هذا المقال من المشاركات المتأهلة للدور الأول من جائزة تعليم جديد التربوية، في نسختها الأولى.
مقدمة
يوجد مثل أفريقي يقول: (( عندما يموت الكبير في السن تحترق مكتبة )). و الشئ نفسه يصدق مع المدرسين عندما يعجزون عن الإفادة من المعرفة التي تراكمت لدى المعلم ذي الخبرة، و التي غالبا ما تبقى محبوسة في ذاكرته خصوصا في مجتمع غير معتاد على التدوين و التوثيق و العمل الجماعي. و للخروج من هذا النفق الضيق نقدم فيما يلي عرضا موجزا لواحدة من أعظم الممارسات التربوية الحديثة، و التي يقود تجويدها لتحويل المدارس إلى مراكز أبحاث علمية من الطراز الأول. إنها ممارسة بحث الدرس التي نتمنى أن تسود المدارس و تقود المعلمين إلى تعليم الجودة.
1- فكرة بحث الدرس
فكرة بحث الدرس تقوم على الرغبة الفطرية لدى كل معلم في تجويد التدريس. و تقوم فكرة بحث الدرس أيضا على مبدأ أن بين المعلمين من يمتلك خبرة طويلة في التدريس عموما و يمتلك معرفة جيدة في أحد مجالات التعليم، وهو الأمر الذي يؤكد أن المدرسة تمتلك الأرضية الصلبة للعمل.
فاذا كان المطلوب هو تحسين التدريس، فمن المؤكد أن التعاون مع الزملاء على تخطيط الدروس و مراقبتها و مناقشتها هو السبيل الأنجع. ففي كل مدرسة بالإمكان أن يقوم المعلمون باستكشاف كيفية إحداث التغير اللازم في تعلم التلاميذ و تفكيرهم و سلوكهم في الوقت المناسب عبر أسلوب بحث الدرس .
2- خطوات بحث الدرس
تكوين الفريق
يضم الفريق عادة بين 3 و 6 من معلمي مادة معينة. و بطبيعة الحال فإن الأثر خبرة هو من سيتولى أمر القيادة. و من الممكن أن يستضيف الفريق أحد مسؤولي المادة في الوزارة كالموجه أو المشرف التربوي مثلا.
التخطيط
إنه الاجتماع الأول للفريق و موضوعه الرئيس هو التخطيط. يتعلق التخطيط بثلاثة أشياء أساسية هي : تحديد الاهداف و خطة التدريس و خطة البحث .
فأما الهدف فهو ما يتعلق بالسبب وراء إجراء البحث الذي دائما ما يكون مشكلة تعليمية تواجه الفريق في الفصول الدراسية. مثلا، محتوى معقد أو مثير للجدل. أو مثلا ظهور طلاب يعانون من صعوبات في التعلم. أما خطة التدريس و هي خطة التدريس الأولى فيشترك في وضعها كل أعضاء الفريق بطريقة يرون أنها ستحقق الهدف المنشود. أما و قد صار لديهم هدف وخطة، فالمطلوب بعد ذلك هو وضع خطة البحث التي تظهر المطلوبات و الخطوات و المراحل في شكل جداول و تواريخ و تكليفات و ضوابط و إجراءات.
التدريس و الملاحظة
ينتقل الفريق بعد ذلك إلى الفصل الدراسي، فهذه هي مرحلة الحصة الأولى. و تتعلق هذه المرحلة بتطبيق خطة الدرس و تفعيل ضوابط الملاحظة. الأمر الذي يعني أن أحداثها تدور في الفصل و وسط التلاميذ.
سيقوم أحد أعضاء الفريق بالتدريس، بينما يقوم الآخرون بدور الملاحظين. في في هذه المرحلة، يوجد ضابطان أساسيان للملاحظة: أولهما أن يجلس الملاحظون في مكان يشعر معه التلاميذ و كأن الملاحظين غير موجودين، و ثانيهما أن الملاحظين إنما يلاحظون التلاميذ و هم يتعلمون و ليس المعلم.
المراجعة
ينتقل أعضاء الفريق بعد الحصة الأولى إلى مرحلة الاجتماع الثاني الذي تتم فيه مناقشة ملاحظات ما بعد الدرس، و يستعرضها مدرس الحصة الأولى نفسه. و بناء على هذه المراجعات يقوم الفريق بتنقيح خطة التدريس الأولى لوضع خطة التدريس الثانية.
