يحتل المجال التربوي والمدرسةُ كمنظومةٍ اجتماعيةٍ ومؤسسةٍ تربويةٍ، جزءاً واسعاً في عملية النمو والتطور التي تركت إرثها التكنولوجي في المجتمعات المعاصرة، مما جعل الحكومات والمجتمعات المحلية تركنُ إليها كاستثمار بشريٍ وتنمية وطنية مستقبلية واعدة، وهو ما دفعَ العديد من الكوادرِ التعليميةِ الفاعلة داخلها إلى التوجهِ إلى إعادةِ النظرَ في مفهومِ الشراكةِ المجتمعيةِ وتفعيله بصورةٍ أكثر شمولية ولها اشراقة لمستقبل يواكب التقدم المتواصل السريع كونها عجلة تحمل على عاتقها دور لا يقل أهمية عن أي دور في نمو الأجيال القادمة.
فالشراكةُ المجتمعيةُ تتمحور مهامها وأدوارها الحيوية داخل المجتمع، ولكن مع تعقدِ الحياة ِالإنسانيةِ والتغيراتِ الثقافيةِ والاجتماعيةِ والتحدياتِ المعاصرة، من ثورةٍ علميةٍ وتقدمٍ تكنولوجيٍ، تشكلت هوة عميقة بين البيئة المدرسية والمجتمع المحلي، مما شكل ضغوطاً تربوية تعليمية على المدرسةِ وعناصرها كإحدى المؤسساتِ التعليمية.
تلك الضغوطات لا بد ان تؤثر على المجتمع ومشكلاته، وتتأثرُ بالأحداثِ والتغيراتِ المعاصرةِ في شتى مجالاتِ الحياةِ، وبالتالي أصبحت المدرسةُ في خضمِ هذه الأحداث بحاجةٍ إلى إصلاحٍ مستمرٍ لتواكبَ التغيرات، وتؤدي الدورَ المناطَ بها.
كل تلك الأسباب وغيرها شكلت أزمة المعلمِ التربويةِ في معرفةِ كيفيةِ ربط مؤسساته المجتمعيةِ المختلفة الرسميةِ وغير الرسميةِ بالمتغيراتِ المعاصرةِ التي طرأت على المجتمع، مما انعكسَ سلباً على دورِ المعلمِ، وزعزع مكانته في سير التطورِ التنموي الشامل. ومن أمثلة ذلك عزوفُ أولياءُ الأمورِ ومجالس الآباء عن المشاركةِ الفاعلةِ، وضعفُ كثير من مؤسساتِ المجتمع المدني وتنظيماتهِ في تأديةِ دورها الذي أصبح نمطاً تقليدياً لا يمثلُ أي عنصر قوةٍ ضاغطةً لتفعيلِ المؤسساتِ التربويةِ، وهو أمرٌ يعابُ على دورِ المعلمِ في تفعيلِ الشراكةِ المجتمعيةِ بصورتها الصحيحةِ. (الشرعي,2007م:7)
لا نستطيع أن نلغي دور المعلم داخل المؤسسات التربوية بمختلف هيئاتها المجتمعية وأدوارها المختلفة، فدور المعلم يتداخلُ ويتأثرُ في قنواتها ومسمياتها، ويلعب دورا كعامل مهم في تشكيل شخصيةِ أبنائنا، من خلالِ المشاركةِ المجتمعيةِ التي لا بد أن تكون أساسية للمحافظة على الهويةِ الثقافيةِ للمجتمع.
ومن هنا سعت كثيرٌ من المنظماتِ والهيئاتِ لإيجاد الحلولِ للمؤسساتِ التربويةِ لضمان ممارستها لدورها الحقيقي إزاء المجتمع، ولعلَّ ما جاءَ به تقريرُ اللجنة الدولية للتربيةِ للقرنِ الحادي والعشرين تحت عنوانٍ” القيمُ الثقافيةُ العامة” أكبر مثال والتي علينا تنميتها ورعايتها لتحقيق أخلاقاً عالميةً، وهو يعتبرُ أولى خطوات إظهارِ دور المعلمِ في تفعيلِ الشراكةِ المجتمعيةِ مع المؤسسةِ التعليمية ِبصورةٍ حقيقيةٍ. (العلي، 2002م: 71)
ومن أشكالِ تفعيل دور المعلمِ في الشراكةِ المجتمعيةِ العمل التطوعي، فهو يعمل على تفعيلِ الطاقاتِ الكامنةِ لدى الأفرادِ وتوظيفها في خدمةِ المجتمع، فالعملُ التطوعي ممارسةً إنسانيةً ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بكل معاني الخير والعمل الصالح عند كل المجموعاتِ البشريةِ منذ الأزلِ ولكن يختلفُ في حجمهِ وشكلهِ واتجاهاتهِ ودوافعهِ من مجتمعٍ إلى آخر، ومن فترةٍ زمنيةٍ إلى أخرى، فمن حيث الحجمِ يقل في فتراتِ الاستقرارِ والهدوءِ، ويزيدُ في أوقاتِ الكوارثِ والنكباتِ والحروبِ. ومن حيث الشكلِ، فقد يكونُ جهداً يدوياً وعقلياً ومهنياً أو تبرعاً بالمالِ أو غيرَ ذلكَ، ومن حيث الاتجاه، فقد يكون تلقائياً أو موجهاً من قبلِ الدولةِ في أنشطةٍ اجتماعيةٍ أو تعليميةٍ أو تنمويةٍ، ومن حيث دوافعهِ فقد تكونُ دوافعُ نفسية أو اجتماعيةٍ أو سياسيةٍ. ( عرابي،2001م).
