عرفت مصر القديمة واليونان والرومان معاهداً للتعليم العالي، إلا أن مؤرخي التربية أجمعوا على أن جامعة بولونيا الإيطالية “أواخر القرن الثاني عشر” هي أول جامعة في الغرب. أما في الشرق الإسلامي فيعتبر جامع الأزهر “القرن العاشر الميلادي” أول وأقدم جامعة إسلامية، بالرغم من أنه لم يطلق عليه اسم جامعة إلا عندما أعيد تنظيمه عام 1961م.
نمت الجامعات الأولى في العصور الوسطى نمواً تلقائياً دون تخطيط، ولا قانون بإنشائها وتنظيمها كما هو الحال اليوم، وإنما جاء نموها نتيجة تطور ونضج رسالتها العلمية، واستحداث دراسات جديدة، علماً بأن العلوم العربية كانت مصدراً أولياً للعقول في الجامعات الغربية طيلة العصور الوسطى، فقد أخدت عنها التقاليد العلمية. وكانت المراجع العربية هي الأصول التي تُدرس بهذه الجامعات.
ظهرت الجامعات في العصور الوسطى نتيجة لرغبة ملحة في التعلم، بعد فترة الظلام الفكري التي سادت أوروبا، ونتيجة لاتساع المدن ونموها، وما صاحبها من ظهور تجمعات سكانية كبيرة، وما تطلبته المستجدات من مهن متنوعة، في الطب والقانون والفلسفة واللاهوت.
انتشرت الجامعات حتى القرن الخامس عشر في كل المدن الكبرى في أوروبا، فإلى جانب جامعة بولونيا وبادو ونابولي في إيطاليا، نجد في إسبانيا جامعة قرطبة في القرن العاشر، وفي فرنسا جامعة باريس “أم الجامعات” والتي تعرف اليوم بجامعة “السوربون”، إضافة إلى جامعة مونبلييه لتعليم الثقافة العربية، والتي استمر عملها بجهود أساتذة عرب حتى نهاية القرن الثالث عشر. وفي انجلترا هناك جامعة أكسفورد في القرن الثاني عشر، أما في القرن الثالث عشر فكانت كمبريدج في إنجلترا؛ وسانت أندروز وجلاسجو وأبردين في اسكتلندا، وجامعة اشبيلية التي أنشاها الفونس الحكيم لدراسة العربية واللاتينية. وفي ألمانيا كانت أولى الجامعات هي جامعة فينا في القرن الرابع عشر وكولون، بالتزامن مع جامعة براغ في تشيكوسلوفاكيا، بينما في بولندا والمجر والسويد والدانمارك كانت بداية نشأة الجامعات في منتصف القرن الخامس عشر.
أما في المشرق العربي الإسلامي فقد ظل الجامع الأزهر مركزا مهما للتعليم العالي، وإلى جانبه نجد جامعة الزيتونة في تونس، والقيروان في فاس بالمغرب. علماً بأن فترة الحكم العثماني للبلاد العربية تعتبر فترة ركود فكري وثقافي انعكست آثارها على كافة جوانب الحياة ومنها التعليم الجامعي. وقد كانت القسطنطينية مركزا للحركة السياسية والثقافية للامبراطورية العثمانية، وكان الطلاب العرب يتوجهون إليها لمتابعة تعليمهم العالي في مجالات الطب والعلوم.
ومع أواسط القرن التاسع عشر بُنيت الكلية السريانية والبروتستانتية في بيروت، والتي سميت لاحقاً بالجامعة الأمريكية، ثم تلاها تأسيس جامعة الآباء اليسوعيين التي سميت بجامعة “الحبر الأعظم”، وكان يدرس فيها الطب والدراسات اللاهوتية. وقد سميت لاحقاً “جامعة سان جوزيف” وضمت كلية للهندسة وأخرى للقانون.
وكانت الجامعات في العصور الوسطى تعد الأفراد للمهن المختلفة في الطب والقانون واللاهوت والتدريس، وكانت تقوم على التنظيم الرباعي الذي يشمل “الآداب والقانون واللاهوت والطب” وهو تقسيم اعتمدته الجامعات لفترة طويلة. وكانت الدراسة في كلية الآداب تشمل “النحو والفلسفة والمنطق والخطابة والرياضيات والميتافيزيقا والفلسفة الأخلاقية والطبيعية”؛ وكان لأفكار أرسطو على المنهج الجامعي سلطة عليا في الموضوعات التي كتب فيها، وتراوحت مدة دراسة الآداب من 4 إلى 7 سنوات؛ ويمنح الطالب الذي ينهي المقرر كاملاً بنجاح درجة الماجستير.
ومنذ بداية القرن الرابع عشر كان يشترط للقبول بدراسة الآداب أن يكون الطالب قد أنهى مدرسة النحو (الثانوية)، كما كان عليه أن يجتاز امتحان قبول الجامعة. وبعد إنهاء دراسته الجامعية، يمكنه التدريس بالجامعة أو أن يعمل قسيساً إذا وجد أسقفاً يرعاه، حيث كانت دراسة الآداب شرطاً لمواصلة الدراسة في هذه الميادين. أما دراسة اللاهوت فتصل إلى ثمان سنوات للحصول على درجة الدكتوراه.