و جدير بالذكر أن هذا التنقيح هو بالضبط المقصود الأول و الأخير من كل الجهود المبذولة في بحث الدرس.
إعادة التدريس و الملاحظة
يقوم الفريق بإعادة التدريس و الملاحظة معا. لكن هذه المرة يختار الفريق عضوا آخر لتنفيذ الحصة الثانية، و فصلا مختلفا لإعادة نفس الدرس و لكن بالخطة الثانية المنقحة. بينما يقوم أعضاء الفريق الآخرون بالملاحظة تماما كما في المرة الأولى.
التأمل و التقرير
إنها مرحلة الاجتماع الثالث و الأخير لمناقشة الملاحظات الجديدة، و من ثم تحديد النتائج و الخلاصات المستفادة. و من الضروري أن يقوم الفريق بعد ذلك بكتابة تقرير وافٍ عن بحث الدرس بخطواته المختلفة و نتائجه المستفادة، و أن يقوم أيضا بنشر التقرير في المدرسة أو المدارس المختارة لتعميم الفائدة.
3- أربعة أسباب لبحث الدرس
تؤدي ممارسة بحث الدرس دائما إلى تحسن غير مشكوك فيه في التدريس نتيجة لزيادة معارف المعلمين حول كيفية تأثير التدريس في تعلم التلاميذ و تفكيرهم. و نستطيع أن نذكر على الأقل أربعة أسباب تجعل بحث الدرس ممارسة مطلوبة و بشدة و ذلك على النحو التالي:
أولا- تحسين التدريس
بحث الدرس فرصة مثالية لتحسين التدريس. فبالمقارنة مع الورش و السمنارات التي تناقش الاستراتيجيات العامة للتدريس، فإن بحث الدرس ينظر مباشرة الى الفصل. والمدرسون يركزون على تعلم التلاميذ و نوع النشاطات التي تعزز ذلك التعلم. حيث يتم التركيز على التعلم والتدريس والأهداف والمادة الدراسية جميعا و هي في حالة تفاعل و في منطقة الحدث (الفصل).
ثانيا- وسائل التدريس
بحث الدرس يساعد في اختبار نوع التدريس و الوسائل الممكن استخدامها. و لا شك أن المنهج المنظم و المعتمد على الأدلة يساعد المعلمين في البناء و الاعتماد عليه. و الفريق يخلص الى معارف معينة بشأن تعلم التلاميذ من التدريس بمساعدة الوسائل الفعالة.
ثالثا- مجتمع التدريس
و هو حالة الاتحاد و التعاون و التآزر التي يتيحها بحث الدرس للمعلمين، و الذي بسببه يعبر المعلمون عن أن التعاون مع الزملاء تجربة كبيرة القيمة.
إن بحث الدرس يقود إلى فهم عمل الأهداف و كيفية تعلم التلاميذ و هم بين معلميهم. و بحث الدرس يقود أيضا إلى أن تخضع خبرة أي معلم للدراسة والنقاش والتفنيد، لتتكون معها في نهاية المطاف حالة التعلم الجماعي و التعلم المستمر و هما من أعظم مطلوبات التطوير المهني.
رابعا- الاستقصاء العلمي
يعتمد بحث الدرس على المنهج العلمي من حيث تحديد المشكلة و صياغة الأهداف و وضع الخطط وقيام التجربة ورصد الملاحظات واستخلاص النتائج. إنه دراسة علمية كاملة الأركان حول التدريس و التعلم. فنتائج بحث الدرس النهائية بهذا الفهم تصلح للنشر والعرض الأكاديمي. و عليه، يمكننا القول أن استخدام المعلمين لبحث الدرس يمكنهم من إدماج التدريس بالبحث و النظرية بالتطبيق و الحلم بالواقع.
الخلاصة
مع مرور الوقت و مع زيادة استخدام أسلوب بحث الدرس يتحول المعلمون من الحديث عن (تجربتي) إلى الحديث عن (تجربتنا)، و من الحديث عن (طلابي) للحديث عن (طلابنا). لقد طال زمن انغلاق المعلمين على أنفسهم يقرؤون فُرادى و يحضرون الدروس فرادى و يقومون بالتدريس في الفصل فرادى. لكن مع بحث الدرس سيفهم المعلمون أن ما يفعلونه كأفراد ليس قويا بمثل قوة ما يفعلونه كفريق.
مع كامل الاحترام والتقدير هذا فهم سطحي لمنحى بحث الدرس.
ممتاز. وفقكم الله