يطلق على التّطور الذي يمر به الطفل في الفترة من (٦-١١) سنوات، بمرحلة الطّفولة المتوسطة، وهي المرحلة التي تتزامن مع دخول الطّفل المدرسة ” المرحلة الابتدائية”، والتي تغطي الصفوف من الأول وحتى السّادس الابتدائي.
وقد أطلق البعض على نفس الفترة الزمنية من (٦-١١) سنة بمرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخّرة، وقد نجد في بعض الدراسات أن مرحلة الطفولة المتوسطة تشير لمرحلة الطفولة المتأخرة، وفي أحيان أخرى قسّمت الفترة من (٦-١١) أو من (٦-١٢) سنة إلى مرحلتين فرعيتين أطلقوا على الأولى مرحلة الطّفولة المتوّسطة والتي تشمل السّنوات من (٦-٩) سنة، بينما أطلق على المرحلة من (٩-١٢) سنة الطفولة المتأخرة.
خصائص النّموّ في المرحلة المتوسطة
أولاً: النّموّ الجسميّ
يبدأ النّموّ الجسميّ بالانخفاض في تلك المرحلة مقارنة بالمرحلة السّابقة، حيث يبلغ طول الطفل في هذه المرحلة حوالي (١١٥ سم) مع بلوغه السّابعة، ويصل وزنه حوالي (٢١كغم) مع زيادة لصالح الذّكور، بينما تنقلب الموازين مع نهاية المرحلة لتصبح لصالح الإناث.
في هذه المرحلة تتساقط الأسنان اللّبنية، ليحلّ محلّها أسنان دائمة، ويظهر تفوّق البنين على البنات في قوة العضلات، ومع تحسّن للمهارات اليدويّة نرى ميول الأطفال للقيام بالمهارات التي تتطلب عضلات دقيقة كالرسم والأعمال اليدويّة.
ثانياً: النّموّ الفسيولوجي
في هذه المرحلة نلاحظ انخفاضاً في ساعات النّوم لدى الطفل لتصبح قريبة من ساعات نوم الرّاشدين، ويعود ذلك لزيادة النّشاط العقليّ والمعرفيّ والحركي والاجتماعي للطّفل. كما نلحظ زيادة في ضغط الدّم، وانخفاضاً في معدّل الوفيات للأطفال في تلك المرحلة، والسّبب يعود للتّقدم في معالجة الأمراض المعدية، علماً بأنّ المشكلات الصحيّة تؤثر على مسار نموّ الطّفل الاجتماعية، والبيئيّة، والنفسيّة، والأكاديمية.
ثالثاً: النّموّ الحسي الحركي
تنمو العضلات الهيكليّة في تلك المرحلة، ويحدث تآزر عضلي حركي، وتنمو الأطراف لتتطور قدرة الطّفل في السّيطرة على الأداء بدقة أعلى، مع قدرة على مواصلة النّشاط الحركي، واللعب بأنواعه، وما يحدد أنواع الألعاب، العوامل الاجتماعيّة والاقتصادية والثّقافيّة والإمكانيّات، كما يأخذ اللّعب صورة مغامرات قد تكون عنيفة في بعض الأحيان، خاصة لدى الذكور، بينما تميل الإناث إلى الأشغال اليدويّة والدمى ودور الأم.
في هذه المرحلة يكون قرابة ٨٠٪ من الأطفال مصابون بطول النّظر، بينما ٢٠٪ لديهم قصر نظر، في حين تزداد نسبة قصر النّظر بعد سن السّابعة، وتقل نسبة طول النّظر، وعليه يجب عدم إعطاء الطّفل أعمالاً ومهام تتطلب دقة الإبصار وتركيز النّظر قبل سن السّابعة.
أما القدرات السّمعيّة لدى الطّفل، فإننا نجد بأنّه يميل لحفظ الأغاني والأناشيد بإيقاع سليم، دون سلامة النّطق، ويمكن القول بأنّ سلامة الحواس ضرورة لإتمام عمليّة الإدراك، وتكوين المفاهيم، الأمر الذي يزيد مخزون المعلومات والكلمات والمفاهيم المتعلّقة بالبيئة، وآليّات التّعامل معها ليشبع حاجاته وجوانب شخصيته النّفسيّة والاجتماعيّة والثّقافية.
رابعاً: النّموّ العقليّ والمعرفي
تتفاوت الإمكانيات العقليّة للأطفال في بداية المرحلة الابتدائية، ولعلّ السّبب يعود لاختلاف بيئات وظروف الطّفل المحيطة، ومن هنا يصبح الحكم على ذكاء الطّفل أكثر صعوبة، وعليه لا بد من الانتباه والحذر عند استخدام مقاييس الذّكاء اللّفظية.
