هذا المقال من المشاركات المتأهلة للدور الأول من جائزة تعليم جديد التربوية، في نسختها الأولى.
تعد التربية الإسلامية ميداناً فسيحاً لاستيعاب كافة الاتجاهات الحديثة في التدريس، مراعية بذلك كافة الدواعي والمستجدات العلمية والتربوية الداعمة للعملية التعليمية الحديثة في القرن الواحد والعشرين. ومع تزايد المستجدات التكنولوجية ذهب العديد من التربويين إلى استغلال العلوم التطبيقية في العملية التدريسية، والتي كان من ضمنها تدريس التربية الإسلامية من منظور تربوي.
وعليه فقد اتخذت التربية الإسلامية اتجاهاً حديثاً في التدريس ضمن استراتيجيات التدريس الحديثة، والذي يصطلح عليه ب ” التنمية المفاهيمية والاستراتيجية الاستدلالية “، والذي يُعرّف على أنه: “حركة عقلية ينتقل فيها الطلبة من الوقائع الجزئية إلى تكوين قواعد وتعميمات، والانتقال من العموميات إلى الخصوصيات، واستنتاج القواعد الكلية من الجزئيات الفرعية في مادة التربية الإسلامية”.
حيث شكلت تنمية المفاهيم إحدى المكونات الأساسية لمحتوى أي مادة دراسية، وهو ما ينطبق بالضرورة على مادة التربية الإسلامية، فالمفاهيم وتنميتها تمثل أحد مستويات البناء المعرفي للعلم، إذ تُبنى عليها باقي مستويات هذا البناء من مبادئ وتعميمات وقوانين ونظريات، كما تعد التنمية المفاهيمية واحدة من أهم نواتج التعلم التي يمكن من خلالها تنظيم المعرفة العلمية لدى الطلبة بصورة تضفي عليها المعنى. ونظرا لأهمية المفاهيم فقد حرص الكثير من التربويين والباحثين على اقتراح استراتيجيات ونماذج وطرائق وأساليب تدريسية مختلفة من شأنها أن تسهل عملية تعلم التربية الاسلامية بشكل أفضل من الطرائق والأساليب المتبعة في تدريسها.
ويتوقف التعلم الجيد والفاعل على عملية إيضاح المفاهيم والدلالات المعرفية الجديدة والمفاهيم القديمة، وعلى هذا الأساس جاءت هذه الاستراتيجية التعليمية الحديثة في تدريس التربية الإسلامية لتنمي وتنظم المفاهيم والمبادئ والنظريات المتضمنة لها دروس ووحدات التربية الإسلامية؛ لكون البنية المعرفية الشاملة لها تختلف من طالب إلى آخر؛ لذا يختلف هذا التنظيم والتنمية بين الطلبة أنفسهم، وعليه يتوجب على المعلم أن يتبع هذا الأسلوب التنموي لتحقيق عملية التعلم الجيد ذي المعنى من خلال النظر إلى مادة التربية الإسلامية بأنها مادة مفاهيمية وخرائطية.
وعليه تصبح العملية الاستدلالية للمتعلمين أسلوباً منهجياً، ينتقل فيه المتعلم خطوة بخطوة نحو الحل، ولا ينتقل من خطوة إلى التي تليها إلا بعد التأكد من صحة الخطوة السابقة، وبيان صلتها بها، واعتبارها مقدمة للخطوة اللاحقة لها. وإذا لم تتبع حركة العقل وهو يقوم بالاستدلال لوجدناه يمر في عدة مراحل من ضمنها: الشعور بضرورة التصرف، إضافة لتحليل المشكلة إلى عناصر وتقدير قيمة كل عنصر، وجمع المعلومات والبيانات المختلفة أو التنبؤ.
لذلك تعد التنمية المفاهيمية والمهارات الاستدلالية إحدى أهم مميزات التفكير العلمي في التدريس؛ لكونها تشكل جزءاً مهماً من كل عملية في سلسلة العمليات التعليمية التي تتضمن التفكير العلمي، بمعنى أن التفكير والتنمية المفاهيمية للتربية الإسلامية تعمل على تنشيط العقل بصورة عقلانية مرتبة وتبعد المتعلمين عن العشوائية، ليوجه الطالب هذا النشاط نحو الموضوع أو الموقف أو الحدث التعليمي المراد شرحه في دروس التربية الإسلامية.
ومن الاستخدامات الرائعة لاستراتيجية التنمية المفاهيمية والمهارات الاستدلالية في تدريس التربية الإسلامية تنمية أحكام التلاوة، وذلك من خلال خرائط المفاهيم الاستدلالية حيث يسترشد المعلم لطلبته بمجموعة من المفاهيم المبدئية في إيضاح الحُكم للتلاوة من خلال مفهوم عام من خلال مخارج الحروف، وصفاتها، ومفهوم التجويد وأشكال تلك الاحكام كالإظهار والإدغام وربط مفهومه وحروفه فيما بعد بعملية التنمية المفاهيمية التطبيقية، ومن ثم يساعد الطالب على ربط المفهوم الاستدلالي والذي يعزز بذاكرته واستيعابه من خلال التطبيق الفعلي، ليشكل بذلك تطبيقاً نموذجياً لاستراتيجية التنمية المفاهيمية في تدريس التربية الإسلامية.
