يخطئ الكثير عندما يعتقدون بأن مجريات الأمور تبقى على حالها، فالتغير هو صفة مستمرة في حياتنا، ومحرك لدفعنا نحو الأفضل، ومقدار ما نستفيد من هذا التغير سنتقدم نحو الأفضل، هذا الأفضل الذي يسعى إليه الجميع ويطمحون للوصول إليه، ولكنهم يبحثون عنه بأقل تكلفة، ودون بذل جهد نحوه، ودون أي مخاطرة لا يحسب لنتائجها، فالإنسان في طبيعته يميل نحو الأمان لا الخوف والقلق.
لقد مر على الإنسان العديد من التغيرات التي أثرت في مجريات حياته، بدءاً بالثورة الصناعية التي جعلت الآلات تخدم الإنسان وتقوم بالكثير من أدواره الرئيسية، ونتجت عنها صناعة القطارات والسيارات والسفن وغيرها من الآلات الصناعية، مروراً بالثورة المعلوماتية الرقمية التي هدفت إلى تحويل العالم إلى قرية صغيرة، ونتجت عنها العديد من التقنيات الرقمية، مثل: الحاسوب ومكوناته، وشبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)، والاتصالات ونُظم المعلومات الرقمية، وغيرها من التقنيات الأخرى، وصولاً لعهد الذكاء الصناعي والنظم الخبيرة، والتي نتج عنها العديد من التقنيات، مثل: الروبوت، والأنظمة الذكية، ونظم التعلم العميق Deep Learning ، وإنترنت الأشياء Internet of Things وغيرها من الأنظمة المعاصرة.
وفي حقيقية الأمر، فإن تلك التغيرات حصلت نتيجة نهضة علمية وثورة تقنية ارتبطتا مع بعضهما البعض، ونتيجة لتتابع الاكتشافات، وتطور طرق تحويلها لإنجازات يمكن استخدامها في واقعنا المعاصر، فهنالك فرق شاسع بين الخيال والواقع، وبين الذي نتأمل به وما هو موجود حالياً، ولا يمكن اعتبار أي اكتشاف علمي على أنه إنجاز إلا في حالتين أساسيتين، هما:
- إمكانية تحويل الاكتشاف العلمي إلى واقع ملموس وعملي، لا أن يبقى محصوراً في طي صفحات الكتب.
- أن يكون هذا الاكتشاف العلمي متداولاً بين الناس، لا أن يبقى محصوراً بين فئة قليلة من مستخدميه، أو في مراكز الأبحاث فقط.
وبالتأمل في مراحل النهضة الثلاث السابقة، نستنتج أن القاسم المشترك بينها هو “التكنولوجيا”، فالتكنولوجيا مصطلح يشير إلى تطبيق العلم وإلى لغة التخطيط والتصميم والإنتاج، فالتكنولوجيا باختصار هي المحرك الأساسي لتطبيق ما ينتجه العلماء والمختصين من معارف نظرية ومعادلات رياضية وقوانين فيزيائية، إلى تطبيقات وتقنيات واقعية ملموسه، تخدم الإنسان، وتساعده على تحقيق إحدى غاياته الأسمى، وهي: عمارة الأرض، وتسهيل حياته ودفعها نحو الأفضل.
وتتنوع أنواع التكنولوجيا، فهنالك: التكنولوجيا الصناعية والحيوية والزراعية والرقمية وغيرها، إلا أننا في هذا المقال سنركز على الجانب الأكثر انتشاراً بين الناس، والأكثر ملامسة لحياتنا اليوم، والأكثر استخداماً وهي التكنولوجيا الرقمية، والتي يتفرع عنها العديد من التقنيات، مثل: الوسائط المتعددة، البرمجيات والتطبيقات، الاتصالات والشبكات، والإلكترونيات وغيرها من التخصصات الأخرى.
وتُعد ” التكنولوجيا الرقمية ” إحدى أهم أشكال التطور التقني الحديث، وباباً واسعاً للعديد من التطبيقات المعاصرة، ويقصد بها: الأجهزة والتقنيات التي تعتمد على لغة الحاسوب (لغة الآلة) للقيام بعملها، ويقصد بكلمة الرقمية استخدامها للرقمين (0، 1) فقط في ترميزها، وقد نتج عنها العديد من التطبيقات القائمة على الجانب البرمجي، مثل: برامج الحاسوب وتطبيقاته (Desktop Application)، وتطبيقات الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وغيرها من التطبيقات الأخرى.