أمّا قدرة الأطفال على القراءة والتّحصيل فيتوقفان على مستوى النضج لديهم، وغالبا ما يكون التّفوق لصالح الإناث، وتكون قدرات الطّفل التجريدية محدودة لحد بعيد، مما يوجب الاستعانة بوسائل إيضاح ملموسة وحسيّة.
ويرى بياجيه أنّ الطّفل في هذه المرحلة يمر بمرحلة العملّيات الملموسة، حيث يصبح قادراً على التّفكير بشكل منطقيّ بوجود الأشياء الملموسة لا المجرّدة، ويمكن النّظر لعمليّة النّموّ العقليّ من خلال مجموعة من المتّغيرات:
- التّفكير: يتميز تفكير الطّفل في هذه المرحلة بالتحليل المنطقيّ للأشياء المرئية والملموسة المُدركَة بالحواس، ويمكنه في هذه المرحلة التّصنيف، التّنظيم والترتيب، التّفكير المعكوس، والتسلسل في السرد المعرفي والفكري مع القدرة على الاستدلال، ويصبح تفكير الطّفل أكثر عقلانية عن المرحلة السّابقة.
- الذّكاء: القدرة العقليّة العامّة المسيطرة على نشاط الأفراد المعرفيّة والاجتماعيّة والانفعاليّة وعلى علاقته مع نفسه ومع الآخرين، حيث يولد الأشخاص ولديهم الاستعداد الوراثيّ، بينما تعمل البيئة على تنميته، ولذلك يعتبر الذّكاء وراثياً وبيئياً، ولا يمكن الفصل بينهما.
- الانتباه: لا يكون الانتباه عادة في الصّغر واسع المدى، بل ضيقاً ويبدأ بالاتساع مع تقدم الطفل وتطوره ونموّه، ويمكن تطوير الانتباه لدى الطّفل من خلال تركيزه على الموضوعات والمعلومات والأشياء التي تعمل على إشباع حاجاته النّفسيّة أو الجسدية أو العقلية، لذلك وجب على المدرّسين في تلك المرحلة الإكثار من استخدام وتفعيل الموارد والوسائل التّعليميّة.
- التّذكّر: يغلب على هذه المرحلة التّذكر غير الواعي ولا المُدرَك، وإنّما المبني على الحفظ بصورة آليّة، ودون فهم أو ربط لما يتذكره، ولا لدرجة أهميته، ويرجع ذلك إلى أنّ خبراته محدودة، كما أنّ العمليات العقليّة من تفكير وانتباه وتخيّل لم تنضج بالشّكل الكافي بعد.
- التّخيُّل: يتميّز التّخيُّل عند الأطفال بأنّه موجه بشكل نحو الصّور الحسيّة وليس المجرّدة، ويغلب على التّخيّل لديه الأبداع والرّبط بين الصوّر المتخيلة والواقع.
خامساً: النّموّ اللّغوي
يتميز الطّفل في جيل السّادسة بمحصول لغويّ قد يصل إلى 2000 مفردة، علماً بأنّ الإناث تتفوّق على الذّكور في المحصول اللّغوي واستخدمها للمفردات، ويصبح قادراً على تكوين جمل وتزداد لديهم حصيلة الكلمات ذات المعنى، ويمكنه في هذه المرحلة التّمييز بين الكلمات المترادفة والأضداد، كما يمكنه في هذا الجيل تحديد الأزمنة.
سادساً: النّموّ الانفعالي
ينفتح أمام الطّفل عالم كبير في هذه المرحلة، ويحفّزه على الاستقلال بذاته وتهديد الأنشطة التي يريدها ويفضّلها، بل ويبدا في تلك المرحلة بتنظيم العلاقات الاجتماعيّة خارج إطار الأسرة وداخلها، وتتوزع عواطف الطّفل الإيجابيّة تجاه الزملاء والأصدقاء والأقران كبديل عن العائلة، وغالباً ما يميل إلى ضبط انفعالاته والتّعبير عنها بشكل واقعيّ مرتبط بأحداث الواقع، وفي حدود علاقاته الاجتماعية ودوره داخل الجماعة، وحتى يكتمل نموه الانفعالي في هذه المرحلة يحتاج لأسرة مستقرّة وآمنة نفسياً يسودها الاستقرار النّفسي، مع توفر أساسيّات قواعد السّلامة النّفسيّة والصّحيّة للطّفل.
