يعتمد نجاح المنظمات في عصرنا الحالي الذي يمتاز بالتعقيد وعدم التأكد والمنافسة الشديدة التي ولدتها العولمة وانفتاح الأسواق وما تبعه من تطور تكنولوجي هائل على مجموعة من المحددات التي بات لزاما على المنظمات الأخذ بها ومواكبتها من أجل البقاء وديمومة أعمالها.
ومن هذه المحددات بناء الثقافة التنظيمية السليمة والتي تعبر عن السلوكيات والقواعد العامة وقواعد السلوك التي يتبناها العاملون في المنظمة، تلك السلوكيات التي يلمسها المتعاملون مع المنظمة، والتي تتقبل التغيير الإيجابي وتؤمن به، لذلك اصبحت الثقافة التنظيمية من الموضوعات التي تحظى بالاهتمام الكبير في مجالات السلوك التنظيمي وإدارة الموارد البشرية الحديثة.
فالثقافة التنظيمية ما هي إلا انعكاس لروح التنظـيم من خلال نظام القيم والمعتقدات الذي يمثل جوهر ولب العملية الإدارية، ولذلك فالثقافة التنظيمية تمثل انعكاساً للهوية التنظيمية التي تميز ذلك التنظيم وتضفي عليه صفة الانفرادية عن المنظمات الأخرى خصوصا إذا كانت الثقافة التنظيمية السائدة قوية.
وترجع أهمية الثقافة التنظيمية كما جاء في حماني وآخرون (2019) لدورها الفعال في خلق ميزة تنافسية للمنظمة تمتاز بها عن غيرها من المنظمات، من خلال تأكيدها على قيم الابتكار والإبداع بهدف الحصول على أداء متميز للموارد البشرية يساهم في تحقيق احتياجات المستفيدين من المنظمة وتنمية وتحسين الاندماج الوظيفي بشكل ملائم وفعال، وهذا الأمر يتطلب بناء ثقافة تنظيمية مرنة تسمح بإجراء تغييرات إيجابية في أساليب مواجهة المشاكل لتحقيق الاندماج الوظيفي وتنمية مشاعر الولاء والسلوك الانتمائي لدى الأفراد في المؤسسة.
حيث يعتبر الاندماج الوظيفي من المفاهيم الأساسية التي تلعب دورا بارزا وأساسيا في ضبط وتعديل سلوكيات الأفراد والسلوك التنظيمي والأداء الوظيفي، حيث أن له دورا فعالا مؤثرا على إنتاجيـة العمـل وتطـوره ويسهم في التزام العاملين بمؤسساتهم ووفائهم لتعهـداتهم نحوهـا وارتبـاطهم بعملهم وانجازه على أكمل وجه. كما أن الاندماج الوظيفي يسهم فـي تحـسين صحة العامل النفسية والجسمية والذهنية ونوعية الحياة داخـل وخـارج بيئـة العمل (العتيبي، 2012، ص126).
وبناء على ما سبق، تسعى هذه المقالة إلى التعرف على مفهوم الثقافة التنظيمية وأثرها في الاندماج الوظيفي للموارد البشرية. لذلك تضمنت هذه المقالة نبذة تعريفية عن الثقافة التنظيمية والاندماج الوظيفي والعلاقة بينهما.
أولا: الثقافة التنظيمية
ويشير مشارقة (2015) إلى أن مفهوم الثقافة التنظيمية هو الإطار الذي يحكم ويوجه ويفسر سلوك الأفراد في المنظمة، وذلك من خلال مجموعة القيم والمعتقدات والافتراضات الأساسية والمعايير والأعراف التنظيمية التي يشترك فيها أعضاء المنظمة والتي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في سلوكيات العاملين وفي كيفية أدائهم لأعمالهم، وتنشأ متأثرة بالقيم والمعتقدات التي يحملها القادة والمسؤولون.
وأشار عبود (2013) إلى أن أهمية الثقافة تكمن فيما تحويه من قيم وقواعد وسلوكيات تحدد للعاملين السلوك الوظيفي المتوقع منهم وتحدد أنماط العلاقات فيما بينهم وبين الجهات الأخرى التي يتعاملون معها. كما أنها تزود المنظمة والعاملين فيها بالإحساس بالهوية، فكلما ازداد تعرف العاملين على القيم السائدة في المنظمة، ازداد ارتباطهم بها وشعورهم بأنهم بالإضافة إلى تأثيرها على مستوى أداء وإنجاز الأفراد والجماعات.
كما تقوم الثقافة التنظيمية بعدة وظائف أساسية أهمها تزويد المنظمة والعاملين فيها بالإحساس بالهوية، فكلما كان من الممكن التعرف على الأفكار والقيم التي تسود المنظمة كلما كان ارتباط العاملين قويا برسالة المنظمة وزاد شعورهم بأنهم جزء حيوي منها. كذلك تقوية الالتزام برسالة المنظمة، حيث إن تفكير الناس عادة ينحصر فيما يؤثر عليهم شخصيا إلا إذا شعروا بالانتماء القوي للمنظمة بفعل الثقافة العامة المسيطرة، وعند ذلك يشعرون أن اهتمامات المنظمة التي ينتمون إليها أكبر من اهتماماتهم الشخصية، ويعني ذلك أن الثقافة تذكرهم بأن منظمتهم هي أهم شيء بالنسبة لهم (بابوري،2016).
