تعد القيادة التربوية جوهر العملية الإدارية، ومفتاح النجاح للمؤسسات التربوية؛ نظراً لدورها الرئيس في التأثير على عناصر العملية التربوية، والاستثمار الأمثل لموارد المؤسسة. وتحتاج المؤسسات التربوية إلى قيادات قادرة على استثمار موارد ومقومات المؤسسة بكفاءة وفعالية من أجل رفع مستوى الأداء وتحسين جودة التعليم.
والعملية الإدارية ليست مجرد تسيير للأعمال أو ممارسة للرئاسة، بل هي عملية قيادية بالدرجة الأولى، فالسلطة الإدارية وحدها قد ترغم العاملين على الطاعة، لكنها لا تلهمهم ولا تحفزهم، ولا تبعث فيهم الحماس، والانتماء، والإبداع، والتفاني في العمل. والإدارة في جوهرها عملية قيادية وقدرة على التأثير في الآخرين، وحفزهم لإنجاز أهداف المؤسسة التربوية وأولوياتها. (العمرات، 2010: ص349)
وعليه فإن القيادة المدرسية بحاجة إلى نموذج قيادي يسهم بشكل فاعل في تعزيز الجوانب الروحية والأخلاقية غير المشاهدة، والذي تتحقق من خلال القيادة المتسامية التي تعتمد على ثلاثة أبعاد وهي: القيم والتوجهات والسلوكيات الروحانية “السمو الأخلاقي” والتي تهتم بشكل أساسي بتقوية البناء الداخلي لكافة الموظفين في المدرسة.
تعد القيادة المتسامية علاقة روحية تتكون بين القائد “المدير” وتابعيه “الموظفين” والتي تنشأ بينهم ضمن سياق العمل، بكونها تستخدم قيم الإيثار والحب والأمل والإيمان والرؤية، لحفز دوافع القادة وتابعيهم الجوهرية الأصيلة، وتعزز إحساسهم بأهمية حفاظهم على المعاني الروحية السامية في حياتهم، وبأن مغزى حياتهم هو صناعة التغيير، فهي تدعوهم للتواصل والترابط فيما بينهم ليكونوا مفهومين من الآخرين، وليكونوا موضع تقدم لديهم، وأن يعملوا على تحقيق النتائج الإيجابية. (القيسي، 2019: ص75)
ويعد مدير المدرسة أهم عناصر العملية التربوية، فهو القائد الذي يعتمد عليه في تحقيق المدرسة لرسالتها، وسعي النظام التربوي لبلوغ غاياته. وهو الذي يقف على رأس التنظيم المدرسي، ويتحمل المسؤولية الأولى أمام السلطة التعليمية والمجتمع؛ مما يتطلب منه القدرة على العمل مع الآخرين، والتأثير فيهم وعليهم، لتحقيق أهداف المدرسة من خلال قيامه بمجموعة من الأدوار والمهام الرئيسية والمتداخلة؛ مما يؤكد أهمية وحساسية دوره في قيادة المدرسة. (أبو حامد، 2013: ص2)
فالقيادة المتسامية تولد لمدير المدرسة وموظفيها نوعا من الولاء المبني على الثقة الشخصية والدوافع المتسامية، فالموظفون في ظل هذه القيادة المتسامية من قبل مدير المدرسة لا يتعاونون مع قائدهم بدافع كسب الحوافز التي يقدمها لهم، أو بسبب دوافعهم الداخلية الجوهرية، إنما يتعاملون معه بسبب دوافعهم، التي تسمو فوق مصالحهم الذاتية مثل تحقيق ما هو جيد وخير، فهم في ظل هذه القيادة ملتزمون شخصياً بدعم مديرهم وتعاونهم معه لإنجاز المهام الجديرة بالاهتمام، وهذا يؤدي إلى تميزهم وحصولهم على الأفضل. (القيسي، 2019: ص76)
حيث تؤكد دراسة (التمام، 2016: 282) على أهمية ممارسة مدير المدرسة للعديد من المهام والممارسات الأخلاقية، كالتضحية بالمصالح الشخصية من أجل مصالح الآخرين من خلال الإيثار على أنفسهم ليكونوا قدوة للآخرين، وضرورة الصراحة والشفافية في توضيح جوانب القصور والضعف لدى الموظفين وتعزيز جوانب القوة والتميز بشتى الوسائل المتاحة.
وإدارة التميز حالة من حالات الإبداع المستدام التي تقدم توجهات مستقبلية للمؤسسات التعليمية وتضعها في دائرة التنافس المحلي والعالمي وتزيد من درجة تكيفها مع المتغيرات المتسارعة والمتلاحقة التي شملت جميع مجالات الحياة، فهي ليس ترفاً أو رفاهية في الفكر الإداري بل مطلباً ملحاً للمنظمات التي تبحث عن التطور والارتقاء والحصول على التميز الدائم. (شقورة، 2016: ص93)
ويعد السعي لتميز الأداء من أكثر الموضوعات أهمية وحداثة في مجال الإدارة، حيث أضحت معايير التميز في مقدمة الأهداف التي تسعى المؤسسات إلى تحقيقها لدعم المزيد من التميز والتفرد في أدائها، مما يتطلب من القيادات الإدارية بذل الجهود لتحقيق النجاح وإحراز التقدم، بالاعتماد على السرعة والمرونة والابتكار. (آل مزروع، 2010: ص2).
