مقال تأملي عن قيادة الإبداع والتغيير

إعداد الباحثة/ بيان فضل الرحيلي

ماجستير في القيادة التَّربويَّة – مسار تعليم وتعلم، جامعة دار الحكمة، المملكة العربية السعودية

إشراف الدكتورة/ منى كريم

أستاذ مساعد، جامعة دار الحكمة

لست من محبي التأمل عادةً وأشعر أنه يشغلني عن التخطيط للقادم، ولكن عند تفكيري في التأمل في تفاصيل رحلتي في قيادة الإبداع والتغيير، وجدت مراحل مختلفة أتأمل فيها، وأولها وقبل أن أبدأ بكتابة المقال جلست أقيم نفسي وأتساءل هل أنا مرنة؟ هل أنا صبورة؟ هل لدي دافع لأبتكر وأبدع؟ هل كنت أعلم أن الإبداع والابتكار سهل؟

كمعلمة سأسمي رحلتي مع دراسة قيادة الإبداع والتغيير برحلة إضافة المعرفة، فقد بدا لي أن الإبداع والابتكار ليس حصريا بالأمور الكبيرة كما كانت الفكرة في مخيلتي، و أنها أبعد من الواقع ومن مهاراتي الشخصية، سأبدأ بموقف حصل معي، كنت دوماً أطالب بالتعليم الإلكتروني خاصةً وأنني معلمة حاسب آلي، فكنت أطلب من طالباتي التواصل عبر منصة خاصة صممتها لهم عن طريق google drive، وما أن أتممت أسبوعين من العمل على المنصة حتى وردني اتصال من مديرة العمل تخبرني بأن هذه أعباء على الطالبات وأن أولياء الأمور قد اشتكوا،  وفي حال طلبت من الطالبات العمل على المنصة والتواصل من خلالها، فسيتم اتخاذ إجراء إداري معك! اتبعت القوانين وقمت بالعمل حسب تعليمات المدرسة، عدت بضعة أشهر وشعرت حينها بالحزن وأنني غير راضية، فكنت أرى أنني أقف في نفس المكان دون أن أطور من مهاراتي ومهارات طالباتي، وما لبثت أن انتهت السنة الدراسية حتى استقلت من المدرسة وتوجهت لمدرسة أخرى، ولكن بعد مرور شهر على وجودي في هذه المدرسة وجدت أن قراري بالانتقال من مدرستي القديمة كان خاطئا، فمازالت المشاكل عينها تواجهني هنا أيضاً!

بعد دراستي للقيادة التربوية ولقيادة الإبداع والتغيير ولتبني منهج التغيير خاصةً، فهمت أن هناك طرقا وعناصر وأساليب لتبني منهج التغيير وذلك لنصل للإبداع والابتكار، فأجد أنني وبكل صراحة تصرفت أو طبقت هذا المنهج بطريقة خاطئة، واخترت الطريق الأسهل وهو الانتقال من المدرسة وتغيير البيئة التي أعمل بها، علماً أنه كان لابد أن أبذل المزيد من الجهد في محاولة تثقيف بيئتي المدرسية حول التغيير وما الإضافة التي ستعود من خلال هذا التغيير، فمنهج التغيير يعد من أدوات الإبداع والإبتكار، فالتخلي عن المكان ليس من خيارات المفكر المبدع! فباختصار لو قيمت نفسي فأنا أحب التغيير وأرى أنه أساس التطوير، ولكن أجد نفسي أتساءل هل عملت جاهدة من أجل تبني منهج التغيير؟ لذا مستقبلاً أسعى لأن أبدأ بتغيير أنماط تفكير طالباتي (المرحلة الثانوية) والسعي لمحاولة إبراز الجانب الذي يعود من التغيير، وتزويدهم بمعلومات كافية حول طبيعة التغيير الذي أنوي إدخاله وما لحاجة إليه؟ ومحاولة إقناعهم بالفكرة ومضمونها، ومدى التأثير الذي سيحصل في المدرسة ونطاقه والأسباب التي دعت إليه، وكيفية تنفيذ هذا التغيير، وهو بالتالي سيزيد من إمكانية قبول الإدارة والمعلمين والكادر التعليمي كافة لتقبل التغيير وذلك بدوره سيسهم في الوصول إلى الإبداع والابتكار، فثقافة التغيير والخروج عن النمطية والمألوف من أبرز سمات المبدعين.

