هذا المقال هو الثالث من سلسلة “كيف تنشئ فصولا لتعلم إلكتروني أكثر جاذبية“ للكاتبة نفسها، المقال الأول بعنوان: “الاندماج و الانعزال”. و المقال الثاني بعنوان: “العلم المبسط لصناعة فصول التعلم الإلكتروني”
مقدمة:
هناك اعتقاد سائد بأن التقنية الجديدة يمكنها معالجة كل المشاكل المتعلقة بالاندماج ” دمج المتعلم ضمن العملية التعلمية “، وهذا أمر غير صحيح فانشغالك الدائم بتأليف البرامج والأدوات سيصرفك عن عملك الحقيقي. فالتعليم الإلكتروني يدور حول التعلم، ومدته، وليس حول التقنية التي تعرضه. فالأداوت التي تستخدمها تكون جيدة عندما تخدم هدفك في تحقيق مبادئ التعلم السليمة ومن ثم إحداث التغيير المنشود، وذلك من خلال تحفيز المتعلم فكرياً، وتنمية مهاراته في استكشاف المعلومات، وجذبه إلى قيمة المعلومات التي يتوصل إليها من خلال التركيز على أهميتها وما لها من آثار وتطبيقات في الحياة … فيما عدا ذلك سرعان ما سيشعر المتعلم بإضاعة الوقت وفقد الاهتمام. بهذا ستكون مصمماً فعالاً للفصول الإلكترونية وذو مهارة وبصيرة تُحتذى.
فيما يلي مجموعة من التعليمات التي تمكنك من دمج المتعلم ضمن العملية التعليمية
1) زود المحتوى بمعلومات عملية، وذات قيمة، وقابلة للاستخدام الفوري
إنّ جذب المتعلم إلى قيمة المحتوى المطروح وتقديم الأفكار القيّمة عملياً – وليس فقط نظرياً- مسؤولية تقع على عاتق مصمم المحتوى؛ فعندما نبحث عن الصلة بين ما نريد تعليمه في الفصول الدراسية وما نريده أن يتحقق خارج تلك الفصول تدور عجلة التعلم. فالمعلومة تكتسب أهميتها من خلال تطبيقاتها ودرجة الحاجة إليها عندها تصبح تلك المعرفة التي لا تُنسى أو تُهمل بمجرد انتهاء الفصل.
2) استخدم اللغة ذاتها التي تستخدمها مع أناس حقيقيين
ماهي اللهجة التي تتحدث بها مع الطلبة في الصف؟ ماذا لو جربت محادثتهم بلهجة غريبة عنهم أو بلغة تحتوي مصطلحات صعبة الفهم؟ ماهي ردة الفعل المتوقعة؟ هل ستتمكن من التواصل معهم بشكل صحيح؟ وهل ستصل رسالتك بالشكل المطلوب؟ فكر فيما سبق من أسئلة عند تصميمك لمحتوى الفصل الإلكتروني فأنت في النهاية تتواصل مع أناس حقيقين؛ لأن أسهل طريقة لجذب انتباه الآخر هو استخدام لغته، وهي الطريقة الأكثر أهمية لربط المعلومات الجديدة بتلك الموجودة بالفعل. فمن قواعد الاندماج استخدام لهجة المخاطبة فهي أكثر فعالية بكثير من اللهجة الرسمية، حتى في النصوص المكتوبة. وهذه اللهجة تتطلب منك استعمال كلمات شائعة وسهلة التمييز، أما استخدام المصطلحات التخصصية والتقنية أكثر من اللازم سوف يُشتت انتباه المتعلم لأنّه سيُركز على الرسالة بدرجة أقل وسينصرف نحو تفسير معنى الكلمة الغريبة.
