سنحاول1 من خلال هذا العمل2 تقديم بعض المعطيات التي من شأنها مساعدتنا على الإجابة على السؤال المطروح و هو: هل ينحصر تطبيق الإطار المرجعي الأوروبي المشترك لتعليم اللغات على الدول الأوربية؟
سنعتمد في إجابتنا على النصوص المهتمة بموضوع الإطار المرجعي الأوروبي، و ذلك بالإجابة على الأسئلة التالية:
1 – ما هو الإطار المرجعي الأوربي؟
2 – ما سبب اهتمامنا بهذا الموضوع؟
3 – ما هي أهداف الإطار المرجعي الأوربي؟
4 – ما هو تصور الإطار المرجعي الأوربي لعملية التعليم و التعلم؟
5 – هل يشكل الإطار المرجعي الأوربي امتدادا أو انفصالا لما هو متعارف عليه في ميدان التعليم و التعلم؟
6 – ما هو تصنيف مستويات الكفاءة اللغوية؟
أ– ماهو كتاب الإطار المرجعي الأوروبي المشترك للغات؟
سنعرض في البداية الظروف التي كانت وراء تأليف هذا الكتاب، و هو عبارة عن جزء من لقاء أُجري مع أحد مؤلفي هذا الكتاب و يُدعى دانيال كوست Coste) 2008 ، ص لقاء). و لقد تحدث دانيال كوست، عن السبب الرئيسي لتأليف هذا الكتاب، في الحوار الذي أُجري بتاريخ 5 فبراير 2008– وهو وضع حل لإشكالية معادلة الشهادات الممنوحة من مختلف دول المجلس الأوروبي. و قد جاء في هذا الخصوص: “إن الإشكالية المطروحة الآن هي كيفية القيام بمعادلة الشهادات (…) و هناك مدخل غير علمي، و هو مدخل من النوع العملي و شبه مؤسساتي يتعلق بالمقيمين و شبه المقيمين و مانحي الشهادات و مستعمليها كذلك، و ذلك لمعرفة ما تعادله هذه الشهادات الممنوحة من جامعة كامبرج عند مقارنتها بشهادة ممنوحة من مؤسسة تعليمية أخرى. إننا نتوجه، في إطار هذه الديناميكية، إلى المجلس لمطالبته بإمكانية تزويدنا بأداة مرجعية تسمح لنا بمعادلة الشهادات بعضها ببعض. لكي تصبح الأمور أكثر وضوحا. وتتم عملية المعادلة بطريقة شفافة و أكثر منطقية. و أعتقد أن الطلب الأول هذا، مهم (…) من جانب المجلس الأوروبي، خاصة السيد جون تريم Jean Trim الذي من واجبي أن أذكر اسمه باعتباره المسؤول عن مشروع اللغات في المجلس الأوروبي. ويقول جون تريم في هذا الخصوص: “إننا جاهزون للموافقة على هذا الطلب و لكن علينا أن نقوم، في الوقت نفسه، بإعداد شيء أكثر اتساعا. و لنحاول اقتراح مرجع موحد لمختلف المستعملين غير أنه لا ينحصر في مجال القيم فقط، بل يشمل كل ما يدخل في عمليتي التعليم و التعلم كذلك”.
“يجب في نفس الوقت أن نقوم بإعداد شيء يكون أكثر اتساعا. لنحاول اقتراح مرجع موحد لمختلف مستعملي اللغة لا ينحصر فقط على مجال التقييم، بل يشمل كذلك على كل ما يدخل في إطار عمليتي التعليم و التعلم”.
إن ما ورد في هذا اللقاء مع دانيال كوست يوضح أن الرغبة في إيجاد حل لإشكالية معادلة الشهادات الممنوحة من مختلف الأنظمة التعليمية للدول الأعضاء في المجلس الأوروبي هي السبب الرئيسي لظهور الإطار المرجعي الأوروبي المشترك للغات.
و جاء في التقرير الأول و الذي هو جزء من المحاضرة التي ألقاها السيد فراسيس جويي Francis. Goullier بعنوان: هل يجب تطبيق الإطار المرجعي الأوروبي المشترك للغات3، و قد أشار فراسيس جويي في هذه المحاضرة إلى: “أن الإطار المرجعي الأوروبي هو، في الحقيقة، صندوق أدوات متماسك. و يتناول هذا الصندوق، فيما يتعلق باللغات، وصف وضعية الأفكار السائدة في أوروبا بالنسبة للغات. كما أنه موجه للفاعلين و للمؤسسات و المدرسين و إلى الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي، قائلا: “إن كان لديكم مشاكل أو أسئلة حول تعليم اللغات في مدارسكم و بلدانكم، فابحثوا في الصندوق المقترح و ستجدون الأداة التي يمكن أن تساعدكم”.
أما الاقتباس الثاني فهو من كتاب بعنوان: أدوات المجلس الأوروبي لتعليم اللغات لمؤلفه فرانسيس جويي (2005 ، ص 10). و قد تحدث فيه الكاتب عن ماهية الإطار المرجعي الأوروبي المشترك، قائلا: “إن الإطار المرجعي الأوروبي المشترك هو أساسا أداة تسمح للفاعلين في مجال تعليم اللغات في مختلف الأنظمة التربوية بالتساؤل حول خياراتهم من جهة، و خيارات المؤسسات التي يعملون فيها من جهة أخرى. و بإمكان هؤلاء الفاعلين، و بمساعدة الإطار المرجعي، القيام بعملية وصف خياراتهم التعليمية و مقارنتها إلى جانب الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها في مجال التعليم و النتائج التي توصلوا إليها على مستوى كفاءات المتعلمين”.
أما فيما يتعلق بالاقتباس الثالث، فتقول كلير بورجينيون Claire Bourguinon (محاضرة ، 2008) في محاضرة4 ألقتها في اليابان في سنة 2008: “إن الإطار المرجعي، بالنسبة لي، هو دليل يحتوى على مجموعة من الأفكار التي تساعد المدرسين على حسن إدارة العملية التعليمية و تشكل الإطار الذي ينظم عملية التفكير. و قد تم ذكر ذلك بصورة واضحة في الكتاب. و من الممكن، بواسطة هذه الأداة، جمع المدرسين لكي يضعوا طرق ممارساتهم اليومية للعملية التعليمية موضع تساؤل. و أعتقد أنه نجح في ذلك”.