لقد احتوت التكنولوجيا الرقمية الحديثة وما يتفرع عنها من تخصصات جديدة على العديد من المعارف والمصطلحات والمهارات التي شكل تكاملها أبجديات للغة عالمية علمية جديدة مرتبطة بالعديد من التطبيقات الحياتية، فأهمية التكنولوجيا الرقمية تكمن في قيمتها الحياتية الحقيقية لا في ترميزها وتجريدها، ونتيجة لطبيعتها الواقعية ساهمت بإثراء العديد من التخصصات التقليدية، مثل: الرياضيات والعلوم والهندسة وغيرها من التخصصات، مما وفّر بيئة علمية متكاملة، قائمة على تعدد التخصصات، هذا من جانب، ومن جانب آخر الاهتمام بالبيئة المحيطة (الواقعية) لينعكس أثر استخدامها على حياتنا ومجتمعاتنا.
ونتيجة للتقدم الحاصل في التكنولوجيا الرقمية الحديثة، تأثرت بها مناهج التعليم بشكل عام، فالطالب يميل بطبعه نحو الجديد والمتجدد وغير المألوف، فالتقنية تمتاز بكونها جذابه وممتعة ومسلية ومشوقة، وتستجيب لمقتضيات حياتنا وتلبي حاجاتنا المعاصرة، وهي نتاج جهد مختصين، صمموها بقوالب تناسب مختلف الأعمار والاتجاهات والميول، ومن هنا لا يمكن تصور بقاء التعليم بعيداً عن تلك العوامل التي أصبحت تتحكم في كل تصرفاتنا، ورؤيتنا للأمور وقراراتنا التي نتخذها.
لقد ساهمت التكنولوجيا الرقمية الحديثة بإحداث ثورة معلوماتية واقعية حقيقية، أثرت علينا بشكل مباشر وغير مباشر، فقد أثرت على علاقتنا الحياتية وطرق تواصلنا وحتى طريقة تفكيرنا، ونتيجة لذلك أصبح التخبط سيد الموقف، فالمختصون بالتقنيات والحاسوب يدفعون باتجاه توظيفها بصورة شاملة، بينما يذهب المختصون بعلم النفس والاجتماع وبعض التربويين إلى التحذير من خطورة استخدامها أو الإفراط باستخدامها. وبغض النظر عن قدرة التكنولوجيا الرقمية وإمكانياتها، وحقيقة أداء دورها، فإننا مطالبون باتخاذ الإجراء الأفضل في ضوء دراسة الظروف والمتغيرات المحيطة بنا، ومراعاتها قبل اتخاذ القرار المناسب حول الطريقة والأسلوب الأمثل في استخدامها، خاصة في الظروف الطارئة، وفيما يأتي سنتناول الاتجاهات الرئيسية لاستخدام التكنولوجيا الرقمية في التعليم:
الاتجاهات الأساسية لاستخدام التكنولوجيا الرقمية في التعليم
الاتجاه الأول: التعليم بواسطة التكنولوجيا الرقمية
وهنا تلعب التكنولوجيا الرقمية دور المساعد في عملية التعليم، ويمكن استخدامها في هذا الاتجاه كأداة أو وسيلة أو استراتيجية يوظفها المعلم أثناء التعليم، ويستخدمها الطالب أثناء تعلمه وممارسته الفعلية لأنشطته، ونتج عنها العديد من التطبيقات، مثل: المحاكاة الحاسوبية، والألعاب الرقمية، والبرامج التعليمية التفاعلية، وغيرها من التطبيقات الأخرى.
الاتجاه الثاني: التعليم المُدار بالتكنولوجيا الرقمية
وهنا تلعب التكنولوجيا دور (المدير والمشرف) على عملية التعليم، وتختلف عن الاتجاه الأول في قدرتها على تشكيل بيئة تعليمية متكاملة تجمع كلاَّ من: المعلم والطالب والمنهج، ويمكن من خلالها إلقاء المحاضرات، وتلقي الأسئلة، والإشراف على الطلبة المشاركين، وتسليم الواجبات وتقديم الامتحانات وغيرها من الأمور التي تجري داخل الصفوف الدراسية الحقيقية، ونتج عنها عدد كبير من التطبيقات عرفت باسم الصفوف الافتراضية.
