إن اللغةَ العربيةَ، من أدقِ وأرسخ اللغات، وأكثرِها اتساعا واطِّرادا، تشتمل على خصائص حار فيها المتكلمون والمتخصصون والباحثون والمتبحرون في بحرها.
في هذه الورقة سنتعرض إلى ما تعانيه اللغة العربية من تقصير في حقها، رغم أن اللغةَ أمرٌ طبيعيٌ، فكل أمةٍ تلْهج بلسانِها كما كتب اللهُ لها من النطقِ بحرفٍ معينٍ؛ تختصُّ به عن غيرها من اللهجات واللغات ، إلا أن هناك لهجاتٍ قصُرت شعبيتُها حتى صارت في نطاق محدودٍ، إلى أن ذابت وتلاشت بتغلُّبِ لغةِ القرآنِ الكريمِ على الألسنةِ والفؤاد، فصار غيرُ العربي يحاولُ جاهدا أن يستنطقَ لسانَه بلغةِ القرآن الكريم كي يتعلمَ العلوم المتعلِّقة بأبجديةِ العرب، وما لها من تأثير عميقٍ وحي في توسُّعِ المدارك، واعتزاز الشخصية.
فكلما كان الناطق بلغة العرب يمتلك الفصاحةَ والبيانَ، كانت له الحُظوةُ في بحورِها وفنونِها وكانت له المكانةُ الرفيعة ُفي مجالِه العلمي الذي قلّما يرسخُ فيه كثيرون.
ألا ترى معي –أيا –أيها الناطقُ بلغةِ العرب أن لغتَنا لها بيانٌ خاصٌ يكفيها ويَجزِيها عن غيرها من لغاتِ الأعاجم التي تتوقفُ فيها حدودُ تعبيراتِهم، حتى أن الكلماتِ تدور وتُستَهلَك وتتكررُ- دونما- رحمةٍ ولا شفقة، بينما اللسان المتفتّق بلغة العرب تراه متشبَعا باللفظ المنسوج بالخيال، يُسربَل ذلك الخيالُ بمنطوقات تعجِز عنها الألسنةُ، ويُضْفي عليها مفرداتٍ تزيد من جمالِ وأناقةِ ذلك الخيال.
إن الخيالَ الذي يَسْكُنُنا ونعيشُه إذا وظِّف بلغةِ المفرداتِ القويةِ؛ فحتما سيتحول إلى صورٍ بيانيةٍ تُذْهِل القارئَ والمتحدثَ والمشاهدَ أمام هيلمان تلك اللغة التي كلما أخذنا من بحرِها ما نقَص إلا كما تأخذ الإبرة من البحر قطرة.
وفي ذلك جاشت قريحتي بحبها فقلت:
هي البحرُ، في أحشائِه يسكنُ الهوى
هوى لغةٍ، للضادِ تنتصرُ
سليلةُ منبتٍ بالقلب ساكنةٌ
فيها المحاسنُ، والأصدافُ، والصورُ
يا حبذا البديعُ، والبيانُ بدا
ربيعا يسلُبُ اللبَّ والأنظارُ تزدهرُ
فما من قارئ يقرأ بلغة البيان كتب الأوائل وخلافاتهم في المناظرات واختلافاتهم العلمية، حتى يزداد من ذلك العباب: ألفاظا ومفردات، ومعان وأضرب خيال مسبوكة برقيق اللفظ وعذبه، ينهل ولا يرتوي ويزداد ويطلب المزيد.
فأينما التفت أيقنت أن لغتَنا العربيةَ متسعةٌ حتى تحتويَ الترجماتِ المحوَّلة بالعربية: ألفاظا عجَز الأجانبُ عن توظيفِها لتعبيرِهم بالحالة التي أرادوها فكان بحرُ العربيةِ أوفى وأجزلَ في العطاء. وإنك حين تقفُ على ترجمةٍ تقرأُها، ستجدُ كيف ترصّعت العباراتُ والمفرداتُ حتى أغدقت على الجملة الأجنبيةِ بمزيدٍ من العطاءِ اللامتناهي، رغم أن المعجمةَ الأعجمية قد تكون محصورة في وجه واحد لا تتعداه، لكن الترجمة العربية َ تبحرُ بها وتفوقُ حدودَ شطآنها، وتنتقِلُ كما تنتقل الفُلكُ من ميناء إلى ميناء ومن ضِفة إلى أخرى.
