نجد في الأوساط التعليمية عند وصف التجارب والخبرات التدريسية، أنه إذا ذُكر تدريس الأطفال، تنقسم الآراء إلى قسمين، إمّا المتعة والفائدة وإمّا نفاد الصبر والملل. وذلك لأنّ هذه الفئة العُمرية في أساليب تعليمها وتدريسها، لها شأن آخر مختلف كل الاختلاف عن غيرهم، وكذلك الأمر بالنسبة لتعلّمهم اللغة، سواءً كانت لغتهم الأم أو لغة أخرى مُكتسبَة.
من أساسيات تعليم اللغة للأطفال
يقول العلّامة أبو فهر محمود محمد شاكر في كتابه أباطيل وأسمار، ص447: ” إن نفس الطفل تواقة إلى الجديد، سريعة الانصراف عن القديم المألوف”، فيظهر جليًّا أنّ عاملي التشويق والتغيير، هما عاملان أساسيان في انتقاء أساليب واستراتيجيات تعليم اللغة للأطفال، ويُمكن الاستفادة من كلام العلّامة أبي فهر -رحمه الله- ، بتقريب اللغة العربية وتجديدها لنفس الطفل حتى يغلبُ على نفسه حبُّها ويستطيع اكتسابها بيُسر.
تعليم اللغة العربية تعليمًا إلكترونيا للأطفال
مع انتشار مواقع ومعاهد تعليم اللغة العربية على شبكة الإنترنت، و مع انتشار وسائل التواصل التي قرّبت -فيما قرّبت- بين اللغات والثقافات، وسهّلت كافة أشكال التواصل بين الناس، ظهرت الحاجة الشديدة لتعليم اللغة العربية للأطفال الأجانب عبر الشبكة الإلكترونية، وبخاصّة للمسلمين منهم، فالأُسَرُ الأجنبية المسلمة، التي تحرص فيما تحرص على تعليم أطفالها شعائر دينهم وتلاوة القرآن الكريم، وجدت في التعليم الإلكتروني، ملاذًا وفرصةً لتعليم أبنائها اللغة العربية من أيدي معلّمين عرب ناطقين أصليين باللغة العربية، وكم يحرص الكثير من هذه الأُسَر وذوي الطلّاب، على هذا الأمر حتّى يقوّموا ألسنة أبنائهم التي لم تنطق العربية من قبل. ومن هنا، استلزم الأمر إعدادًا متمكّنًا لمعلّم اللغة العربية للناطقين بغيرها الذي يدرّس عبر الشبكة الإلكترونية فيما يُعرف بالتعليم الإلكتروني، وما يتطلبه هذا النوع من التعليم، من معرفةٍ بأساسيات وخطوات التدريس عن بُعد، ودراية ماهرة بالبرامج التعليمية التي تخدمه درسه الافتراضي. فكل إلمامٍ وثقافة للمعلّم بهذه الأمور، يصبّان في نجاحه صَبــًّا.
خطوات لنجاح درس اللغة للأطفال
أضع هذه الرؤى والخطوات، الّتي لاحظتُ فائدتها خلال تدريسي للطلاب، بين أيدي فئة من المعلّمين الذين يدرّسون اللغة العربية للأطفال غير الناطقين بها من خلال الإنترنت، مع الاعتبار أنّ تعليم اللغة العربية عن بُعد له كيفيته ووسائله وطرقه الخاصة به:
• الأفضل أن يكون الاتصال بين المعلم والطالب، اتصالًا مرئيًا وعدم الاكتفاء بالاتصال الصوتي، حتى يتمكن المعلم من مراقبة ومتابعة الطفل، والتفاعل الجيد معه.
• مراعاة مستوى الطفل اللغوي، ومستوى ذكائه وقياس سرعة استجابته، وبناء عليه يُراعي المعلّم الدخل اللغوي الذي يُعطى له في الدرس، وبشكل عام لا يُفضّل أن يكون كثيرًا، بل كافٍ لوقت الدّرس، وكافٍ لمدى تركيز الطفل واستيعابه.
• إتاحة الفرصة للطالب أن يستعمل اللغة ويتحدث بها ويوظفها خلال الدرس، فغالبًا ما يكون هؤلاء الأطفال، في بيئات ليست عربية، وفرصة استعمالهم للغة في بيئاتهم الحقيقة أقل بكثير من غيرهم. فاترك له وقتًا ليُنتج هو مرّةً ومرّات أخرى، ولا تكتفِ معه بما أعطيته من مدخلات. ومن المُحبّذ أيضًا إعطاؤه مساحة للمحاولة والخطأ والتعلم، فهكذا ستضع لبنة نجاحه في بناء لغُته.