وللقيام بعنصر التغيير قد نحتاج في بعض الأوقات إلى عنصر المخاطرة، وهو ثاني عنصر سأتكلم عنه، إن المخاطرة هي كما عرفها حسن (٢٠٢٠) هي مجموعة قرارات قد تتضمن نتائجها قدرا من المخاطرة لإمكانية حدوث أخطاء أو فشلها، وهو يعد عنصر مهم، فكنت ومازلت أرحب بالأفكار الجديدة في عملي أو “المجنونة”، ولكن نظراً لأن تطبيق هذه الأفكار يتطلب في بعض الأوقات النظر في قوانين وتعليمات البيئة المحيطة مثل الإدارة المدرسية وأولياء الأمور، فأصبح قبولي للأفكار الحديثة عند مستوى معين، وذلك مع دراستي للمنفعة التي ستعود مع الأخذ بالاعتبار عدم المساس بالثوابت الأخلاقية والدينية. ومن وجهة نظري لا أرى ذلك خاطئا، فاتباع نهج متوازن مع المخاطر أرى أنه تفكير صائب، ولكن كنت ألاحظ دوماً من الإدارة جانب الخوف من الفشل أو التحبيط، حتى وإن كانت الفكرة فيها القليل من المخاطرة. فأذكر عندما عرضت على المدرسة أن تقوم إحدى الطالبات بعمل دورة حول مسابقة “مدرستي تبرمج بدلاً مني”، وأن نعطي فرصة للطالبة ونكون المدرسة الأولى التي تعد الدورة من قبل طالبة وليست معلمة أو مشرفة، وذلك سيعكس مدى تفوق طالباتنا، خصوصاً وأنني اقترحت ذلك بعد أن رأيت إبداع الطالبة في لعبة ماينكرفت ومدى مهاراتها وشغفها ورغبتها في تصميم أفكار جديدة، فقد كانت الطالبة تقوم بدمج تصميمين معاً وهي طريقة لا يقوم عادة لاعبي ماينكرفت بها.

قمت بمناقشة المرشدة لعمل الدورة وأن تكون مقدمة الدورة الطالبة بدلاً مني ودعوة معلمات وطالبات متميزات من عشرين مدرسة وكنت جداً متحمسة، لاحظت تقبل المرشدة للفكرة للوهلة الأولى، ولكن ما لبثت أن سألتني هل تتوقعين بأن تقوم بالشرح بشكل مناسب؟؟  أخشى أن تغيب في يوم الدورة! وهل المشرفة الوزارية ستقبل بعمل الدورة؟ وهل مسموح أن تقوم طالبة صغيرة بذلك؟ وما أن انتهى اليوم حتى وردني اتصال منها أخبرتني أن الإدارة رفضت عمل الدورة من قبل الطالبة!

إن المخاطرة في بيئتي المدرسية غير معترف بها حتى في أبسط الأمور، فالمديرة لا تتبع ولا تطبق سوى ما يتم تقديمه من الوزارة نصياً والعمل به دون الخروج عنه بتاتاً حتى لو كان ذلك في مصلحة المدرسة والطالبات!

لذا أرى أنه لنبدع ونبتكر لابد أن نكون أشخاصا مخاطرين ونتوقع الفشل ونأخذه كطريق للنجاح وأن نبتعد عن قاعدة ” العب في بر الأمان” والرغبة في الفشل للوصول إلى الإبداع والابتكار.