و أخيرا ، بالنسبة للاقتباس الرابع ، فيذكر مؤلفو الإطار المرجعي الأوروبي (Le Conseil de l’Europe 2005 ، ص 4): “إذ أننا نطرح الأسئلة و لا نعطي إجابات؛ فليس من مهام الإطار المرجعي الأوروبي العام أن يحدد ماهية الأهداف التي ينبغي على مستخدميه أن يطمحوا إليها أو ما هي الأساليب التي يستخدمونها في ذلك. و لكن ذلك لا يعني أن هذه المسائل ليست ذات شأن بالنسبة إلى المجلس الأوروبي”.
من خلال قراءتنا للاقتباسات الأربعة يمكن أن نقول أن كتاب الإطار المرجعي الأوروبي هو:
1 – أداة موجهة إلى كل من له علاقة بالعملية التعليمية، حيث إنه يحتوى على أفكار يمكن أن تشكل حلولا للمشاكل التي يمر بها المدرسون والمؤسسات التعليمية بوجه عام.
2 – أداة و صفية تسمح للمدرسين و غيرهم من الفاعلين في المؤسسات التعليمية بمقارنة خياراتهم فيما يخص إدارتهم للعملية التعليمية ومقارنتها بخيارات المؤسسات التعليمية الأخرى.
3 – أداة تسمح للمدرسين بالتفكير الجماعي و التساؤل حول مدى فعالية ممارساتهم اليومية للعملية التعليمية.
4 – أداة وصفية غير ملزمة للأنظمة التعليمية بتبني طريقة معينة في التعليم.
و فيما يخص النقطة الأخيرة، فمن الممكن أن نضيف شيئا آخر، و هو أن تبني الإطار المرجعي الأوروبي المشترك بعدم إلزام الأنظمة التعليمية بإتباع طريقة تعليمية معينة هو موقف نابع من مبادئ المجلس الأوروبي و معتقداته و هو المكلف بتأليف الكتاب موضوع الدراسة. و حسب مؤلفي الإطار المرجعي بخصوص هذه النقطة بالنسبة للمناهج الدراسية، فإن من مبادئ المجلس الأوروبي المشترك، أن يتم توظيف الطرق التي تعرف بأنها أكثر فعالية لتعليم اللغات و تعلمها و البحث فيها للوصول إلى الأهداف المنشودة و المتفق عليها حسب احتياجات الدارسين في سياقهم الاجتماعي. و ترتبط فعالية تحقيق ذلك بالحوافز و الخصائص الشخصية للمتعلم من جهة و بالموارد البشرية و المادية التي يمكن توظيفها من جهة أخرى.
ب– ما سبب اهتمامنا بهذا الموضوع؟
أجاب فراسيس جويي(F. Goullier 2005 ، ص 10)، باعتباره مفتشا في وزارة التعليم الفرنسية و مناضلا في الوقت نفسه، من أجل تطبيق الإطار المرجعي الأوربي – على السؤال قائلا: “فتح كتاب الإطار المرجعي الأوربي عصرا جديدا في مجال تعليم اللغات الحية في أوروبا باعتباره أول أداة ممكنة لتطبيق السياسة على كل اللغات الحية”. ( الأدوات ، ص. 10)
تقودنا قراءة هذه الفقرة إلى التساؤل حول طبيعة المعطيات التي يحتوى عليها الكتاب الذي لا يمكن الاستغناء عنه في ميدان تعليم اللغات. و تقودنا هذه الفقرة، بتعبير آخر ، لطرح السؤال الآتي: ما هي الأفكار و الإسهامات الجديدة التي يحتوى عليها هذا الكتاب؟
يقول مؤلفو الكتاب (2005 ، صفحة الغلاف الخلفية) Le Conseil de l’Europe: “يشكل الإطار المرجعي الأوروبي المشترك الأساس العام لتطوير مناهج تدريس اللغات المستهدفة، و الخطوط العامة للمنهج الدراسي و الاختبارات و الكتب التعليمية و غيرها في أوروبا بأكملها. و يصف بشكل كامل ما الذي يتعين على الدارسين فعله و دراسته لكي يتمكنوا من استخدام ما لأغراض اتصالية. و كذلك يصف ماهية المعارف و المهارات التي يجب على الدارسين تنميتها لكي يصبحوا قادرين على التعامل بنجاح و بشكل اتصالي جيد”. يمكن إذن أن نفسر الاهتمام الملحوظ بهذا الكتاب بكونه موجها إلى كل العاملين في ميدان التعليم. و يمكن القول، حول هذه النقطة، أن لهذا الكتاب هدفا عاما – يتخطى الحدود الأوروبية – فهو ليس موجها للمدرسين فقط و لكن إلى كل الفاعلين في ميدان التعليم. و لقد عبر مؤلفو الإطار المرجعي بالقول: “إن الإطار المرجعي الأوروبي المشترك هو أداة ذات قيمة لا يمكن تقديرها لأنه موجه لمدربي الأساتذة و مصمصي المناهج و واضعي الامتحانات و لمؤلفي الكتب المنهجية و وسائل الإيضاح التربوية كذلك”.
ج – ما هي أهداف الإطار المرجعي الأوروبي المشترك؟
إن الأهداف الرئيسة التي تم ذكرها في المراجع المطلع عليها هي:
1 – تزويد الأوروبيين بمرجعيات و معايير موحدة لتقييم مستوى الكفاءة اللغوية و لوضع توافق عند تقدير مستوى القادمين من دول مختلفة و هو ما أصبح ضروريا كما أشار دان ألان Dave Allen عالم اللغة البريطاني (تقديم الإطار المرجعي مفتشي تعليم اللغة الإنجليزية في أكاديمية باريس أيام 11 و 12 أبريل سنة 2005)
2– تشجيع تنقل الناس بين الدول الأوروبية و خاصة في ميدان العمل. (تقديم الإطار المرجعي مفتشي تعليم اللغة الإنجليزية في أكاديمية باريس أيام 11 و 12 أبريل سنة 2005)
3– الرفع من مستوى كفاءة التواصل لدى الأوروبيين و الشفافية عند تحديد المستويات في اللغة. (فراسيس جويي ، 2005 F. Goullier ، ص 3)
4 – تحفيز التفكير لدى العاملين في مجال التعليم حول طريقة تدريسهم (فراسيس جويي 2005 F. Goullier ، ص 11)
و يمكن القول من خلال هذه النقاط أن أهداف الإطار المرجعي الرئيسة هي:
1 – توحيد طريقة التقييم قي مختلف دول المجلس الأوروبي.
