عندما تفتح كتاب علوم مثلاً في المرحلة المتوسطة ستجد أن هناك نسبة كبيرة من الصور والرسومات التي يحاول أغلبها تحويل المعلومات المكتوبة في الدرس إلى رسومات وصور تسهل على المتعلم فهم واستيعاب هذه المعلومات. وتنعكس هذه النسبة على العروض التقنية التي يستخدمها المعلم في تطبيقه لاستراتيجيات التعليم طوال العام الدراسي أو استخدام الصور والرسومات للتوصل إلى مفاهيم جديدة مستنده على خبرات سابقة. ولكي يقوم المعلم بتصميم درس (عرض) ناجح لابد أن يكون على دراية بنظرية الترميز الثنائي أو النظرية المعرفية للتعلم بالوسائط، حتى يستطيع من خلالها الوصول لتصميم يتوافق مع ما توصلت له الأبحاث في هذه النظرية، لتحقيق أهداف تواجد الصور والرسومات في الكتب المدرسية.
1- ماهي نظرية الترميز الثنائي أو CTML؟
بدأت في عام 1986 مع Allan Paivio. و تنظر هذه النظرية إلى أن المعرفة تتكون من نظامين يقومان بمعالجة المعلومات بشكل مستقل، ولكن متزامن، وبالتالي لهما نوعان من وحدات المعالجة: 1- النظام اللفظي 2- والنظام البصري.
وهذه النظرية تشتمل على ثلاث عمليات هي: 1- العمليات التمثيلية 2- والعمليات المرجعية 3- وعمليات المعالجة المشتركة. (1) وبعدها جاءت أبحاث ريتشارد ماير في تفسير نظرية الترميز الثنائي لدعم عملية التعلم بالوسائط المتعددة، حيث تعد النظرية المعرفية للتعلم بالوسائط المتعددة (CTML) مرجعا لتصميم الوسائط المتعددة التعليمية، وقادت أبحاث ماير إلى أن تنظيم المعلومات اللفظية والبصرية يساعدنا عل استبعاد غير المناسب من المعلومات حتى لا يضيف عبئا زائدا على الذاكرة الشغالة.
حيث يعتقد ماير أن البرمجيات التعليمية القائمة على الوسائط المتعددة يجب أن تقدم المعلومات للمتعلم في شكلين:
- شكل مصور يستقبل من القناة البصرية 2- و شكل كلمات مسموعة تستقبل من القناة السمعية.
وتقول النظرية المعرفية أيضاً بأن التعلم يتم بشكل أفضل من خلال استخدام العناصر البصرية والعناصر السمعية معا وليس كل منهما بشكل منفصل.
تعتمد النظرية على 3 افتراضات رئيسية:
1- هناك قناتان منفصلتان (سمعية وبصرية) لمعالجة المعلومات.
2- هناك سعة محدودة لكل قناة.
3- أن التعلم عملية نشطة لتنسيق المعلومات واختيارها وتنظيمها ودمجها.
وتتشابه نظرية CTML مع نظرية معالجة المعلومات، حيث يقصد من التعلم بالوسائط المتعددة قدرة الفرد على معالجة المحتوى و ما يحتويه من خلال تمثيلات ذهنية للمحتوى المعروض باستخدام الصور و الكلمات.
2- النظرية والتصميم التعليمي
تشرح نظرية التعلم المعرفي باختصار كيف تُحوِّل العملياتُ العقلية المعلوماتِ التي تتلقاها العينين والأذنين إلى معرفة ومهارات في الذاكرة البشرية.
ويجب أن ترشد الأساليب التعليمية في الدروس الإلكترونية تحويل المتعلم للكلمات والصور في الدرس من خلال الذاكرة العاملة، ليتم دمجها في المعرفة الموجودة في الذاكرة طويلة المدى. وتعتمد هذه الأحداث على العمليات التالية:
1- اختيار المعلومات المهمة في الدرس.
2- إدارة القدرة المحدودة في الذاكرة العاملة للسماح للبروفة اللازمة للتعلم. (rehearsal) تعني أن (الاستراتيجيات هي عمليات مجدية عقليًا وموجهة نحو الأهداف، وقد ثبت أنها تعمل على تحسين أداء الذاكرة العاملة ومنها “الممارسة” والتي تنطوي على تكرار المعلومات التي تتذكرها (Baddeley، 1999؛ Rodriguez & Sadoski، 2000؛ Turley-Ames & Whitfield، 2003).