3) ابتكر بعض التحديات
قم بابتكار التحديات بدلاً من العروض الساكنة؛ لأنّ استخدام هذا النوع من العروض عبر الزمن حوّل المتعلمين إلى مراقبين سلبيين. فبغياب التحدي وبعدم وجود هدف ذو مغزى لن يرى المتعلم سبباً لارتياد الفصل كما أنه بلا شك سيسأم ويفقد اهتمامه، فقد يُكمل المُتعلّم ما فرضت عليه من مهام دون مُحفز. بينما ينبغي أن يكون مندمجاً ومحفزاً عقلياً. في الواقع يعمل التحدي على تشكيل الحافز للمتعلم، ويُشعره بامتلاك بعض نقاط التعلم مما يعمل على دفعه لتعلم المزيد. لذا ينبغي أن يشكل البرنامج تحدياً للمتعلم مع الحذر من الوقوع في ذلك النوع من التحديات التي قد تثير الغضب وتفقد الحماس. بهذا سيكون هدفك كمطور للبرنامج الإلكتروني تحقيق ذلك التوازن الدقيق.
هل تساءلت يوماً إلام ترجع جاذبية كل الألعاب والألغاز الإلكترونية؟
هناك الكثير من ألعاب الذكاء المنتشرة والمحبوبة، وعندما تجرِّب بعضَ المستويات، شيءٌ ما يدفعك للمتابعة من أجل الارتقاءِ لمستويات أعلى، شيءٌ ما يزيد من مستوى الإثارة بالرغم من ارتفاع الصعوبة، واللعب العشوائي لم يعد يُجدي نفعاً، واحتمال الفشل في زيادة، ولكنك مستمرٌ في اللعب!! أما الألغاز فتمتلك طابعاً سحرياً، يشد الانتباه، ويشحذ التفكير، ويستمطر الأفكار للبحث عن احتمالات للحل، يتحداك لتعيد التجريب حتى تجد ذلك الحل الذي يجعلك تجزم بأنك أصبت. وهنا نسأل : - ما كم التعليمات الصريحة في اللعبة أو اللغز؟ - وما الذي يمتلكه التلميذ ويجعله واثقاً من القدرة على الفوز في اللعبة بينما لا يستجيب لحل مسألة رياضيات أو فهم قانونٍ في الفيزياء؟ إنّ عدم وجود تعليمات صريحة ومتراكمة في اللعبة أو اللغز يجعل الفرد وسط مجال يتحداه أن يُميّز و يستجيب بسرعة لعناصر أكثر أهمية، فيبدأ البحث في رصيده عن كلِّ ما يُساعد في تحقيق هذا النجاح، فيدفعه لتحدٍّ أكبر وأصعب نحو مستوى أعلى، أمَّا الفشل فيدفعه للعودة إلى البداية، وليس تركها و الابتعاد عنها؛ لأنّه في الحقيقة من يمتلك القدرة على التفكير، قادرٌ على إنجاز أيّ مهمة تمتاز بصفات تشبه اللعبة واللغز. أمّا ما نقوم به فيما كُنّا ندعوه مواقف تعليمية ما هو إلا عبارة عن عرضٍ لمجموعة من التعليمات المحددة تماماً، والمعلومات الواضحة، ومستوى الإثارة في حده الأدنى إن لم يكن غير موجود في الأصل!! إنّها المعلومات الروتينية ببنيتها المعتادة، تفتقر إلى التباين والإثارة الانفعالية مما يؤدي إلى الملل، وهذا ما يُفسِّر إلى درجة كبيرة عدم كفاءة التعليم. لذا ينبغي إعادة النظر فيما نقدمه لطلابنا، بحيث يبتكر مصمم البرنامج التعليمي الإلكتروني الموقف التعليمي الذي يضع المتعلم أمام مواقف تثير دافعيته للتعلم، تتحدّى تفكيره، وتخلق لديه مجموعة من التساؤلات، تجعله يستجيب للمهمة الموكلة إليه، يُركز على المعلومات الجديدة المثيرة لما بينها من تباين وما تتضمنه من إثارة، فيبحث عن العناصر الأكثر أهمية ضمن كمٍّ من المعلومات، ويبدأ يُحلّل ويُصنّف ويُطلق أحكاماً ثمَّ يتخذ قراراً يوصله في النهاية إلى النجاح. ونُذكّر بأنّ صناعة الألعاب والألغاز التعليمية ينبغي أن تتفق مع متطلبات المخ من: تنظيم، تصنيف، إثارة، مرح، خلق روح التحدي. فيتعلم وهو يلعب أو يلعب وهو يتعلم.