مشكلات مرحلة الطّفولة المتوسطة
- قصر النّظر: من المشكلات الصّحية الأكثر شيوعاً في هذه المرحلة قصر النّظر، والذي يبدأ ملاحظته خلال القراءة ومشاهدة الصّور، حيث تعدّ القراءة على ضوء خافت والإكثار من مشاهدة التّلفاز من مكان قريب، كما لوحظ ازدياد معدلات حدوث قصر النّظر في هذا الجيل في الفترة الأخيرة، ولعل السبب يعود إلى كثرة استخدام الأجهزة الذكيّة ولفترات طويلة.
- سوء التّغذية: لعل سوء التّغذية من المشكلات الأبرز والتي يعاني منها الأطفال في هذه المرحلة نظراً لحاجة أجسامهم للمواد الغذائيّة المفيدة والمتوازنة في هذه المرحلة البنائيّة، التي يحتاج فيها الطفّل لبرنامج غذائيّ متكامل ومتوازن يوفّر له فرصة النّموّ والتّطوّر السّويّ، ويزودهم بالطّاقة التي تحتاجها أجسامهم لممارسة الأنشطة الجسديّة والعقليّة كاللعب والدّراسة وغيرها.
- السُّمنة: تعدّ السمنّة أو الوزن الزّائد سبباً لشعور الطّفل في هذا الجيل بالإحباط، ويمكن ملاحظة ذلك خلال سلوكه في المدرسة ومع الأقران، حيث يمكن ملاحظته يقف جانباً في حصص التّربية الرياضيّة، كما تراه كثير من الأحيان يراقب أقرانه ورفاقه يركضون ويلعبون ويقفزون ويلهون بسلاسة ومرونة ودون قيود الوزن أو الشكل، بينما هو لا يمكنه المشاركة والانضمام إليهم بسبب وزنه الزائد، وقد يصل به الأمر إلى تدني درجة تقديره لنفسه، كما يصل به الخوف من المشاركة في اللعب خشية التنمّر أو سماع الانتقادات والتّعليقات وربما العبارات التي تصل إلى حد السخريّة من شكله ووزنه الزّائد.
- التّبول اللاإرادي: في جيل الثّالثة وحتى الرّابعة من العمر عادة ما يتحكّم الطّفل في تبوله ليلًا، ويكون التبول في الفراش ليلا حالة غير طبيعية إذا تجاوز الطّفل سن الخامسة أو السّادسة من العمر، وقد يحدث التبول ليلا ونهارا لدى بعض الطّفل، ويكون أكثر شيوعاً عند الذّكور من الإناث، رغم إنّها تعدّ مشكلة شائعة في مرحلة الطفولة المبكّرة والمتوسطة، إلا أنّها تحتاج لعلاج، ويعتبر علاجها موضوعاً شائكاً إلى حدّ بعيد، ذلك أنّ أسباب التّبول اللاإرادي ليلاً كان أو نهاراً أو ليلاً ونهاراً ليست عضويّة فحسب، فقد تكون الأسباب نفسيّة، وقد تعود لكليهما معاً (عضويّة ونفسيّة) .
- السّرقة: في جيل السّادسة يبدأ الطفل بإدراك ما يملكه، وما لا يملكه، كما يميز ما هو من حقه، وما هو من حق الآخرين، حيث يعمل الأهل على توعية أطفالهم وتوعيتهم لخصوصية ما يمتلكه الآخرون ولا يحق لنا أخذه دون وجه حق. وتنشئة الطفل على أنّ السّرقة عيب ويعاقب عليها القانون، ومن خلال دراسة حالة العديد من الأطفال الذين شملتهم الأبحاث حول السّرقة، يرجع الباحثون السّرقة لدى الطّفل لعدة أسباب لا يعود للحرمان الاقتصادي كما يعتقد البعض، بل يعكس أسباباً أغلبها نفسية مثل الإحساس بالحرمان النفسي وليس الماديّ الذي يعمل على التعويض عنه من سرقة ما يملكه الآخرون.
- التّأخر الدّراسي والخوف من المدرسة: يقصد بالتأخر الدّراسي تراجع الطالب عن أقرانه في نفس السّنة الدّراسيّة سواء بالرّسوب أو ضعف المستوى الدّراسي، كما يشمل ذلك الخوف من المدرسة والامتحانات والخوف من الفشل والعقاب أيضاً، ونظرا لأهمية المدرسة الابتدائية ودورها في إكساب الطّفل المهارات التعليمية والتربوية والأكاديمية اللازمة له في هذه المرحلة فإنّ مشكلة التأخر الدّراسي مشكلة لا بدّ من علاجها قبل أن تصبح حالة متأخرّة يصعب علاجها. ففي دراسة حديثة توصل الباحثون إلى أنّ نسبة انتشار الخوف من المدرسة أعلى لدى طلاب المرحلة الابتدائية في مرحلة الطفولة المتوسطة عن غيرها من المراحل ويرجعون التأخّر الدّراسي لعوامل منها:
-
- انخفاض مستوى النّموّ العقلي والمعرفي لا يؤهل الطّفل للوصول لمستوى أقرانه.