ونحن إذ نُطري على لغتنا لغة البيان والفصاحة، ليس لأننا نتعصب أو تأخذُنا العزةٌ أننا نتحدث لسانَها، وإن كان ذاك فليكن وهي من تستحق كل ذلك التبجيل لأجل عطائها، ولكن من حقائق الأمور لمن جرب، وعاش وأبحر فإنه سيتحدث بما وجد وذاق،
فهي لغة الذوق، والمحبة، والاشتياق، والمشاعر التي في مدلولاتها لا تقتصر على كلمة أو كلمتين أو جملةٍ أو جملتين أو صفة أو صفتين، أو معنى أو معنيين، بل تطّرد متسعة حتى تضْفي على الكلمة الواحدةِ آلاف المعاني.
ولقد أحببت قول أحدِ الأساتذة حينما سئل عن معنى ما في لغتنا، فأجاب بعكس ما كان يظن الحضور، فكان الانتقاد والامتعاض، فبادرهم بقوله: ما أراكم إلا تحجرون واسعا، إن اللغة العربية غير قاصرة، فهي تسعى لتفتح على الجملة العربية أبوابا واسعة من المعاني والمدلولات حتى وسعت الألفاظَ الدخيلة والمولدة، وأجازت بعض التعبيرات لقرب معناها أو اشتقاقها أو أصول سلالتها في مقاربتها للإيقاع أو قدم اللفظ حتى صار بين أيدي الأعاجم ونسيه العرب الأقحاح، فثم بين أيديهم يتداولونه، فعاد إلى سلطانه القديم وبهرجه العميم، ووجد ما وجد من وجوه تجيزه، رغم الغربة التي عاناها كمسافر غاب في بلاد بعيدة ليست له فيها طينة ولا ماء، ولا لسان أو وجه عربي أصيل، فعاد محمَّلا بألفاظ مكسرة،. وشكل غير مألوف في وطنه الأم، لكنه استرجع فرجع، واستعاد فعاد، واستوطن فوطِّن.
وإننا في هذه الورقة، إذ نشير لحالة اللفظ العربي من الاغتراب والتغريب، نذهب به إلى ما وراء حدود أوطاننا إلى بلدان عجمت ألسنتها، فننقل الحرف العربي، به نؤثر ولكننا نعود مسلوخين منه، نكسره ونجشِّمُه عناءَ مشقتنا، وثقلَ حِملِنا، وفقدَ أصالته.
نحن نتمنى أن نحافظ على اللفظ العربي من هجمة الاغتراب، التي تستبيح ساحة العربية، ونتكلم ليس بلغةٍ فيها هُجنة أو محاربة، بل صَدْعٌ من أجل حقوقٍ وجبَ أن يُثارَ نقعُها في ساحة الحريصين على رشاقةِ الحرف العربي وإطلالتِه البهيةِ، من كل تسويقٍ هجين في ساحات ليست له بأهلٍ، ومواطنَ ليست له بمسقطِ رأس. لكنه الشيوعُ والذيوعُ يحمِل ويُعطي، ويأخذ فيتكسرُ، غير أن القوةَ التي تتمتع بها عربيتُنا تَنفي عنها الدَّخَل، وتقطعُ القتادَ، وتتحملُ بقوةٍ، فيعودُ أوجُها، ويزداد رونقها،. وتتفاعل كما يتفاعل الجمال مع كافة الفنون، فيغيب فيها، يعطيها ويعطيها،. وسرعان ما يظلُ الجمالُ جمالا.
والآن، ومما تعانيه اللغةُ العربيةُ من تقصيرٍ وإهمال وإسفافٍ وتجنٍ: طريقةُ أدائِها في مدارسِنا -سواءً أكانت للمتخصصين في مجالِها وجنائنها وبحارِها، أم كانت لغير المتخصصين وهي أمُّهم ومنهجُهم ومنبتُ أرضِهم وألسنتُهم، فنرى ما نرى من أساليبَ تكاد تُبيدُ لفظها العربي، لولا حفاظُ كتابِ الله عليها واحتوائها بمفردات القرآن الكريم، لكانت الآن لهجةً ضائعةً بين كثيرٍ من اللهجاتِ المحليةِ التي تكسرت ولم تكن قلما يُعمل به أو يؤخذُ عنه بل لهجةُ تفاهمٍ وصوتٍ وخطابٍ وحسب.
