تتبع العديد من الدول، كالولايات المتحدة مثلاً، سياسة معينة فيما يتعلق بالمنهاج المدرسي تقوم على أساس أنه لا يجوز تحديد المعرفة “وتقزيمها” في مقررات دراسية محددة سلفاً. وhنطلاقاً من هذا المبدأ، تقرر كل ولاية ما يعرف بالخطوط العريضة للمنهاج ليستخدمها المعلمون كمنطلقات رئيسة في عملية التدريس. أما في أنظمة أخرى، كفلسطين مثلاً، فإن الصورة مغايرة تماماً حيث تبدو المعرفة “مركزية” ومحددة من خلال مقررات دراسية موحدة في جميع المدارس.
نستعرض في هذه الورقة فلسفتين في التعليم، فكرة المنهاج المركزي الموجود أمام المعلم والطالب؛ مقابل منهاج الخطوط العريضة غير واضح المعالم لا للمعلم ولا للطالب.
المنهاج المركزي:
إن المنهاج الفلسطيني الذي يجعل المعرفة تبدو “مركزية” في مقررات دراسية موحدة لجميع المدارس له إيجابيات على الطالب وعلى المعلم، بل هو سبب في توحيد الانتماء، السلوك، الأهداف، الأفكار (أبو لغد،1997). كما أن للمنهاج مهام رئيسة مثل إعادة التكوين وترسيخ القيم وتمكين الطالب والمعلم، كما أنه معد من قبل مختصين وتربويين بطريقة لولبية وتسلسل في المعرفة مراعياً المرحلة العمرية واحتياجات كل مرحلة.
ويرى البعض أن المنهاج المركزي يوفر أهدافا واضحة و أنشطة ومحتوى مفصلا تساعد المعلم على التحضير والطالب على الدراسة. كما أن معرفة المعلم ببقية المواضيع تمكنه من التكامل بينها، إضافة إلى أنه مناسب لتقييم الطالب خاصة مع وجود امتحان مركزي مثل الامتحان التوجيهي. والمؤيدون لهذا الرأي يدرسون بإطار عام كما وصفهم كوفمان (Kauffman،2002) حيث نجد أن حوالي 50% ممن خضعوا للدراسة، هم معلمون جدد، و تلك تجربتهم الأولى في التعليم ووجدوا صعوبة التعليم دون منهاج، وطالبوا بمناهج محددة خاصة مع وجود امتحان ( MCAS)، والذي يقيم المعلم والمدرسة والمدير على أساس نسبة نجاح الطلبة وليس مدى ما تعلموه فعلا. هذا وقد أظهرت استطلاعات للرأي أن المعلمين يصفون المنهاج الفلسطيني المركزي بأنه طويل ومقيد للمعلم ومكدس وغير مبدع. وبسبب وجود رقابة وتفتيش على المناهج، فلا بد من إنجازه بالشكل الموجود عليه، وهو غالباً لا يراعي الفروق الفردية للطلبة (حسين، 2006).
في حين أن دراسة (زغلول، 2009 ) أظهرت أنه كثيرا ما يسعى المعلمون إلى أسلوب التلقين والحفظ خاصة في ظل وجود امتحان مركزي” التوجيهي”. وقد انتقد جون ديوي المناهج المركزية والقيود والانضباط وعرض عملية حيوية تشجع على الديمقراطية وأن يكون للطالب حرية في اختيار المنهاج وكانت أمريكا من الدول الرائدة والمشجعة على هذا النوع من التعليم.