الاتجاه الثالث: التعليم عن التكنولوجيا الرقمية
وهنا تظهر التكنولوجيا الرقمية كمصدر للمعلومة وأساس التعلم، فالمعلم لا يستخدمها كأداة (الاتجاه الأول) أو كبيئة تعليمية افتراضية (الاتجاه الثاني) بل يتم تعلم التلاميذ من خلالها المعارف والمعلومات والمهارات المرتبطة بالتكنولوجيا، ويظهر هذا الاتجاه في كتب تكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسوب، وتتناول محتوياتها موضوعات مختصة، مثل: البرمجة، والخوارزميات، والوسائط المتعددة، وقواعد البيانات، والتصميم الحاسوبي، وغيرها من الموضوعات الأخرى.
وبالرغم من احتواء التكنولوجيا الرقمية على مجموعة كبيرة من الإيجابيات وبعض السلبيات، إلا أننا لا نستطيع إنكار الدور الكبير الذي يمكن أن تقدمه لنا في الظروف العادية، وكذلك في الفترات الخاصة (الحرجة) التي نمر بها في بعض الأحيان، مثل: أزمة كورونا ، وهي موضوع اهتمامنا في هذا المقال.
التعليم و أزمة كورونا
يشير مفهوم الأزمة إلى ظرف غير طبيعي يؤثر على الأفراد، إما على المستوى الشخصي أو العائلي أو المجتمعي أو العالمي، بصورة خطر أو تهديد حقيقي يؤثر على سير الحياة اليومية للإنسان، وبلغة أخرى فالأزمة من وجهة نظر النظام هي مجموعة من المدخلات التي تؤثر سلباً على عمليات التعليم ومخرجاته.
ولكن في كثير من الأحيان لا تعد الأزمات مؤثرة بشكل مباشر في التعليم، فأزمة العقارات والاقتصاد مثلاً التي حصلت قبل حوالي عشر سنوات كان تأثيرها بعيداً عن التعليم، وأزمة أسعار النفط العالمية (صعوداً وهبوطاً) لم تؤثر كذلك على التعليم، إلا أننا في هذه الظرف نعيش أزمة مختلفة عن سابقاتها، وهي انتشار مرض كورونا، الذي بدأ بالصين وأخذ ينتشر في معظم بلدان العالم، فأحدث صدمة عالمية مباشرة أثرت على عملية التعليم بصورة أساسية ولدى معظم البلدان التي ظهر بها.
ويكمن سبب تأثير مرض كورونا على عملية التعليم في طريقة انتقاله، والتي تكون في أغلب الحالات عن طريق التواصل المباشر مع المريض أو ملامسة الأسطح الملوثة، مما ألزم صانعي القرار على منع التجمعات واللقاءات والمناسبات الاجتماعية المحصورة في مكان محدد، وتعد المؤسسات التعليمية إحدى أكبر التجمعات في عالمنا المعاصر، مما حدا بالدول إلى اتخاذ قرارات صعبة والمتمثلة بإغلاق المؤسسات التعليمية، مثل: رياض أطفال، والمدارس (العامة والخاصة)، والجامعات والكليات، ومراكز التعليم، ودور الرعاية وغيرها.
وهنا يتبلور سؤال مهم، هو: كيف يمكننا مواصلة رحلة التعليم في وقت أزمة كورونا؟
التكنولوجيا الرقمية الحديثة وأزمة كورونا
إن الحديث في وقت الأزمات ( خاصة أزمة كورونا ) يختلف عنه في الأوقات العادية، لأن الأزمة تفرض على صانعي القرار اتخاذ خطوات صعبة في وقت محدد، وفي ظل ظروف معقدة، لا تعطينا المزيد من الوقت، فهذا المقال لا يعالج حالة مفتوحة الزمن أو ظرفا طبيعيا، بل نحن في قلب الأزمة، في حالة إغلاق مؤسساتنا التعليمية، وفي حالة البحث عن حلول تُمكننا من الخروج منها بأقل الخسائر، أو بتجنب الأسوأ في أقل تقدير.