إن ما عليه المدارسُ اليوم من استصعابِ منهجِ اللغةِ العربيةِ، لهوَ أكبرُ دليلٍ وإثباتٍ لا يحتاج إلى برهان: فما تعانيه حصصُ اللغةِ العربيةِ من تهاوُنٍ وتقصيرٍ حتى صار التلاميذُ يعزفون عنها وأغلبُ درجاتِهم متدنيةٌ وتحصيلٌهم ليس بالنسبة المرضِيَ عنها ولا تمثلُ طالبا عربيا يدرس علوم العربية،
ومن أسباب القصور:
1-إهمال مادة الإنشاء، والتعبير،. وتخصيص وقتٍ قصير لجعلِها مادةً عابرةً، يُزادُ عليها مجموعٌ درجاتٍ. وكأني بالمعلم يقول: هي تكميليةٌ لرفعِ بعض درجاتِ الموادّ الأخرى، وهذا الأمرُ غيرُ جائزٍ على الإطلاق، وهذا من الأخطاءِ التي يقع فيها المعلمون،. فليدركِ المعلمُ أن مادةَ الإنشاء ِوالتعبيرِ من الموادِّ اللازمةِ المهمةِ التي من خلالها يستطيع الطالبُ تذوقَ اللغةِ العربيةِ وتطبيقَها في صورةِ مفرداتٍ وجملٍ تعبيرية، سواءَ أكان ذلك التعبير شفويا أم إنشائيا تحريريا،. وهي التي من خلالها يستطيع المعلمُ فهم مستوى المنطوق اللغوي لدى تلاميذه حينما يوظِّفُ قواعد الإملاءِ والبلاغةِ والنحوِ في مطويةِ التلميذِ التي من خلالها يعبِّر بطلاقةٍ وحريةٍ -دونما- خوفٍ أو ارتباك،
كما أنه من -الملاحظ والمعاين- ويمكن أن يصل العددُ إلى رقمٍ في المئة؛ كثير من الطلابِ المتخرجين في المدارسِ والجامعاتِ يرهبُون قصةَ التعبيرِ أو الكتابةِ الإنشائيةِ، ويرون فيها تعجيزا لقدراتهم وإمكاناتِهم؛ حتى ترى المتخصصَ منهم في المجال اللغوي ربما يبحث عمن يكتب له طلبا يتقدم به لجهةٍ ما، يستعملُ فيه البيانَ والفصيحَ، لعدم مقدرته هو على ذلك واستصعابه لذلك السهل الممتنع،. الذي لو تم تعلمُه وتمكينُه حقَّ التمكين في الوعاء الزمني وعدمُ هضم أساسيات تلك المادة لما آل إليه حالُ وأحوال ُالطلاب الناطقين بلغة الضاد، وما نراه اليوم من ألسنة- حتى في المجال الإعلامي، تخرج عن جادة الإصابة اللغوية، بل تحرف اللفظ عن مواضعه، وتنأى به في مواطن التكسير واللحن والخطأ؛ حتى تصاب أذن السامع والمتابع بالاشمئزاز والنشاز، كما يقولون.
وما ذلك إلا بسبب عدم تقدير المهم من مواد اللغة العربية،. ووضعها بصورة متقنة في أذهان التلاميذ وتصوراتهم، حتى تكون مخرجاتُ العمليةِ التعليميةِ: متقنون لصوت اللفظ وصورته تعبيرا وإنشاء وكتابة ومقالة وقصة وشعرا ورواية ونقدا وأدبا، ارتجالا، وتحضيرا.
ما أحوجنا إلى جيل ينطق بثقة ويكتب بثقة، ويزداد معجمُه اللغوي بكل جميل ومفيد وجديد، هذه هي القوة التي ننشدها في مستويات الطلاب وعلى ألسنتهم، حينما يكتسبون مهارةَ العمل والتحدثَ والكتابةَ باللغة العربية.
فالعبءُ كبيرٌ على أساتذةِ اللغةِ العربيةِ: في المدارسِ والجامعاتِ، وفي كل مؤسساتِ العلمِ والدراسةِ والتحصيل.
2–طرق تدريس اللغة العربية، والأساليب المستعملة في عرض دروسها وفروعها ،.