منهاج الخطوط العريضة:
يرى البعض أن هذا المنهاج هو الأنسب، حيث حرية الإبداع، وإعطاء ما هو مناسب من المعرفة. فالمعلم هنا يبحث عن محتوى وأنشطة وأسلوب للتقييم وحل الأسئلة، إضافة لعملية التدريس وما يصاحبها من تحضيرات، ثم إشكالية ماذا يختار المعلم ليدرس؟ كيف يوزع الوقت؟ ما مدى الموضوعية في الاختيار؟ هل يتحيز للفيزياء لأنها تخصصه ويترك الأحياء؟ وماذا عن الطالب؟ هل يكون تجربة المعلم؟ والتي قد تنجح أو تفشل، وما هي المرجعية لمعرفة ما تعلمه الطالب؟ و في حال ترك المعلم المدرسة، كيف نواصل؟
يقول ألن جلاتهورن في كتابه “قيادة المنهج المترجم” أن الضعف الذي وصل إليه الطلبة في الولايات المتحدة هو بسبب ما أسموه بالتطوير، والذي أعقبته حركات الإصلاح التي تنادي بضرورة وجود أكثر من مجرد خطوط عريضة، كما أن عددا من الدراسات والأبحاث تحدثت عن التمييز في طرق التدريس والتعامل مع الطالب وذلك بحسب الدرجة الاجتماعية. فلو كان المنهاج مركزيا فلربما حصل ابن الفقير وابن الغني على نفس المعرفة، كما أن دولة مثل الولايات المتحدة تستطيع إيصال رسائل خفية بشكل مؤثر وراسخ من خلال الخطوط العريضة دون المساس بكيانها أو انتقادها. فطبيعة البلد وبعض الشركات الكبرى أيضا قد تحكم المنهاج السائد فيها. فكيف لدولة مثل الولايات المتحدة أن تضع منهاجاً مركزياً؟ ولماذا؟ ما البعد القومي؟ القيمي؟ التاريخي؟ القواسم المشتركة؟ الأفارقة الأمريكان؟ الهنود الحمر؟ أعراق وأجناس مختلفة عادات متباينة.
وأما بالنسبة لمناهج الكيان الصهيوني، فما موقفها من الدروز؟ الأفارقة الأثيوبيين؟ السياسة العامة؟ ربما يكون منهاج الخطوط العريضة هو الأنسب لهم، وذلك لتمرير رسائل خفية بشكل مؤثر تماما كما تريده الأنظمة، وهذا ما تحدثت عنه أنيون (1980 ,Anyon) واعتبرته عملية التحضير للإنتاج في المجتمع، فهي تجد الاختلافات في المناهج وأساليب التدريس والتقييم لتعزيز المهارات الفكرية والسلوكية المختلفة، وقد دعمتها دراسة ( أبو زهيرة، 2004) التي وصفت الأفارقة الأمريكان والطبقات الفقيرة وتعاطيها مع الواقع الفعلي مقارنة بالمنهاج المدرسي. فعملية التدريس تكرس القيم المجتمعية، ويبقى دور المعلم لنقل ما يؤمن به من أفكار ومعتقدات وتوجهات إضافة لجزء من شخصيته، ويقوم بإسقاطها على المناهج التي يدرسها.
رأينا في قضية المناهج فلسفتين للتعليم، أهداف نبحث لها عن منهاج ومنهاج نحاول أن ننفذ ما خطط له، لكننا نعلم أهمية دور المعلم، المجتهد والمثقف والواعي والمبدع، يمتلك المهارات، لديه كاريزما، يراعي الفروق الفردية، يعطي ويقيَم ويقوَم، يربط المعرفة التي يتعلمها الطالب مع واقع الحياة المحلي والإقليمي والعالمي. وإن كنت أؤيد المنهاج المركزي إلى حد ما، لكنني أريده مهتما بتنمية التفكير الناقد والإبداع، يعطي مساحة للأنشطة اللامنهجية، ينمي خبرات الطالب، لا يقوم على الحفظ والاستظهار، ينمي شخصية الطالب، وقدراته الإبداعية.
المراجع:
أبو لغد، إبراهيم. (1997). المنهاج الفلسطيني الأول للتعليم العام، الخطة الشاملة، مركز تطوير المناهج الفلسطينية.
ألن جلاتهورن (د.ت). قيادة المنهج. مترجم.
حسين، عثمان. ( 2006). موقف المعلم من الكتاب المدرسي : في إطار المنهاج الفلسطيني للمرحلة الأساسية.
زغلول، لطفي. (2009). قراءة في المنهاج التعليمي الفلسطيني: التلقين وعقدة المعدلات الدراسية.
Anyon ،J. (1980) Social Class and hidden Curriculum of work . Journal of Education 1(5)، 162
Kauffman ،D. ، Moore ، S. ،Kardos ، S. ، Liu ، E. ، Peske ، H. (2002) Lost at Sea : New Teachers Experiences with Curriculum and Assessment . Teachers College ، 104،273-300