يدخل هذا الموضوع في إطار التعاون بين مدونة تعليم جديد والكاتبة ليلى جبارة، وهو العاشر من سلسلة “حكايات كما يجب أن تروى“. تُنشر حصريا على صفحات الموقع.
“توم كانتي” ولد فقير يعيش في بيت صغير قديم يتكون من غرفة واحدة تؤويه مع أسرته المتكونة من والديه وجدته لأبيه، وأختيه التوأمين “نان” و”بيت” البالغتين خمسة عشر عاما، كانت البنتان لطيفتين جدا وتحبان أخاهما كثيرا وتعطفان عليه فهو الشقيق الأصغر الهادئ.
الأوضاع المادية لعائلة “كانتي” صعبة للغاية فالوالد “جون ” عاطل عن العمل منذ سنوات بسبب مرض عضال ألزمه الفراش، ونادرا ما يتلقى مساعدة من أحدهم، فأغلب سكان الحي فقراء بالكاد يوفرون قوت يومهم، مما أجبر ” توم ” على تمضية وقته في الشارع والتوسل بطلب بعض المال من المارة.
رغم أن الظروف اضطرت “توم” للتسول إلا أنه في قرارة نفسه كان يبغض هذا الفعل ويتوق للكسب من عرق جبينه، وكم بحث عن عمل لكن لا أحد قبل بتوظيفه لصغر سنه وضعف بنيته رغم محاسنه الخُلُقية وذكائه، فقد علمه جارهم “العم آندرو” القراءة والكتابة وزرع فيه القيم النبيلة والتحلي بالأخلاق الفاضلة.
كان توم تلميذا نجيبا وشغوفا بسماع ” حكايات “العم آندرو” عن مغامرات الفرسان وبطولاتهم، وحياة الملوك والأمراء وعاداتهم، مما جعله يحفظ كل شيء عن أسلوبهم الراقي في التعامل، وكم راوده حلم أن يصير ذات يوم أميرا من طبقة النبلاء، بل كان يمثل دور الأمير كلما لعب مع أصدقائه في الحي.
في أحد الأيام مر “توم” أمام القصر الملكي فرأى جمعا كبيرا من الناس مصطفين أمام البوابة الحديدية ينتظرون أخذ الصدقات والعطايا التي يجود بها الملك على المحتاجين، حاول ” الصغير” الاقتراب أكثر من بوابة القصر لعله يحظى بشيء ما يأخذه لعائلته، فإذا به يلمح ولدا صغيرا بمثل سنه تماما يقف على الجانب الآخر من البوابة، كان يرتدي ملابس فاخرة ويظهر عليه الجد والكبرياء، إنه الأمير “إدوارد”.
كانت مفاجأة الأمير كبيرة برؤية “توم” فهو يشبهه كثيرا وكأنه يرى نفسه في مرآة لولا ملابسه الرثة، أخذ يحدق فيه جيدا ثم أمر الحراس بإدخاله.
دخل “توم” القصر والدهشة تعقد لسانه وتبع الأمير ودخلا إلى البلاط، فأخذ الأمير يسأله و”توم” يجيبه حتى أخبره بكل تفاصيل حياته البائسة وما يواجهه من صعوبات يوميا، وكذا أسماء أفراد أسرته ومكان بيته،
فطلب منه الأمير أن يتبادلا الأدوار فهو يتوق لتجربة الحياة البسيطة بعيدا عن حياة الترف والرسميات، سعد الطفل الفقير بالاقتراح فحلمه صار حقيقة.
تبادل الطفلان الملابس، والتحق الفقير الذي أصبح أميرا بمنصبه الجديد، وذهب الأمير للتسكع في الشوارع والتسول، لكنه تعرض لمضايقات كثيرة والسخرية بل أن بعض الأطفال ضربوه وألقوه في النهر بعدما أخبرهم أنه الأمير، ونعتوه بالكاذب المعتوه، فشعر بمذلة لم يعدها من قبل، فهو لا يكذب أبدا ويدرك جيدا أن الكذب من الصفات السيئة، وهو شيء لا يستهان به إذ يهوي بصاحبه إلى النار.
توجه “إدوارد” إلي منزل “توم” وأخبر والده “جون” والعم “أندرو” أنه الأمير إلا أن أحداً لم يصدقه، وثار والد “توم” في وجهه وأخذ يوبخه لتأخره في الخارج وتلفظه بكلام خيالي، ففر” إدوارد” للخارج مذعورا ولم يستطع الرؤية بوضوح في الشارع المظلم، حتى اصطدم برجل طويل يرتدي عباءة سوداء فاعتذر منه.
مد الرجل يده لمصافحة “إدوارد” لكن الصبي تراجع للخلف فهو لا يكلم الغرباء ولا يمكنه الوثوق بمن لا يعرف.