كنت سابقاً أطلب من الطالبات المتفوقات في الدرس أن يقمن  بتطبيق مهام إثرائية تعد صعبة، وكنت أرى أن ذلك يناسبهم؛ كون معدل ذكائهم عاليا، فعلى سبيل المثال طلبت من طالبة في الصف الخامس الابتدائي متفوقة في درس hardware and software بأن تعد لي واجب حول إحدى أنظمة software والتي يتم دراستها في الصف الأول ثانوي، استغربت من أن الطالبة كانت تتهرب من الحل، ولمدة أسبوعين كانت تخبرني إما أنها كانت مريضة أو لا يتوفر لديها انترنت في المنزل، وعند اخباري لها بأنه يمكنها أن تستخدم معمل الحاسب الأسبوع القادم وتقوم بإْعداده بعد الانتهاء من الدرس، وتفاجأت بغياب الطالبة، فكنت بصراحة جداً مستاءة ومقتنعة أن الخلل في الطالبة وهي موهوبة ولكن لا تستغل موهبتها وتحب اللعب، وفي المقابل كنت أعطي الطالبات الضعيفات واجبات إضافية من الصف الثالث، وكن يحضرن الواجب  في كل مرة، في الحقيقة لم يكن تركيزي كبيرا على الطالبات الضعيفات كوني لا أهتم حتى بصياغة أسئلة جيدة لهن، فقد كنت أركز على إعطائهن كما هائلا من الواجبات السهلة، فمن وجهة نظري أي سؤال من الكتب في المراحل السابقة سيكون على مستواهن وسيطورهن!

لقد تأملت في ممارساتي بعد أن قرأت حول نظرية فيجوتسكي(٢٠١٦)، في بادئ الأمر لم أكن درست المادة وقرأت حول هذه النظرية بالصدفة وأنا أقرا حول نظرية أخرى، وفهمت حينها أن طريقتي خاطئة لتطبيقها، ولكن الغريب أن مشرفتي عندما حضرت الدرس وأخبرتها بوجود طالبات موهوبات وبالواجبات الإثرائية التي أقدمها لهم وأنني لم أشهد تطورا أو اهتماما من قبل الطالبات، أخبرتني “رائع يا بيان! إنه جيل الآيباد فلابد أن نستغل مهاراتهم ونطورها، استمري في ذلك ونوعي في الأنشطة ولا تيأسي”، لقد تأملت في رد مشرفتي أيضاً، فلا أعتقد أن المشكلة في تنويع الأنشطة، بل المشكلة في مستوى الصعوبة المفرطة والسهولة الزائدة.

بعد دراستي لنموذج منطقة التطور والخروج من منطقة الأمان المستوحى من فيجوتسكي والذي يعتمد على كيفية طرح تجربة تعليمية وتقديمها على المستوى الصحيح لمساعدة الطلاب على الاستفادة منها ولمواجهة المشكلة، وكانت الإضافة هنا أنني علمت أن هذا النموذج يعد نهجا أو أداة لتطوير الطالب وانتهاجه نهج الإبداع والابتكار، فكنت أملك الفرصة لتطبيقه فعادة منهج الحاسب ينتهي قبل المواد الأخرى بأسبوع ونظراً لوجود ترم إضافي وعدم توفر منهج لهذا الترم فقد كانت لدي ثلاث أسابيع للمراجعات فقط، استغليت هذه الفرصة وقمت بتعديل المهام بما يتناسب مع الطالبات ومراعاة الفروق الفردية وعمل برامج اثرائية طوال هذه الأسابيع للضعيفات والموهوبات، فكانت هذه المهام بالنسبة للموهوبات من الصف الأول متوسط بدلاً من الصف الأول ثانوي؛ كون منهج الصف السادس لا يختلف كثيراً عن منهجهم، وعند طلب المهام الجديدة منهم كنت أقوم بتوجيههن ومساعدتهن في النقاط التي يصعب عليهم فهمها ومساعدتهن، وفي الحقيقة شعرت بمدى تقدم طالباتي خلال هذه الأسابيع والحصول منهن على أفكار عديدة ونماذج أعمال مختلفة عن المألوف، وهذا هو فعلاً الإبداع.