ثانيا: الاندماج الوظيفي
يشير مفهوم الاندماج الوظيفي إلى تعلق الفرد بدوره في العمل وترجمة ذلك على الصعيد البدني والمعرفي والانفعالي، حيث يشير المكون البدني إلى اندماجه في مهمات العمل بدنياً، في حين يشير المكون المعرفي إلى اليقظة والاستغراق في العمل، بينما يشير المكون الوجداني إلى اتصال الفرد بعمله أثناء أدائه بكل إتقان والتزام (عرفان،2021، ص114).
حيث يحقق الاندماج الوظيفي في أي مؤسسة عدة أهداف كما ورد في (مرزوق،2017) والتي تتمثل في:
- تحقيق المساواة الاجتماعية: بمشاركة الموظفين في اتخاذ القرار وتشجيعهم على العمل في فرق، وهذا ما يدعم اندماج الموظف أكثر فأكثر ضمن عمله ومنظمته ككل.
- بث روح التعاون: من خلال دفع الرغبة داخل الموظف نحو مساعدة زملائه والمشاركة من أجل تحسين سير العمل.
- الشعور بالإنتماء: والذي يقصد به شعور الفرد بانتمائه لوظيفته ولفريقه وللمنظمة، ويتحقق ذلك من خلال مرافقة الموظف، من أجل تكييفه مع عوامل ومتغيرات أخرى لبيئة العمل ووظيفته
- تطوير الأداء: حيث يمنح للموظفين فرصة تحسين مهاراتهم واكتساب المعرفة للاستعداد لمستويات أعلى من المسؤولية، وذلك بفضل دوران التدريب والندوات و ورشات العمل والمؤتمرات التي توفرها استراتيجية المنظمة المدعمة للاندماج الوظيفي.
ويمكن القول أن الاندماج الوظيفي له مجموعة خصائص فهو بمثابة الطاقة الجسدية التي يبذلها الموظفون للاندماج في قيم المؤسسة وسلوكياتها، ويتعامل الجانب العاطفي مع كيف يشعر الموظفون اتجاه عملهم والطاقة العاطفية اللازمة في العمل. كما أنه يوصف بكونه العاطفة والتعلق بالمؤسسة والفخر، والرغبة في أن يكون المرء هو المتحدث باسم المؤسسة والداعي لها، وكذلك فهم أهدافها والعمل على تنفيذها. ويصف الاندماج مستوى الحماس والتفاني والإخلاص الذي يشعر به الموظف اتجاه وظيفته (خلفة، 2020).
ثالثا: تأثير الثقافة التنظيمية على الاندماج الوظيفي
يمكن القول أن الثقافة التنظيمية السائدة في المنظمات تساهم في رفع أو خفض مستويات الاندماج بمعدلات متباينة تبعا لنوعية الثقافة السائدة، فالثقافة المرنة التي تعتمد على العمل في مناخ مفتوح من الاتصالات وتبادل المعلومات وإتاحة الفرصة للعاملين للمشاركة في عمليات اتخاذ القرار، وتحقق الاندماج نتيجة زيادة إقبال العاملين على العمل وزيادة درجات ولائهم وانتمائهم للمنظمات. أما الثقافة الجامدة التي تعتمد على السلطة المركزية، وتقيد الصلاحيات، وتعتمد على التسلسل الهرمي، وإصدار الأوامر والتعليمات مما يترتب عليه انخفاض مستويات الاندماج، ولا يشترط جمود الثقافة أو مرونتها بل قد تكون الثقافة التنظيمية غير ملائمة لطبيعة النشاط، مما يترتب عليه انخفاض مستويات الاندماج (بابوري،2016).
كما أن الثقافة التنظيمية تـزود العاملين بالإحسـاس بالهويــة، وكلمـا كـان مـن الممكـن التعـرف علـى الأفكـار والقـيم الـتي تسـود المنظمـة كلمـا زادت قوة ارتبـاط العـاملين برسـالة المنظمة وزاد شعورهم بأنهم جزء حيوي منها، حيث أن نجاح الاندماج الوظيفي يتوقف على وجود ثقافة تنظيمية تدعم جهود العاملين في المنظمة التي تؤدي إلى الوصول إلى أقصى استفادة ممكنة من الأداء، بحيـث تكـون بيئة مشجعة على الإدارة الفعالة للأداء (خلوف،2013، ص272).