لكن الرجل ابتسم قائلا:” مرحبا ..اسمي مايلز هيندون.”.
قال إدوارد:” مستحيل أنت البطل “مايلز” الذي حدثني عنه والدي، أخبرني أنك كنت فارسا شجاعا وذهبت للحرب ولم تعد”.
استغرب “مايلز” من كلام الصبي لأنه كان من فرسان البلاط الملكي، وكيف لصبي فقير أن يعرفه، وقال:” من والدك؟”
رد “إدوارد” :” إنه الملك هنري طبعا”.
ضحك “مايلز” من جواب “إدوارد” الذي أصر على كلامه وطلب منه مرافقته للقصر.
بدأ الاثنان رحلة مليئة بالمغامرات، جارى أثناءها “مايلز” الصبي في كل ما أراده وتظاهر أنه يصدق أنه الأمير فقد تعاطف مع حالته وظنه مريضا.
تعرض “إدوارد” للكثير من المتاعب واكتشف من خلالها صعوبة عيش العامة وغياب العدالة الاجتماعية وقسوة النظام القضائي وعقوباته المجحفة، في حق أناس ضعفاء فقراء.
أما “توم” فقد بقي في القصر يتظاهر وكأنه الأمير، وينعم برغد العيش وما حوله من مظاهر الرفاه، لكنه سرعان ما وجد أن هذه الحياة لا تناسبه، ففيها كل مظاهر التبذير والإسراف وكذا التكلف والتصنع، وهذا لا يوافق مبادئه وما نشأ عليه من قيم، ولكيلا ينكشف أمره حاول إظهار عادات تتلاءم مع البلاط ونظمه ولكنه ظل غير ملم بكل التفاصيل مما جعل من حوله يرتابون، ويظنون أن الأمير مريض ومصاب بفقدان الذاكرة، واستغل أحد النبلاء الطامع في الحكم الفرصة وطالب بمحاكمته لمعرفة سلامة عقله، ولكنه نجح في الاختبار فالصبي ” توم” متعلم وذكي وبفطنته تجاوز هذه المحنة.
وحدث ما لم يخطر على بال إذ أصيب الملك بوعكة صحية ألزمته الفراش لعدة أيام وبعدها ازدادت حالته سوءا وتوفي، فكان لزاما تتويج الأمير ملكا خلفا لأبيه.
انتشر خبر وفاة الملك في كل أرجاء البلاد، وبلغ مسامع الأمير “إدوارد” فأصابه كرب شديد، وسارع للعودة إلى القصر وقلبه يتفطر حزنا، وعند وصوله وجد مراسيم التتويج قد بدأت فتسلل من بين الحشود وغافل الحراس إلى أن وصل للقاعة الرئيسية وقاطع المراسيم معلنا أنه الأمير الأصلي، صدم الحضور بهذا التصريح من طفل بائس ولكن ” توم” أكد قوله وأوضح أنهما استغلا الشبه بينهما لتبادل الأدوار.
رفض النبلاء تصديق القصة وطالبوا “إدوارد” بإظهار ختم الحكم، فأخذ يتذكر مكانه وأين أخفاه قبل رحيله، ثم طلب من “اللورد الوصي” أن يبحث عنه في الدرج السري بالجزء الخلفي من مكتبه، وسيعثر على عليه هناك.
فتش “اللورد الوصي” مع بعض الخدم في المكتب فوجدوا الختم الملكي، وعادوا به للقاعة، ذهل الجميع واستغربوا من تجربة الأمير حياة البؤس والشقاء وعودته سالما، وهكذا بويع “إدوارد” ملكا على كل البلاد.
أما “مايلز” فلم يصدق عيناه لما رأى الصبي يتوج ملكا، وحاول الاقتراب منه لكن الحراس منعوه وما إن رآه الملك الجديد حتى أمر بفسح الطريق له.
نال ” مايلز” مكافأة كبيرة وشغل منصب “وصي الملك” لقاء مساعدته للأمير وإخلاصه، في حين حظيت عائلة “كانتي” بحياة سعيدة بعدما قام “الملك “إدوارد” بإعادة تهيئة المساكن وتشييد المدارس، وتوفير مناصب شغل وإعانة المرضى والمحتاجين، ورغم حداثة سنه إلا أنه كان حاكما عادلا، حارب الطبقية، عدل نظام القضاء ووفر حياة كريمة للجميع، وعم العدل والسلام في كل أنحاء المملكة.
ملاحظة: القصة الأصلية للكاتب الأمريكي:” مارك توين”، ولو أن القصة خيالية إلا أن الشخصيات حقيقية وتاريخية عاشت في لندن.
رائعة
أعجبتني القصة ونالت إعجاب ابنتي
شكراً لك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كالعادة الفتاتان الوفيتان لتتبع السلسلة براك الله فيهما وأنبتهما نباتا حسنا إن شاء الله.