مقدمة
الدخول في مؤشر جودة التعليم لا يتعلق بمؤشرات وزارات التعليم وحدها وإنما بمؤشرات تتعلق بعمل البيئة المحلية للتعليم ككل ومن واجب الوزارات الأخرى إنجاز ما يتعلق بها في هذا المجال، لأن الابتعاد عن المشاركة بمثل هذه التقييمات يعطي إشارات غير إيجابية عن الدولة.
التقييمات الدولية التي تساعد فى تحديد موقع الدولة فى مؤشر جودة التعليم تعتمد بشكل كبير على تضافر جهود كل من في الدولة لتوحيد تلك الجهود وحساب التكاليف والمردود والعائد ودرجة المخاطرة والقدرة على المحافظة على هذا الموقع فى التصنيف أطول فترة ممكنة، وحين نقول إن هذه الجهود صعبة فالقصد أنها ليست مستحيلة إذ يمكن إنجازها من خلال التعاون بين الوزارات المختلفة والأجهزة المختصة.
إن عدم تقديم البيانات المطلوبة فى هذه التقييمات الدولية فى موعدها أو عدم تحديث هذه البيانات أو الإحجام عن تقديمها هو الذي يضطر المنظمات المعنية إلى أحد خيارين، وهما إما الاستناد لما هو متوفر لديها من بيانات وغالبيتها قديمة أو غير متكاملة أو الإبعاد عن التقييم والإبعاد يعني ضمنياً درجة الصفر في التقييم مما يعني مستويات تقييم (متدنية) مستقبلاً.
تعتبر التقارير الوصفية الأداة التي تفيد متخذي القرار والمحللين وواضعي سياسات ومعايير المؤشرات الدولية للجودة فى اتخاذ القرار السليم لأنها تحوي ضمنياَ مستويات الرصانة المتوقعة فى أداء التعليم كونها توضح المخزون الوطني من الكفاءات والتخصصات التي يجب أن يعول عليها فى الترتيب فى المؤشرات العالمية لإعطاء الحكم عن مدى ملائمة أو عدم ملائمة ما تحتويه هذه التقارير مع ما يجب أن يكون.
فما هي مؤشرات تطور جودة التعليم وكيف نعمل لتفعيلها؟
يحرص مؤشر جودة التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمي فى دافوس على إصدار ترتيب عالمي للدول سنويا حسب تطور جودة التعليم لديها، ويعتمد التقرير على 12 معيارا تشمل كل ما هو متعلق بالتعليم سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كما يلي:
- المؤسسات والابتكار.
- بيئة الاقتصاد الكلي.
- التعليم الأساسي.
- التعليم الجامعي.
- التدريب.
- الصحة.
- كفاءة أسواق السلع.
- كفاءة سوق العمل.
- تطوير سوق المال.
- الجاهزية التكنولوجية.
- حجم السوق.
- تطوير الأعمال والابتكار.
و في هذا المقال يتم التركيز على المعايير الخاصة بالتعليم سواء كانت تلك المعايير خاصة بالتعليم الأساسي أو خاصة بالتعليم الجامعي وهي المعايير التي لها علاقة مباشرة بجودة المنتج من التعليم وهو الطالب سواء كان طالباً فى التعليم قبل الجامعي أو التعليم الجامعي كما يلي:
مؤشرات الجودة في التعليم الأساسي
تعنى مؤشرات الجودة فى التعليم الأساسي بتحديد بنية الجودة التعليمية وتوصيف مؤشرات الجودة المختارة فى سياق التقييم الذاتي للمدرسة من خلال تقدير المخرجات الإحصائية الناتجة عن الاختبارات فى نهاية كل صف من صفوف التعليم الأساسي، ويتم ربط مفهوم الجودة التعليمية في الغالب بالاختبارات المعرفية وليس بمخرجات التعليم المرجوة منه.
ماذا نعني بالمدرسة عالية الجودة؟
فى أوائل الستينيات من القرن العشرين ظهر مفهوم جودة التعليم وركز بشكل حصري تقريبًا على المحتوى التعليمي والأدوات والأساليب و في وقت لاحق توسعت مجالات البحوث من حيث الكمية المكتسبة (القيمة المضافة) في العقد الأخير من القرن العشرين، وأصبح موضوع جودة التعليم أقوى و يتم تطويره حاليًا تحت ضغط المواقف التى ترى التعليم كخدمة عامة أو علاقة بين المورد والعميل وأصبحت تلبية احتياجات الفرد قبل كل شيء هي الغاية من مفهوم الجودة في التعليم الأساسي.
كيف تقوم مؤسسات التعليم الجامعي بإدارة نظم الجودة؟
تقوم مؤسسات التعليم الجامعي في ظل النمو المتزايد في أعداد المتقدمين للالتحاق بالجامعات والحاجة إلى تحقيق المواءمة بين مخرجات مؤسسات التعليم الجامعي مع احتياجات التنمية المستدامة وسوق العمل، والحاجة إلى تحقيق قدر كبير من التوازن بين أنشطة: التعليم، والبحث والتطوير، وخدمة المجتمع، ونشر المعرفة؛ بتفعيل استخدام المعايير والمؤشرات الضرورية لتقييم جودة العملية التعليمية بكافة مدخلاتها ومخرجاتها؛ مما يمكن من تكوين صورة واضحة عن واقع جودة التعليم الجامعي وسبل تطويره وتحسينه.