3- دمج المعلومات الحسية السمعية والبصرية في الذاكرة العاملة مع المعرفة الموجودة في الذاكرة طويلة المدى من خلال “الممارسة” في الذاكرة العاملة.
4- استرجاع المعارف والمهارات الجديدة من الذاكرة طويلة المدى إلى الذاكرة العاملة عند الحاجة لاحقًا. (2)
ومن التحديات في التعلم بالوسائط المتعددة:
1- الحد من المعالجة الدخيلة، وهي المعالجة المعرفية غير المرتبطة بهدف الدرس والتي لا تنطوي عليها عملية التعلم.
2- إدارة المعالجة الأساسية، وهي المعالجة المعرفية الأساسية ذات الصلة بهدف الدرس، والتي ينطوي على اختيار وبعض التنظيم، حتى لا تتجاوز كمية المعالجة المعرفية الأساسية المطلوبة للرسالة التعليمية للوسائط المتعددة القدرة المعرفية للمُتعلّم.
3- المعالجة التوليدية: حيث يتم تنظيم المعلومات الواردة ثم جعلها بهياكل متماسكة، وأخيرا يتم دمج هذه الهياكل مع بعضها ومع المعرفة السابقة.
(القدرة المعرفية = معالجة دخيلة + معالجة أساسية+ المعالجة التوليدية)
ويجب على المصمم التعليمي أو المعلم الذي سينفذ عرضا لطلابه بالوسائط حتى يحصل على تعلم فعال أن يركز عل خمس عمليات معرفية هي:
1- اختيار الكلمات.
2- اختيار الصور.
3- تنسيق الكلمات.
4- تنسيق الصور.
5- الدمج.
والخطوة الأصعب في التعلم بالوسائط كما ذكر ماير هي عملية الدمج، أي خلق روابط بين التمثلات ذات الأساس الكلامي والتمثلات ذات الأساس التصويري.
تتضمن هذه الخطوة حدوث تحول من تمثلين منفصلين (بصري ولفظي) إلى تمثل واحد متكامل. ومنشأ هذه الخطوة هو النموذج البصري واللفظي الذين أنشأهما المتعلم، في حين أن مخرجهما هو نموذج متكامل ينتج عن ربط التمثلين. وبالإضافة إلى ذلك يتطلب النموذج المتكامل إنشاء روابط مع المعرفة السابقة لدى المتعلم. (4)
ويعتمد التعلم من الدروس الإلكترونية (عروض المعلم أو البرمجيات التي يصممها) على أنه يجب على المتعلم التركيز على الرسومات الأساسية والكلمات في الدرس، لاختيار ما ستتم معالجته، وأن يتدرب على هذه المعلومات في الذاكرة العاملة لتنظيمها ودمجها مع المعرفة الموجودة في الذاكرة طويلة المدى، ويجب ألا تكون سعة الذاكرة العاملة المحدودة مثقلة. و يجب أن تُطبِّق الدروس تقنيات تقليل الحمل المعرفي، خاصة عندما يكون المتعلمون مبتدئين فيما يتعلق بالمعرفة والمهارات الجديدة، وأيضا يجب استعادة المعرفة الجديدة المخزنة في الذاكرة طويلة المدى مرة أخرى أثناء العمل وتسمى (عملية نقل التعلم لدعم النقل).
وتتطلب هذه العمليات متعلمًا نشطًا، يختار ويعالج المعلومات الجديدة بفعالية لتحقيق نتيجة التعلم. ويمكن أن يدعم تصميم الدرس المعالجة النشطة أو يمكن أن يمنعها، اعتمادًا على أنواع الطرق التعليمية المستخدمة.
يمكن للعروض التقديمية للوسائط المتعددة أن تشجع المتعلمين على الانخراط في التعلم النشط من خلال تمثيل المادة ذهنياً في الكلمات والصور وفي تكوين روابط ذهنية بين التمثيلات التصويرية واللفظية. وعلى النقيض من ذلك، فإن عرض الكلمات لوحدها قد يدفع المتعلمين -خاصة أولئك الذين لديهم خبرة أقل- على تقليل المشاركة في التعلم مثل عدم ربط الكلمات بمعارف أخرى.