كيف تصنع عقلية ابتكارية إبداعية؟ وإمكانية تطويع نظامنا التعليمي للإبداع والابتكار؟

إن الابتكار والابداع لم يعد ترفا أو أفكارا مجنونة أو بعيدة، لقد تغير العالم فقد أصبحنا نرى السيارات بدون سائق كما كنا نرى في أفلام الخيال العلمي، والروبوتات تقوم بأعمالنا، ففي ظل تنامي الابتكارات إما لدواع ربحية، أو منفعة خاصة، أو أسباب عامة فقد حتم ذلك مستوى عالياً من التنافسية في كافة المجالات والأصعدة. لذا لابد من صناعة العقلية الابتكارية الإبداعية أولاً من الإحساس بالمشكلة وحجمها، والإحساس بالمشكلة لا يكون فقط بالنظر إليها وتركها؛ بل بمحاولة فهم كافة جوانبها والتعمق فيها ومعرفة المشكلات المترتبة عليها والشعور بها والفضول حول معرفة مسبباتها، كما تعد الرغبة في إيجاد الحل من الدوافع المهمة لصنع عقلية ابتكارية إبداعية، ولعل نواة صناعة العقلية الابتكارية هي ثقافة المدرسة أو البيئة التي نعمل بها ومدى وعي الأفراد فيها وتقبلهم للعمل الجماعي وسلامة وبراعة الاتصال بينهم واستقطاب المواهب والكوادر المبدعة وتوفير بيئة ديناميكية تتصف بالمرونة تسمح للابتكار بالازدهار بها. فكما رأينا واجهت وزارة التعليم في الآونة الأخيرة تحديات وضغوطات نتيجة للثورة الرقمية وجائحة كورونا، والتي أدت إلى ظهور مجموعة من التغييرات التي طرأت في التعليم، مثل ظهور التعليم الإلكتروني والتي ظلت عملية تنفيذها من قبل محط جدل كبير حتى في ظل وجود رؤية قوية من قبل قيادتنا الرشيدة، فلقد كانت الوزارة تعاني من ثقافة مقاومة التغيير والرفض الكبير من قبل الكادر التعليمي، لكن في ظل ما عايشناه ، نجد أن التعليم الإلكتروني ظهر استجابة لجائحة كورونا ليس فقط كحل بديل أو كخيار بل ضرورة للسماح للطلبة بتلقي واستمرارية تعليمهم ، فنجد أن وزارة التعليم تحولت معتقداتها وقيمها الأساسية وبشكل إجباري إلى السلامة والمرونة وذلك لتتكيف مع التغيرات الحاصلة حتى وإن كانت هناك معارضات وتحديات مسبقاً.

ولتعزيز بيئة الابتكار وصناعة العقلية الإبداعية، لا بد من زرع ثقافة الثقة بين الكادر التعليمي والعمل على إعطاء مساحة أكبر للمعلمين ومزيد من الصلاحيات لمدراء المدارس حتى يكون هناك مجال لفتح آفاق تفكيرهم نحو حلول مبتكرة من صلب مشكلاتهم، والعمل على محاولة إعادة تدوير الأفكار القديمة واعتماد أفكار وآليات جديدة تتماشى مع متطلبات فصلهم الدراسي أو المدرسة المتواجدين بها، فذلك سيولد أفكارا متنوعة ومركزة بشكل أكبر على احتياجات المدرسة والمصادر من البيئة الداخلية والخارجية، على سبيل المثال عند تطبيقنا للاختبارات الدولية حصلنا على مراكز متأخرة وذلك كون الاختبارات لا تتماشى مع مناهجنا وطرق تدريسنا، فكان الأفضل استكشاف الطرق المناسبة لتطوير مناهجنا لتتماشى مع المعايير الدولية قبل البدء في هذه الاختبارات، والبعد عن الحلول المشتركة مثل عمل دورات لطبيعة الأسئلة وأنواعها، في حين محتوى الاختبارات يعد مختلف عما ندرسه! لذلك فإن إعطاء الصلاحيات وزرع الثقة للكادر التعليمي سيولد أفكارا لطبيعة احتياجات الطالب وما المناسب لقدراته وما طريقة وصوله للإبداع والإبتكار وأن يصل إلى مراكز عليا محلياً وخلق طالب قادر على المنافسة العالمية.

