منذ السابع من أكتوبر 2023، ومع اندلاع الحرب على قطاع غزة، تعرّض المجتمع الفلسطيني لزلزالٍ من الأبعاد متعددة الجوانب، كان من أبرزها تأثير الحرب المدمر على قطاع التعليم. لقد أدت هذه الحرب بشكل جذري إلى تدهور جودة التعليم وإضعاف إمكانية الوصول إليه، مما أسفر عن توقف كامل للعملية التعليمية خلال الأشهر الستة الأولى. ومع بداية محاولات بعض الجامعات لنقل الطلبة إلى مؤسسات تعليمية في الضفة الغربية، واجهت هذه المبادرات تحديات جمة نتيجة للبنية التحتية الهشة والظروف الاستثنائية. أما فيما يخص تلاميذ المدارس، فكان الوضع أكثر مأساوية، حيث تركزت جهود التعليم في المخيمات على تعليم الأطفال بعض الأساسيات فقط. في هذا المقال، سوف نستعرض التأثيرات المدمرة للحرب على التعليم في غزة من عدة زوايا، بدءًا من البنية التحتية وصولًا إلى التأثيرات النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
أولاً: تدمير البنية التحتية التعليمية
الدمار المادي: تعرضت العديد من المدارس والمنشآت التعليمية للقصف والتدمير، مما أدى إلى شلل كامل للعملية التعليمية. وقد أظهرت تقارير منظمات حقوق الإنسان حجم الكارثة، حيث أفاد تقرير الأونروا في 14 يونيو 2024 أن 625 ألف طفل حُرموا من التعليم منذ بداية الحرب. كما أُعلن عن حرمان 39 ألف طالب وطالبة من تقديم امتحانات الثانوية العامة لهذا العام. ووفقًا للمكتب الحكومي في 13 يوليو، فقد دُمرت أكثر من 115 جامعة ومدرسة بشكل كلي، بالإضافة إلى تضرر 328 منها جزئيًا.
نقص المرافق الأساسية: أسفرت الحرب عن تدمير شبكات الكهرباء والمياه، مما أدى إلى نقص حاد في المرافق الأساسية داخل المدارس، مثل المياه النظيفة والكهرباء والمرافق الصحية. وقد أثر هذا النقص سلبًا على بيئة التعلم، مما جعل من الصعب توفير الظروف اللازمة لاستمرار العملية التعليمية بشكل فعّال.
ثانياً: التأثير النفسي والاجتماعي على الطلبة
الصدمة النفسية: عاش الأطفال في غزة تجارب صادمة نتيجة لمشاهد العنف والدمار وفقدان الأحبة، مما أثر بشكل كبير على قدرتهم على التركيز والتعلم وزاد من معدلات القلق والاكتئاب بينهم. تحتاج هذه الصدمات إلى تدخلات نفسية متخصصة لمساعدة الأطفال على تخطيها واستعادة قدرتهم على التعلم بعد انتهاء النزاع.
الغياب والانقطاع عن الدراسة: أدت حالة الرعب وعدم الاستقرار الأمني إلى تغيب الطلاب عن المدارس لفترات طويلة. فقد أظهرت بيانات وزارة التربية والتعليم العالي أن الطلاب في غزة لم يلتحقوا بالتعليم لمدة سنة كاملة من السابع من أكتوبر حتى نهاية العام الدراسي 2023/2024. كما أُعلن عن مقتل 391 معلمًا و8227 طالبا، مما زاد من تعقيد الأزمة التعليمية.
ثالثاً: التعليم العالي والبحث العلمي
توقف الجامعات: توقفت الجامعات في غزة عن العمل، وتعرض الأكاديميون وطلاب الجامعات للقتل والنزوح والاعتقال، مما سيؤثر سلبًا على جودة التعليم العالي والبحث العلمي. وقد أفادت وزارة التربية والتعليم العالي بأن 105 من الكوادر الأكاديمية قُتلوا، مما يزيد من تعقيد المشهد الأكاديمي.
تقييد الحركة: القيود المفروضة على الحركة تعرقل قدرة الأكاديميين والطلاب على السفر والمشاركة في الفعاليات الأكاديمية الدولية، مما يحد من تطور البحث العلمي ويدفع إلى عزلة أكاديمية.
رابعاً: التأثير الاقتصادي
الفقر والمستلزمات الدراسية: تعيش معظم الأسر في غزة تحت خط الفقر، مما يجعل توفير المستلزمات الدراسية الأساسية مثل الكتب والأدوات المدرسية تحديًا كبيرًا. كما دفع الفقر بعض الأطفال إلى العمل لدعم أسرهم، مما يعوق استمرارهم في التعليم.
البطالة: ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب يؤثر سلبًا على دافع التعليم، حيث يفقد الكثير من الطلاب الأمل في أن يوفر لهم التعليم فرص عمل مستقبلية، مما يزيد من معدلات التسرب الدراسي.
خامساً: الدور الدولي والمساعدات
المساعدات الإنسانية: تلعب المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة واليونيسف دورًا حيويًا في تقديم الدعم للقطاع التعليمي في غزة، بما في ذلك إعادة بناء المدارس وتوفير المواد التعليمية وتدريب المعلمين.
الضغط الدولي: يمكن للمجتمع الدولي أن يسهم بشكل فعّال في الضغط من أجل إنهاء النزاع وإدخال المواد الأساسية لتحسين البنية التحتية التعليمية، مما يسهل عودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية بعد عام كامل من الانقطاع.
في الختام، كانت الحرب الإسرائيلية على غزة كارثية على مختلف جوانب الحياة، وخصوصًا على التعليم. من تدمير البنية التحتية التعليمية إلى التأثيرات النفسية والاجتماعية على الطلبة، ويتضح أن الطريق نحو استعادة التعليم في غزة ما زال طويلاً. يحتاج المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده لدعم قطاع التعليم وضمان حق الأطفال في التعليم بالرغم من الظروف الصعبة، كما كفلته القوانين والمواثيق الدولية.