4) اجعل الفصل قصيراً:
على افتراض أنّ المتعلم يمكن أن يأخذ فصل تعلم إلكتروني لمدة 60 دقيقة وهو جالس على منضدته، يبقى الحفاظ على اهتمامه وتحفيزه مجرد وهم.
لذا جرّد فصلك من الزيادات والحشو وحافظ فقط على العناصر الأساسية الهامة التي تريدها إيصالها للمتعلم ليس أكثر. بحيث لا تزيد مدة الفصل عن 15 دقيقة. وإذا كان هذا الأخير يستلزم زمناً أطول من 15 دقيقة من الأفضل عندها تقسيمه إلى سلسلة من المقاطع لا يتجاوز الواحد منها 10 دقائق على الأكثر.
وقد لاحظ خبراء التعلّم الإلكتروني أنّ الفصول القصيرة تشغل المتعلم وتدفعه قدماً لتعلم المزيد لأنّها تعطيه إحساساً بالتقدم كلما تم انجاز قسم أو مقطع من السلسلة.
5) تعامل مع البالغ كمتعلم مستقل ذاتياً:
يشعر المتعلم المقاد ذاتياً بأهمية أن يكون هو المُسيطر في عملية التعلم، ويُطالب محترفي التعلم الإلكتروني أن يحترموا استقلاله وقابليته في اتخاذ قرارات التعلم الحاسمة، يريد منك أن تعترف بقدرته على تحمل المسؤولية. وهذا بحد ذاته تحد يواجهه مصممو التعلم الإلكتروني: فكيف يمكن أن نسمح للمتعلم باتخاذ دور فعّال في الدراسة، يمكنه من الاختيار أو النظر في عدة خيارات؟
فيما يلي بعض الأفكار التي يمكن وضعها في الاعتبار عند التصميم:
- السماح للطلبة بالتعلم بالتسلسل الذي يناسبهم، بحيث تجعل هيكلية الفصل مرنة، وليست خطية، وتشمل: السابق – التالي – الصفحة الرئيسية – وغير ذلك من الأزرار المهمة.
- السماح للطلبة بالسيطرة على وتيرة الدورة. فالمتعلمون الكبار خاصة لديهم أعباء أخرى. فلا تجعلهم يهملون التزاماتهم الأخرى من أجل موافقة الجدول الزمني الخاص بفصلك.
- كن على ثقة بأنّ الطلبة قادرون على اختيار الطرق المناسبة لهم، لذا قدم عدة طرق للحصول على المحتوى وضعها في متناول أيديهم … مثل أن تضع: قائمة، دليل، بحث، خريطة للفصل، أنشطة بصيغ مختلفة … الخ.
6) اختلق لحظات الفصل اللامعة
هي تلك اللحظات في أثناء العرض (في فصل التعلم الإلكتروني أو في محاضرة) حيث يتم تسليط الضوء على فكرة مميزة يبرز فيها المحتوى في إطار غير معتاد، إنّها لحظة تخلق إعجابا لدى المتلقي وتجذبه لمتابعة الفصل أو العرض حتى النهاية.
لخلق مثل هذه اللحظات يمكنك القيام بـ:
- تفخيم الأفكار البارزة.
- طرح بعض التعليقات القصيرة.
- رواية بعض القِصص.
- سرد نوادر وغرائب وعجائب متعلقة بالمحتوى.
- بعض الإحصائيات الصادمة.