2 – تزويد المواطنين الأوروبييين بمستوى كفاءة – كما يقال – متعدد اللغات، لا يسمح لهم باستعمال اللغة عند الانتقال عبر مختلف الدول الأوروبية فقط، و لكن عند الإقامة فيها كذلك.
3 – وأخيرا، حث الفاعلين في مجال التعليم على التفكير بشأن طريقة ممارساتهم اليومية لمهنة التدريس.
نلاحظ ، أنه من خلال الأهداف الأربعة السابق ذكرها، أن النقطة الثالثة و الأخيرة لا تتعلق فقط بالأوروبيين و لكنها يمكن أن تمثل هدفا يتخطى حدود الدول الأوروبية.
و لتحقيق الأهداف السابقة، أشار مؤلفو الإطار المرجعي (2005 ، ص 9) Le Conseil de l’Europe، بشيء من التفصيل، إلى ما يجب على الطالب تعلمه لكي يكتسب مستوى لغويا فعالا و ذلك عند وصفهم لمحتوى الإطار المرجعي قائلين: “يصف (الإطار) بشكل كامل ما الذي يتعين على الدارسين فعله و دراسته لكي يتمكنوا من استخدام اللغة لأغراض اتصالية. و يصف ماهية المعارف و المهارات التي يجب على الدارسين تنميتها كذلك لكي يصبحوا قادرين على التعامل بنجاح و بشكل اتصالي جيد ، و يغطي هذا الوصف كذلك السياق الحضاري الذي توطنت فيه اللغة”.نستطيع القول من خلال هذا الاقتباس إن مؤلفي الإطار المرجعي الأوروبي لم يأخذوا بعين الاعتبار عملية التعليم فحسب ، بل عملية التعلم أيضا و ذلك حين تضمينهم في هذا العمل وصفا للمهارات التي يجب أن يكتسبها المتعلمون لكي يصبحوا قادرين على التحدث بلغة سليمة.
د – تصور كتاب الإطار المرجعي الأوروبي لعملية التعليم و التعلم
بعد أن حاولنا الإجابة عن ماهية كتاب الإطار المرجعي الأوروبي (2000 ، ص 15) Le Conseil de l’Europe وأهدافه، نتطرق إلى البحث عن تصور الإطار المرجعي الأوربي لعملية التعليم و التعلم. وبتعبير آخر، كيف يعرف مؤلفو الكتاب عملية التعليم و التعلم؟
لقد أجابوا على ذلك عند تعريفهم لعملية استعمال اللغة قائلين:
“إن استخدام اللغة –و هذا يتضمن أيضا دراسة اللغة– يشتمل على تصرفات يأتي بها أفراد يقومون بتطوير عدد كبير من الكفاءات و بوصفهم أفرادا و أشخاصا فاعلين اجتماعيا و لا سيما فيما يتعلق بالكفاءات العامة و الكفاءات اللغوية و الاتصالية بصورة خاصة. و هم يعتمدون على تلك الكفاءات في مختلف السياقات و تحت شروط و قيود مختلفة، عند أداء أنشطة لغوية على عمليات لغوية و ذلك لكي يتمكنوا من إنتاج نصوص أو استقبالها حول موضوعات معينة، و يستخدمون من أجل ذلك استراتيجيات تعد هي الأنسب لأداء تلك المهام. و تستطيع تلك الخبرات التي يكتسبها المشاركون في الأنشطة الاتصالية أن تؤدي بدورها إلى تقوية الكفاءات أو تغييرها”.
يشير الاقتباس السابق إلى خصائص كل عملية استخدام أو تعلم للغة و تشير الكلمات التي تحتها المسطر إلى المفاهيم الأساسية التي ترتكز عليها المقاربة الفعلية5 لتعليم اللغات المقترحة في كتاب الإطار المرجعي الأوروبي.
المفهوم الأول الجديد الذي ساهمت به المقاربة الفعلية في مجال تعليم اللغات هي اعتبارها لمتعلم اللغة فاعلا اجتماعيا لأنه كما يقول مؤلفو الإطار المرجعي (2005 ، ص 15) Le Conseil de l’Europe :”إذا كانت الأحداث اللغوية تظهر على مستوى الأنشطة اللغوية، فهذه الأنشطة، هي نفسها، تعد جزءا من الظروف الاجتماعية المحيطة و التي تستطيع وحدها أن تمنحها قيمتها”.
و يضيف كل من جان بيار روبير Jean – Pierre Robert و إيفلين روزن Evelyne Rosen) 2010، ص 1) في هذا الإطار متحدثين عن مؤلفي الإطار المرجعي قائلين: “إنهم يضعون على قدم المساواة المتعلم باعتباره فاعلا اجتماعيا و مستعمل لغة.”
هـ – هل يشكل الإطار المرجعي الأوروبي عملية انفصال أو امتداد لما هو متعارف عليه في ميدان تدريس اللغة الأجنبية؟
لكي نجيب على هذا السؤال علينا أن ننطلق مما يقوله فراسيس جويي F. Goullier) 2005 ، ص 10) و الذي سبق أن أشرنا إليه و الذي يقول: “فتح كتاب الإطار المرجعي الأوربي عصرا جديدا في مجال تعليم اللغات الحية”.