يمتد تقويم أداء التعليم الجامعي ليشمل شقين أساسيين هما: تقويم الأداء داخل الجامعات، ويتضمن أداء كل من: الإدارة، وأعضاء هيئة التدريس والطلاب، والبرامج التعليمية وتقويم تأثير الجامعة على المجتمع، وكفاءتها فى تنميته وتطويره، ومن الجدير بالذكر القول أن تقويم الأداء يهدف إلى ما يلى:
- المساهمة ضمن آليات أخرى فى تعزيز الجودة النوعية في التعليم الجامعي.
- إيجاد معايير للتقييم الداخلي في المؤسسات التعليمية.
- التأكد من أنه في حال وجود أي نقص في الالتزام بمعايير الجودة، تتخذ المؤسسة التعليمية إجراءات لتحسين الوضع.
- التأكد من قدرة الجامعات على الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة والمقدرة على تنميتها ذاتياً.
- ضمان جودة المعارف والمهارات التى يتقنها الخريج، وضمان ملاءمتها لأسواق العمل المستهدفة، وقدرتها على تحقيق رضاء أصحاب الأعمال، ودفع عجلة التنمية.
لماذا نحن فى حاجة إلى الجودة على مستوى التعليم العالي؟
توجد بعض النقاط الهامة والمركزة التي من شأنها الرد على هذا السؤال يتم اختصارها كما يلي:
-
التنافسية
ستتزايد التنافسية بين المؤسسات التعليمية لجذب الطلاب نحو المؤسسة المتواجدة فى التصنيف العالمي للجامعات والأكثر جاهزية والأكثر جودة وبالتالي ستجد مصادر متنوعة لتمويلها حيث تصبح البيئة التعليمية محركاً أساسياً للمنافسة من أجل البقاء، وفي مثل هذه الحالة يتعين على المؤسسات التعليمية الاهتمام بشأن جودة عملياتها ومخرجاتها.
-
رضاء المستفيدين
لقد أصبح الطلاب وأولياء الأمور وسائر المستفيدين من المؤسسات التعليمية على وعي بحقوقهم، وبضرورة الحصول على فائدة كبيرة مقابل الوقت والجهد الذي يبذل داخل أروقة المؤسسات التعليمية، فلقد كثر الطلب على تلقي نوعية جديدة من التعليم العالي، وعلى تلقي مهارات التوظيف فإن المؤسسات التعليمية يجب أن تهتم اهتماماً كبيراً بشأن المقررات والبرامج التي تقدمها، وعلاقتها باحتياجات سوق العمل المتنامية والمتسارعة.
-
الحفاظ على المعايير
يتعين على مؤسسات التعليم العالي التي ترغب في أن يندرج اسمها ضمن الترتيب العالمي للجامعات أن تتبنى معايير، وأن تحافظ عليها، وأن تطورها عاماً بعد عام؛ ومن أجل الحفاظ على تحقق المعيار، والإلتزام به يجب على المؤسسة أن تبذل جهوداً لتحسين نوعية المعاملات التربوية والمرافق التعليمة، والخدمات الطلابية، وجودة البرامج.
-
المساءلة
تخضع كل مؤسسة تعليمية للمساءلة من قبل جهات معنية، تشمل الأموال العامة والخاصة، وجودة العملية التعليمية بها ويعتبر تطبيق معايير الجودة إحدى الوسائل التي تقدم دليلاً واضحاً للجهات الرقابية حول أداء المؤسسة، كما أنها تساعد الجهات المعنية على اتخاذ القرارات المناسبة.
-
تحسين معنويات المجتمع الجامعي، وتحفيزهم على التفاني والعطاء
إن تطبيق معايير الجودة في مؤسسة التعليم العالي من شأنه تحسين الروح المعنوية، وتحفيز الموظفين فى أداء واجباتهم، والقيام بمسؤولياتهم وبالتالي تنظيم العمليات الداخلية، ويرتفع رضا العملاء؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الروح المعنوية، والدافعية، وزيادة الانتماء داخل المؤسسة التعليمية.
-
مصداقية وهيبة ومكانة المؤسسة التعليمية، وصورتها لدى الآخرين
إذا تمكنت مؤسسة التعليم العالي من الالتزام بمعايير الجودة بشكل دائم ومستمر، وليس لمرة واحدة عند الطلب، يستتبع ذلك تحقيق المصداقية وارتفاع هيبة المكان، وزيادة المكانة والوضع التنافسي، وسيؤدي ذلك بدوره إلى اجتذاب دعم أفضل من كافة أصحاب المصلحة، مثل: الحصول على التبرعات وزيادة المنح التعليمية والبحثية، والحصول على وضع وتقدير أفضل للخريجين لدى المجتمع: المحلي والإقليمي والدولي.
