مع تقدم الحضارات والنظريات التربوية أصبحت أهداف التربية تنظر وفق احتياجات المجتمع، خاصة بعد عبورنا إلى القرن الحادي والعشرين الذي يمثل عصر المعرفة والتقنية، وبظهور التقنيات الحديثة التي غزت العالم وارتباطها بالتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية، كان لابد من الوقوف على الدراسات المستقبلية والتطلع نحو المستقبل بشكل أوسع وأعمق والتنبؤ بما يحدث صناعة لها دون تكهن وفق معطيات مدروسة.
المقصود بالدراسات المستقبلية
عرفها (2022) Motti بأنها فن وعلم يركزان بشكل كبير على الخيال والإبداع في خلق مستقبلات مختلفة ممكنة، بقصد اكتشاف وإتقان سلاسل السبب والنتيجة المعقدة من خلال التصور والنهج النظامي وحلقات التغذية الراجعة، مما يوفر في نهاية المطاف الابتكار في المجالات الاجتماعية والتكنولوجية.
وتذكر شحاته (2022) بأن الدراسات المستقبلية من الدراسات ذات الأهمية الكبيرة في عصر تكنولوجيا المعلومات، فهو علم يرصد التغير الذي قد يطرأ على ظاهرة معينة ويحدد الاحتمالات المختلفة لتطورها في المستقبل، وتعتبر رؤية 2030 إستراتيجية صيغت للتخطيط الإستراتيجي بعيد المدى من خلال تبني مفهوم التنمية المستدامة كإطار عام لتحسين جودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ورفع التنافس بتقديم مجموعة مراحل تقوم على التحليل ثم تطوير الاتجاهات الرئيسية وصياغة الرؤى والأهداف ثم تطوير البرامج وإعداد الوثائق الإستراتيجية والأهداف التي يمكن تحقيقها بحلول 2030 على المستويين الوطني والإقليمي.
أهمية الدراسات المستقبلية
تبرز أهمية الدراسات المستقبلية للمجتمعات كما وضحتها البارودي (2019) في قدرتها على الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة في تطور ونهضة المجتمع من خلال دراسة الماضي وربطه بالحاضر مرورًا بالمستقبل للحصول على وضع أفضل ومن ثم التغلب على التخلف الاقتصادي والاجتماعي لبعض الدول الناشئة الجديدة، ثم توظيف كافة الإمكانيات المتوفرة في الدولة واستغلالها بطرق علمية مخطط لها سلفًا بناء على القفزة الكونية في مجال الالكترونيات في التكنولوجيا وأساليب الحسابات الرقمية والاقمار الصناعية.
كما تكمن أهمية الدراسات المستقبلية في مجال التربية وقيامها بالأدوار الآتية كما أوضحها الدكتور سالم (2018) فيمَ يلي:
- مواجهة تحديات العصر الحديث بما يشهده من تغيرات ومالها من أثر في النظم التربوية، فالتحدي الهائل في الانفجاري المعرفي الذي تشهده البشرية كفيل بأن تعظم دور التخطيط التربوي للمستقبل وحل مشكلاته.
- بناء خارطة مستقبلية للبحث العلمي التربوي وفق السمات التي تحكم منطق التفكير المستقبلي، بحيث تكمن أهميته بربطه بالفلسفات الأخرى، وألا يترك لأهواء ورغبات الباحثين، فالدور الذي تقوم به الدراسات المستقبلية تتوقف على اجتهادات خبراء التربية وفق متطلبات العصر الحديث.
- بلورة توجيهات جديدة للتربية بوضع تصورات وتوجهات جديدة بناء على دراسة التحديات التربوية التي يطرحها مجتمع الغد وإكساب الفرد سرعة التفكير الإيجابي.
- المساهمة في تطوير وتحديات النظم التربوية وخلق نوع من التحديث والتطوير في نظام التعليم بما يساعد على ابتكار بدائل جديدة أكثر فاعلية.
الدراسات المستقبلية وفق بعض التخصصات
في ظل التطور التكنولوجي وجب الاهتمام بمناهج التعليم وتطويرها؛ للأخذ بالمستجدات الحديثة وفق معطيات الحاضر وخبرة الماضي.