يعتمد فراسيس جويي F. Goullier في هذا الاقتباس على طبيعة الإسهامات التي قدمها كتاب الإطار المرجعي الأوروبي في ميدان تعليم اللغات الأجنبية. و السؤال المطروح هو: ما هي الإسهامات التي قدمها كتاب الإطار المرجعي الأوروبي في ميدان تعليم اللغات؟ و للإجابة عن هذا السؤال، يمكن القول أن هذه الإسهامات تتمثل في تبنيه للمفاهيم التالية:
1 – مفهوم إنجاز المهمة
يشكل مفهوم إنجاز المهمة، إن صح القول، العمود الفقري لطريقة التعليم الفعلية. و عملية تبني هذا المفهوم في مجال طرق التعليم هو الذي جعلنا ننتقل من طريقة التعليم التواصلية إلى طريقة التعليم الفعلية، إن تبني هذا المفهوم يشكل عملية إضافة في ميدان التعليم. و تقول كرستين تجليات Christine Tagliante 2010، ص 15 في هذا الخصوص: “لقد أخذت المقاربة الفعلية كل المفاهيم من المقاربة التواصلية و أضافت إليها فكرة المهمة التي يجب إنجازها في السياقات المختلفة التي سيواجهها المتعلم في الحياة الاجتماعية”.
إن تركيز كرستين تجليات Christine Tagliante على مفهوم المهمة لم يأت من فراغ و لكنه يرتكز على الطريقة التي عرف بها مؤلفو الإطار المرجعي الأوروبي (Le Conseil de l’Europe 2005 ، ص 16) هذا المفهوم على أنها “كل عمل موجه يعتبره الفرد هاما للوصول إلى نتيجة محددة. فقد تكون عبارة عن مشكلة يجب حلها أو التزام يجب احترامه أو أي هدف آخر يحدده الإنسان لنفسه”. و يسير كل من جان بيار روبير Jean – Pierre Robert و إيفلين روزن (Evelyne Rosen 2010 ، ص 271) على نفس المنوال.
و من أمثلة هذه المهام: تحديد موعد مع طبيب بالهاتف، شراء تذكرة سفر، حجز حجرة في فندق… هي مجموعة من المهام يتوجب القيام بها استعمال لغة أجنبية.
لا تمثل أهمية مفهوم المهمة لكونها طريقة التعلم الموصى بها من قبل كتاب الإطار المرجعي الأوروبي فقط و لكن باعتبار عملية إنجاز المهمة هو المعيار الذي يتم من خلاله تقييم مستوى كفاءة الدارسين. و بتعبير آخر، يمكن القول أن عملية تحديد مستوى الكفاءة اللغوية الذي بلغه المتعلم يتم من خلال عدد المهام التي يتم إنجازها بنجاح.
و تجدر الإشارة إلى ما يجب التأكيد عليه هو إن إنجاز المهمات بنجاح لا يمثل الهدف النهائي في طريقة التعليم التي ترتكز على المقاربة الفعلية و لكن الهدف الذي نصبو إلى بلوغه – هو تنمية مستوى كفاءة التلاميذ اللغوية. يقول فرانسيس جويي (2007، محاضرة) F. Goullier في هذا الخصوص: “إن الهدف الذي نرمي إلى بلوغه هو تنمية الكفاءة اللغوية لدى المتعلمين و ليس تعليمهم طريقة إنجاز مهمات. إن الهدف ليس تعليمهم كيف يكتبون رسالة أو الاستفسار عن اتجاه مكان ما أو القدرة على وصف مدينة في سنة 2000 (…) إن الهدف هو تنمية الكفاءة اللغوية لدى المتعلمين من خلال إنجازهم لمهام”.
2 – مفهوم النشاط اللغوي
يعتبر مفهوم النشاط اللغوي مفهوما أساسيا في المقاربة الفعلية لتدريس اللغات كذلك. يصف مفهوم النشاط، كما يقول كريستين بيران Puren Christian 2010 ، ص 4 :”ما يقوم به الدارس أثناء عملية التعلم”. و بتعبير آخر، في إطار طريقة التدريس البنيوية–السلوكية، يتم التفكير عند القيام بعملية تعليم في إطار طريقة التعليم البنيوية–السلوكية على تدريس شكل اللغة و بنية الجملة و ذلك من خلال اقتراح التمارين النحوية التركيبية كوسيلة للتعلم اللغة.
و في إطار المقاربة التواصلية، يتم تعليم اللغة من خلال إنجاز لمهام ينفذها المتعلم عند قيامه بالأنشطة التي يمكن أن تكون لغوية أو غير لغوية.
انطلاقا من الاختلاف الموجود بين طريقة التدريس البنيوية – السلوكية و طريقة التدريس الفعلية، يمكن لنا أن نقول أننا قد انتقلنا مما كان يسمى:
– الفهم الشفوي و الفهم الكتابي إلى النشاط الذي يرتكز على الإنتاج أو التعبير الشفوي (الاستماع إلى مذياع أو مشاهدة جهاز تلفاز) أو كتابي (قراءة بطاقة بريدية)
– الإنتاج او التعبير الشفوي (التحدث بطرية ارتجالية ، إلقاء محاضرة أو بيان) أو الكتابي (كتابة رسالة شخصية)؛
إلى (زيادة عن هذين النشاطين)؛ يتحدث مؤلفو الإطار المرجعي الأوروبي عن:
– نشاط التفاعل الشفوي (حوار، تبادل معلومات) أو الكتابي (تبادل رسائل)
– الأنشطة الاتصالية الشفوية أو الكتابية (ترجمة ، التلخيص ، كتابة تقرير لصالح الغير)
و هكذا يمكن القول إن عملية إنجاز المهام تتم من خلال القيام بنشاطات لغوية أو غير لغوية. بتعبير آخر، يمكن القول أن لبلوغ الهدف المنشود من عملية التعلم على الدارس أن يتعرف على ماهية أو طبيعة المهمة المطلوب إنجازها لأنه و كما يقول المثل التارقي : إذا كنت لا تعرف وجهتك أو هدفك ستقضي وقتا طويلا من أجل الوصول إليه. و ذلك لأن معرفة الهدف الذي نسعى إلى تحقيقه يسمح لنا برسم خطة واضحة من أجل بلوغه. يقول كل من جان بيار روبير Jean – Pierre Robert و إيفلين روزن Evelyne Rosen ( 2010 ، ص 250 ) حول هذا الموضوع : “إن تبني خط سير واضح في العمل يسمح لنا ببلوغ أقصى درجة من الفعالية”.