• انتقاء السؤال جيدًا قبل سؤاله للطفل، وتحديد المعلم للمطلوب من هذا السؤال وما سيترتّب عليه، حتى يستطيع استغلال وقت الدرس. هذا بخلاف تحديد المهام اللغوية قبل الدرس.
• إذا كان المجال مُتاحًا للاستعانة بذَوي الطفل خلال الدرس، و كانت لهم معرفة باللغة العربية، فالاستفادة منهم ستخدِمُ المعلم في درسه، ويجب أن تكون تلك الاستفادة مُقنّنةً بتوجيه جيّد من المعلم، كأن يكون هذا في درس المحادثة لتشجيع الطالب وكسر خوفه وقلقه من ترقّب المعلم له، أو أن يكون هذا في حال عدم انتباه الطالب وتركيزه، فيُستعان بوجود أحد ذَوي الطفل. ويصلُح هذا الأمر في دروس تعليم الأطفال بشكل منفرد، فيما يُسمّى بـ One To One Class، أي درسٌ خاصّ لطالبٍ واحد لا أكثر. ولكن في حالات أخرى مثل حالة فصول افتراضية يدرس فيها بعض الأطفال جماعة، كأن يكونوا إخوة أو أقارب أو غير ذلك. في هذه الحال يجب الاستفادة من التعليم الجماعي واستعمال استراتيجياته كالتعلم بالمحاكاة والتكرار والتعلّم بالأقران، وعدم التركيز على تعليم الطالب منفردًا بعيدًا عمّن معه من الطلاب، بل استثمار وجود غيره من الطلاب معه.
• استخدام استراتيجيات تدريسية مختلفة والتنويع فيها، مثل (التكرار، والتلعيب، والاستنطاق، والسؤال والجواب، ولعب الأدوار)، كله بحسب ما يخدم الدرس، وتوظيف التكنولوجيا توظيفًا ذكيًا لنجاح هذا الأمر. فمعرفة استراتيجيات التعليم عن بُعد تُوسّع الآفاق في تعامل المعلّم مع طلابه عبر الشبكة، وتوفّر له فرصة تنظيم درسه، والتحكّم الجيّد في إدارته.
• استيفاء الجهد في استثارة دافعية الطفل، وجذب اهتمامه وتحبيبه في الدرس بشتى الطرق والأشكال. فبقدر ما يكون الدرس ممتعًا، يكونُ إقباله عليه واستفادته منه كبيرة، وأوّل من سيجد ثمرةَ هذا هو مُعلّمه.
• التعامل مع أخطاء الطفل، يكون بتحفيزه لأداءِ الأفضل دومًا، وعدم مباشرته بكلمة (خطأ) أو ( أخطأت)، لما لها من تأثير سلبي على نفس الطفل، فعبارات مثل: (تستطيع أن تكون جيدًا أكثر، أو أن تقول ذلك بشكل أفضل، فكّر معي… يمكنك القيام بهذا)، كلهّا لها مردود كبير على تعلقه بالدرس، وتطوّر إنتاجه اللغوي شيئًا فشيئًا.
• تشجيع الطفل بالحوافز المعنوية والمادية، هو مربض الفرس الذي يجب أن يعتني به المعلم، ويمكن ذلك بالاتفاق مع الأهل على شراء هدية للطفل عند تجميع عدد معين من النقاط، وتحقيق ذلك يكون بالتطبيقات الإلكترونية المختلفة مثل ClassDojo و برنامج Teacher kit، وليس صعبًا أن يبحث المعلم على الإنترنت عن مثل هذه البرامج ليستخدمها مع طلّابه من الأطفال.
• المشاركة أهمّ من إعطاء الأوامر، فكم يفرح أولئك الأطفال إذا وجدوا معلّمهم يشاركهم التعلّم، ويخاطبهم بلغة تشاركية محبّبة ومقرّبة لنفوسهم، كأنّما يكون في لعبة معهم وليس في درس ليطبّقوا أوامر المعلم برغبة أو بدونها، بدافعية وإقبالٍ عليه، أم بغيرهما من الملل وانتظار انتهاء وقت الدرس وخلاف ذلك.
ارجو ذكر المواقع الي تدرس اللغة العربيه للاطفال الغير ناطقين فيها
نموذج الفصول الإفتراضية … من خلال آلية( التعليم عن بعد) يتعارض تماما مع المتطلبات الأولية لتعليم اللغة لغير الناطقين بها…. إذ يقضي ذلك على التفاعل الحي(وجها لوجه) في تعليم اللغة… ما يحولها إلى ما يشبه معلبات لتعليم اللغة…. دليل ذلك أن تلك الآلية لم تؤتي نتائج دالة عند استخدامها مع الناطقين الأصليين للغة.
تحياتي
الحكم على الشيئ فرع عن تصوره
فمن مارس هذه النوعية من التعليم يدرك تمامًا إمكانية ذلك وكيفية تحقيقه.