7) غذي فضول المتعلم
يدفعنا الفضول دائما نحو الابتكار والتعلم، ويحثنا للسعي نحو إجابات جديدة لدى مواجهة المشكلات المعقدة أو الأسئلة الصعبة، مما يجعل عقولنا نشيطة إيجابية بدلاً من أن تكون خاملة سلبية. لذا ينبغي العمل على تغذية فضول المتعلم لكي تنشأ عنده الرغبة في الاستمرار بالتعلم…. مثلاً:
- توجيه الأسئلة بدلا من منح المعلومات الجاهزة ببساطة يسمح للمتعلم بالبحث عن الإجابات التي تحفزه على الاستمرار في تعلم المحتوى.
- ابتكار قصة حول المحتوى أو استخدام بعض العناصر الداعمة مثل الرسوم المثيرة للاهتمام أو أي نوع من الأحداث أو المواقف التي تثير الاهتمام.
8) اكسب ثقة المتعلم
إنّ ثقة المتعلم وإيمانه بك عامل مهم في استكمال الفصول الدراسية واستثمار الوقت.
وحتى تتمكن من كسب ثقة واحترام جمهورك من المتعلمين انتبه لما يلي:
- بدايةً ثق بالمتعلم ولا تعامله وكأنّه جاهل أو أبله.
- دائماً ضع في عين الاعتبار مصلحة المتعلم أولاً. واسأل نفسك هل تؤدي العمل بطريقة ما لأنّه سهل؟ أم أنك تفعله من أجل مصلحة المتعلم؟
- قم بتدقيق مادة المحتوى حتى أصغر الأشياء فيه؛ فالأخطاء مهما كانت صغيرة تقلل من مصداقية العمل.
- ينبغي تصميم واجهات جميلة وذات مظهر احترافي – لا تستصغر ذلك – فأزرار التنقلات والخطوط وتصاميم الواجهات الداعمة للمحتوى جميعها تؤثر على ثقة المتعلم.
ختاماً
عندما يُشاهد المربي حماس واجتهاد التلاميذ في عالم اللعب الإلكتروني- كألعاب الذكاء والألغاز- يتعجب من ضعف اهتمام التلميذ، وبطء استجابته لمحتوى الكتب والواجبات المدرسية أو حتى الألعاب التعليمية الإلكترونية، التي يظن صُنّاعها أنَّهم يُقدِّمون وجبة تعليم شهيّة تختلف عن الوجبات المدرسية المعتادة. فعندما ترد كلمة مثل: (لعبة، لغز، مهمة، فوز، ممتع)، أمام المتعلم سيُظهر فوراً الكثير من الطاقة، ولكن سرعان ما يخيب أمله ويُلاحظ أنَّ الوجبة الإلكترونية لها النكهة ذاتها، نكهة الكتاب والواجب المدرسي، نكهة المسائل المُعقَّدة التي تستدعي منه تذكُّر المعلومات التي حفظها دون استيعاب أو فهم!!! لذا حاولنا من خلال هذه السلسلة: “ كيف تُنشئ فصولاً لتعلم إلكتروني أكثر جاذبية؟” وضمن مقالاتها الثلاث أن نسلط الضوء على بعض النواحي التي تجعل التعلم الإلكتروني فاعلاً و ذو قيمة ومغزى لدى الفئة المعنية به وذلك باعطاءه طابع الجاذبية والتحفيز والذي يستدعي الكثير من الجهد و العمل على حالات لم نذكر منها إلا غيضا من فيض … ونعدكم إن شاء الله ألّا تتوقف هذه السلسلة فأيّ تطوير أو تحسين أو جديد في هذا المجال سنسعى جاهدين لتزويدكم به.
أستاذة أروى متألقة كالعادة. نفتخر بك. شكرا
بارك الله فيك و عليك ، الشكر الموصول لك ، لقد استفدت الكثير
إن ما تفضلتم به في هذا المقال يبقى مجرد تعبير نظري بحت وكلام أي كان يمكن أن ينشر مثله ، لكن نحن نبحث عمن يطورنا تطبيقيا ويكون ما يسمى بالمعرفة المعمقة ذات الطابع التطبيقي ، لكن نحن نبارك هذا المقال للباحثين لا أكثر .
بارك الله فيك
رائع