3 – مفهوم الاستراتيجية:
يحتل مفهوم الاستراتيجية موقعا لا يقل أهمية عن مفهوم المهمة في كتاب الإطار المرجعي الأوروبي. و قد عرف مؤلفو هذا الكتاب مفهوم الاستراتيجية بالطريقة التالية: “إن الاستراتيجيات هي الأدوات التي يوظفها مستعملو اللغة بقصد حشد مواردهم اللغوية و استخدامها على أفضل وجه لتنفيذ متطلبات الاتصال في سياق ما أو إنجاز المهمة المطلوبة بنجاح و بأفضل أسلوب ممكن لتحقيق الهدف المرجو”. (الإطار ، ص. 48)
انطلاقا من هذه الفكرة يمكن القول بوجود علاقة وطيدة بين مفهومي المهمة و مفهوم الاستراتيجية. و بخصوص هذه النقطة، تقول كلير بورجينيون (2008 ، محاضرة) Bourguignon Clair في محاضرة ألقتها بعنوان: تعليم اللغات في منطق المقاربة الفعلية: سيناريو التعلم – الفعل يوم 15 نوفمبر 2008 في اليابان: “إن إنجاز مهمة هو قبل كل شيء عملية تصور للموقف الذي سيتم فيه التفاعل”. و ذلك كما ذكرنا بغية وضع الاستراتيجية المناسبة التي تسمح لنا بتنفيذ المهمة بنجاح. و تضيف كلير بورجينيون في هذا الإطار بالقول: “يظهر حصول تقدم في مستوى تعلم اللغة من خلال قدرة التلميذ على وضع استراتيجيات الاتصال المناسبة”.
4– مفهوم الكفاءة اللغوية
خصص مؤلفو كتاب الإطار المرجعي الأوروبي جزءا مهما من الكتاب عند تناولهم لموضوع مفهوم الكفاءة اللغوية. و ذلك لأنه –كما سبق و ذكرنا- الهدف من عملية التعليم و التعلم هو تنمية مستوى الكفاءة اللغوية لدى المتعلمين. و قد تم تعريف هذا المفهوم من قبل مؤلفي كتاب الإطار المرجعي الأوروبي المشترك Le Conseil de l’Europe) 2005 ، ص 15) بالطريقة التالية: “إن الكفاءات هي عبارة عن جملة من المعارف (البيانات التصريحية) و المهارات (الإجرائية) و الكفاءات المنسحبة على الشخصية إلى جانب قدرات إدراكية أخرى عامة و التي تمكن الفرد من القيام بأعمال معينة”.
أما فرانسيس جويي (2007 ، محاضرة) Goullier Francis فقد عرف و ذلك بكل بساطة : “أن رفع مستوى الكفاءة اللغوية لدى المتعلمين يشكل هدف العملية التعليمية”.
إن السؤال الذي يمكن طرحه هو: ما هو الشيء الذي يميز مفهوم الكفاءة اللغوية في طريقة التدريس التي ترتكز على المقاربة الفعلية عند مقارنته بنفس المفهوم في طرق التدريس التي سبقته؟ للإجابة عن هذا السؤال نقول: لقد كنا نتحدث في عصر طرق التدريس البنيوية – السلوكية فقط عن الكفاءة اللغوية، ثم تحدثنا عند ظهور طريقة التدريس التواصلية عن الكفاءة التواصلية و التي تتكون من:
1 – الكفاءة اللغوية.
2 – الكفاءة الثقافية و الاجتماعية.
3 – الكفاءة الاستراتيجية.
3 – الكفاءة البرجماتية.
و أخيرا في طريقة التدريس الفعلية نتكلم عن الكفاءة اللغوية الاتصالية و هذه الكفاءة تتكون بدورها من:
1 – الكفاءات الفردية العامة.
2 – الكفاءة اللغوية التواصلية.
انطلاقا من هذه المقارنة يمكن القول أن الكفاءة اللغوية و هو الهدف الذي تسعى طرق التدريس البنيوية-السلوكية إلى تحقيقها هي جزء و إحدى مكونات الكفاءة التواصلية و التي تمثل بدورها إحدى مكونات الكفاءة اللغوية التواصلية في طريقة التدريس الفعلية.
ما يجب أن ننوه عليه أن مستوى الكفاءة اللغوية التواصلية في طريقة التدريس التواصلية و طريقة التدريس الفعلية لا يرتكزان على نفس المعطيات. و قد ميز كل من كريستان بيران و كلار بورجينيون في أعمالهم بين الكفاءة اللغوية التواصلية الموجودة في طريقتي التدريس التواصلية و الفعلية متبنيين كمعيار للتمييز ما سموه بالإطار المرجعي العملي.
تقول كلير بورجينيون (2008 ، محاضرة) Bourguignon Claire حول هذه النقطة: “كان الإطار المرجعي لطرق التدريس التواصلية هو عملية التواصل، في حين يمثل عالم الشغل الإطار المرجعي العملي لطرق التدريس الفعلية” و تضيف في نفس الإطار قائلة: “وكان المتخصصون في ميدان التعليم يدرسون المواقف التواصلية الأكثر شيوعا ثم يدخلونها بالفصل الدراسي. و كان ذلك في العصر المشهور la grande époque، إذا أردتم، كان المتخصصون يحللون المواقف التواصلية الأكثر شيوعا في اللغة و يقومون بإدماجها في المنهج الدراسي و تصبح بذلك إحدى ركائز العملية التعليمية. واليوم، عند تأليف طرق التدريس الفعلية، لا تعتبر عملية التواصل هي الإطار المرجعي العملي بل الحركة و الفعل”.
أما بالنسبة لكريستان بيران Puren Christian فقد عبر عن الفرق في الكفاءة اللغوية في طريقتي التعليم قائلا أن في طريقة التدريس التواصلية، تتمركز عملية التعلم حول التعبير عن المعنى و في طريقة التدريس الفعلية فإنها تتمركز نحو تنفيذ المهام أي الحركة.