عند محاولتنا البحث عن حلول للأزمة، التي أدت إلى توقف الحياة التعليمية في مؤسساتنا العلمية على اختلاف مراحلها، سيقودنا التفكير مباشرة نحو التكنولوجية الرقمية للتغلب على هذه الأزمة، وفيما يأتي توضيح أسباب التوجه نحو استخدام التكنولوجيا الرقمية لتجاوز أزمتنا الحالية:
لماذا أصبحت الحاجة ملحة لاستخدام التكنولوجيا الرقمية؟
قدمت التكنولوجيا الرقمية مجموعة كبيرة من الميزات التي جعلتها تتصدر أي تفكير في تطوير العملية التعليمية، و جعلتها أيضا حلا للمشكلات التي نتعرض لها في وقت الأزمة (كورونا)، والنقاط الآتية توضح أهم ميزات أدوات التكنولوجيا الرقمية:
1- إمكانية استخدام أدواتها بسهولة وفي مختلف الأماكن
حيث تتميز أدوات التكنولوجيا الرقمية الحديثة بكونها مناسبة من حيث حجمها، ابتداءً بالحاسوب الشخصي والمحمول (اللاب توب)، وصولاً إلى لأجهزة اللوحية (التابلت)، وانتهاءً بالهاتف الذكي، مما أنتج مرونة وسهولة في استخدامها لمختلف الظروف، فنستطيع من خلالها العمل في مختبر المدرسة ( الحاسوب الشخصي)، وفي الصفوف الدراسية الاعتيادية (الجهاز اللوحي)، وفي المكتبة ومختبر العلوم (اللوح التفاعلي – (LCD وفي المنزل بواسطة العديد من الأدوات، مثل (الحاسوب الشخصي – الجهاز اللوحي – الهاتف الذكي)، بالإضافة إلى تميزها بسهولة الاستخدام والعمل من خلالها، ولا يخفى على أحد بأن هذه التطبيقات يستطيع استخدامها الصغير قبل الكبير في العديد من المجالات الحياتية.
2- تنوع التطبيقات التي تقدمها
تتميز التطبيقات التي تعمل بواسطة أجهزة التكنولوجيا الرقمية بالتنوع، فنجد العديد من التطبيقات التي تعالج نفس التخصص والمحتوى العلمي، فمثلاً في الرياضيات نجد العديد من التطبيقات التي تتناول جوانب محددة، مثل: الإحصاء أو الهندسة أو الجبر، وفي الفيزياء نجد كذلك العديد من التطبيقات المختصة في الكهرباء والميكانيكا والموائع، وعلاوة على ذلك راعت هذه التطبيقات مختلف المستويات العمرية داخل كل مجال محدد، فمثلاً: نجد تطبيقات مختصة بالجبر للمرحلة العمرية الأساسية وأخرى للمرحلة الثانوية وأخرى للمرحلة الجامعية وصولاً لتطبيقات الجبر لطلبة الدراسات العليا والباحثين.
3- دعمها لأنواع مختلفة من المحتوى الرقمي
وتتضمن العديد من مكونات الوسائط المتعددة، مثل الصوت والصورة والفيديو والرسوم المتحركة والحركة والنصوص والصوت والألوان، وهذه المكونات تساهم في تحويل المحتوى العلمي للمواد الدراسية إلى محتوى رقمي متنوع وتفاعلي يخاطب العديد من حواس الإنسان، مما يسهم في جذب انتباههم وتغيير قناعاتهم وميولهم نحو تعلمها، وقد أنتج دعم التكنولوجيا الرقمية لمكونات الوسائط المتعددة العديد من التقنيات التي يمكن استخدامها بالتعليم، مثل: تقنية الهولوجرام والواقع المعزز الواقع الافتراضي والواقع المدمج والألعاب التعليمية وغيرها من التقنيات الأخرى.
4- قدرتها العالية على التواصل والاتصال
وتتضمن قدرة الأجهزة الرقمية على التواصل فيما بينها، وذلك عن طريق العديد من الوسائط منها: الشبكات السلكية وتتضمن: الألياف النحاسية والاسلاك المحورية والألياف الضوئية، وغير السلكية، وتتضمن: أمواج الراديو والأشعة تحت الحمراء والبلوتوث والميكروويف، أو وسائل الاتصال الخلوية وشبكاتها.