فالناظرُ والباحثُ والمتأملُ والفاحصُ بعين الاهتمام والرعاية سيجد ما يطرأ من عوامل مسببِّةٍ –دونما- قصدٍ أو استهدافٍ لجعلِ مستوى الطالبِ في اللغة العربية غير ما نأمَلُه ونعمَلُ عليه وندعو له فيتضح:
أ-الملل وعدم الترغيب والتحبيب واستخدام أساليب التشويق في دروس اللغة، بل من المعلمين من يُدخل في أذهان التلاميذ أن مادة النحو مثلا صعبةٌ ومستعصية، ولن تُفهم بهذه البساطة، كذلك سمعنا من يحدث تلامذته عن أن الصرفَ بابٌ وعِرٌ وليس كل واحد منا يستطيع دراستَه،. فيصرف –هذا – المعلم من غير قصد منه قلوب تلاميذه عن المادة كجزءٍ وعن اللغة العربية ككل، فتراهم يرددون: النحوُ صعبٌ، الصرفُ صعبٌ،
تُرى من أين جاؤوا بهذه الأفكار، وكيف دخلت أدمغتهم واستوطنت نفوسهم، وقرت بها أعينهم، حتى باتوا يبررون لتدني المستوى بأن هذه المواد ليست سهلة وغيرَ مستحبةٍ ولا فائدةَ منها، فصار الطبيب يرى فيها مكمِّلا لا ضرورةَ لها، وصار المهندسُ يتركُها كمًّا مهمَلاً ولا يعبأ بفهمها والعملٍ عليها، وأصبح القدرُ الأكبرُ من أبنائِها من المتخصصين -وهم متخصصون في النحو حكما وحقيقة- مازالوا يرددون: “النحوُ صعبٌ مستصعبٌ، الصرفٌ بحرٌ مضطرِبٌ، وهكذا دواليك من أمثال هذه العبارات التعجيزية التي تزرع في النفس الإحباطَ قبل بلوغ الأمنية، ووصول المراد.
إذن العيبُ يكمُن في الخللِ التربوي التدريسي: أن تُدرِّسَ وفي نفس الوقت تستعمل أسلوبَ (هذه الطريق صعبةٌ ومن المستحيلِ شقُّها)، فكيف للتلميذ أن يستوعب أو يفهم أو يتكيف مع المادة كجزءٍ وكلٍّ،
ب- إهمال الطرق التشويقية والعروض الملونة لشروحات ِالنحو والصرف، فكل طرق تعليم هاتين المادتين جامدة ونظرية وارتجالية، غير مناسبة لتعليم الأجيال التي تتعامل مع الأشياء بطريقة الصور والأشكال والمحاكاة للكلمة بضروب من الرسوم والألوان، فهذا أمرٌ جللٌ أن يجلسَ معلمُ العربية ليلقيَ على التلاميذ مادةَ النحو سماعيا، دون الانخراط في توظيفها عمليا وتطبيقيا وتشريحيا، وهذا أيضا عيبٌ من عيوب تدريس مادتي النحو والصرف بهذه الطرق المّقيتة، عِلاوة على تجميد السبورة وتركها لطرح عنوان الدرس والتاريخ والاكتفاء بالجلوس والاعتكافِ والقراءة من الكتاب أو الاعتمادِ على طريقة المحاضرة دون اللجوءِ إلى الطرق المتنوِّعة والمستحدثة التي تفيد كثيرا في توظيفها لتعليم هذا الفن من اللغة العربية الذي عليه كبيرُ التعويل وكثيرُ الاهتمام.
ج-استبعاد جانب المهارات، فمادة النحو والصرف من المواد التي تُشغل فيها المهارات بطريقة تفوق الوصف، فمن الجميل أن يستنطق المعلم الماهر المهارات المدسوسة في نفوس تلاميذه، بتحويل القاعدة من قاعدة محصورة منطوقة محفوظة، إلى قاعدة مرنة بتحريك المهارة الفنية بصياغتها بطريقة تبدو فيها المهارةُ جلية واضحةً، ذاتَ تأثيرٍ بيّنٍ في نفوس التلاميذ، كأنْ ينسجَ المعلمُ من القاعدةٍ قوالبَ فنيةً، بتحويلها من الصعب إلى السهل ومن المعقد إلى الميسر، ومن الكلمات المشْبَعة الدسمة إلى قطعةٍ تحتوي على فكرةٍ تحتاج ُإلى تركيز واستخراج واستنباط، فمثلا معلمُ النحو في المرحلة الابتدائية، يستطيع باستخدام المهارة أن يجسدَ جملةً في قطعة بتلوينات معينة وبخطوط عريضة ويقصها ويجزئها ويفصلها كيفما أتاحت له الموهبةُ وجادت القريحة، أيضا- لا ننس- دورَ التظليلِ بالألوان ووضع القواعدِ في مربعات ودوائر وأشكال تمرينية يستوحي من خلالها التلميذ في مرحلة الأساس وكذلك حتى الثانوية أن القاعدة ليست قالبا جامدا محصورا في حدود مخصصة، بل هي قابلةٌ للتفتيت والاستنباط والتحويل بينما الأصل باق.