و كما سبق و ذكرنا أن مفهوم الكفاءة كما قدمها الإطار المرجعي الأوروبي يتكون من الكفاءة التواصلية اللغوية و الكفاءة الفردية العامة. إن عدم تطرقنا بشيء من التفصيل إلى الكفاءة الفردية العامة،- التي تحتوى هي الأخرى على المهارات و الكفاءات الشخصية و القدرة على التعلم- لا يعني أنها تعتبر ثانوية عند مقارنتها بالكفاءة التواصلية اللغوية، بل يعتبرها كل من بريجيت لالمن Brigitte Lallement و نتنالي بيارو Nathalie Pierrot 2007 ، ص 85 شرطا للقدرة على التواصل بطريقة فعالة عندما يقولون: “يستخدم مستعملو اللغة و الدارسون لها عددا معينا من الكفاءات التي سبق اكتسابها لتنفيذ كل المهام اللغوية و الأنشطة المطلوبة بنجاح، و التفاعل مع المواقف التعليمية”. مما ينتج عنه تطور على مستوى الكفاءات و ذلك بمشاركة الطلاب في أحداث و مواقف تواصلية.
يقودنا استعمال كلمة فعل (الموجود في كلمة فعلية) إلى كلمة الحركة. و تشكل هذه الحركة ركيزة أساسية للقيام بعملية التعلم، بالطبع على ضوء طريقة التعليم الفعلية و إن صح التعبير الحركية.
لقد ركزت كلير بورجينيون في محاضرتها –كما سنراه في النقطة القادمة- على موضوع الحركة عندما تطرقت إلى موضوع مفهوم تنشيط للمعلومات لما لها من علاقة مع مفهوم تنمية التنمية حيث تقول أن تنمية الكفاءة لدى المتعلمين تتم عن طريق تنشيط لمختلف مواردهم الذهنية كما سنراه في النقطة التالية.
وما يمكن فهمه من خلال هذا الاقتباس هو وجود علاقة وطيدة بين مفهومي الكفاءة و الحركة و الفعل.
قد تساءل بعض القراء حول سبب تناولنا لموضوع الكفاءة بطريقة خاصة و ملفتة للانتباه. و يمكن الإجابة على هذا السؤال بالقول و بكل بساطة أن هذا الخيار فرض نفسه، لأنه كما ذكرنا في بداية هذا العمل –على ضوء المقاربة الفعلية للتعليم– أن الهدف النهائي من عملية التعليم و التعلم –على ضوء المقاربة الفعلية للتعليم– هو تنمية الكفاءة التواصلية لدى المتعلمين.
5 – مفهوم التنشيط
عندما تطرقت كلير بورجينيون في محاضرتها –السابقة الذكر- إلى موضوع الكفاءة ركزت على فعل نشط لأنها تقول: “تفترض عملية امتلاك الكفاءة أكثر من عملية استيعاب للمعلومات و المهارات، يجب أن يكون الفرد قادرا على تنشيطها في الوقت المناسب”.
يمكن لنا أن نقدم تعريفا شبه شخصي لمفهوم الكفاءة، قائلين أن الكفاءة تعني: القدرة على تنشيط المعلومات و المهارات في مواقف معينة لتحقيق أهداف معينة. و انطلاقا من هذا التعريف يمكن لنا القول أنه لا يمكننا تناول مفهوم الكفاءة بالدراسة دون التطرق إلى كل من المفاهيم : المعلومات و المهارات وعملية التنشيط.
و – ما هو تصنيف مستوى الكفاءات؟
يشكل تصنيف مستوى الكفاءات إحدى الإسهامات الأساسية التي جاء بها الإطار المرجعي الأوربي. و تصل درجة أهمية هذا التنصيف أن فرانسيس جويي Goullier Francis قال في محاضرته أنه حين نسأل المدرسين عن الإطار المرجعي الأوروبي يجيبون أنه التصنيف، إلى درجة أن كلمة الإطار المرجعي أصبحت مرادفة لكلمة التصنيف بل ذهب هذا المحاضر إلى أبعد من ذلك حيث قال أنه يعتقد أن بعض المدرسين قام بوضع التصنيف في أماكن خاصة من المنزل حتى لا يغيب على نظرهم و بالتالي يحفظونه عن ظهر قلب.
ينبع تفسير درجة الأهمية التي يحظى بها تصنيف مستوى الكفاءات إلى كونه يعرض بطريقة مفصلة مختلف مستويات الكفاءة التي يمر بها المتعلم عند دراسة اللغة الأجنبية. و لا يكتفي الإطار المرجعي بعرض تلك المستويات و لكن يقوم بوصف –في إطار ما سماه بالمصنفات– ما يستطيع الدارس تنفيذه في نهاية كل مرحلة تعليمية. و قد عرضت تلك المصنفات على هيئة جداول مختلفة تعرض كل نشاط على حدة.
إن ما يمكن قوله أو الإشارة إليه في خصوص هذا التصنيف هو غياب التصنيف التقليدي لمستوى المتعلمين (مبتدئ – متوسط – متقدم) و تبني تصنيف جديد يعتمد هو الآخر على ثلاثة مستويات رئيسية يتكون كل منها على فرعين لنحصل في النهاية على ستة مستويات و التي عرضها: علي عبد الواحد (16/ 10/ 2015 ، https://www.new-educ.com/?p=12804) بالطريقة التالية:
1 – المستوى المبتدئ الأدنى A1: يستطيع الدارس فهم واستخدام تعبيرات يومية مألوفة، وجملاً غاية في البساطة، تهدف إلى تلبية احتياجات ملموسة.
2 – المستوى المبتدئ الأعلى A2: يستطيع الدارس فهم جمل و تعبيرات شائعة الاستخدام، تتعلق بالمجالات ذات الصلة الأكثر استخداماً (مثلاً: معلومات شخصية وعائلية، التسوق، العمل، محيط التعامل القريب…).
3 – المستوى المتوسط الأدنىB1: يستطيع الدارس فهم النقاط الرئيسة عندما يدور الموضوع حول أشياء مألوفة في نطاق العمل أو المدرسة أو أوقات الفراغ ، إلخ.
4 – المستوى المتوسط الأعلىB2: يستطيع أن يفهم المحتويات الرئيسة للنصوص المركبة الخاصة بموضوعات ذات طبيعة مجردة أو واقعية ملموسة، علاوة على قدرته على فهم المناقشات المتخصصة في إطار مجال متخصص بعينه.
