تتناول التربية الحديثة حقولا متنوعة من مختلف التخصصات، مثل علم النفس والتنمية الذاتية والتكنولوجيا وغيرها، إذ لا تستطيع التربية الانعزال والاستقلالية عن نتائج بحوث علم النفس والعلوم الأخرى مثل الكيمياء والأحياء وغيرها، و لأن متطلبات الحياة تتسم بالسرعة والانفتاح والتنوع، باتت التربية رهينة العلوم المختلفة وبخاصة علم النفس والتشريح والأعصاب الذي خدم التربويين في تفسير التعلم، وما يجري من عمليات يمكن الأسر و المعلمين من فهمها والتعامل معها باستراتيجيات نفسية وتربوية تعليمية تتماشى وطبيعة الإنسان، وتنمي قدراته الفكرية وتساعد في اكتساب المعرفة، ومواجهة معضلات كانت ترهق بال الأباء والأمهات والمعلمين.
في هذا المقام، سوف نسلط الضوء على كل من مشكلة اضطراب تشتت الانتباه و فرط الحركة (ADHD)، التي تعد حالة مزمنة تصيب ملايين الأطفال وتلازمهم حتى مرحلة البلوغ، وهو اضطراب نمو عصبي، إذ إن الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب يجدون صعوبة في الحفاظ على التركيز، أو لديهم نوبات من فرط النشاط التي تتداخل مع حياتهم اليومية، ويعاني الأطفال الذين يصابون بهذا الاضطراب بشكل خاص من تقييم ذاتي متدنٍّ، وعلاقات اجتماعية شائبة وتحصيل متدنّ في المجال التعليمي. ويمكننا تمييز هذه المشكلة من خلال دراسات علم النفس التي بينت أعراض متعددة منها:
- يكون الطفل دائم النشاط والحركة معظم الأوقات.
- عدم القدرة في معظم الأحيان على الانتظار والالتزام بالدور.
- التحدث بصورة مفرطة.
- صعوبةً في تنفيذ التعليمات أو تتبعها.
- الميل إلى الإجابة قبل الإنتهاء من سماع السؤال.
- عدم الانتباه للتفاصيل أو ارتكابه بعض الأخطاء الناجمة عن قلة الانتباه عند قيامه بالأنشطة.
- عدم التنظيم والتركيز أثناء تحضير الواجبات المدرسية أو خلال تنفيذ مهام أخرى.
1- ما هي أسباب تشتت الانتباه وفرط الحركة
كثير من الأهالي يلقون اللوم على أنفسهم عند تشخيص إصابة طفلهم باضطراب ADHD، إلا أن الباحثين يؤكدون بأن العوامل المسببة للاضطراب قد تعزى إلى عوامل وراثية، لا إلى الاختيارات السيئة التي يفرضها الأهل.
وفي الوقت ذاته، هنالك عوامل بيئية معينة قد تؤثر على تصرفات الطفل أو قد تُفاقِم حدتها ومنها:
- تغيير في بنية وكيمياء الدماغ: بينما لا يزال المسبب الدقيق لاضطراب ADHD مجهولاً، بينت مسوحات الدماغ حدوث تغييرات مهمة في بنية الدماغ وأدائه لدى الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب. فقد لوحظ مثلاً وجود نشاط مُتدنّ في المناطق الدماغية المسؤولة عن النشاط والانتباه.
- عوامل وراثية: يبدو أن اضطراب ADHD ينتقل وراثياءً، من جيل إلى جيل. فقد دلت الأبحاث على أن واحداً من كل أربعين طفلاً يعانون من الاضطراب لديه قريب عائلي واحد على الأقل، يعاني من الاضطراب ذاته.
- تناول الأم لمواد مخدرة تسبب الإدمان أو التعرض لمواد سامّة خلال فترة الحمل.
