تمهيد:
في بداية عام 2016م ظهر مفهوم الثورة الصناعية الرابعة، وهو مصطلح يشير إلى التكامل بين ثلاث كلمات موجهة وهي (الثورة – والصناعة -والجيل الرابع)، حيث يقصد بكلمة ثورة: محاولة التغيير الكامل والجذري لما هو واقع الآن من أنظمة تعليمية وإدارية، بينما يقصد بكلمة الصناعة: الظهور من خلال مؤسس منتدى الاقتصاد العالمي كلاوس شواب، والرابعة: يقصد بها أنها جاءت بعد ثلاث ثورات متتالية وعلى مدى قصير، حيث أسهمت هذه الثورة في تحقيق التنمية التكنولوجية المستدامة بسرعة زمنية فائقة، كما ساعدت على تطور نظم وأساليب التفكير، واتخذت من العقل البشري منحى جديداً ليبتكر ويبدع في إدارة المؤسسات بصورة رقمية تتناسب مع احتياجات ومتطلبات هذه الثورة.
وتعرف الثورة الصناعية على أنها: الثورة التي تعتمد على الثورة الرقمية والتي تصبح فيها التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من ممارسة أعمالنا اليومية والحياتية، وتتميز بانتشار التكنولوجيا في عدد من المجالات بما في ذلك الإنسان الآلي والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النانو والحوسبة السحابية والتكنولوجيا الحيوية وإنترنت الأشياء والطباعة ثلاثية الأبعاد.
وهناك مجموعة من المصطلحات التي بدأت تتنامى إلى أسماعنا منذ ظهور الثورة الصناعية الرابعة ومن هذه المصطلحات:
- منتجات وسائل التواصل الاجتماعي social media production وتتضمن: الأجهزة النقالة والمحمولة والكفية وأجهزة المراقبة.
- المنتجات المتعلقة بحفظ البيانات ومعالجتها data production: وتشمل أنظمة التعلم الذكية، وبيئات التعلم الافتراضية، وإنترنت الأشياء، أو المنتجات والخدمات اللحظية، وتحليل البيانات الضخمة، والخدمات عن بعد، وشخصنة الخدمات، ومراقبة المنتج.
- إنتاج الجيل القادم NextGen production وتتضمن الأساليب الجديدة في الإنتاج مثل: الطباعة ثلاثية الأبعاد، الروبوتات الخفيفة وذو الذراعين.
- أتمتة الجسم والعقل automation body mind وتتضمن: الأجهزة الرقمية القابلة للارتداء wearable’s، وتسجيل البيانات الحيوية، وهي الأجهزة التي تتكامل مع إنترنت الأشياء، مثل الطبيب الرقمي والمعالج الرقمي والمعلم الرقمي.
ومع ظهور هذه المصطلحات وانتشارها بشكل واسع أدى إلى ظهور تغيرات جديدة وواسعة في الطلب على المهن والمهارات المطلوبة لشغلها في المستقبل نتيجة للاستخدام المكثف، والتأثير المباشر لمثل هذه التقنيات، والتفاعل مع بعضها البعض.
التعليم في ظل الثورة الصناعية الرابعة:
يشير مصطلح التعليم في الثورة الصناعية الرابعة إلى عملية التدريب المستمر على متطلبات واحتياجات الثورة الصناعية الرابعة، وعليه فإن رؤية التعليم سوف تشهد تغييراً في أهداف التعليم ومضمونه، ومنتجاته؛ فالتعليم لم يعد قاصراً على الحصول على شهادة لننال بها وظيفة في المستقبل، فإذا كانت الوظائف والمهن نفسها تتغير فيجب أن يقوم التعليم على التوافق، والإبداع والابتكار، والاستقلال، والتعاون، والقدرة على العمل الجماعي، وغيرها من المتطلبات التي تساعد المتعلم على التكيف في المجتمع الرقمي.
ولما كان من الصعب التنبؤ بما سيحتاج إليه خريجو المدارس في المستقبل، فإنه ينبغي أن تؤدي إصلاحات نظام التعليم إلى إعداد خريجين قادرين على العمل في ظروف سريعة التغير، وأن يتوافر فيهم أكبر قدر ممكن من المرونة والقدرة على التكيف، ويتم ذلك على النحو التالي:
- نعلم أبناءنا انه ليس بالضرورة أن تتعلم لكي تعمل فقط، بل تعلم لتحيا لترقى لتفهم لتستمر. فلا وجود لمن لا يتعلم.