5- قدرتها على محاكاة عمل البيئات التعليمية
وتُعد هذه النقطة الأهم في هذا المقال، حيث استطاعت التكنولوجيا الرقمية بناء بيئات تعليمية افتراضية تشابه إلى درجة كبيرة ما هو موجود داخل الفصول الدراسية الاعتيادية، حيث تجمع تلك البيئات كل من: المعلم والطالب والمنهج، مما يساهم في جعل التواصل بين الأفراد بصورة سهلة وسريعة وفي أي مكان ممكنا، وألغت كذلك شرط الاجتماع الزماني والمكاني داخل الفصول الدراسية، بالإضافة إلى تقليل التكلفة المادية التي تختصرها تلك الفصول الافتراضية.
6- توفيرها لخدمات الحوسبة والتخزين السحابية
يشير مفهوم الحوسبة السحابية إلى التقنية القائمة على نقل ومعالجة وتخزين البيانات والمعلومات والأوامر والاعدادات الخاصة بالمستخدم (المعلم/الطالب) إلى ما يسمى بالسحابة، بحيث تحوّل برامج تقنية المعلومات من منتجات إلى خدمات (Services)، ومن هنا تتميز هذه الخدمات بالسرعة وبسهولة الوصول، بالإضافة إلى حلّ مشكلات الصيانة والتطوير من المستخدمين إلى الشركات المزودة لهذه الخدمات، مما يترك المجال للمستخدمين لتركيز جهودهم على استخدام هذه الخدمات والميزات فقط، وتتنوع تطبيقات الحوسبة السحابية التي تقدمها الشركات، مثل: تطبيقات جوجل التعليمية وتتضمن: صفوف جوجل Google Classroom، جوجل درايف Google Drive، مستندات جوجل Google Docs، جداول البيانات Google Spreadsheets، مواقع جوجل Google sites، وغيرها من التطبيقات.
7- تكامل تطبيقاتها وتوافقها
يشير مفهوم التكامل والتوافق إلى إمكانية استخدام التطبيقات الرقمية بغض النظر عن نوع جهاز الحاسوب أو الهاتف الذكي أو الأجهزة اللوحية، بالإضافة إلى إمكانية العمل على مختلف الأجهزة بغض النظر عن مواصفاتها أو أنظمة التشغيل التي تعمل عليها (ويندوزWindows – اندرويد Android – Mac – IOS).
وبعد عرض ميزات التكنولوجيا الرقمية، نستطيع الإجابة عن السؤال الأهم، وهو: ما أفضل الإجراءات المستندة على التكنولوجيا الرقمية التي يمكن استخدامها في أزمة كورونا:
على ضوء أزمة فيروس كورونا، وما نتج عنها من إغلاق لمؤسساتنا التعليمية، وعلى ضوء ميزات أدوات التكنولوجيا الرقمية وإمكانياتها، يمكن التوصية بمجموعة من الإجراءات، هي:
1- التركيز على استراتيجيات التعليم القائمة على التكنولوجيا
مثل: التعليم المعكوس، والرحلات المعرفية عبر شبكة المعلومات الحاسوبية، استراتيجيات المحاكاة والتمرين، استراتيجيات الأنشطة الذاتية الرقمية وغيرها.
2- التركيز على مصادر المعلومات الرقمية
خاصة القائمة على جانب التخزين السحابي، مثل: القنوات التعليمية في اليوتيوب، حيث يستطيع المعلم شرح الدرس وإلقاء المحاضرات وتخزينها وتقديمها بصورة مجانية، ويستطيع الطلبة حضور تلك الدروس في أي وقت ممكن، بالإضافة إلى المواقع التعليمية الإلكترونية المختلفة، مع ضرورة الإشارة إلى التركيز على المحتوى المرئي التفاعلي، وعدم الاقتصار على فيديو تعليمي للمشاهدة فقط.