لذلك على المصمم أن يحدد الرسومات التي تدعم التعلم بدلاً من عرض الكلمات بمفردها، والاهتمام بتقديم الكلمات والرسومات. ومع ذلك، ليست جميع أنواع الرسومات مفيدة بنفس القدر. لابد من تقليل الرسومات التي تزين الصفحة (رسومات زخرفية) أو تمثيل كائن واحد (الرسومات التمثيلية)، وقد تقوم بدمج رسومات تساعد المتعلم على فهم المادة (الرسومات التحويلية والتفسيرية) أو تنظيم المادة (الرسومات التنظيمية)، كل هذه اعتبارات مهمة.
3- النظرية والممارسات التعليمية (التطبيق)
دور المعلم في التصميم ليس فقط تقديم المعلومات (مثل تقديم نص يحتوي على كل ما يحتاجه المتعلم إلى معرفته) بل للاستفادة من كلتا القناتين بطرق تمكن المتعلم من فهم المادة.
إن النماذج الملموسة التي تقدمها DCT لسلوك وخبرات الطلاب والمعلمين وإخصائي علم النفس التربوي تزيد فهمنا للظواهر التعليمية وتقوي الممارسات التربوية ذات الصلة. (5)
سنلخص 7 قواعد لتصميم الرسائل متعددة الوسائط بالاستناد على الأبحاث كما ذكرها (ماير،2001) حيث ستساعد معلم العلوم بالذات في تصميم عروضه وتحقق التعلم الفعال الذي يهدف له.
- يتعلم الطلاب من الكلمات والصور أفضل مما يتعلمون من الكلمات فقط. حيث ذكر (Clark, & Paivio, 1991) أن الدروس التي تحتوي على معلومات ملموسة واستحضار صور حية ستكون أسهل في التذكر من الدروس المجردة وغير المثيرة.
- قاعدة التجاور المكاني: عرض الكلمات والصور الموافقة لها متجاورة أفضل من أن تعرض متباعدة في الصفحة أو الشاشة.
- قاعدة التقارب الزماني: تزامن عرض الصور والكلمات أفضل من عرضها بشكل متتابع.
- قاعدة الأحكام: حذف الكلمات والصور والأصوات الدخيلة أفضل من وجودها بالعرض.
- قاعدة الأجهزة الحسية: يتعلم الطالب من الصور المتحركة والسرد أفضل من الصور المتحركة والنص المرئي على الشاشة.
- قاعدة الأجهزة الحسية: يتعلم الطالب من الصور المتحركة والسرد أفضل من الصور المتحركة والنص المرئي على الشاشة. (هذه خاصة بالأجهزة الحسية).
- قاعدة الإسراف: التعلم من خلال السرد والصور المتحركة أفضل من الصورة المتحركة والنص المرئي على الشاشة. ( هذه تخص تلقي المتعلم) حيث فرقت أبحاث ماير بين القاعدتين ويمكن الرجوع للمصدر(2) لفهم الأبحاث المتعلقة.
- قاعدة الفروق الفردية: إن تأثيرات التصميم أقوى بالنسبة للمتعلمين الأقل معرفة من المتعلمين الأكثر معرفة، وأيضا أقوى للمتعلمين ذوي المهارة الفراغية العالية من المتعلمين ذوي المهارة الفراغية المتدنية.
لخصت هذه المقالة شرحا مبسطا لنظرية الترميز الثنائي والنظرية المعرفية للتعلم بالوسائط المتعددة (CTML). وسيجد فيها المصمم/المعلم الطريقة التي تضمن له تصميم عرض قائم على أفضل الاختيارات التي يجب اتباعها في عروضه، حتى يحقق التعلم الفعال ويخفف على طلابه العبء المعرفي من جراء اختيارات خاطئة تتنافى مع الأبحاث في هذا المجال. يجب عليه أولا فهم هذه النظرية ثم استيعاب المعايير التي وضعتها عند استخدام الوسائط المتعددة في الدروس حيث يجعلها كبنود يجب تحقيقها.
المراجع
1- خميس، محمد (2013). النظرية والبحث التربوي في تكنولوجيا التعليم. ط1.دار السحاب. القاهرة. مصر.
2- ماير، ريتشارد (2001)، التعلم بالوسائط المتعددة. ترجمة (ليلى النابلسي). السعودية. مكتبة العبيكان.
3- العييد، أفنان، الشايع، حصة (2015)، تكنولوجيا التعليم الأسس والتطبيقات. ط1. السعودية. مكتبة الرشد.
4-Clark, R, Mayer, R. (2011). E-Learning and the Science of Instruction. Pfeiffer.
5- Clark, J. M., & Paivio, A. (1991). Dual coding theory and education. Educational psychology review, 3(3), 149-210.