- نعلم أبناءنا أن الوظائف المستقبلية هي التي لا تستطيع الآلة والأجهزة القيام بها، لذا فيتم التركيز على الجوانب النفسية التي تعتمد بشكل كامل على العواطف والمشاعر مثل (مثل الذكاء العاطفي والوجداني، وتنمية الميول والقيم والاتجاهات، وترسيخ مبدأ أن الآلة لا تشعر بل تعمل ولا تمل).
- نعلم أبناءنا أن الأميين في القرن الحادي والعشرين لن يكونوا أولئك الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، ولكن أولئك الذين لا يستطيعون التعلم، أو لا يستطيعون التخلي عما تعلموه، أو لا يستطيعون إعادة التعلم”.
- نعلم أبناءنا كيف يتعلمون ويفهمون لا كيف يحفظون، فالتعلم القائم على كيفية التعلم ينبع من مدى الاحتياج للتعلم وليس كل ما يعرض علي بالضرورة يجب أن أتعلمه، فنحن لا نستطيع تعليم أولادنا أن ينافسوا الآلات.
متطلبات الثورة الصناعية الرابعة:
إذا كانت الآلات والأجهزة والرقمنة هي العوامل الأساسية في ظل الثورة الصناعية الرابعة، فيجب أن تكون هناك مجموعة من المتطلبات الخاصة بها ومنها ما يلي:
التعلم مدى الحياة Lifelong Education:
ويقصد بها الانتقال من “التعليم من أجل الوظيفة” إلى “التعليم من أجل القابلية للتوظف ” ومن “الأمن الوظيفي” إلى “أمن الحياة ” والوصول بالمتعلم إلى أقصى درجة نمو ممكنة في حياته الشخصية والاجتماعية والمهنية، ويتطلب التعلم مدى الحياة وجود نظام للاعتراف بالخبرات المكتسبة من أماكن العمل المختلفة، فالتطورات السريعة تدفع الملايين من العاملين إلى تغيير تعليمهم ووظائفهم. فالمهارات التي اكتسبوها في مجال معين قد لا تحظى بالاعتراف في مجال آخر.
مواكبة متطلبات الثورة الصناعية الرابعة:
ويقصد بها:
- استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتوفير فرص التعلم للجميع، وهذا يتطلب توفير المزيد من الاستثمارات لتطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المدارس، وتدريب المعلمين، وتطوير المناهج ونظم التقويم.
- استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) لضمان توفير التعليم الجيد للجميع وللأشخاص ذوي الإعاقة، والأشخاص خارج المدارس، فعلى سبيل المثال، تسمح برامج التعلم الإلكتروني عن بعد للطلاب لذوي الاحتياجات الخاصة بالالتحاق بالمدارس في المنزل أو المستشفى، أو الحفاظ على استمرارية التعلم في حالات الطوارئ أو الأزمات.
- تنويع الأساليب والخبرات وتمكين الطلاب من أن يكونوا متعلمين مدى الحياة، من خلال تعليم الطلاب “كيف يتعلمون”.
- التطوير المستمر والتقويم الكامل لكل عناصر المنظومة التعليمية والتنقيح بشكل تعاوني وجماعي.
- المراجعة المنتظمة، من أجل تجنب الفجوة بين متطلبات الثورة الصناعية الرابعة والتعليم.
نشر ثقافة المواطنة الرقمية:
ويقصد بثقافة المواطنة ” تعزيز وتنمية الانتماء إلى البلد والعمل على تحويل الطاقات والآراء السلبية إلى طاقات فعالة ونشطة وإيجابية، كما يقصد بها تحديد طبيعة العلاقة بين الدولة والتعليم. ومن ثم تسعى المؤسسات التعليمية إلى:
- احترام حقوق الإنسان والحريات والثقافات مع الحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية.
- التنمية الكاملة لشخصية الإنسان وكرامته وميوله واتجاهاته.
- تعزيز ثقافة التفاهم والتسامح بين جميع الأمم والجماعات الثقافية.
- تمكين جميع الأشخاص من المشاركة بفعالية في مجتمع حر.
مقال رائع و سلسل كل الشكر و التقدير… انصح الجميع بقراءته
شكرا جدا لحضرتك معالي الدكتور