3-أما عن طريقة تدريس النصوص الأدبية، فإننا سنضيق ذرعا بالطرق المستعملة من أغلب المعلمين والمحاضرين في طريقة شرحهم للأبيات الشعرية وتهيئتها بالطريقة التي تناسب الكلمات الشعرية. فالنص الشعري جملة تختلف تماما عن أي معروض آخر: فالمعلم لكي يصل بتلاميذه مرحلة التشويق والتحبيب لهذه المادة، ما عليه إلا أن يعلم أن تدريس النصوص ليس من السهولة بمكان حتى يستعملها بطريقة روتينية نمطية لا تصل بالمتعلم إلى المرحلة المطلوبة أو الهدف المخطط له من الدرس. فأن تشرح النص الشعري يعني أنك ستستعمل قدرات ومهارات وأفكارا تصل بالمتلقي أمامك إلى حالة يكون مندمجا في تلك الدائرة المليئة بالكثير من المؤثرات النفسية والشعرية،
فالمعلم يغيب عنه أن النص الشعري تحريك وجداني و انفعالي و شعوري، وتنمية للذوق واستحثاث للتذوق، دون نسيان النبرة الصوتية و طريقة الإلقاء، وغياب الطريقة التي بها يحدو المعلم بالقصائد المطروحة.
إن النصَّ الأدبيَّ قطعة فنيةٌ فيها المرحُ والذوقُ والحبُّ والخيالُ والشعورُ والتعبيرُ وصدقُ الوجدان ِوالموسيقى.
كل هذه العناصرُ وأكثرُ، هي مجهولةٌ رغم أنها معروضةٌ في الكتاب، وكل ما يحتاجه المعلمُ هو أن يعمل عليها بفنية ومهارة وتذوقٍ حتى يصل بتلامذته مرحلة عشقهم للمادة وليس حفظهم للنص فقط ككلمات يلقيها دون استيعاب لمعانيها، و هو إذ يفعل ذلك إنما يشبه الأجنبي الذي يحفظ شيئا من لغة العرب يردده كيفما يأتي ولا يدرك صورته ولامعناه، وهذا فعلا ما يحدث مع طلاب العربية حينما يحفظون النصوص بلا ذوق و لا عمق فني و لا تحريك وجداني ولا فهم للمعاني الموجودة في قلب النص ومدى تأثيرها الخيالي،
فالمعلم لا يشتغل على تنمية وتعزيز الخيال رغم أهميته في الجانب الأدبي للتلميذ لتعزيز قدرة الكتابة الأدبية، ملكة القصة، الشعر، الومضات وغيرها. حتى كراسة الإنشاء حينما يكون المعلم مدركا لأهمية الخيال في النص وتوزيعه بطرق فنية تعليمية في خطوطٍ متوازيةٍ، فإنه سيجعل من تلميذه قادرا على التعبير الإنشائي دون هوادة أو تردد.
حينئذ ستتحول كراسة الإنشاء إلى كراسة الخواطر أو الومضات القصصية أو كراسة المقالات المتنوعة، كلا حسب موهبته وهوايته، وهذا ما يعمل عليه المعلم المدركُ بحق أهمية العربية وكيفية بثها وترسيخها في نفس الطالب وتقريب صورتها وتضمينها في نفوسهم دونما خوف أو وجل او تذبذب أو نفور.
