تحتل الولايات المتحدة في اختبارات PISA 2015 المرتبة 24 في القراءة، و25 في العلوم، و40 في الرياضيات (PISA,2015) ويُعبر صناع السياسة التعليمية والمحللون عن قلقهم البالغ بشأن أداء الطلاب الأمريكيين في الاختبارات الدولية، و كثيراً ما يستحضر المصلحون التعليميون الأداء الضعيف نسبياً للطلاب الأمريكيين لتبرير تغييرات السياسة المدرسية، إن هذه الاستنتاجات التي يتم استخلاصها غالبًا من مقارنات الاختبارات الدولية، يتم تبسيطها بشكل مبالغ فيه ومضللة في كثير من الأحيان، وهم يتجاهلون تعقيد نتائج الاختبار وقد يدفعون صناع السياسة إلى متابعة إصلاحات غير ملائمة وحتى ضارة.
إن كل من TIMSS و PISA لا تصدر متوسط الدرجات الوطنية في اختباراتهما فحسب، بل أيضًا قاعدة بيانات دولية غنية يمكن للمحللين من خلالها تصنيف درجات الاختبار حسب الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للطلاب، ومكونات مدرستهم، وغيرها من المعايير، التي يمكن أن يؤدي تحليلها إلى استنتاجات مختلفة جدًا وأكثر دقة من متوسط الدرجات الوطنية وحدها.
وعلى الرغم من أن TIMSS تصدر متوسط نتائجها الوطنية في ديسمبر، إلا أنها حددت إصدار قاعدة البيانات الدولية بعد خمسة أسابيع من ذلك الموعد، ضمنت هذه الاستراتيجية المحيرة أن صناع السياسة والمعلقين سوف يستخلصون تفسيرات سريعة وربما مضللة من النتائج.
و في عام 2013 وبينما ينتظر الجميع قاعدة بيانات TIMSS الدولية، حلل كل من (Carnoy&Rothstin,2013) نتائج الطلاب الأمريكيين في اختبار PISA لعام 2009، لتقديم صورة مختلفة عن النتائج الوطنية للاختبارات الدولية.
وقد قررا بسبب تعقيد وحجم قاعدة بيانات PISA الدولية، أن يقتصر تحليل هذا التقرير على مقارنة أداء الاختبار للمراهقين في الولايات المتحدة، في ثلاثة بلدان من أعلى الدرجات وهي (كندا، وفنلندا، وكوريا)، وفي ثلاث دول أخرى في مرحلة ما بعد الصناعة مماثلة للولايات المتحدة وهي (فرنسا، والمملكة المتحدة، وألمانيا)، وهذه البلدان هي تلك التي تقارن بها الولايات المتحدة عادة، ونحن نقارن أداء المراهقين في هذه البلدان السبعة التي لديها خصائص اجتماعية مماثلة، وقارنا الأداء في أحدث اختبار تتوفر فيه البيانات، بالإضافة إلى اتجاهات الأداء على مدار العقدين الماضيين تقريبًا.
وبشكل عام، توصلا إلى أن بيانات الاختبار معقدة للغاية ومبالغ فيها، بحيث لا تسمح باستنتاجات سياسية ذات معنى فيما يتعلق بالأداء التعليمي للولايات المتحدة دون دراسة أعمق لنتائج الاختبار ومنهجيته. ومع ذلك، تبرز مجموعة واضحة من النتائج وتدعمها جميع البيانات المتوفرة لديهم وهي:
1- بسبب أن عدم المساواة في الطبقة الاجتماعية في الولايات المتحدة أكبر منه في أي من البلدان التي يمكننا المقارنة بها بشكل معقول، فإن الأداء النسبي للمراهقين الأميركيين أفضل مما يبدو عندما تتم مقارنة متوسط الأداء القومي للبلاد تقليديًا. الطلاب في الطبقات الاجتماعية الدنيا لديهم أداء ضعيف لذلك فمتوسط الأداء في الولايات المتحدة منخفض نسبيًا لأن لدينا الكثير من المتقدمين للاختبارات من أسفل توزيع الطبقة الاجتماعية.
