إذا كان للتربية أدواتها لإحداث تغييرات جذرية في المجتمعات وصولاً لأفضل المخرجات التي تحقق أهداف أفراده، وبالتالي أهداف المجتمع كاملاً، فإن المناهج التعليمية -والتي تمثل نظاماً فرعياً من نظم التربية- تعتبر أحد أهم هذه الأدوات، لذلك يجب أن ينعكس عليها كل ما يصيب التربية من تغيرات لتقوم بالدور المنوط بها في الربط بين المتعلمين والحياة بكل مستجداتها وتعقيداتها.
وبما أن العصر الحالي يزخر بالعديد من المتغيرات المعرفية والتكنولوجية ذات إيقاع سريع الوتيرة، والتي لها انعكاساتها على الحياة الشخصية والمجتمعية والسياسية والفنية وكل الجوانب التي تكون مظاهر الحياة البشرية، فإن على المناهج التعليمية أن تتسم بسمات معينة تتفق ومتطلبات العيش في هذا العصر وأن تحدد معالم الطريق الى التعلم الذي يمكن الفرد من اكتساب صفات مواطن القرن الحادي والعشرين، مثل المنافسة والقدرة على الابتكار وعلى الاختيار والمرونة وغيرها من الصفات التي يرى التربويون أنها يجب أن تكون من أهم مخرجات التعليم، ومن ثم كان لابد من تحديد هذه السمات ليقوم المنهج التعليمي بدوره في دعم المجتمع للتعامل والاستفادة من معطيات التطور الرقمي والتكنولوجي.
وحتى تتضح هذه السمات لابد من الوقوف عند بعض المعلومات النظرية المكملة للموضوع، لذلك سيتم تناول الموضوع من خلال المحاور الآتية:
- المنهج ( مفهومه – عناصره – أهميته )
- سمات علم التربية في العصر الحالي.
- سمات المناهج التعليمية المطلوب توفرها في مناهج العصر الحالي.
1- ما هو مفهوم المنهج التعليمي وما هي عناصره وما أهميته؟
أولا: مفهوم المنهج
الوقوف عند المفهوم الاصطلاحي للمنهج يأتي لاعتبارين هما:
أولا لما للمفاهيم من أهمية في وضع إطار عام يحدد المعالم الأساسية للمدلول المرتبط بالمفهوم.
ثانيا لأن هناك مرادفات كثيرة لمصطلح المنهج المدرسي وأحدها استخدامه بمعنى المقرر المدرسي ( كتاب المادة ).
و فيما يلي بعض التعريفات الاصطلاحية للمنهج:
- المنهج هو مجموع الخبرات التربوية والثقافية والاجتماعية والرياضية والدينية والبيئية والفنية التي تهيئها المؤسسة التربوية لتلاميذها وطلابها داخل المؤسسة أو خارجها بهدف تحقيق نموهم الشامل وتعديل سلوكهم.
- المنهج هو وعاء شامل ومناسب يستجيب لكل من سرعة المعرفة المتزايدة، وأهداف المجتمع المتزايدة والمتجددة، مع مراعاة عدم الإخلال بهدفه طويل المدى والمتمثل في نقل الثقافة والقيم.
- المنهج هو كافة النشاطات الصفية واللاصفية التي تهدف إلى إكساب الطالب الخبرات التربوية وتحقق الأهداف المنشودة.
- المنهج هو المحتوى وطرق التدريس والأنشطة الصفية واللاصفية والوسائل التعليمية وطرق التدريس وطرق التقويم المناسبة والمواكبة للتغيرات والمستجدات الآنية والمستقبلية للمجتمع، والتي مُخرجها فرد متوائم مع متطلبات عصره محققاً لأهدافه الشخصية وأهداف مجتمعه.
وقصدنا من إيراد أكثر من تعريف، الاسترشاد بها في تحديد عناصر المنهج ومن ثم أهميته وصولاً للهدف الرئيس من المقال، وهو تحديد سمات مناهج العصر الحالي كما يمكن ملاحظة التطور الذي لحق بمفهوم المنهج.
ثانيا: عناصر المنهج
الشكل الآتي يوضح عناصر المنهج التعليمي التي اتفقت عليها معظم الدراسات والآراء التربوية حديثاً.
ثالثا: أهمية المناهج التعليمية
يمكن تلخيص أهمية المناهج في الآتي:
- يكتسب المنهج أهميته من أهمية العملية التعليمية، فالمنهج أحد عناصرها المترابطة والمتبادلة العلاقة مع العنصرين الآخرين وهما المعلم والمتعلم.
- هي وسيلة التطور والبقاء للأمم فهي محكومة بالفلسفات الاجتماعية ومظاهر الحياة وبالتراث الثقافي الذي خلفته الأجيال السابقة وبالنظم الاقتصادية التي تسودها.
- تعمل على تنمية الفرد في إطار قدراته واستعداداته وميوله وتقوية ما لديه من طاقات خلاقة وتوجيه هذا كله لصالح الجماعة في جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مستندة الى فلسفة وأهداف مشتقة من فلسفة وأهداف المجتمع.