- كراهية المعلم أو المدرسة مثل أن يعاقب المعلم الطّفل أمام زملائه.
- التّفكك الأسري يفقد الطّفل الثّقة بنفسه ويقلل من دافعيّته للدّراسة لفقدانه الحنان والرّعاية.
- المشكلات الاسريّة المتكرّرة قد تؤدي إلى تشتيت انتباه الطفل وتقلل الرّقابة عليه.
- ضّغط الطّفل وتكليفه بالوصول لمستوى تعليمي لا يمكنه تحقيقه بقدراته مما يُشعره بالفشل.
- المستوى الاقتصادي المتدني للأسرة قد يتسبب في الغياب المتكرّر للطالب عن المدرسة للعمل وكسب الرّزق مما قد يخفض مستواه التّعليمي.
نظريات في الطفولة المتوسطة
-
نظريّة بياجيه:
يعتقد بياجيه بأنّ مرحلة الطّفولة المتوسطة والتي تمتد من جيل ٦-٨ سنوات وتلعب دورًا حيويًا ومحورياً فاعلًا في تنمية قدرات الطّفل العقليّة خلال هذه المرحلة، حيث يحدث تطوراً ملحوظاً وواضحاً في تلك القدرات، ويتعلم خلالها الطّفل مهارات جديدة ويبدأ التّفكير بشكل أكثر تجريدًا ومنطقيّة وتحليلًا.
كما تشهد هذه المرحلة تطورًا في القدرات المعرفيّة، مثل القدرة على حلّ المشكلات والتّفكير النقدي، يتعلم الطّفل في هذه المرحلة مفاهيم أكثر تجريدًا، مثل العدّ والجمع والطّرح. كما يبدأ في فهم العلاقات الرّياضية والمفاهيم العلميّة، وفي نظريّة بياجيه يُعتبر التّفكير العملي والتّفكير البحثي جزءًا مهمًا من هذه المرحلة، حيث يصبح الطّفل أكثر عقلانية ويبدأ باستخدام المنطق بشكل كبير في حلّ المشكلات.
-
نظريّة فرويد:
أطلق على هذه المرحلة اسم مرحلة الكُمون وهي الفترة الممتدة من جيل السّت سنوات حتى سن البلوغ، والتي تبدأ مع دخول الطّفل للمدرسة، عندها تتحوّل الاهتمامات من مشاعر اللّذة الذّاتية إلى مرحلة تكوين علاقات وصداقات ومعارف، ويبدأ التّفاعل الاجتماعي مع الآخرين بالتّحسن، وتحديداً خارج إطار الأسرة، كما تزداد ثقته بنفسه، ويتطوّر لديه الرغبة في تنمية مهاراته الاجتماعية.
-
نظريّة اريسكون:
والحديث عن مرحلة سن المدرسة الابتدائيّة، حيث يبدأ الطّفل بمحاولات الاستطلاع، وتظهر فيها حاجة الفرد للشّعور بالقدرة، ويمكن ملاحظة ميله للإنجاز وحاجته لتقدير الآخرين. وكما هو الحال في المراحل السّابقة، فإن حلّ أزمة الكفاية يتم باستمرارية نموّ الطّفل بشكل طبيعي، الأمر الذي يتطلب حلّ جميع الأزمات السابقة، واستمرارية تشجيع ودعم البيئة المحيطة بالطّفل لقدراته ومحاولاته للإنجاز وتحديداً الأسرة والمدرسة، وفي حال عدم حصول الطّفل على الدّعم والتّقدير، مع عدم حلّ المشكلات السّابقة، تكون النّتيجة المتوقّعة لكلّ تلك المعيقات عدم قدرة الطّفل على حلّ الأزمة مما يؤدي له للوصول لمشاعر النّقص وعدم الكفاية.
المراجع:
- باظة، مليجى؛ عبدالسميع، آمال .(٢٠٠٢م) . النّموّ النّفسي للأطفال والمراهقين .القاهرة: مكتبة الانجلو المصرية.
- الداهري، صالح .(٢٠٠٨م) . مبادئ علم النّفس الارتقائي ونظرياته . عمان : دار صفاء للنشر والتوزيع.
- أبو جادو، صالح محمد علي (٢٠٠٤م) . علم النّفس التطوّري الطفولة والمراهقة .عمان : دار الميرة للنشر والتوزيع والطباعة.