3- التركيز على تطبيقات التواصل الاجتماعي
وتتضمن: تطبيقات الفيس بوك و تويتر وغيرها من التطبيقات المنتشرة بين السكان؛ لسهولة نشر المعلومات، والوصول للمعلومات وتجميعها في مكان واحد، بالإضافة إلى شعبيتها الجارفة بين المعلمين والطلبة.
4- التركيز على تطبيقات الاتصال
مثل: تطبيقات Messenger، واتس أب WhatsApp وغيرها من التطبيقات المختصة بالاتصال والتواصل، والتي تمكن المعلمين من القيام بعمل مجموعات تعلم تضم جميع الطلبة في المادة الواحدة.
5- التركيز على بيئات التعلم الافتراضية والمعززة
ويقصد بالتعلم الافتراضي تمثيل البيئات الحقيقية بأخرى افتراضية تكون مشابه لها إلى حد كبير، بحيث يشعر الطالب بوجوده داخل الخبرات التربوية مباشرة، أما مصطلح الواقع المعزّز، فيشير إلى إضافة معلومات رقمية إلى البيئة الحقيقية بهدف دمج النموذجين: الواقعي والرقمي في آن واحد.
6- الاهتمام بالخدمات المقدمة عبر جهاز التلفاز
مثل: التلفاز التعليمي التفاعلي، لقدرة الطلبة على الوصول للحلقات التعليمية التي يتم بثها عبره في أوقات محددة، بالإضافة إلى وجود ميزات إضافية (لخاصية التفاعل) مثل: تسجيل الحلقات، وتخزينها، والرجوع إليها في أي وقت، وإضافة الروابط الإلكترونية، وظهور معلومات إضافية وإرشادية داخل كل حلقة، وهنا نستفيد من ميزات التلفاز وجهاز الحاسوب في نفس الوقت.
7- تفعيل التعليم عبر الفصول الافتراضية
ويشير مفهوم الفصول الافتراضية إلى بيئة تعليمية رقمية (افتراضية) تجمع كلاَّ من: الطالب والمعلم والمنهج، وتكون مشابه للفصول الحقيقية، وتمكن المعلم من التواصل مع الطلبة وطرح الأسئلة وتلقي الإجابات وتقديم التغذية الراجعة، بالإضافة إلى تميزها بتقديم مجموعة متكاملة من أدوات التقويم المختلفة مع قدرة المعلم على تصحيح الامتحانات وتسجيلها إجراء المعالجات المطلوبة منه.
وبعد عرض الأدوات التي يمكنها مساعدتنا في وقت الأزمة (كورونا)، يتبادر إلى أذهننا السؤال الآتي:
ماذا يحتاج طلابنا من مهارات لكي يكونوا قادرين على استخدام أدوات التكنولوجيا الرقمية بصورة صحيحة؟
يحتاج طلبتنا اليوم للعديد من المهارات الأساسية؛ لتساعدهم على استخدام أدوات التعلم القائمة على التكنولوجيا الرقمية، ومنها:
1- المهارات الأساسية لاستخدام الأجهزة الرقمية، مثل: تشغيل الأجهزة وإغلاقها، تثبيت التطبيقات وإدارتها، القدرة على تسجيل الدخول للتطبيقات التعليمية وتتضمن: إنشاء مستخدم جديد وإدارة الحساب الشخصي، والانضمام إلى مجموعات التعلم ومشاركة المصادر التعليمية وحفظها، بالإضافة إلى التعامل مع ملحقات الأجهزة الرقمية مثل: السماعات، أجهزة تسجيل الصوت والصورة وغيرها؛ لكي يكونوا قادرين على التعامل مع هذه الأجهزة بصورة صحيحة، وتوظيفها أثناء تعلمهم.
2- مهارات البحث عبر شبكات المعلومات الرقمية (الإنترنت)، وتتضمن: قدرتهم على الوصول للمواقع الإلكترونية المناسبة للتعليم، والقدرة على البحث عن المعلومات المطلوبة ومعالجتها أو تخزينها وحفظها، مع قدرتهم على التمييز بين المعلومات الصحيحة والخاطئة.
3- مهارات التعلم الذاتي: لكي يكون الطلبة قادرين على التعلم وحدهم في ظروف انقطاع التعليم.