يظهر دور المعلمِ جلياً في المجتمع من خلال ما يعرف بمجالسِ الآباءِ (أولياء الأمور)، وهي إحدى المؤسساتِ المجتمعيةِ التي تسهمُ مساهمةً فاعلةً في تفعيلِ دورَ المدرسةِ والمعلمِ على وجه الخصوص، كونها منبثقة من أولياءَ الأمورِ بالمدرسةِ، والقائمينَ على التعليمِ من المعلمينَ والهيئة الإدارية والتعليمية.، حيثُ أكدت الدراساتُ والأبحاثُ أن المدرسةَ وسيلةٌ أساسيةٌ لنمو المجتمعات، وتطوير تراثها وثقافتها الحضارية، ومواكبتها للمعطياتِ المعاصرةِ من تقدمٍ علميٍ وتكنولوجيٍ وثورةٍ معرفيةٍ. وعليه فإن المدرسةُ بحاجةٍ إلى رعايةٍ كاملةٍ من المؤسساتِ المجتمعيةِ الأخرى للنهوضِ بها ودفعها إلى الأمام، والعمل على المشاركة المجتمعية المستمرة لتحسين منهجية أدائها ودورها، وليتسنىُ لها تحقيقَ رسالتها، وتتمكن من مواجهة التحدياتِ الخارجيةِ والداخليةِ، المعوقة لأدائها ودورها الحقيقي.
كما أظهرت العديدَ من الدراساتِ أن العلاقةِ بينِ أولياءَ الأمورِ مازالت محدودةً لعدةِ عواملٍ، منها غيابُ الوعيُ الكافي بأهميةِ الدور الذي تقومُ به مجالس الآباءِ وعزوفهم عن المشاركةِ الفاعلةِ. (الحارثي,2003م:17)
وعليه فإن المشاركةَ المجتمعيةَ تبرز بعدةِ أساليبٍ وصور، وبما يتوافقُ ويتكيفُ مع الأوضاعِ الاجتماعيةِ والثقافيةِ والاقتصاديةِ والسياسيةِ للمجتمع؛ ولكي نحصل على الشراكة المنشودةَ، لا بد أن يكونَ هناكَ تفاعلٌ وترابط إيجابيٌ بين دور المدرسةِ وحاجات المجتمعِ المدنيِ بمختلف مؤسساته، وأول عنصر فعال في عملية التفاعل هو المعلمِ، وما يضعف دور المعلم، هو سوء الاتصالٍ والتواصل بينه وبين المجتمع، مما يعكس تفاعله أو ضعفه على مسار العمل التربوي والتعليمي.
لا ننكر أن المجتمعاتُ المحليةُ تتعددُ المجالاتُ الخدماتية التي تقدمها للمدرسةِ وتختلف باختلافِ حاجاتِ المجتمعِ ومطالبه المستمرةِ، كما تتعددُ الجماعاتُ والهيئاتُ والمؤسساتُ التي تقدمُ خدماتَها التفاعليةِ والشراكةِ بصورها المتعددة. ولكن تفاقم المشكلات المجتمعية وتعدد أنواعها يؤكد ضرورة وجود شراكة متينة بين دور المعلم والمجتمع حتى يسيرا جنبا إلى جنب أمام التقدم التكنولوجي السريع، ويتمكن المعلم من حمل أعباء التطور السريع مع الأسرة وأبنائها الذين يسيرون معه جنباً إلى جنب لرقي المجتمعات.
المراجع:
- العلي، أحمد: العولمة والتربية، دار الكتاب الحديث، القاهرة، مصر،2002م.
- الحارثي، إبراهيم: نحو إصلاح المدرسة في القرن الحادي والعشرين، مكتبة الشقري ،الرياض،2003م.
- الشرعي، بلقيس: دور المشاركة المجتمعية في الإصلاح المدرسي” دراسة تحليلية” مؤتمر الإصلاح المدرسي تحديات وطموحات، جامعة الإمارات العربية المتحدة, 2007م.
- عرابي، بلال: دور العمل التطوعي في تنمية المجتمع، مجلة النبأ,ع63, 2001م.
مقاله فعاله ومفيده جدا ومثمر