار وحل المشكلات وتوقع التغيرات المستقبلية واستخدام معرفتهم الفردية لتعزيز معرفة المنظمة.
- تخريج طلاب تواجههم أماكن عمل تكنولوجية تتطور بسرعة هائلة، كما تواجههم منظمات مستقبل أصبحت عبارة عن شبكات مدفوعة بالتعلم الفردي والتعاوني وتعيد تطوير نفسها.
- ظهور العديد من التخصصات العلمية الحديثة وتطوير المناهج لتتناسب مع المعطيات الجديدة والمتطورة (عبد الفتاح، 2013).
5- عوامل تنمية الموارد البشرية في ضوء التعلم التنظيمي
تقوم عملية بناء الموارد البشرية في ضوء التعلم التنظيمي على مجموعة من العوامل الرئيسة التي تؤثر في قدرة الجامعة على التعلم والتغيير لبلوغ الأهداف المرسومة، إلا أنه لا توجد منظمة تستطيع أن تتميز بتوافر جميع هذه العوامل، وقد لخصت الباحثة هذه العوامل مما أورده العزام (2011)، وهي:
- وجود رؤية يطورها القائمون على الجامعة، وتحقيق الأهداف المبنية على هذه الرؤية بتحديد ما هو مطلوب من التعلم التنظيمي.
- ممارسات الإدارة التنفيذية، حتى تقدم الدعم العملي لتحقيق رؤية الجامعة على أرض الواقع.
- توفير مناخ تنظيمي إيجابي، يساعد على التعلم التنظيمي والانفتاح والثقة المتبادلة وعدم الخوف من عرض الأفكار وإلغاء الحواجز ودعم العمل الجماعي.
- توفر هيكل تنظيمي مرن، حتى تتمكن الجامعة من تلبية حاجات التعلم والاستجابة للتغيرات في البيئة الخارجية.
- استخدام التكنولوجيا المتقدمة، حتى تتمكن الجامعة من الحصول على المعلومات ومعالجتها وتخزينها وتوزيعها على العاملين.
- مشاركة الأفراد وفرق العمل للخبرات والمعلومات في مجال العمل والتعلم من الأخطاء.
- تشجيع وتحسين التعلم التنظيمي من خلال الرؤية ونظام المعلومات الموجود في الجامعة، وتشجيع التعلم المستمر والتعلم من الآخرين واستخدام أساليب حل المشكلات.
- استخدام التغذية الراجعة عن الأداء، وللتأكد أن أهداف الأداء وأنظمة التقييم وأهداف الموارد البشرية العاملة بالجامعة تحقق رغبات ومتطلبات العملاء التدريب أثناء العمل بأساليب غير تقليديـة، مثـل تـدريب الزملاء لبعضهم البعض، وفرق الدراسة، والاتصال عبر الأقمار الصناعية.
- تشجيع الموارد البشرية بطرق متعددة لتطوير أنفسهم بشكل فردي وبشكل جماعي.
- دعم وتشجيع التعلم التنظيمي من خلال نظام للمكافآت.
وختامًا يمكن القول بأن التعلم التنظيمي هو العملية التي تسعى من خلالها المؤسسات التربوية إلى تحسين أداء مواردها البشرية وتطوير قدرتهم على التكيف مع البيئة من خلال إكسابهم للمعلومات المفيدة لنجاح العمل من داخل المؤسسة وخارجها ونشرها وتفسيرها ومن ثم إيداع هذه المعرفة المكتسبة في الذاكرة التنظيمية للمنظمة بهدف إحداث تغييرات سلوكية وإنتاجية تزيد من جودة أداء الموارد البشرية وتحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية.
المراجع:
جبران، علي. (2011). المدرسة كمنظمة متعلمة والمدير كقائد تعليمي من وجهة نظر المعلمين في الأردن. مجلة الجامعة الاسلامية سلسلة الدراسات الإنسانية، 19(1)، 458-427.
الحربي، حياة. (2021). مصادر القوة التنظيمية للقيادات بجامعة أم القرى وعلاقتها بمستويات التعلم التنظيمي. مجلة جامعة الطائف للعلوم الإنسانية، 7(24)، 660-607.
الحميري، بشار، وبريس، أحمد. (2016). أثر الهيكل التنظيمي في التعلم التنظيمي دراسة استطلاعية لآراء عدد من العاملين في الشركة العامة للصناعات النسيجية الحلة، مجلة أهل البيت عليهم السلام، ع (19)، 58-17.
رمضان، عصام. (2014). مدى توافر أبعاد المنظمة المتعلمة بالمعاهد الأزهرية من وجهة نظر العاملين فيها. مجلة جامعة
سلطان، سوزان، وخضر، ضحى. (2010). المؤسسات التربوية كمنظمات متعلمة. دار الفكر.
عبد الفتاح، فداء. (2013). درجة توافر خصائص المنظمة المتعلمة لدى مديري المدارس الحكومية في محافظات شمال الضفة الغربية ووسطها من وجهات نظرهم. [رسالة ماجستير غير منشورة]، جامعة النجاح.
العزام، أحمد. (2011، اكتوبر 27). عوامل بناء المنظمة المتعلمة، ورقة عمل مقدمة لمؤتمر منظمات متميزة في بيئات متجددة، المنظمة العربية للتنمية الإدارية وجامعة جدارات.
عوض، أشرف. (2021). أثر أبعاد التعلم التنظيمي في تحسين الرشاقة الاستراتيجية: دراسة تطبيقية على مستشفيات جامعة عين شمس أثناء الأزمات حالة أزمة. المجلة العلمية للدراسات والبحوث المالية والتجارية،3(1،2)، 507-457..
المليجي، رضا. (2010). إدارة المعرفة والتعلم التنظيمي مدخل للجامعة المتعلمة في مجتمع المعرفة، مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع.
همشري، عمر. (2013). إدارة المعرفة الطريق إلى التميز والريادة، دار صفاء للنشر والتوزيع.
Gilaninia, S., Rankouh, M. A., & Gildeh, M. (2013). Overview on the importance of organizational learning and learning organization. Journal of Research and Development, 187(941), 1-6.