أما الطب والقانون فكانت تتراوح مدة الدراسة فيهما بين خمس وثمان سنوات. وكانت الكتب قليلة، حيث يعتمد الطلاب على المذكرات والملخصات اليومية، حيث قرر أساتذة باريس في القرن الرابع عشر استخدام استراتيجية المحاضرة البطيئة لمساعدة الطلاب على التدوين خلال المحاضرات. وصدرت الأوامر لأساتذة الفلسفة بعدم إلقاء المحاضرة بطريقة سريعة، والا مُنعوا من التدريس، وحُرموا من الامتيازات الجامعية مدة عام.
وفي عام (1366م) حرّم على الأساتذة قراءة محاضراتهم من مذكرات مكتوبة، ولكن يسمح لهم بوضعها أمامهم لمساعدتهم على تذكر النقاط الرئيسة للمحاضرة. وكانوا يجلسون على طاولة مرتفعة، بينما الطلاب يجلسون على كراسي أو أدراج. كما ظهرت قاعدة في جامعة باريس، يجلس بموجبها طلاب الآداب على الأرض، حتى تُنتزع من نفوسهم نزعة الغرور.
أما حول أساليب حفظ النظام بين الطلاب، فقد تنوعت من لفت النظر الشفهي والخطي، إلى الفصل، وقد تصل إلى السجن والعقاب الجسدي. كما اختلفت إدارة الجامعات الأولى من بلد لآخر ومن جامعة لأخرى فيما يخص السلطة على الجامعة. وقد تم تنازع السلطة بين الأساتذة والطلاب، فمثلاً في إيطاليا وجنوب أوروبا، كانت السلطة في يد الطلاب، أما في باقي أوروبا، فكانت السلطة للأساتذة.
إلا أن التطلع لفرض الهيمنة على الجامعات، جاء من السلطة الدينية، علماً بأن السلطة المدنية لم تظهر إلا رغبة قليلة في حرمان الجامعات من استقلالها الذاتي. وكان الإشراف على مدارس الكاتدرائيات حكراً على الأساقفة، وهم أنفسهم مديرو تلك المدارس. علماً أن بعض الجامعات الاسكتلندية تأسست على يد أساقفة محليين.
كما اعتُبر مراقب الجامعة أو مديرها الإداري ممثلا للأسقف المحلي، وسلطته تكون أكبر في الجامعات التي يعين فيها من قبل الأسقف. في حين أن بعض الجامعات كأكسفورد مثلا، يتم انتخاب المدير الإداري من الأساتذة، ولا يتمتع بأي امتيازات أو سلطات كنائسية، حتى لو كان رجل كنيسة. وكانت مهامه محددة ضمن لوائح وقوانين الجامعة، وهي ملزمة للأساتذة والطلاب والعاملين على حد سواء.
ومع مطلع القرن السادس عشر، كانت أهم الوظائف التي تركت للمدير الإداري، ترتيبات الامتحانات ومنح شهادات الخريجين، بل أصبح للأساتذة سلطة أكبر في إدارة الجامعة،. وكانوا يتحدون أي تدخل في شؤون الجامعة من جانب السلطات الدينية، أو المدنية أو المحلية؛ إلا أن استقلالية وحرية الجامعات بدأت تتلاشى في عصر “الإصلاح الديني”، حيث استولى رجال الدولة والكنيسة على السلطة في الجامعات، وحولوها لخدمة أغراض الدولة والكنيسة.
لم تكن الدرجة الجامعية الأولى التي نعرفها الآن وهي درجة الليسانس أو البكالوريوس معروفة في البداية في الجامعات، بل كانت تمنح درجة الماجستير أو الدكتوراه لكل من أتم الدراسة. وكانت درجة الدكتوراه تمنح من الكليات الممتازة فقط، أما درجة البكالوريوس فقد ظهرت عندما سُمح للطلاب بعد انتهاء أربع أو خمس سنوات دراسية بالعمل كمحاضر لعدة سنوات قبل تخرجه. فكان يطلق عليه لقب “bachlehor” وهو لقب يحمله الفرسان الذين يعملون في خدمة الفرسان الأكبر منهم. ومع الوقت، أصبح على هؤلاء المحاضرين اجتياز امتحان رسمي، والناجح منهم كان يحصل على لقب “bachelor”، وكان الامتحان مناقشة بين الطالب وأستاذه، بالإضافة لامتحان في مجموعة من الكتب المختارة بوساطة لجنة و رسالة علمية يقدمها ويدافع عنها دفاعاً طويلا، ومفصلاً أمام زملائه وأساتذته وخصومه وكل معارضي فكرته. وعادة ما ينهي الطالب الدرجة الجامعية الأولى في سن 19 عاما تقريباً، وهي سن صغيرة بالمقارنة مع خريجي الجامعات المعاصرة.
المراجع:
حجي، أحمد وشهاب، لبنى (2011). التعليم العالي والجامعي المقارن حول العالم، عالم الكتب، القاهرة.
شعيرة، خالد وغباري، ثائر (2010). التربية المستقبلية الملامح والطموح، مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع، عمان، وسط البلد.
هلالي، أحمد (2012). عولمة التعليم الجامعي، دار الشروق، عمان.
دياني، مراد (2017). الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، بيروت، لبنان
الشلبي، فاهوم (2011). إضاءات في التعليم العالي، منشورات جامعة القدس المفتوحة، مطبعة آدم، رام الله.
سلام الله الأستاذة الفاضلة
وشكرا على المقال المفيد والممتع
فقط اريد ان انبه الى ان. جامعة فاس اسمها القرويين .
مع كل التقدير والإحترام .