ومن هذه الدراسات المستقبلية التي يمكن أن يُنظر إليها هي:
الدراسات المستقبلية في الرياضيات
يمكن استخدام الرياضيات مع الفن سواء كان بالرسم أو تشكيله، فقد أشارت صبح (2023) بأن دمج الفنّون في مناهج الرياضيّات مهمة في تحفيز الطلبة لزيادة فضولهم، والمساعدة في تعميق فهم المفاهيم الرياضيّة، وتطوير مهارات حلّ المشكلات الإبداعيّة، فالفن يمثل كنز حقيقي قائم على الرياضيات وإثارة التفكير الإبداعيّ بطريقة فنية فيها من المتعة والتحفيز مما يجعل التعلّم أكثر متعة.
الدراسات المستقبلية في الفيزياء
الكشف عن المشكلات التي تواجه الطبيعة والاستفادة من العلوم المتطورة في الحياة اليومية ومعالجتها بواسطة الربط بين علم الفيزياء والعلوم الأخرى كعلم الهندسة والصناعة والفضاء والطب والتكنولوجيا، مما يجعل هناك رؤية مستقبلية لعلم الفيزياء تعزز من قدرات الطالب فتتيح له فرص وظيفية في المستقبل وتخدم عدة قطاعات حديثة في المملكة العربية السعودية كـ: استخدام الطاقة النووية السلمية، صناعة الطائرات المسيرة، إرسال الأقمار الصناعية، أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات، الطاقة البديلة.
الدراسات المستقبلية في العلوم السياسية
تعكس الدراسة أهمية الدراسات المستقبلية في العلوم السياسية، وتشير عبد السلام (2024) بأنها أداة مهمة لفحص التحديات والفرص التي تواجه المجتمع والدولة في المستقبل القريب والبعيد، مما يُسهم في تطوير فهم التحولات السياسية وتحسينها على مستوى الدولة والمجتمع أو على المستوى العالمي.
ويمكن تحديد القضايا الناشئة في العلوم السياسية كـ: مستقبل الديمقراطية، وتأثير التكنولوجيا على السياسة، وكيفية استخدام التكنولوجيا لتحسين صنع القرار السياسي، وتأثير المناخ سياسيًا، مستقبل الأمن السيبراني، الأمن البيئي.. وغيرها من الموضوعات التي ترقى بالدولة ثقافة ومنهجًا.
الدراسات المستقبلية التكنولوجية
مع ظهور الثورة الصناعية الرابعة والتحول الرقمي، أدى التطور السريع للعلوم والتكنولوجيا إلى إحداث ثورة عالمية في مجال التقنية والاتصالات، مما أثر بشكل عميق على أسلوب الحياة.
وقد تكون هذه التقنيات والابتكارات الجديدة لها دور في تغير مستقبلنا للأفضل، بحيث تتضمن مجموعة من البرامج منها الهندسة والكهرباء والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والميكانيكا والفضاء والذكاء الاصطناعي وغيرها.
لذا لابد من العمل على تدريب الأجيال القادمة لاغتنام الفرصة للتنمية العلمية والتكنولوجية ودعمهم بما يحقق نتاجات عالمية تخدم الوطن بشكل أكثر حداثة وإيجاد مجتمع قادر على مواجهة التحديات.
المراجع
البارودي، منال أحمد.(2019). علم استشراف المستقبل. المجموعة العربية للتدريب والنشر: القاهرة.
سالم، أحمد عبدالعظيم أحمد. (2018). الدراسات المستقبلية وأساليبها المستخدمة في التربية. مجلة كلية التربية، 6 (15) ، 13-33. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/1346798
شحاته، إلهام عبدالرحمن. (2022). الإتجاهات المستقبلية لتطوير صناعة الإعلان في ضوء رؤية 203. مجلة العمارة والفنون والعلوم الإنسانية.7(32)،281-302.
صبح، رانية.(2023،سبتمبر10).التكامل بين الفن والرياضيات ]مدونة[. استرجعت من
https://www.manhajiyat.com/ar/
عبد السلام إبراهيم، الشيماء. (2024) . إعداد الدراسات المستقبلية في العلوم السياسية: رؤية ( نظرية- تطبيقية). مجلة السياسة والاقتصاد.23(22)،74-79. مسترجع من doi: 10.21608/jocu.2024.272111.1321
Motti, V.V. (2022). Futures Studies. In: The Palgrave Encyclopedia of the Possible. Palgrave Macmillan, Cham. https://doi.org/10.1007/978-3-319-98390-5_269-1
في تقديري المتواضع،لا يمكن الحديث عن الدراسات المستقبلية دون الإشارة ولو بشكل مقتضب الى المفكر المغربي الراحل “المهدي المنجرة”رحمه الله تعالى ،والرجوع الى بعض مؤلفاته ك:”صراع الحضارات”.