يشهد العالم اليوم تطوراً مستمراً وهائلاً في المعارف العلمية والتقنيات الحديثة على نحو غير مسبوق ومتسارع نتيجة جائحة كورونا (COVID-19)، كما تمر المعمورة بشكل عام، و منظمات الصحة بعقبات هذا الوباء، حيث كان اختبارا مفاجئا لدول العالم لمدى استعدادها للتصدي لمثل هذه المشكلات الكارثية، فوفقاً للبيانات الصادرة عن معهد اليونسكو للإحصاءات بداية ماي 2020 قام أكثر من 177 بلداً بإغلاق المدارس والجامعات في جميع أنحائه، مما أثر على أكثر من 1.26 مليارا من الدارسين، بما نسبته 72.4% من إجمالي عدد المتعلمين المسجلين في العالم (أويابه وصالح،2020). وقد أدركت المؤسسات التعليمية مدى أهمية تقنيات التعليم عن بعد، وفاعلية استخدام منصات التعليم الإلكتروني لاستمرار التعليم في ظل الوضع الراهن، فهو طريقة تعليم من شأنها أن تستجيب لحاجات الأفراد والمجموعات للتعلم، وذلك لأنها تتصف بالمرونة وتتلاءم مع مختلف الأحوال (عامر،2013).
ومن هذا المنطلق هدفت الورقة الحالية إلى استعراض دور تقنيات التعليم عن بعد ومدى تأثيرها على تنمية وتطوير أداء المعلم، ومدى الاستفادة من التغذية الراجعة من الأسرة والتي أصبحت مساندة ومشاركة للعملية التعليمية الرقمية، ومن تم سوف نستعرض في هذه الورقة المحاور التالية:
المحور الأول: يتناول تقنيات التعليم عند بعد وفاعليتها في البيئة التعليمية المستحدثة.
المحور الثاني: سيتناول تأثير التعليم عن بعد في تطوير أداء المعلم الرقمي.
المحور الثالث: انعكاسات الأسرة على التعليم عن بعد.
ولتحقيق هدف هذه الورقة فقد تم الاستناد على الدراسات والأبحاث في مجال تقنيات التعليم عن بعد، والذي يهدف إلى تطوير وتنمية أداء المعلمين إلكترونياً، وتمكينهم من التعامل مع هذه المستجدات الحالية بفاعلية، مستفيدين في ذلك من التغذية الراجعة والعاكسة لرأي الأسرة في ظل رقمنة التعليم.
المحور الأول: تقنيات التعليم عند بعد وفاعليتها في البيئة التعليمية المستحدثة
إن التطور الهائل في تكنولوجيا المعلومات قد ساهم في تطوير وتجويد أسلوب التعليم عن بعد فهو يعتمد على المحتوى الإلكتروني والبرامج التطبيقية، لإتاحة بيئة تعليمية تسمح بالتفاعل المشترك بين الطلبة والمعلمين وجميع مصادر المعرفة بصورة مستمرة ومنتظمة، ويتم عبرها عقد اللقاءات والاجتماعات بشكل مباشر ومتزامن (الحمد والسامرائي، 2020). ويُعرف التعليم عن بعد بأنه “نظام تعليمي لا يخضع لإشراف مباشر ومستمر من قبل المعلم، أي أن انفصال المعلم عن المتعلم شبه دائم مع إيجاد تواصل ثنائي متبادل وحوار بينهما عبر وسائط متعددة بما فيها الكلمة المطبوعة، والوسائط التعليمية المسموعة والمرئية” (عامر،2013، ص6).
وللتعليم عن بعد أهداف وايجابيات عديدة نذكر منها ما يلي (أبو النصر،2017):
1- توفير بيئة تعليمية ثرية بمصادر متعددة تخدم العملية التعليمية بمختلف مجالاتها.
2- ربط المنظومة التعليمية (المعلم، المتعلم، المؤسسات التعليمية، المنزل، البيئة المجتمعية) بفاعلية من خلال استخدام وسائط التعليم الإلكتروني.