لذلك أرى أن الثقافة التنظيمية لها تأثير إيجابي واضح على الاندماج الوظيفي، أي أن العلاقة بينهم علاقة طردية، حيث أن الثقافة التنظيمية لها دور أساسي في الرفع من إنتاجية العاملين وتحقيق رضاهم الوظيفي ورفع مستوى الاندماج الوظيفي والرفع من الروح المعنوية لديهم ويسهل عملية الاتصال فيما بينهم، فالبيئة التنظيمية التي تقوم على مبدأ العلاقات الإنسانية والتي تضم مبادئ التعاون والالتزام وروح الفريق والعمل ضمن إطار ثقافي واحد يدفعهم إلى الرغبة الجادة في العمل ويساهم في زيادة انتمائهم وحبهم لممارسة العمل وتحقيق أداء مميز. في حين أن انعدام وجود الثقافة التنظيمية أو انخفاض مستوياتها يساهم في خفض الأداء والاندماج، فغيابها يؤدي إلى شعور العاملين بنوع من الإحباط والملل، ويؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية وانخفاض الانتاجية.
لذلك فإن نشر الوعي حول مفهوم الثقافة التنظيمية والاعتماد على مبدأ العلاقات الإنسانية وتنظيم آلية العمل بين العاملين أنفسهم وبين العاملين والمدراء واعتماد التسلسل المنظم في العمل وتبني المعتقدات التنظيمية يساهم في إنجاز العمل والمهام بصورة سليمة ومميزة ويساهم في إشباع حاجاتهم ورغباتهم وبالتالي زيادة معدلات الرضا الوظيفي والاندماج الوظيفي ويحقق فيما بعد رفع مستوى كفاءة الأداء الوظيفي.
خاتمة
تهدف الثقافة التنظيمية إلى تحسين قدرات العاملين وإطلاق طاقاتهم ومعارفهم ومنحهم سلطة كافية لاتخاذ القرارت والإبداع والابتكار، وترجع أهمية الثقافة التنظيمية لدورها الفعال في خلق ميزة تنافسية للمنظمة تمتاز بها عن غيرها من المنظمات، ومن الوسائل المهمة أيضا لتحقيق ذلك هو تحقيق الاندماج الوظيفي وتنمية مشاعر الولاء والسلوك الانتمائي لدى الافراد في المنظمة. اذ يتطلب العمل على تحسين أداء العاملين وتحقيق الاندماج الوظيفي لهم في مختلف المنظمات بناء ثقافة تنظيمية مرنة تسمح بإجراء تغييرات إيجابية في أساليب مواجهة المشكلات والعقبات وإدخال قيم تساعد على تفعيل الأفكار والتقليل من مقاومة التغيير والجديدة التي من شأنها أن تحسن الأداء الوظيفي للعاملين.
ويعتبر الاندماج الوظيفي اتجاها إيجابيا يحمله الأفراد نحو منظماتهم ويسعى إلى تحقيق المساواة الاجتماعية من خلال مشاركة الموظفين في اتخاذ القرار وتشجيعهم على العمل، وبث روح التعاون وتحفيز الشعور بالانتماء للوظيفة. كذلك تطوير الأداء، حيث يمنح للموظفين فرصة تحسين مهاراتهم واكتساب المعرفة للاستعداد لمستويات أعلى من المسؤولية، وذلك بفضل دوران التدريب والندوات و ورشات العمل والمؤتمرات التي توفرها استراتيجية المنظمة المدعمة للاندماج الوظيفي. ويمكن القول أن الثقافة التنظيمية لها تاثير إيجابي واضح على الاندماج الوظيفي، أي أن العلاقة بينهم علاقة طردية، حيث أن الثقافة التنظيمية لها دور أساسي في الرفع من إنتاجية العاملين وتحقيق رضاهم الوظيفي ورفع مستوى الاندماج الوظيفي والرفع من الروح المعنوية لديهم ويسهل عملية الاتصال فيما بينهم.
قائمة المراجع
بابوري مريم. (2016). تأثير الثقافة التنظيمية على الأداء الوظيفي للمورد البشري. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة 8 ماي 1945، قالمـــة، الجزائر.
حماني، عبير واخرون. (2019). أثر الثقافة التنظيمية على الأداء الوظيفي للعاملين دراسة حالة جامعة الشهيد حمه لخضر الوادي. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الوادي، الجزائر.
خلفة، هدى. (2020). العوامل المؤثرة في الإندماج الوظيفي في المؤسسة الجزائرية. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة 08 ماي 1945، الجزائر.
خلوف، زهرة. (2013). الثقافة التنظيمية كأحد العوامل المؤثرة على الأداء الوظيفي. مجلة الاقتصاد الجديد 1(9): 257-276.
عبد الرازق، خالدية وآخرون.(2019). الثقافة التنظيمية وتاثيرها في تحديد التوجه الاستراتيجي للمنظمة. المجلة العربية للادارة، 39(1):151-178.
العتيبي، ضرار (2012). دراسة وتحليل العوامل المؤثرة على مستوى الاندماج الوظيفي لأعضاء هيئة التدريس بجامعة الملك خالد. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الازهر، مصر.
مرزوق، سارة. (2017). دراسة أثر التمكين في تحقيق الاندماج الوظيفي للعاملين – دراسة حالة مجمع عموري -بسكرة. اطروحة دكتوراه، مجلة دراسات اقتصادية، 4(3):162-187.
مشارقة، عودة. (2015). الثقافة التنظيمية ودورها في تعزيز الولاء التنظيمي لدى العاملين في الوزارات الحكومية في فلسطين. مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات الإدارية والاقتصادية، 1(4)،15-40.