إلى جانب ذلك، فإن التحليل الفني للقصيدة الشعرية أو المسرحية أو أي نص مقرر على التلاميذ، يستوجب أن يكون الشرح خلاله بطريقة القراءة النقدية المليئة بالومضات اللامعة البارقة، حيث يستجلب هوى الطالب لأن يفتت ذلك النص ويعرف الدلالات، والمدلولات، والأساليب، والخيال، والموسيقى الداخلية والخارجية، إلى أن يصل إلى عمق عاطفة الشاعر ويقف في وجهه ليقول هل هذا النص يحتوي على عاطفة صادقة او متكلفة، فأين بالله نحن من مثل هذه الطرق التي تنمي في نفوس طلابنا حب الإبداع في النصوص، وحب النقد الأدبي وإدراك أهميته، حتى نجد الطالب المهتم المحب للكلمة العربية من خلال العمل على مثل هذه النماذج النصية يستطعم فيها جمالية اللغة العربية وقيمتها التي لا تنتهي عند حد، بل تزداد وتزداد حتى يرتفع رونقها فيضفي جماله على من أخذ بزمامه ولم يفلته من بين عقلتيه.
4-ناهيك عن الإهمال الواضح في التركيز على تعليم طرق الإملاء والاكتتاب المتقن للخط العربي،. مما جعل أغلب الطلاب يتخرجون وفي نفوسهم قصور واضح عن تأدية الكتابة على وجهها الصحيح، فالإملاء ليست فقط قواعد تحفظ، كقواعد الهمزات، والتاءات وغيرها، وإنما هي تطبيق فعلي من المعلم قبل الطالب.
ومن الأمثلة على ذلك، ذلك التضارب الذي يحدث من المعلم حينما يشرح قاعدة إملائية، ثم تراه يكتب جملا وأمثلة في فرع آخر من فروع اللغة العربية دون أن يطبق القاعدة،. فهنا شيء وهناك أشياء أخرى.
ونحن إذ لا نريد أن نطيل في هذه الورقة التي ارتأينا أن نضع من خلالها بعض اللمسات المعالجة، التي تحدد معالم القصور في كيفية تعليم اللغة العربية داخل مؤسساتنا التعليمية، فإن للإملاء وجوها متنوعة لتعليمها وتدريسها، لا يأتي فيها الاعتماد على طريقة واحدة تقليدية، نمطية كالعادة التي دأبنا عليها فقط حتى نتمكن من الانسلاخ من المنهج، ونمرق منه كما يمرق السهم من الرمية، وهذا لعمرك من بوائق الأمور التي لا نستحسنها في توظيف الطرق الصحيحة السديدة لتعليم إملاء واضحة بعيدة عن الغموض، والحفظ والترديد دون التطبيق الصحيح، والحب للحرف العربي ووجهه المناط به.
إضافة إلى طريقة التصحيح التي يقوم بها المعلم سواء أكان ذلك في مادة الإملاء نفسها أم في باقي المواد، فإنه لا يهتم كثيرا بالتعديل المطلوب ولا معالجته، فينشأ التلميذ على إهمال الخطأ والعمل به والبقاء في ذاكرته حتى تمتد به السنين.
و مما سبق، فإننا نحثُّ على استعمال الأساليب المطورة، وتوظيف كل طريقة فعلية لها من الفوائد مالها في تحبيب وترغيب مادة اللغة العربية، وتبسيطها للتلاميذ والمتعلمين. والابتعاد بقدر الإمكان عن كل ما يستغلق على التلاميذ والمتعلمين، وعدم ترسيخ فكرة الصعب الممتنع، بل إن اللغة العربية مليئة بالجواهر والدرر والمستظرف والنوادر والقصص الرائعة،. التي تنمي الذوق، ورهافة الحس، وجعل الأذن موسيقية تستلذ للحن والوقع الجميل، وتتوطن فيها الكلمات الراقية والشعرية التي تهيئ النفس للاستقراء والتعلم، وتزود المتعلم بقاموس فاخر باذخ لا يُخشى عليه بعد إذ ذاك ضعفا ولا زعزعة، بل قوة بيان، وحجة داحضة، وعلم في بحار اللغة يمتد ويمتد حتى يطأ الأراضين ويستطال حتى يبلغ عَنان المرتفعين.
مقال رائع بارك الله فيك
كلام جميل
موضوع جميل،شكرا على الافادة
شكرا أستاذ على المعلومات القيمة
شكرا لكم ..ولمتابعتكم
دمتم بخير
كعادتك متألقة وشمس ثقافي وتربوي ساطع في مدينتي .. حفظك الله
شكرا لك