3- تقديم التعليم في صورة نموذجية من خلال ممارسات تدريسية متنوعة، وذلك بالاستغلال الأمثل لتقنيات الصوت والصورة وما يتصل بها من وسائط متعددة، ومنصات إلكترونية وضعت لاستمرار العملية التعليمية.
4- بناء شخصيات الطلاب وتنمية قدراتهم ومهاراتهم للوصول إلى جيل قادر على التفاعل مع التقنية.
5- تناقل الخبرات التربوية بين المعلمين والمدربين والمشرفين عبر قنوات اتصال تمكنهم من المناقشات وتبادل الآراء والتجارب في موقع محدد (غرف افتراضية).
6- تخفيف عبئ الأعمال الإدارية على المعلم من إرسال واستلام مستندات من خلال الأدوات والوسائل الإلكترونية، وتوفير الوقت والجهد في تحليل الدرجات والنتائج والاختبارات والإحصائيات والسجلات الإكترونية للدرجات.
المحور الثاني: تأثير التعليم عن بعد في تطوير أداء المعلم الرقمي
حرصت المؤسسات التربوية على تدريب وتأهيل المعلم للقيام بأدواره المستجدة لمواكبة التقدم التقني، وذلك بهدف تنمية العديد من المهارات لديه، وامتلاك العديد من الكفايات التعليمية كتخطيط التدريس وإدارة الصف والتقويم، بالإضافة للكفايات التقنية والتي أصبحت من أهم كفايات المعلم في العصر الرقمي، ويقصد بها مجموعة من المهارات والمعارف الإلكترونية والتي يستخدمها معلمو التقنية، والتي ترقى بمستوى أدائهم إلى درجة معينة من الاتقان بالاستعانة بأدوات وأجهزة ووسائل تقاس بواسطة الملاحظة (بابعير،2020).
ويقصد بالتطوير المهني: “ما يقوم به المعلم من تطوير قدراته ومهاراته ومعارفه عن طواعية واختيار شخصي، لأنه يرى في تلك الممارسات استمرارية لكفاءته وشخصه الاعتباري وولائه لمهنته” (الحجاجي، 2019، ص381).
وقد أسهم الاستخدام الفعال للتقنية في دعم وتنمية التمكين الرقمي وهو: “زيادة القدرة المعرفية والمهارية لدى المعلم على استخدام أدوات تصميم المحتوى الرقمي في ضوء جودة معايير التصميم التعليمي؛ ليتمكن من توظيفها في العملية التعليمية بطريقة آمنة وأخلاقية رقمياً” (الرحيلي والعمري، 2019، ص213).
المحور الثالث: انعكاسات الأسرة على التعليم عن بعد
اتفقنا على أن التعليم الرقمي ضرورة ملحة في ظل التقدم التقني الهائل وتحديداً في الوضع الراهن بتطبيق التعليم عن بعد لاستمرار العملية التعليمية، وبالتالي كان لابد من معرفة انعكاسات وتبعات تطبيق هذا النظام الجديد في التعليم على الأسرة (الوالدين) ومدى تقبلهم له، فالأسرة هي أساس وجود المجتمعات ومنبع الأخلاق وأساس للسلوك المنضبط، فيها ينشأ الفرد ويتلقى أولى دروس الحياة. وبالرغم من أن الأسرة تُشيد بدور التقنية وأهميتها في الارتقاء بمستوى تعليم ابنائها إلا أنها واجهت الكثير من التغيرات في ظل ما يفرضه التعليم الرقمي، وكان لابد أن تتماشى مع هذه التغيرات ومتطلبات التعليم الجديد من توفير جهاز حاسب آلي، وألواح رقمية، وشبكة انترنت، وغيرها من وسائط التعليم الإلكتروني (عارف، 2018).