- يعمل على غرس المواطنة الصالحة في نفوس الأفراد من وجهة النظر الخاصة بالمجتمع، في أفق تأهيلهم لتطويره والقيام بخدماته الاجتماعية ووظائفه الحيوية.
وخلاصة القول في هذا الصدد أن المناهج التعليمية تعد من أقوى الأدوات في تحقيق آمال الشعوب وتطلعاتها، وما من أمة سعت الى التقدم والتطور والنماء والسبق في أي مجال من المجالات إلا وعكفت على مراجعة وتطوير مناهجها (مثال: تجربة الولايات المتحدة في مراجعة وتطوير مناهج العلوم والرياضيات سعيا لمنافسة روسيا في ارتياد الفضاء).
2- السمات النظرية للتربية في العصر الحالي
عموما يمكن إجمال أسباب التغيرات في العصر الحالي في العاملين الآتيين:
- الثورة المعرفية الهائلة والمتسارعة (الانفجار المعرفي).
- التقدم التقني (الثورة التقنية والتي هي نتاج عدة ثورات تقنية متتالية).
وقد تأثر علم التربية كغيره من العلوم بهذه المتغيرات. وبما أن النشاط التربوي نشاط معياري مستقبلي ينطلق من معايير تحدد نوع الغايات والأهداف المنشود بلوغها في الأفراد، فعليه وحتى يؤدي دوره بفعالية أن يعمل على مواجهة التحديات الآتية:
- وجود صراع محلي وقومي وعالمي من أجل البقاء وانتقال هذا الصراع إلى المؤسسات التربوية مؤثرا على الأداء فيها وعلى دورها في الحفاظ على الهوية الثقافية.
- ظهور مهام جديدة للمدرسة فرضتها التغيرات والتحولات الآنية والمتوقعة مستقبلا، منها على الخصوص إعداد المتعلم للمنافسة العالمية وإكسابه عددا من المهارات، مثل القدرة على المنافسة وعلى الاختيار والقدرة على استشراف التغير والاستعداد له.
- التطور المذهل في مجال صناعة الحواسيب ووسائط الاتصال والتواصل و التي أثرت في طبيعة وأدوات التربية خاصة فيما يتعلق بأساليب التعلم عن بعد الذي سيفرض نفسه وسيزداد الطلب عليه.
- ظهور مجالات جديدة مرتبطة بحياة الإنسان، مثل المحافظة على البيئة وحمايتها ومكافحة العنف والمخدرات والسلام والتعاون الدولي وكثير من العلوم المتعلقة بصحة الإنسان ومعالجة الأمراض، مما يستوجب أخذها بعين الاعتبار في الممارسات التدريسية و دراسة كيفية تضمينها في المناهج المدرسية.
- تضاعف حجم المعرفة في كل المجالات، ما يستوجب امتلاك مهارة التعلم الذاتي إذ يشهد كل يوم ظهور معلومات واكتشافات في كل التخصصات بطريقة فرضت على المتخصصين في مختلف المجالات مد جسور المعرفة النوعية للحصول على المعارف المتجددة أو المكملة التي تؤهلهم للقيام بمهامهم وفق متطلبات العصر وتقنياته.
- أدى الانفتاح الإعلامي والتواصل الثقافي عبر القنوات الفضائية ووسائط الاتصال المتعددة (فيسبوك – واتساب – تويتر – انستقرام ….) إلى تطور المجتمع وخصائصه مما استوجب على التربية أن تركز على وظيفتها الأساسية في الحفاظ على الجيد من تراث الأجيال.
3- سمات مناهج التعليم في العصر الحالي ( كيف يقابل المنهج هذه التغيرات؟)
على مناهج التعليم وحتى يكون مُخرجها التعليمي قادراً على الاستفادة من إيجابيات الثورة المعرفية والتقنية ومؤثرا فاعلاً في استنباط أشكال جديدة منها تلائم بيئته ومجتمعه و تعمل على تنمية قدرات ومهارات واتجاهات المتعلم على:
- إثارة التفكير العلمي والتفكير الإبداعي والتساؤل النقدي وغيرها من أنواع التفكير مع تهيئة الظروف المناسبة من خلال المحتوى والأنشطة الصفية واللاصفية وطرق واستراتيجيات التدريس لاكتساب مهارات حل المشكلات اليومية والعلمية.
- ترسيخ حب الاستطلاع والتعلم بالاكتشاف وتنمية أسس التعلم الذاتي واستنباط المعارف والقدرة على التخطيط والتقييم.
- التعامل بوعي مع آليات وتقنيات الثورة الرقمية، من خلال تدريب المتعلمين داخل المدرسة على أساليب وتقنيات تكنولوجية ومن خلال توظيف الأدوات المتاحة لديهم كأدوات ووسائط ووسائل تعلم.
- التعبير عن ذاته بطريقة صحيحة في مجالات إبداعية ومعرفية وثقافية مساهما في إثراء المعارف الإنسانية، وذلك من خلال اهتمام المنهج بالجوانب الإنسانية والوجدانية والعاطفية.
