يعد الإبداع والابتكار من الأمور الراسخة في أذهان الكثير من التربويين؛ لذا فقد أصبح منهجاً ثابتاً للمضي في العمل التربوي الداعم لكافة المواهب والإبداعات بصورة ترتقي بها الكفاءات الناشئة؛ لذا أولت المنظومة التعليمية جل اهتمامها لتعزيز الشراكة الإبداعية والابتكارية لتسمح لجميع الأفراد داخل المؤسسة التعليمية بالانطلاق نحو التميز والريادة بصورة أكثر فعالية.
والعملية الإبداعية لها أهمية فائقة تميز المؤسسات التربوية باختلاف طبيعتها، في ظل التغيرات التي تعرفها بيئة المؤسسة التربوية على مستوى القطاع التربوي أو البيئي المحلي، فكثيراً ما يعتقد الأفراد أن الإبداع والابتكار مقتصر على جوانب التميز والتفوق في المجالات التقنية دون غيرها، بينما حقيقة الأمر تفوق كل ذلك.
فالإبداع يمكن تعريفه على أنه ذلك العمل الذي يساعد هذه المؤسسات على الإتيان بأفكار جديدة ومناسبة، و رؤية ما لا يراه الآخرون والتفكير فيه بطريقة مختلفة.
ومن شأن الإبداع خلق أفكار جديدة، مفيدة ومتصلة بحل مشكلات معينة أو تجميع وإعادة تركيب أنماط معروفة من المعرفة وعرضها بطريقة فريدة، ولا يقتصر الإبداع على الجانب التقني فهو لا يشمل تطوير السلع والعمليات المتعلقة بها وإعداد السوق فحسب، بل يتعدى أيضا الآلات والمعدات وطرائق التصنيع والتحسينات في التنظيم نفسه ونتائج التدريب والرضا عن العمل بما يؤدي إلى رفع الإنتاجية.
ولا بد أن تتوفر في المبدع مهارات متعددة وهي الأصالة والطلاقة والمرونة والحساسية للمشكلات، وما أن تتوفر هذه المهارات حتى نكون أمام إبداع في شتى المجالات لا سيما العلمية والتربوية.
كما أن الإبداع هو نضج في الخيال، والقدرة على التفكير من خلال ممارسة الخبرة الفنية في خضم المراحل التدريسية، مما ينعكس إيجابياً على تنمية المعارف العلمية، وتفعيل العمل الإبداعي بإعمال ملكة الخيال التي هي أساس الاختراع العلمي والإبداع الفني معاً، وهو ما نصَّت عليه توصيات منظمة اليونسكو المرفوعة إلى هيئة الأمم المتحدة تحت عنوان “تعلم لتكون”. (كوك,2008م:18)
والابتكار ما هو إلا قدرة الفرد على إيجاد أفكار، أو أساليب، أو مفاهيم جديدة، وتنفيذها بأسلوب جديد غير مألوف لدى الأفراد الآخرين، على أن تتناسب مع موقف معين، كما تعبّر عن قدرة الفرد على استخدام الأفكار والمعلومات والأدوات الموجودة، بطريقة مستحدثة وفريدة.
كما أنه –وبحق- وسيلة لإيجاد حلول جديدة للتحديات التي نواجهها، كما أنه أي فكر أو سلوك أو شيء ما جديد ولأنه يختلف نوعيا عن الأشكال القائمة، وهو أيضا ملاحظة وتوليد أفكار جديدة من خلال توافر وجهات نظر متباينة وتنسيق الأفعال الضرورية لتنفيذ هذه الأفكار وترجمتها إلى ابتكارات (قاسم، 2017).
وبالتالي فإنه على الكوادر التعليمية إيجاد كافة الآليات الكفيلة لإدارة الابتكارات والإبداعات في المؤسسة التربوية، بغية تحقيق أهدافها وخدمة للطلبة إضافة للتعرف على نماذج وأشكال العملية الإبداعية ومحدداتها. (حجاج، 2016م)
وبناء ًعلى هذا التوجه فإن الكوادر التربوية قد تكون ملزمة وفقاً لأدوارها ومهامهم التعليمية، بالسعي والبحث؛ من أجل إيجاد طرق ونظم لاحتضان العمليات الإبداعية والابتكارية على أساس التطوير والتحديث والتجديد، إضافة إلى إيجاد الشكل المناسب للنشاط الإبداعي سواء كان بصورة تنظيمية أو تكنولوجية أو توجيهية لكافة الطلبة لإحداث عملية التهيئة والتحفيز الفاعل نحو العمل المبدع الخلاق.