إن درجات الطلاب في الطبقات الاجتماعية الدنيا دائما أقل من غيرها، وأخطاء إحصائية أدت إلى زيادة تمثيل الطلاب من أكثر المدارس حرمانًا في العينة الإجمالية، إضافة إلى أن أداء طلاب الولايات المتحدة المحرومين وذوي المستوى المتوسط الأدنى يؤدون بشكل أفضل (وفي معظم الحالات، أعلى بكثير) من أداء الطلاب نفس الفئة مقارنة في بلدان ما بعد الصناعة المماثلة في القراءة، وفي الرياضيات. كما أن في المتوسط ، وبالنسبة إلى كل فئة اجتماعية تقريبًا، فإن أداء الطلاب في الولايات المتحدة أفضل نسبياً في القراءة ثم الرياضيات، مقارنة بالطلاب في كل من البلدان ذات أعلى الدرجات والبلدان المماثلة ما بعد الصناعة.
2- نظرًا لأنه لا تتغير الكفاءة التعليمية فحسب مع مرور الزمن بل تتغير أيضًا الطبقة الاجتماعية في الدول، فإن مقارنة اتجاه درجات الاختبار بمرور الوقت من جانب فئة اجتماعية توفر معلومات مفيدة لصانعي السياسات أكثر من مقارنة مجموع متوسط درجات اختبار في وقت واحد أو حتى التغييرات في مجموع متوسطات درجات الاختبار مع مرور الوقت، ولقد تحسن أداء أقل الطلاب في الطبقة الاجتماعية في الولايات المتحدة مع مرور الوقت، في حين أن أداء الطلاب المحرومين في دول المقارنة تراجع.
لقد تحسن أداء طلاب الطبقة الاجتماعية المحرومة في الولايات المتحدة بمرور الوقت، في حين أن أداء هؤلاء الطلاب في كل من البلدان المتقدمة ذات الدرجات الأعلى وما بعد الصناعة المماثلة تراجع، وفي بعض فئات الطبقة الاجتماعية المتوسطة والممتازة التي لم يتحسن فيها الأداء في الولايات المتحدة، تراجعت مجموعات الطبقات الاجتماعية المماثلة في بعض البلدان ذات أعلى الدرجات وما شابهها في مرحلة ما بعد الصناعة.
يركز الاهتمام الكبير للسياسة التعليمية الأمريكية في السنوات الأخيرة على متوسط الأداء العالي للمراهقين في فنلندا، قد يكون هذا الاهتمام له ما يبرره، لأن كلا من درجات الرياضيات والقراءة في فنلندا أعلى لكل فئة اجتماعية من الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن درجات فنلندا تتناقص بالنسبة إلى الطلاب الأكثر حرمانًا، بينما تحسنت الدرجات في الولايات المتحدة لطلاب الطبقة الاجتماعية المماثلة. قد يبدو أن الانخفاض في عشرات الطلاب المحرومين في فنلندا ينتج جزئيًا عن التدفق الأخير للمهاجرين من الطبقة الدنيا، ومع ذلك فقد انخفض متوسط الدرجات لجميع الفئات الاجتماعية في فنلندا، وتقلصت الفجوة في الدرجات بين فنلندا والولايات المتحدة في كل فئة اجتماعية. (Carnoy&Rothstin,2013)
إن الاختبارات الدولية وإن كانت تعطي نظرة عامة عن أداء الطلاب داخل النظام التعليمي لكنها ليست الطريقة الصحيحة للحكم عليه، ففي داخله توجد الكثير من العوامل التي أدت للنتائج الظاهرة، إن هذا ليس دفاعا عن أداء الطلاب بقدر ما هو دعوة للنظر إلى الأمور من زاوية أخرى متزنة وفاحصة، فبعد ظهور نتائج الطلاب السعوديين لهذا العام 2018 من الواجب أن نخضعها للمزيد من الفحص والتحليل وقراءة السياقات المتعددة خلفها.
المراجع:
– منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، 2015 https://www.oecd.org/pisa/pisa-2015-results-in-focus.pdf
– كارنوي، مارتن؛ وروثستاين، ريتشارد (2013). ماذا تظهر الاختبارات الدولية حقا عن أداء الطلاب في الولايات المتحدة الأمريكية؟. معهد السياسات الاقتصادية. https://www.epi.org/publication/us-student-performance-testing/
مقال مفيد جداز شكرا للكاتبة