- الاتصال بالعالم الخارجي وفق نظرة موضوعية أساسها التعامل مع الآخر، والقدرة على العمل في فريق لحل المشاكل على المستوى المحلي و المستوى العالمي.
- المحافظة على الهوية الدينية والثقافية كإطار يوجه أفعاله وطموحاته الشخصية والعامة وكأساس لاختياراته العلمية والتقنية من خلال المحتوى والأنشطة الصفية واللاصفية.
- تدعيم وعي المتعلمين وقدرتهم على المبادرات الذاتية والتهيؤ للمشاركات والمنافسة الفردية والجماعية عالميا ومحليا.
- اكتساب مفاهيم ومضامين المستجدات من القضايا العالمية والمستحدثات العلمية، مما يمكنهم من فهم عالم اليوم.
- الإبداع والابتكار في حل المشكلات التي تواجه مجتمعه وذلك من خلال اقتران الجانب العملي بالجانب النظري والتأكيد على المهارات التي تمكنه من مزاولة أعمال يتطلبها سوق العمل.
خلاصة
كما سبق، فإن أهمية المناهج التعليمية تأتي من دورها في إعداد الفرد وفق مواصفات مناسبة للمجتمع وللعصر الذي يعيش فيه، وهذه السمات التي تمثل معايير لما ينبغي أن تكون عليه مناهج اليوم، على ضوئها يمكن مراجعة وتقويم مناهجنا التعليمية لمعرفة مدى مناسبتها لمتعلم اليوم.
المراجع
- ابراهيم، مجدى عزيز، 2001 ، رؤية لمواكبة المناهج لمتطلبات عصر المعرفة والتكنولوجيا ، المؤتمر العلمي الثالث عشر للجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس .
- الحارثي، ابراهيم بن احمد، 2009 ، انواع التفكير ،القاهرة ، الروابط العالمية للنشر والتوزيع .
- السنبل ، عبد العزيز بن عبد الله ، 2002 ، التربية في الوطن العربي على مشارف القرن الحادي والعشرين ،الطبعة الاولى ،الاسكندرية المكتب الجامعي الحديث .
- الكثيري، راشد بن حمد، النذير، محمد بن عبد الله ، 2000 ، التفكير ماهيته – انواعه –اهميته ، المؤتمر العلمي الثاني عشر للجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس .
- دروزة، افنان نظير، النظرية في التدريس وترجمتها عمليا ،2000 ، عمان ، دار الشروق .
- سعد ، ابراهيم ، 1990 ، تعليم الامة العربية في القرن الحادي والعشرين ( الواقع التحديات والمستقبلات) ، عمان، منتدى الفكر العربي
- عبد المنعم ، نادية ، ابراهيم ، خالد قدري ، 1999 ، الدراسات البينية مدخل لتطوير مناهج التعليم المصري في ضوء العولمة ، المؤتمر السنوي الحادي عشر الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس .
- http://www.minia.edu.eg/sites/FinalSite/AdultCh_2.htm
- http://kenanaonline.com/users/elfaramawy/posts/156360
شكرا للدكتوره اخلاص عبد الحي علي الاضافه الرائعه في مجال المناهج
جزاك الله خيرا
مقال غني بالمعلومات
ا.كمال
مناهل
شكرا
مقال رائع و قيم جدا فيما احتوى من أفكار جوهرية لتطوير المناهج
بورك قلمك د. إخلاص
اثريت المحتوى التربوي بهذا الاختيار المميز.
تقبلي تحياتي ودمت بخير
شكرااروى
مقال المدرس والتدوين كان
السبب قى العودة الى عمل احبه
وهو البحث والكتابة
لذلك كتبت
اهداء الى اروى
تحياتى لك
والى كل فريق تعليم جديد
عرض موجز ومفيد للمناهج الدراسيّة وأهميّتها
في إحداث نقلة نوعيّة لدى المتعلّمين والمجتمع،
خاصّة في عصرنا، عصر انفجار المعرفة وتراكمها
وتقادمها، الأمر الذي يستوجب إكساب المتعلّمين
مهارات التفكير والنقد والإبداع والتعلّم الذاتيّ.
وطبعًا، يجب مراعاة النموّ والنضج والميول والقدرات
والتباين لدى المتعلّمين،ويحبّذ إشراكهم في عمليّة
إعداد المناهج قدر المستطاع.
مودّتي وتحيّاتي – د
. محمود أبو فنه
شكرا استاذى الكريم
اتابع ملاحظاتك وتعقيبك
على مقالات الموقع
تحياتى
السلام عليكم
جزاك الله خير دكتورة إخلاص
أريد نسخة من بحث سمات يجب توفرها لمواكبة العصر الحالي
كرما سعادة الدكتور
فقد استفدت كثيرا من هذه المادة العلمية القيمة، فقد وفقت في طرحك لهذه المادة ، فشكرا لك يا دكتوره إخلاص
السلام عليكم
جزاك الله خير دكتورة إخلاص
طرح رائع حول مناهج التعليم