5 – المستوى المتقدم الأدنىC1: يستطيع الدارس أن يفهم نطاقاً واسعاً من نصوص طويلة نسبياً و صعبة، و يدرك المعاني الضمنية داخلها.
6 – المستوى المتقدم الأعلىC2: يستطيع الدارس ببساطة أن يفهم كل ما يقرأه أو يسمعه.
و تحتوي جميع الكتب المنهجية أو الكتب المساعدة على تعلم اللغات الأجنبية التي ظهرت في السنوات الأخيرة على إحدى العلامات التالية: A1, A2, B1, B2, C1, C2 و هي تشير إلى محتوى الكتاب من حيث مستوى الكفاءة اللغوية و -في حالة كان الكتاب مساعدا على عملية التعلم- نوع النشاط الذي يقترحه مؤلفو ذلك الكتاب.
تعني العلامات A1, A2, B1, B2, C1, C2 الكثير بالنسبة لأساتذة اللغات الأجنبية اليوم لأنها تترجم مستوى معينا من الكفاءة اللغوية. و القول بأن مستوى شخص معين هو مثلا B1 واضح و لكن ليس تمام الوضوح لأنه -و كما جاء في محاضرة فرانسيس جويي Goullier Francis- يمكن أن يكون لدينا مستوى B1 في كفاءة الفهم الشفوي و مستوى A2 في كفاءة الشفوي: يقول هذا المحاضر على نفسه: “عندما أتكلم عن مستوى كفاءتي في اللغة الإنجليزية، من الواضح أنه يمكن أن أقول أن لدي مستوى يقارب C1 في الفهم الشفوي و لدي مستوى B1 + في كفاءة الفهم الشفوي”.
تترجم العلامات A1, A2, B1, B2, C1, C2 مستوى معينا من اللغة و لا يمكن مقارنتها بالتصنيف التقليدي لمستوى المتعلمين – مبتدأ – متوسط – متقدم. لأن التصنيف التقليدي يعطينا فقط فكرة عامة عن مستوى المتعلم في اللغة الأجنبية و ذلك خلافا لما نجده في الإطار المرجعي الأوروبي حيث تشير الجداول إلى ما يستطيع المتعلم إنجازه من مهام في كل مستوى من مستويات التصنيف.
ونظرا لوجود علاقة وطيدة في كل عملية تعليمية ناجحة بين الأهداف التعليمية و محتوى المنهج الدراسي و طريقة التقييم. فعملية التوحيد من حيث المناهج الدراسية تستلزم بالضرورة عملية توحيد على مستوى عملية التقييم. و يظهر ذلك جليا عند استعمال العلامات السابقة الذكر و التي لا تستعمل فقط على مستوى كتب تعلم اللغات الأجنبية و لكن تظهر كذلك على مستوى الشهادات الممنوحة من مختلف المؤسسات التعليمية المتبنية –إذا استطعنا القول– لنظام التقييم المقترح من قبل الإطار المرجعي الأوروبي.
وما تجدر الإشارة إليه في إطار نهاية حديثنا عن تصنيف مستويات الكفاءة اللغوية لدى المتعلمين هو أنه –على ضوء ما جاء في كتاب الإطار المرجعي الأوروبي-عند حديثنا عن مستوى المتعلم– نقوم بذكر ما يستطيع الدارس فعله. أي أننا نركز دائما على الجانب الإيجابي. يستطيع المتعلم في نهاية مرحلة التعلم في مستوى الكفاءة مثلا B1 فعل كذا و كذا.
ز- الحافظة اللغوية
لا نستطيع أن نتناول بالدراسة موضوع الإطار المرجعي الأوروبي دون أن نعرج على موضوع الحافظة اللغوية. و الشيء الذي يميز الإطار المرجعي الأوروبي عن الحافظة هو أن الحافظة اللغوية ملف وضع تحت تصرف الدارس يستعمله للقيام بعملية تقييم ذاتي لمستواه في مختلف الأنشطة و الكفاءات و في مختلف اللغات التي درسها و يدرسها. و من خلال هذا الملف يعبر الطالب عن المهام التي يستطيع تنفيذها و التي لا يستطيع تنفيذها في فترة معينة من التعلم.
للقيام بعملية حوصلة لكل ما تم تناوله في هذا العمل بخصوص المقاربة الفعلية لتعليم اللغات (استنادا إلى كتاب الإطار المرجعي الأوروبي)، نقول أن:
1 – المقاربة الفعلية لتدريس اللغات تعتمد على إنجاز مهام.
2 – عملية إنجاز المهام من قبل المتعلم يتطلب بالضرورة القيام بأنشطة لغوية.
3 – ينتج من عملية تنفيذ المهام عملية تنشيط للمعلومات التي تم اكتسابها.
4 – معرفة طبيعة المهمة التي سيقوم المتعلم بتنفيذها هو أمر ضروري و غاية في الأهمية و ذلك لكي يتمكن الدارس أن يضع الاستراتيجية المناسبة لإنجازه تلك المهمة بنجاح.
5 – تنمية مستوى الكفاءات اللغوية لدى الطلاب و هو الهدف النهائي لعملية التعلم يتأتى عن طريق إنجاز مهام لغوية.
الخاتمة
لقد حاولنا، من خلال هذا العمل، الإجابة عن السؤال الذي طرحناه في بداية هذا البحث و الذي يتعلق بمدى صحة فكرة انحصار تطبيق الإطار المرجعي الأوربي على الدول الأوروبية. و حاولنا الإشارة من خلال ذكرنا لبعض الاقتباسات عن إمكانية الاستفادة و لو ببعض ما جاء في الإطار المرجعي الأوروبي. و ركزنا في هذا العمل بصفة خاصة على التصور الذي يقترحه الإطار المرجعي الأوروبي لعملية تعليم و تعلم اللغات الأجنبية و التي تعتمد –كما رأينا– على إنجاز مهام لغوية.
لقد أشرنا في هذا البحث أن تنفيذ هذه المهام يتطلب بالضرورة، أولا، تنشيط المعلومات التي تم استيعابها من المتعلم و ثانيا، وضع خطة أو استراتيجية مناسبة لتنفيذ المهام بنجاح.