كما ويمكن إحداث التنمية المفاهيمية والمهارات الاستدلالية وِفق هذه الاستراتيجية كاستحداث معلم التربية الإسلامية طريقته بإيضاح الإعجاز في القرآن كمفهوم العام لتطبيق هذه الاستراتيجية، مُستخدما أولاً كلمات الربط، والتي ترشد الطالب إلى وجود تفريعات وأقسام يتفرغ منها الإعجاز، وهو ما يجعله يبدأ بالتفكير والاستدلال على تلك الأنواع، بينما تطبق استراتيجية التنمية المفاهيمية والمهارات الاستدلالية في الجزء الثاني بما يعرف بالخطوط العريضة والتي من ضمنها كافة الإعجازات كالإعجاز العلمي وأمثلته. والتي تنقسم إلى إعجاز بياني يستدل عليها بمفاهيم فرعية، وإعجاز غيبي بطرح أمثلة وتقريب للاستدلال والمفهوم، وإعجاز تشريعي بتوضيح المفهوم وتنمية الأمثلة والتفكير على ذاك الاعجاز.
واستكمالاً لذلك الدور فإن دور المعلم في هذه الاستراتيجية التعليمية التربوية دوراً عظيماً وهاماً فهو المنظم للمحتوى الدراسي والقائم بأنشطته، حيث يمارس الطالب فيها دوراً إيجابياً أثناء المواقف التعليمية من خلال التفاعل النشط بين المعلم والمتعلم بالاعتماد على الأنشطة العقلية العلمية ومهارات التفكير العليا، ويتم ذلك من خلال ثلاث مراحل هي مرحلة تقديم المفاهيم، ومرحلة تنمية التفكير والمفاهيم، ومرحلة تطبيق المفاهيم والمهارات الاستدلالية.
ومن أهم المميزات التي تمنحها استراتيجية التنمية المفاهيمية والتعزيز الاستدلالية لدى الطلبة خلال تدريس مبحث التربية الإسلامية، مساعدتهم بالدرجة الأولى في النظر إلى القضايا المختلفة من وجهات نظر الآخرين من الطلبة، وعليه تكتمل الرؤية في الاستدلال والتفكير الفاعل، كما ويتم تقييم آراء الآخرين في مواقف كثيرة والحكم عليها بنوع واضح من الدقة، كما وتلعب استراتيجية التنمية المفاهيمية على تعزيز عملية التعلم والاستمتاع بها، ورفع مستوى الثقة بالنفس لدى الطلبة وتقدير الذات لديهم بالتحدث والتعبير عن أفكارهم بصوت عالي من خلال البوح والتعبير والتعرف على صحة الرؤية والتفكير والاستدلال الذي تم التوصل إليه، علاوة على ذلك تحرير عقول الطلبة وتفكيرهم من القيود على الاجابة عن الأسئلة الصعبة والحلول المقترحة للمشكلات العديدة التي يتم مناقشتها، والعمل على حلها أو التخفيف من حدتها على الأقل.
كما وتؤثر الخبرات التي يتعرض لها الطالب في المدرسة من خلال تطبيق استراتيجية التنمية المفاهيمية عليه خلال الفصول الدراسية، بحيث ترقي عملية التعليم وترفع من طبيعة المهمة التعليمية لتستبدل الطريقة التقليدية في التلقين والحف ، إلى طريقة أكثر واقعية وجادية والتي تعني بتنمية المبادأة والأصالة التي تحقق نظاماً تعليمياً أكثر تشجيعاً على التعليم المفتوح الغير نمطي في التفكير والخبرات والمهارات، ولا تكتفي الطريقة التربوية عند تلك الحدود من التأثيرات بل أن العلاقات الاجتماعية السائدة ما بين معلمين التربية الإسلامية والطلبة، داخل المؤسسات التعليمية تشجع على توفير مناخ اجتماعي متسامح من شأنه أن يساهم في تشجيع القدرات الاستدلالية والمفاهيمية، بالإضافة إلى التشجيع على نمو سمات من الشخصية المساعدة على تنمية الحافز نحو العطاء والإنجاز، حيث بات من الضروري تشجيع وتنمية مهارات التنمية المفاهيمية والمهارات الاستدلالية داخل منهاج التربية الإسلامية، وتشجيع الطلبة على اكتسابها وتنميتها، وأن تكون هذه المهارات ضمن المناهج الدراسية للتربية الإسلامية وأهدافها ووسائل تنميتها وتطبيقها داخل الدروس التعليمية للتربية الإسلامية.
وختاماً: تشكل العملية التنموية للمعارف والمعلومات التربوية في تدريس منهاج التربية الإسلامية أحد المعايير التربوية والتدريسية الفاعلة في العصر الحديث؛ وذلك نظرًا لفاعليتها المطلقة في ترسيخ المعلومات في عقول الطلبة، كما وقد أثبتت التنمية المفاهيمية قوتها في تثبيت المعرفة واسترجاعها من خلال العملية التعليمية وذلك في استرجاع المعرفة في أوقات لاحقة، وهو ما نحن بصدد تأكيد أهميته وضرورته في تحقيق التنمية والمعرفة والتدريس وفقًا لاستراتيجية تربوية حديثة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جازاكم الله عنا كل خير عن كل المجهودات التي تبذلونها من أجل نشر العلم و المعرفة وايصال الخير للناس حفظكم الله ورعاكم