4- مهارات حلّ المشكلات: وتعد هذه المهارات ذات أهمية لكونها تساعد الطلبة على التعامل مع المواقف غير الاعتيادية (المستحدثة) التي تواجههم، والعمل على تطبيق استراتيجيات لحلّ تلك المشكلات.
5- مهارات مواجهة الأزمات: لكي يكون الطلبة قادرين على استيعاب حقيقية المواقف التي تحدث بصورة طارئة، وأخذها على محمل الجدية لا الاستهتار، والقدرة على التصرف في الأوقات الحرجة، وأن يكونوا قادرين على مواصلة تعلمهم في فترات الانقطاع، والاعتماد على أنفسهم.
لكن عند محاولتنا البدء بتطبيق أدوات التكنولوجيا الرقمية في وقت الأزمة، قد يتبادر إلى أذهاننا السؤال الآتي:
ما مدى نجاح استخدامنا لأدوات التكنولوجيا الرقمية بالتعليم في وقت أزمة كورونا؟
يحدد مقدار نجاح استخدام التكنولوجيا الرقمية في وقت الأزمة الحالية العديد من العوامل الرئيسية التي تختلف من منطقة إلى أخرى، أو من تجربة إلى أخرى، ولكي نحدد إمكانية التطبيق الفعلي لأدوات التعلم الرقمية في وقت الأزمة، يتوجب على صانعي القرار الإجابة عن الأسئلة الرئيسية الآتية:
- هل المنهج وما يتضمنه من أهداف ومحتوى وأنشطة و”مصادر تعلم” يدعم استخدام الأدوات الرقمية ؟
- هل تلقى المعلمون التدريب الكافي على استخدام التطبيقات والتقنيات اللازمة، لاسيما عند حدوث الأزمة؟
- هل تم تهيئة الطلبة وتعليمهم المسبق على كيفية استخدام التطبيقات المناسبة؟
- هل يتوفر لدى جميع المشاركين بالتعليم: مشرفين – معلمين – طلبة الأدوات والتقنيات المناسبة؟
- هل تتوفر البنية التحية اللازمة لاستخدام أدوات التكنولوجيا الرقمية: كهرباء – شبكات – انترنت ؟
وبمقدار ما تكون الإجابة إيجابية يمكننا القول بأن استخدام أدوات التكنولوجيا الرقمية ذات فعالية وجدوى، ويمكن أن تعطينا تلك الأدوات الرقمية النتائج المرجوة منها، حتى نستطيع تجاوز أزمتنا الحالية.
ماذا يتوجب على صاحبي القرار التعليمي بعد انقضاء أزمة مرض كورونا ؟
يتوجب على القائمين على المناهج التعليمية وسياساتها تقييم ومراجعة شاملة لاستخدام أدوات التكنلوجيا الرقمية أثناء الأزمة، للوقوف على مواطن الضعف، وتصحيح الأخطاء، وتعزيز الإيجابيات من التجربة الحالية، بالإضافة إلى بناء استراتيجيات عامة وشاملة ومناسبة لكل مرحلة دراسية على حدا، حتى يكون العمل مشتركاً، وأن لا تنفرد كل مؤسسة تعليمية بمبادرة تكون خاصة بها، مما قد يضعف من النتائج المرجوة من استخدام أدوات التعلم الرقمي في وقت أزمتنا الحالية، نتمنى السلامة للجميع إن شاء الله تعالى.
أحسنت النشر … دراسة قيمة
شكرا وجزاك الله خيرا
شكرا لنشر ورقة قيمة معاصرة خاصة للمدرسين حسب مقتضى الحال
شكرا دكتور عبد الرحمن محمد صادق أبو سارة على هذا البحث المسعف للحالة الواقعة الآن.
وأقتبس رافعا في لافتة : ( لا يمكن اعتبار أي اكتشاف علمي على أنه إنجاز إلا في حالتين أساسيتين، هما:
إمكانية تحويل الاكتشاف العلمي إلى واقع ملموس وعملي، لا أن يبقى محصوراً في طي صفحات الكتب.
أن يكون هذا الاكتشاف العلمي متداولاً بين الناس، لا أن يبقى محصوراً بين فئة قليلة من مستخدميه، أو في مراكز الأبحاث فقط. )
في انتظار جديد أبحاثكم د عبد الرحمن.