نستطيع القول إذن إن عملية التعليم و التعلم الموصى بها من قبل الإطار المرجعي الأوروبي ترتكز على مجموعة مفاهيم أساسية و هي مفهوم المهمة و النشاطات اللغوية و الكفاءة و الاستراتيجية و التنشيط. يمكن أن تشكل هذه المفاهيم الخمسة التي أتينا على ذكرها عملية امتداد و تطوير لما هو متعارف عليه في السابق في ميدان تعليم اللغات.
و أخيرا، يمكن القول أن جزءا كبيرا من المعطيات التي وردت في كتاب الإطار المرجعي الأوروبي المشترك للغات و التي قمنا بعرض جلها أو بعضها صالح للتطبيق و يمكن الأخذ بها من قبل كافة النظم و المؤسسات التعليمية.
يمكن تدعيم هذه الخاتمة التي انتهينا إليها من خلال عرض هذا الاقتباس الأخير الذي يشير بطريق واضحة إلى أن عملية تبني النظم و المؤسسات التعليمية خارج الإطار الأوروبي قد تمت فعلا من قبل كثير من الدول. قال (فراسيس جويي F. Goullier 2007 ، محاضرة) حول هذه النقطة: “أصبح اليوم كتاب الإطار الأوروبي المرجعي المشترك المرجع الأساسي فيما يتعلق بتعليم اللغات الأجنبية. لقد كنت منذ عدة أيام في كوريا الجنوبية حيث قامت وزارة التعليم بترجمة كتاب الإطار المرجعي، و تتساءل الوزارة عن كيفية تبنيه لتدريس اللغات الشرقية و اللغات الآسيوية. في تايوان، بالنسبة للغة الصينية، لقد تم ترجمة هذا الكتاب و كل الامتحانات في مجال تدريس اللغة الصينية ستكون متوافقة مع تصنيف مستويات الكفاءة اللغوية التي جاء بها كتاب الإطار المرجعي الأوروبي. الشيء نفسه بالنسبة للغة العربية، لقد تم ترجمة هذا الكتاب ، في الإسكندرية، لتطبيقه في كل ما يتعلق بالجامعة العربية و تدريس اللغات”.
اقتباسات:
1- اعتمدنا عند قيامنا بهذا العمل على النسخة الفرنسية ثم استعنا بالنسخة العربية عندما قمنا بترجمة النص إلى اللغة العربية التي تمت بالاستعانة بمعهد جوتن بألمانيا.
2 – تم عرض هذا العمل باللغة الفرنسية في الندوة الثانية التي أقيمت يومي 8 و 9 نوفمبر 2010 بكلية الدراسات العليا بجنزور (ليبيا) بعنوان : تعليم اللغة الفرنسية في ليبيا : المقاربات الجديدة و قد تم نشر هذا العمل في مجلة كلية اللغات عدد 10 لسنة 2014.
3- محاضرة ألقيت بتاريخ 16 أكتوير سنة 2007 ، بمدينة ديجون الفرنسية و ذلك بمناسبة اليوم الأوروبي للغات.
4- محاضرة ألقيت بتاريخ 15 نوفمبر سنة 2008 في جامعة تولوز 2 – بفرنسا بعنوان : تعليم اللغات الأجنبية في منطق المقاربة الفعلية : سيناريو التعلم – الفعل.
5- أي ترتكز على القيام بأفعال أو مهام معينة. لقد ورد في النسخة العربية للإطار المرجعي كلمة السلوك. لقد فضلنا استعمال كلمة الفعل على كلمة السلوك نظرا بوجود ما يسمى بالنظرية السلوكية في التعليم.
مراجع عربية:
المجلس الأوروبي ، (2005) الإطار المرجعي الأوروبي المشترك للغات : دراسة… تدريس…تقييم (ترجمة علا عادل عبد الجواد و ضياء الدين زاهر و ماجدة مذكور و نهلة توفيق) . القاهرة : مكتبة دار إلياس للطباعة و النشر.
مراجع فرنسية:
1 – Goullier F. ( 2005 ) , Les outils du conseil de l’Europe en classe de langue ? Paris, Didier,
2 – Lallement B et Pierrot N. ( 2007 ), L’essentiel du CECR pour les langues, Paris, Hachette.
3 – Le Conseil de l’Europe ( 2005 ), Le cadre européen commun de référence pour les langues, Paris, Didier.
4 – Robert J. P et Rosen E. ( 2010 ), Dictionnaire pratique du CECR, Paris, Editions OPHRYS.
5 – Robert J. P. ( 2008 ), Dictionnaire pratique de didactique du FLE, Paris, Editions OPHRYS.
6 – Rosen E. ( 2007 ), Le point sur le cadre européen commun de référence pour les langues, Paris, CLE international.
7 – Tagliante C. ( 2006 ), « l’évaluation et le Cadre européen commun des références », n° 344, FDL, in Robert J. P. et Rosen E. ( 2008 ) , Dictionnaire pratique de didactique du FLE, Paris, Editions OPHRYS.
محاضرات و لقاءات:
1 – Bourguignon C. ( 2008 ) , Enseigner les langues dans la logique actionnelle : le scénario d’apprentissage – action, 15 novembre 2008 à l’université de Toulouse II, Le Mirail. ( Conférence )
2 – Coste D. ( 2009 ), le 28 octobre 2009 ( interview )
3 – Goullier F. ( 2007 ), Faut – il appliquer le cadre européen commun de référence , la Journée Européenne des Langues, le 26 septembre 2007, le CRDP de Bourgogne à Dijon. ( conférence)
مراجع أخرى:
علي عبد الواحد (06/10/2015) مستويات تعلم اللغات الأجنبية وفق الإطار المرجعي الأوروبي المشترك
https://www.new-educ.com/https://www.new-educ.com/?p=12804
كل فكر قا ئم علي تجر بة معينة فعند ما ننقل ا لفكر نكو ن قد ا ستفد نا من تجا ر ب ا لغير لذ لك ا نصح با لتطبيق حتي في ا لد و ل ا لفقير ة و شكر ا
المطلوب في العملية التربوية اليوم هو أن نضبط المفاهيم والمناهج والأهداف وننزّل البرامج الى الواقع المعيش٠ لأن جوهر العملية التربوية هو أن نغلم الطفل كيف يحيى وكيف يعيش وكيف يعالج مشاكله؟