هذا المقال هو المقال الثاني من سلسلة مقالات حول إستراتيجيات حديثة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، للكاتب الدكتور أحمد حسن والتي ينشرها حصريا على مدونة تعليم جديد. المقال الأول طريقة القراءة من هنا.
أ- النشأة:
هذه الطريقة لا يمكن الرجوع بها إلى رأي فرد بعينه أو جماعة بعينها، وإنما تمتد جذورها في التعليم الرسمي للغتين اللاتينية واليونانية في أوربا لعدة قرون([i])، حيث نقلتا التراث الإنساني المكتوب بلغات شتى إلى العالم الغربي، فشعر أهلها بالحاجة إلى تعلم هاتين اللغتين، واتبعوا في ذلك الأساليب التي كانت متبعة في تدريس اللغات الثانية في العصور الوسطى في البلاد الأوربية، وسميت بذلك لأنها تهتم بتدريس القواعد بأسلوب نظري مباشر، وتعتمد على الترجمة من اللغة الأم وإليها.
هيمنت طريقة القواعد والترجمة على ميدان تعلم اللغات –خاصة اللغات الأوربية- قرابة قرن من الزمان، في الفترة ما بين العقد الخامس من القرن التاسع عشر حتى العقد الخامس من القرن العشرين([ii])، ومازالت تستخدم حتى يومنا هذا في بعض أجزاء العالم.
ب- مدخل الطريقة:
تعددت الآراء حول المدخل الذي اعتمدت عليه الطريقة؛ فيرى البعض أنها لا تنطلق من مدخل ولا تستند إلى نظرية([iii])، إلا أن هناك فريقا آخر يرى غير ذلك، وهو ما سنعرضه.
– نظرية اللغة:
تستند هذه الطريقة إلى الآراء التي سبقت دي سوسير ومدرسة براغ في اللغويات الوصفية، حيث كان النحو والصرف يعتمدان قبلها على آراء فلسفية ومنطقية أغلبها ذاتي لا يخلو من نظرات عاطفية غيبية يصعب إخضاعها للمقاييس العلمية.
– نظرية التعلم:
تعتمد هذه الطريقة على نظرية الملكات العقلية أو التدريب الشكلي في علم النفس، تلك النظرية التي نادت بانقسام العقل إلى أقسام أو مناطق، منها ما يختص بالذاكرة وحل المشكلات وغير ذلك. ([iv])
ج- نموذج تدريسي:
– في بداية الحصة يدخل المعلم إلى حجرة الدرس، والطلاب جالسون على مقاعدهم، وكتبهم مفتوحة؛ انتظارا لدرس جدید، أو لاستكمال درس سابق.
– يبدأ الدرس الجديد بنص قرائي في صدر الصفحة، مسبوقا أو مذيلا بقائمة من المفردات الجديدة، ثم يقوم المعلم بترجمتها إلى لغة الدارسين الأم أو إلى لغة وسيطة، ويكتب ذلك على السبورة إن وجدت، أو يملي على الطلاب، وهم يكتبون خلفه، وقد يكون معظمها مترجما في الكتاب إلى اللغة الأم أو إلى لغة وسيطة يتقنها جميع الطلاب.
– يقرأ المعلم النص بنفسه، أو يطلب من أحد الطلاب النابهين قراءته قراءة جهرية، ويعطي جميع الطلاب بعد ذلك فرصة لقراءة النص قراءة سرية، ليتفرغ لكتابة القواعد والأمثلة على السبورة، يحاول الطلاب خلال القراءة ترجمة جمل النص وعباراته إلى اللغة الأم، مستعينين بمعجم ثنائي اللغة، وقد يساعدهم المعلم في هذه المهمة إذا لزم الأمر.
– يبدأ المعلم بعد ذلك بشرح القواعد الصرفية والنحوية، التي قد كتب أمثلتها على السبورة في أثناء القراءة السرية، مختارة من النص المقرر، وقد يمضي وقتا طويلا في شرح بعض المصطلحات والمسائل الصرفية والنحوية بما فيها من استثناءات أو نوادر أو شواذ، كل ذلك أو معظمه يتم باللغة الأم (أو باللغة الوسيطة)، وقد يقارن هذه القواعد بالقواعد المقابلة أو المشابهة لها في اللغة الأم.
– أما بقية الحصة فتخصص عادة لبعض التدريبات الكتابية غير الإبداعية؛ كتصريف الأفعال والأسماء والصفات، وترجمة الجمل والعبارات من اللغة الأم وإليها، وملء الفراغات بكلمات محفوظة.
– وقد يلقي المعلم على طلابه في نهاية الحصة بعض الأسئلة والألغاز اللغوية، التي تتطلب الإجابة عنها قدرة عقلية عالية، أو خلفية قوية في النحو والصرف، أو رصيدا من المفردات المحفوظة، ومن لم يستطع من الطلاب إكمال تدريبات الفصل فعليه إكمالها في المنزل، كما أن علی الجميع أن يستعدوا للدرس القادم، وأن يحضروا إلى الفصل وقد حفظوا كلمات الدرس الجديد ومصطلحاته. ([v])
د- ملامح الطريقة:
– تقدم الدروس باللغة الأم، مع استعمال قليل للغة الهدف.