– تعريف القيادة المتسامية
هي قيادة تعاونية بين القادة والمرؤوسين من أجل رؤية أوسع للعمل لتحقيق الرفاهية العامة عن طريق الثقة والنزاهة والمشاركة الفاعلة في صنع القرار والتخطيط والقرارات الجماعية والشفافية والانفتاح وتقبل الآخر، وتضع العلاقات البشرية فوق الذات من أجل تحقيق أهداف المؤسسة مستندة إلى القيم والأخلاق الفاضلة. (Rejitha & Mathew, 2016: p64)
– أهداف القيادة المتسامية
تسعى القيادة المتسامية لاكتشاف القائد لداخله والبحث في أعماق نفسه، والانطلاق من القيم الداخلية لقيادة الآخرين. فهي تسعى لرفاهية الجميع وتحقيق المساواة والعدالة، والعمل بالحب والانسجام مع كل التنوعات والاختلافات، وتجاوز “الأنا”(p.668،2016،Nair).
– صفات القائد المتسامي
ذكر فونجسريوات ( p.17 ،2019 ،Phongsriwat) عدداً من صفات القائد المتسامي:
- فهم حاجات الآخرين بدون أن يعبروا عنها، وتحفيز طاقاتهم الداخلية.
- التحلي بالشجاعة والثبات في ظروف الخوف من الأزمات.
- القدرة على فهم الحاجات الداخلية والمستقبلية للعملاء.
- التفكير خارج الصندوق، والتفكير فيما يصعب على الآخرين التفكير فيه.
نستنتج مما سبق أهمية القيادة المتسامية، وكم نحن بحاجة للقائد المتسامي الذي يأخذ بيد العاملين معه إلى السمو الأخلاقي الرفيع، والابتعاد عن الأنانية في العمل، والعمل بروح الفريق للنهوض به إلى التميز والإبداع وإطلاق القدرات الكامنة في كل عامل.
المراجع
المراجع العربية:
- أبو حامد، عارف، (2013). تقييم أداء المدير كقائد تعليمي من وجهة نظر معلمي المدارس الأساسية في مدينة القدس، رسالة ماجستير، جامعة بيرزيت، فلسطين.
- آل مزروع، سليمان، (2010). بناء نموذج لتحقيق التميز في أداء الأجهزة الأمنية، رسالة دكتوراه، قسم العلوم الإدارية، جامعة نايف للعلوم الأمنية، الرياض.
- التمام، عبد الله، (2016). واقع القيادة الخادمة لدى مديري المدارس الثانوية بالمدينة المنورة من وجهة نظر المعلمين: دراسة ميدانية، مجلة العلوم التربوية، 24(1)، ص ص255-309.
- الحية، وليد، (2015). درجة ممارسة مديري المدارس الثانوية للإدارة الاستراتيجية وعلاقتها بتحقيق التميز الإداري من وجهة نظرهم، رسالة ماجستير، كلية التربية، الجامعة الإسلامية، غزة، فلسطين.
- شقورة، منير، (2016). تطوير أداء القيادات الإدارية بالمدارس الثانوية في فلسطين على ضوء نماذج إدارة التميز بالمؤسسات التعليمية، رسالة دكتوراه، أصول التربية، جامعة عين شمس، القاهرة.
- العمرات، محمد، (2010). درجة فاعلية أداء مديري المدارس في مديرية تربية البتراء من وجهة نظر المعلمين فيها، المجلة الأردنية في العلوم التربوية، 6(4)، ص ص349-359.
- القيسي، خليل، (2019). المناخ الأخلاقي وعلاقته بالاحتراق النفسي والالتزام التنظيمي لدى رؤساء الأقسام في مديريات التربية والتعليم، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمان.
المراجع الأجنبية:
- Mathew,A؛ Rejtha,S. (2016). Transcendental Leaders in Organization:A Theoretical Perspective. Namex International Journal of Management Research. 6(2). pp62-71.
- Nair،(2016). Transcendent Leadership for a Virtuous Organization: An Indian Approach. International Journal of Recent Advances in Organizational Behavior and Decision Sciences:2 (1).pp.663-672.
- S.(2019) Transcendental Leadership. Retrieved From www:/suthep.crru.ac.th.
موضوع رااااائع جدًا جدًا ،مفهوم نحتاج أن تستوعبه كثير من الادارات التي أضحت ترى أن المحاسبية المفرطة سبب لتطور مؤسساتهم وعامل مهم يضمن سير العمل .
ويبقى القيادي المتسامي كنموذج للاقتداء فقط حيث من الصعب جدا ان نحقق القيادة المتسامية بالدول العربية وبدون استثناء
بارك الله فيكم ..لكن إدارة المؤسسة في وطننا العربي أهملت الحد الأدنى من دورها البيداغوي نظرا للطلب التراكمي لإنجاز الوثائق الإدارية وإرسالها في وقتها مع التهديد بالعقوبة في حالة التراخي حتى أصبح المدير مجرد آلة إدارية ليس إلا ……..
أخوكم يوسف خياط ……اتلجزائر
بارك الله فيك.. كل هذه العوامل التي وردت بالمقال والذي أحسبه موفقا جدا من الأهمية بمكان توافرها لإنجاح المؤسسة التعليمية بل يتعدى الأمر الموظفين ويغرس في النشء أي أن تكون ضمن المنهج الذي يدرس للتلميذ حتى تتغلغل هذه المفاهيم وتصبح جزء لا يتجزأ من تكوينه وثقافته ويشب عليها ..نكتفي بهذا القدر وان كان الموضوع يطول الحديث فيه .