ولكي يحظى الطلبة ببيئة تربوية حاضنة للإبداع والابتكار يتوجب بذل بعض الجهد والوقت في البحث عن التطوير لكافة الأفكار والإبداعات المتوافرة لدى الطلبة والقائمين على عملية تعزيز تلك المواهب بشيء من التطوير والإبداع، وذلك لكون أصل الابتكار هو أفكار إبداعية تعمل على إحداث تغييرات ملموسة في العملية التعليمية، فلم تعد الجهود الفردية وحدها كافية من أجل التغيير بل إن تكاثف الجهود وإيمان الطلبة بأنفسهم وقدراتهم إحدى دعائم الإبداع التربوي والمدرسي معاً، حيث يحرص المعلمون بكافة الطرق الممكنة على تشجيع طلابهم على إظهار مواهبهم وقدراتهم من خلال حلقات التشجيع والتحفيز والمناقشة حول المواهب، بالإضافة لبرامج لاحتواء المهارات الطلابية وهو شكل من أشكال الاحتضان للإبداع. كما ومن أهم الأشكال التي يتوجب على معلمينا زيادة اهتمامهم وحرصهم على تنمية تلك المواهب والإبداعات من خلال تفعيل دور تلك المواهب وتنميتها بصورة صحيحة بمشاركات فاعلة في المجتمع كالمشاركة في المسابقات التنافسية، من أجل تعزيز الثقة لديهم في المضي نحو أهدافهم مستكملين لأعمالهم لا مستنكفين وهو أحد المعطيات الفاعلة لذلك.
كما ويعد الحوار والمناقشة والاحتضان المعنوي من أهم المرتكزات الهامة في العملية الإبداعية، فمنطلق الإبداع والابتكار والتشجيع والمؤازرة الفاعلة للقادة التربويين والكوادر العاملة في الحث والعطاء والمشاركة الفاعلة، وهو أمر أصبح بديهياً لدى كوادرنا المدربة ذات القدرات التربوية المميزة، وهو ما جعلها نسعى وبشكل دائم نحو بيئات حاضنة للإبداع والابتكار والتجديد والتطوير والعمل على تذليل كافة العقبات من أجل الوصول إلى الأهداف المرجوة.
خلاصة لما سبق فإن الإبداع والابتكار في المنظومة التربوية والعملية التعليمية بأسرها يتوقف على مدى تسخير عوامل النجاح لكافة مكونات العملية التعليمية من معلمين وطلبة وإدارة وبتكاثف تلك الجهود نصل إلى مبتغانا من حيث النجاح والتفوق، ويشكل التعزيز أحد المعززات الحقيقية والتربوية وأحد الأسباب الفاعلة في نجاح الطالب وإبداعه في بيئته الداخلية المتمثلة بالمدرسة والخارجية والمتمثلة بالمجتمع الذي يعيش فيه لتطفو على سطحه مواهب ذات قيمة فنية وأدبية وتربوية فاعلة في المجتمع مصدر قوتها التعزيز والتشجيع وسبيلها العمل الجاد والاحتواء والاحتضان بكافة أشكاله وطرائقه.
المراجع:
- حجاج, عبد الرؤوف: إدارة الابتكار والإبداع, رسالة ماجستير غير منشورة, جامعة قاصدي مرباح ورقلة, كلية العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير, الجزائر,2016م.
- كوك, بيتر، إدارة الإبداع ترجمة خالد العامري, دار الفاروق للنشر والتوزيع، القاهرة، 2008م.
- قاسم، أمجد، تعريف الابتكار وأهميته وأنواعه وحاجة المنظمات اليه، مشار اليه على الرابط الإلكتروني http://al3loom.com/?p=21541 تم زيارته بتاريخ 30/10/2019م.
الإبداع هي قدرة العقل البشري على إيجاد علاقات جديدة من أجل تغير الواقع. فالابداع في العملية التربوية إن لم يكن شاملة لكل مكونات المجتمع تبقى اذا محصورة ضمن أطر ضيقة. لذا يستوجب على كل التربويين تسخير الإعلام على المستوى الجماهيري لكي يصبح الإبداع عام وتشارك به كل جماهير كوكب الأرض.
شكرا لكم