لكن هل يمكن أن تدار الجودة في التعليم العالي كما تدار في غيره من المؤسسات الإنتاجية والصناعية؟
في الحقيقة لا يمكن تطبيق مفهوم إدارة الجودة فى التعليم العالي كما هو مطبق فى مجال إدارة الأعمال والصناعة، فهناك قيود في تطبيق مفاهيم السوق في التعليم، لأن المنتجات التعليمية ليست منتجات نهائية يمكن شراؤها؛ فالطالب يتنافس للقبول داخل الجامعة، وغالباً ما تختار المؤسسة التعليمية طلابها بناء على تقديراتهم في المرحلة الثانوية؛ وعلى الرغم من دفع الطالب لرسوم التعليم، وخوضه لتجربة التعلم، يبقى التخرج من الجامعة ليس مضموناً؛ إلا إذا حقق الطالب الحد الأدنى من متطلبات التخرج من الجامعة؛ فعلى الطالب أن يلعب دوراً نشطاً فى عملية التعلم وأن يبدي سلوكاً منظماً، واستثماراً جيداً للوقت والمال؛ من أجل اكتساب المعارف والمهارات المطلوبة لسوق العمل؛ كذلك تعتمد جودة التعليم العالي على أداء أعضاء هيئة التدريس ومقدمي الخدمات، والموظفين؛ وهو أداء بشرى يصعب ثباته و قياسه؛ وبالتالي، لا يمكن أن تدار الجودة فى التعليم العالي بنفس الطريقة التى تدار بها فى مجالات الأعمال والصناعة؛ مما سيدفعنا إلى مناقشة مفهوم التحسين المستمر، ودور ثقافة الجودة فيه، كما أننا نعتزم توضيح وفهم العمليات الداخلية للمؤسسة الأكاديمية، ومناقشة أنشطتها فى إطار الجودة.
فلسفة التحسين المستمر
تكمن فلسفة التحسين المستمر في إدخال تحسينات تدريجية على العمليات والمنتجات والمخرجات، فكما نعلم جيداً، كل شىء يتدهور مع مرور الوقت والاستخدام، والتحسين المستمر هو التدخل لوقف هذا التدهور، بل وزيادة الجودة؛ ومن المعروف أيضاً أننا إذا لم نلتفت إلى مفهوم التحسين المستمر فى التعليم العالي، فإننا نكون بذلك نخطط لفشله حيث إن بقاء البرامج التعليمية على حالها لعشرات السنوات يعني تأخر مستوى الخريج، وتأخر مستوى البحث العلمي، وعدم قدرة الأمة بأسرها على المنافسة؛ ” فإذا أردت أن لا تبقى في مكانك، فعليك أن تركض طول الوقت؛ أما وقوفك فى مكانك، فيعني تأخرك لسنوات”؛ مما يستوجب القيام بعملية التحسين المستمر، التي تعتمد على التقييم الذاتي واتخاذ اجراءات تصحيحية من خلال أربعة خطوات رئيسية هى التخطيط، ثم التنفيذ، ثم الدراسة، ثم التحسين.
قائمة المراجع
- جمال الدهشان(2007): الاعتماد الاكاديمى’’ الخبرة الأجنبية والتجربة المحلية ‘‘- ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر العلمي السنوي الثاني ’’ معايير ضمان الجودة والاعتماد في التعليم النوعي بمصر والوطن العربي ‘‘ـ كلية التربية النوعية – جامعة المنصورة –.
- سوسن مجيد(2011): ضمان جودة وإعتماد البرامج الأكاديمية في المؤسسات التعليمية– دراسة مقدمة الي مؤتمر رابطة جامعات لبنان بالتعاون مع المكتب الوطني لبرامج تمبوس الأوروبي.
- سيلان العبيدى(2009): ضمان جودة مخرجات التعليم العالي في إطار حاجات المجتمع– ورقة عمل مقدمة للمؤتمر الثاني عشر للوزراء المسؤولين عن التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي: بيروت.
- مصطفى عبد القادر زيادة ( 2012 ): نحو رؤية مستقبلية لعملية صنع السياسة التعليمية في مصر مجلة بحوث ودراسات جودة التعليم العدد الأول – الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد – القاهرة
- نادية مصطفى(2005): فى خبرة تطوير التعليم العالى،المسارات والاشكاليات– بحث مقدم الى المؤتمر السنوى الثامن عشر للبحوث السياسية بعنوان التعليم العالى فى مصر- خريطة الواقع واستشراف المستقبل- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة-
هذه مؤشرات التنافسية العالمية بشكل عام وليست مؤشرات جودة التعليم فقط.
مقال أكثر من رائع..
فيما يتعلق بجودة التعليم الجامعي أو المؤسسات التعليمية فإن المصطلحات متقارنة من بعضها، وأجمل بأن الهدف النهائي لضمان الجودة في التعليم والعمل ضمن مختلف الأدوات الإدارية يبقى التحسين المستمر، والذي من خلاله نستطيع أن نحقق الأهداف المرجوة خطوة بخطوة…