– تعلم المفردات في قوائم كلمات معزولة.
– شروح مستفيضة لمشكلات النحو المعقدة.
– قراءة نصوص كلاسيكية صعبة في مرحلة مبكرة جدا.
– لا يوجه اهتمام بمحتوى النصوص(المضمون)، وإنما تعالج باعتبارها تدريبات على التحليل النحوي.
– تتكون التدريبات الوحيدة من ترجمة جمل غير مترابطة من اللغة الهدف إلى اللغة الأم. ([vi])
هـ- مميزات الطريقة:
– لا تكلف المعلم الذي يستخدمها عبئا ثقيلا.(فعندما يتعب يجلس ويكلف الطلاب بحل بعض التدريبات التحريرية، كما أنه لا يحتاج إلى أن يبتكر في تخطيط درسه؛ لأنه يتبع خطوات عرض الكتاب المدرسي خطوة خطوة).
– تناسب الفصول المزدحمة بالمتعلمين.
– إجراءات التقويم لا تتطلب جهدا كبيرا من قبل المعلم.
– الطلاب الذين يدرسون بهذه الطريقة يحسنون عادة مهارتي القراءة والكتابة على نحو أفضل من الطلاب الذين يدرسونها بطريقة أخرى.
و- عيوب الطريقة:
– عدم عنايتها بمهارتي الاستماع والمحادثة.
– مخالفتها الظاهرة لمبدأ أساسي في تعليم اللغة ينادي بتعليم اللغة وليس التعليم عنها.(فالتحليل النحوي والصرفي تدريس عن اللغة وعلومها، والمطلوب إجادة اللغة بوصفها مهارات وليس معلومات). ([vii])
– التدريس بهذه الطريقة غالبا ما يقود إلى تدخل أنظمة اللغة الأم للمتعلم في أنظمة اللغة الهدف، وقد تستمر هذه المشكلة مع المتعلم مهما تقدمت به المراحل.
– الطالب الذي تعلم بهذه الطريقة غالبا ما يصعب عليه إنتاج لغة سليمة وطبيعية، لأنه تعلم اللغة بطريقة نحوية متكلفة؛ فقد تعود على رصف الكلمات التي حفظها في منظومة نحوية شكلية، تفوح منها رائحة الترجمة.
– موقف الطالب سلبي؛ يتلقى الشرح والإملاء، فيكتب ويترجم ويحفظ، ويعيش في جو محاط بالتوتر؛ وذلك مما يؤدي إلى تدني مستوى الدافع نحو التعلم.
– هذه الطريقة لا تصلح لتدريس الأطفال؛ لأنهم-في هذه المرحلة العمرية- لا يدركون المصطلحات النحوية والصرفية، بالإضافة إلى صعوبة فهم محتوى النصوص الأدبية والعلمية.
– أساليب التقويم لا تتعدى اختبارات المقال، وهي اختبارات ذاتية غير موضوعية، تعتمد على الحفظ، وتقيس جانبا مما حصله الطلاب من المفردات والقواعد الواردة في الكتاب، ولا تعطي نتائج واضحة عن الكفاية اللغوية.([viii])
– لا تنجح تلك الطريقة مع الطلاب الأقل ذكاء حيث نجدهم في حالة ارتباك، ويقعون في أخطاء كثيرة مما يؤدي إلى كراهيتهم لتعلم اللغة وتسربهم من حجرات الدراسة.([ix]) (أي إنها لا تراعي الفروق الفردية).
* مرجع الاقتباس
أحمد حسن محمد علي.(2020). إستراتيجيات حديثة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، ط1. أنقرة، دار سون تشاك، ص ص 71-75.
– الهوامش
[i] . يونس، فتحي؛ الشيخ، محمد.(2003). المرجع في تعليم اللغة العربية للأجانب– من النظرية إلى التطبيق. ط1. القاهرة: مكتبة وهبة. ص70.
[ii] . العصيلي، عبدالعزيز إبراهيم.(2002). طرائق تدريس اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ص ص33-34، 47.
[iii] . المرجع السابق. ص38.
[iv] . الصديق، عمر.(2007). الأسس النفسية واللغوية والتربوية لتعليم وتعلم اللغات. بحث منشور في مجلة العربية للناطقين بغيرها. العدد الخامس. ص 28.
[v] . العصيلي، عبدالعزيز.(2002). مرجع سابق. ص ص41-42.
[vi] . براون، دوجلاس.(1994). أسس تعلم اللغات وتعليمها. ترجمة. عبده الراجحي، وعلي أحمد شعبان. دار النهضة العربية. ص ص 101-102
[vii] . الصديق، عمر.(2007). مرجع سابق. ص ص30-31.
[viii] . العصيلي، عبدالعزيز.(2002). مرجع سابق. ص ص46-47.
[ix] . الناقة، محمود كامل؛ طعيمة، رشدي أحمد.(2003). طرائق تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها. إيسيسكو. منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة. ص 72.