2- ماذا يحدث كيميائيا في دماغ مصاب ADHD ؟
تُظهِر الدراسات أن المواد الكيميائية في الدماغ وتدعى النواقل العصبية neurotransmitters، لها تأثيرات مختلفة على مصابي ADHD الأطفال و البالغين، إضافة إلى أن هناك اختلافات في طريقة عمل المسارات العصبية داخل الدماغ البشري،
وقد تكون أجزاء معينة من الدماغ أقل نشاطاً أو أصغر عند الأطفال المصابين بالاضطراب من أولئك الذين لا يعانون من الاضطراب.
يعتبر الدوبامين إحدى المواد الكيميائية في الدماغ، والذي يحمل إشارات بين الأعصاب في الدماغ وهو مسؤول عن الحركة والنوم و المزاج و التركيز والتعلم، وغيرها من العمليات الحيوية.
3- ناقلات الدوبامين و ADHD
وقد أشار بعض الباحثين إلى أن الدوبامين كناقل عصبي له دور محتمل في الإصابة بالاضطراب، وذلك لأن الدوبامين مسؤول عن تنظيم الاستجابات العاطفية والتركيز، ومشاعر السعادة والإيجابية (NT Carnevale., ML Hines, 2006 )
وقد لاحظ العلماء أن انخفاض مستويات الدوبامين ترتبط ارتباطا وثيقا مع أعراض الاضطراب . وأكد الباحثون في دراسة بعنوان Evaluating Dopamine Reward Pathway in ADHD: Clinical Implications نشرت عام 2009 بأن الخلايا العصبية في الدماغ والجهاز العصبي لديها تراكيز أعلى من نوع خاص من البروتينات تسمى نواقل الدوبامين. هذه البروتينات الناقلة تمنع بشكل مؤقت الدوبامين من الانتقال إلى الخلية التالية من خلايا الدماغ وهذا يقلل من تأثير الدوبامين المفيد للإنسان، ومن ناحية علمية تعرف كثافة نواقل الدوبامين ب DTD .
وقد واصلت الأبحاث دراسة العلاقة بين ناقلات الدوبامين و اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ADHD، و بحثت دراسة حديثة نشرت في مجلة Psychiatric Genetics في العدد 25 عام 2015، وبينت أن الجين الناقل للدوبامين DAT1 قد يؤثر على ظهور صفات متلازمة اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ADHD ، واستطلعت آراء 1289 من البالغين الأصحاء. و تناولت الدراسة المسحية أسئلة حول الاندفاع والشغف، و عدم الانتباه وفقدان التركيز، وعدم استقرار الحال المزاجية، وهي العلامات الثلاث الأشهر التي تحدد الإصابة ب ADHD وخلص الباحثون إلى أن DAT1 تؤثر على ظهور أعراض اضطراب فرط الحركة و تشتت الانتباه لدى الإنسان.
وأكدت دراسة قامت بها باحثة طبية ( Natalia.et al,2013 ) في أكاديمية أكسفورد نشرت في مجلة الدماغ Brain أن كمية المادة الرمادية في الدماغ قد تسهم في الإصابة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه أكثر من مستويات الدوبامين، وأظهرت دراسة أخرى لباحثين في الجمعية الطبية الأمريكية عام 2006 بأن ناقلات الدوبامين كانت أقل في أجزاء من الدماغ الأيسر لدى المشاركين الذين لديهم إصابة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
و أكد باحثون نفسيون بأن اضطراب تشتت الانتباه والتركيز لا يسبب بشكل مباشر مشاكل نفسية أو تطورية أخرى، لكن في حال إهمال الأطفال المصابين باضطراب ADHD يكونون أكثر عرضةً للإصابة باضطرابات أخرى تنجم عن هذا الاضطراب، من بينها:
- اضطراب المعارضة والتمرد (Oppositional Defiant Disorder – O.D.D)
- متلازمة توريتت
- اضطرابات سلوكية (Behavioural disorders)
- الاكتئاب (Depression)
- العُسر التعلّمي
و أكثر العلاجات المستخدمة للتعامل مع اضطراب ADHD لدى الأطفال هما المعالجة الدوائية والاستشارة النفسية.