وهناك من يضيف أثر التعليم الرقمي على الأسرة واختلاف دورها الحالي والمهام الاضافية التي تتطلب منها دفع أبنائها إلى الاستخدام الأمثل للتقنية، وضرورة تزود أولياء الأمور بالمعرفة التكنولوجية حتى يستطيعوا مساعدة أبنائهم ومتابعة طريقة تعلمهم، ومدى استفادتهم من حضور المنصات التعليمية. كذلك يتوجب عليهم المشاركة الإيجابية الفعالة في إرشادهم لكيفية التعامل مع المحتوى الرقمي. وقد خلق التعليم عن بعد العديد من التحديات والأعباء المادية ما بين شراء أجهزة واشتراك الإنترنت وغيره، بالإضافة للمهام والمسؤوليات التي أصبحت على عاتق الأم وخاصة إذا كانت عاملة فهي مطالبة بتهيئة ومساعدة الأبناء على تلقي التعليم الرقمي، وبقدر هذه المسؤولية يجب تهيئة الأمهات على أدوارهن الجديدة حتى يستطعن مساعدة الأبناء وتوجيه التعليم عن بعد (عبد الحميد، 2020).
وتلخيصاً لما سبق ذكره في هذا المقال والذي أكد على أهمية تكنولوجيا المعلومات والتي ساهمت في تجويد استخدام تقنيات التعليم عن بعد كبيئة تعليمية آمنة لاستمرار العملية التعليمية، وما تقدمه هذه التقنية من تعليم وتدريس منمدج في صورة مميزة من شأنها ربط منظومة التعليم بفاعلية عبر وسائط متعددة في التعليم الرقمي.
كما أشارت إلى مدى تأثير التعليم عن بعد في تنمية وتطوير أداء المعلم واكتسابه المزيد من المهارات التدريسية والتقنية الفعالة والتي تمكنه من التعامل مع تقنيات التعليم الحديثة. وتحقيقاً لتكامل منظومة التعليم كان للأسرة أسطر في هذا المقال من خلال انعكاساتها على تقنيات التعليم عن بعد ومدى أهمية دورها المستحدث في إدارة عملية التعلم ومتابعة أبنائها، ومواجهة كل التحديات والمتطلبات المادية لإتمام العملية التعليمية بنجاح.
المراجع
- أبو النصر، مدحت محمد.(2017).التدريب عن بعد بواباتك لمستقبل أفضل. المجموعة العربية للتدريب والنشر.
- بابعير، مرفت عبدالله.(2020). فاعلية برنامج تدريبي قائم على كفايات معلمات التقنية في تنمية المهارات التدريسية التقنية لدى معلمات المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية] رسالة ماجستير، جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن[. قاعدة البيانات العربية دار المنظومة.
- الحجاجي، ربيع طالع.(2019). سبل مواجهة تحديات التطوير المهني للمعلمين في ظل العصر الرقمي بمدارس تطوير في محافظة الليث] رسالة ماجستير ، جامعة سوهاج[. قاعدة البيانات العربية دار المنظومة.
- الحمد، نوار قاسم، السامرائي، رعد عزاوي. (2020). معيقات إدارة الصف في التعليم عن بعد: تجربة جامعتي العلوم والتكنولوجيا الأردنية والحسين بن طلال] رسالة ماجستير ، جامعة مؤته[.
- الرحيلي، تغريد عبدالفتاح، العمري، عائشة بلهيش. (2019). فاعلية استخدام بعض تطبيقات الدعم الإلكتروني على تنمية التمكين الرقمي لدى معلمات التعليم العام في ضوء معايير جودة التصميم التعليمي] رسالة ماجستير ، جامعة السلطان قابوس [. قاعدة البيانات العربية دار المنظومة.
- عارف، هالة مرسي أحمد. (2018).الأسرة وتحديات التعليم الرقمي في مواجهة الدروس الخصوصية. المجلة العربية للآداب والدراسات الإنسانية، (7)، 123-136. http://search.mandumah.com/Record/944811
- عبد الحميد، هدى. (2020، أكتوبر). تحديات الأم في التعليم عن بعد. مجلة الدراسات العربية.
- عامر، طارق عبدالرؤوف. (2013). التعليم عن بعد والتعليم المفتوح . دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع.
- أويابه، صالح، صالح، أبو القاسم الشيخ. (2020). تقييم تجربة التعليم عن بعد في ظل جائحة COVID-19 من وجهة نظر الطلبة] رسالة ماجستير ، جامعة غرداية بالجزائر[. قاعدة البيانات العربية دار المنظومة.