تعتبر الأدوية المنشّطة والأدوية المهدّئة من العلاجات الدوائية الأوسع انتشاراً، لمعالجة اضطراب ADHD لدى الأطفال. وهي تشمل:
- أديرال (Adderall)، دِيكْسْتْروأمفيتامين (Dextroamphetamine) / أمفيتامين (منبه عصبي) – (Amphetamine) .
- ريتالين (Ritalin)، كونسيرتا (Concerta)، ميثيل فينيدات/ دواء منبه أساسيّ (Methylphenidate) .
- ديكْسِدْرين (Dexedrine) دِكْسْتروأمفيتامين (Dextroamphetamine).
- ومن المهدئات:
- مضادات الاكتئاب.
- كاتابريس (Catapres) ، (كلونيدين – Clonidine)، وغوانفاسين (Guafacine) (تينيكس – Tenex). وتستخدم هذه العقاقير لمعالجة فرط ضغط الدم. وقد ثبتت كفاءتها في معالجة المصابين باضطراب ADHD.
وللعلاج بالاستشارة والتوجيه فوائد عظيمة يجنيها الأطفال المصابون بهذا الاضطراب، ويتم ذلك بعدة طرق:
- المعالجة النفسية Psychotherapy.
- المعالجة السلوكية Behaviour therapy / Behaviour modification.
- التدريب على اكتساب المهارات والمؤهلات الاجتماعية.
- المعالجة بواسطة مجموعات الدعم Group support.
- المعالجة العائلية Family therapy / family counselling، والاهتمام ببناء نظام يومي ثابت لأطفالهم، يوضح للطفل بكل صراحة وبساطة ماهي توقعات ومطالب الأهل منه في كل ما يتعلق بـمواعيد النوم مساءً، والاستيقاظ صباحاً، وأوقات وجبات الطعام، وإتمام المهام المنزلية البسيطة ومشاهدة التلفاز.
- امتناع الأهل عن القيام بأعمال متعددة عند تحدثهم مع الطفل، إذ من الضروري المحافظة على التواصل البصري مع الطفل لدى إملاء التعليمات. كما يُنصح بأن يتفرغ الأهل لبعض الدقائق يومياً، من أجل الإطراء على الطفل وامتداحه.
- التعاون التام مع مُدرِّسي طفلهم ومُعالِجيه ليتسنى تشخيص المشكلات التي قد تنشأ مبكرا قدر الإمكان.
المراجع:
References:
- HE Hulshoff Pol, HG Schnack, D Posthuma, RC Mandl, WF Baaré, C van Oel, NE van Haren DL Collins, AC Evans, K Amunts, U Bürgel, K Zilles, E de Geus, DI Boomsma, RS Kahn., 2006, Genetic contributions to human brain morphology and intelligence, Journal of Neuroscience 26:10235–10242.
- Natalia A Goriounova, Djai B Heyer, René Wilbers, Matthijs B Verhoog, Michele Giugliano, Christophe Verbist, Joshua Obermayer, Amber Kerkhofs, Harriët Smeding, Maaike Verberne, Sander Idema, Johannes C Baayen, Anton W Pieneman, Christiaan PJ de Kock, Martin Klein, Huibert D Mansvelder., 2018 , Large and fast human pyramidal neurons associate with intelligence. eLife ;7:e41714 DOI: 10.7554/eLife.41714.
- NT Carnevale., ML Hines., (2006), The NEURON Book , Cambridge: Cambridge University Press.
العلم بالتعلم والحلم بالتحلم
علم النفس والتكنولوجيا هما فعلا أساس التربية الحديثة اليوم ولايمكن عزلهما حتى عن أطفالنا فى بيوتنا فلابد من الثقافة النفسية والتكنولوجية للوالدين حتى نستطيع تدريب أولادنا فى انتقاء مايفيدهم وينمى فكرهم ويرتبى بسلوكهم .
موصَع في غاية الأهمية، اعتقد بأنه يجب تناول هذه الدراسة وآلية تطبيقها في التربية