ولتطويع نظامنا التعليمي في المملكة العربية السعودية أو بمعنى آخر جعل التعليم بيئة محفزة وداعمة للبحث العلمي والإبداع والابتكار، فنحن بحاجة أولاً لمعرفة السياسات والقوانين والتشريعات المتوفرة في نظام التعليم السعودي، وماهي التحديات أو العوائق التي تقف في طريق الإبداع والابتكار؟ وذلك حتى يتسنى لنا دراسة المسببات والعوائق في طريق الوصول للإبداع والابتكار والعمل على إصلاحها ليصبح الإبداع واقعاً ومنهجاً تربوياً. عند تمعني في نظام التعليم لدينا أجد أن من أكبر العوائق عدم تقبل الأفكار الجديدة والعمل دون وجود جهة مختصة بالإبداع والابتكار، فحتى عند وجود طالب مبدع في المدرسة، فإن إبداعه قد ينتهي عند تكريمه في الطابور الصباحي، ونادراً ما تكون هذه الابتكارات تعرض على مستوى المملكة مثلاً  أو جدة، لذلك أرى أن من أفضل الطرق لنشر ثقافة الإبداع والابتكار في البيئة التعليمية تكون من خلال توفير إدارة خاصة في التعليم بالإبداع والإبتكار ويكون لها صلة بجميع إدارات التعليم في المملكة العربية السعودية ولها سياسات وقوانين وتشريعات خاصة بها، ولا نكتفي بذلك، بل لابد من اعتماد رؤية الإبداع والابتكار كجزء من منظومة التعليم المتكاملة؛ وذلك عن طريق استراتيجيات واضحة يتم تطبيقها واتباعها في جميع المدارس، ويمكن لعمل ذلك أن يتم تضمين إبداعات الطالب وابتكاراته من ضمن محاور تقييم الطالب حتى يكون ذلك محفزا للطالب مع قبول أي نوع من الإبداع والابتكار من المعلمين لتحفيز الطلاب، كما يمكن أن يكون هناك حوافز للمعلم المبتكر وأن يتحول قياس الأداء للمعلم من الكفاءة والدرجات العلمية إلى الإبداع والابتكار.

كما يمكن أن نستفيد في نظام التعليم لدينا من نظام التعليم الفنلندي، فقد كانت من صفات التعليم الفنلندي وهو ما يميزه أنه نظام يتصف بالمرونة، فلو أردنا تطويع النظام التعليمي لدينا لابد من أن يكون أساسه المرونة لتقبل الأفكار الجديدة وتكييف النظام التعليمي بما يتماشى مع متطلبات واحتياجات الطلاب؛ فإن الإبداع في أبسط تعاريفه هو الخروج عن الوضع السائد المألوف والتكيف مع المواقف المتغيرة ومن أبرز احتياجات الطلاب الآن هو أن ننمي لديهم مهارات القرن الواحد والعشرين والتي تقوم أساساتها على تنمية مهارات الطالب العليا: التحليل والتركيب والبعد عن المهارات الأولية كالتذكر. فيمكن من خلال وظيفتي كمعلمة أن أطوع النظام التعليمي من خلال تفعيل طرق التدريس التي تدعم نشر الابتكار والإبداع بأن أقدم برامج إثرائية للطلبة أو ما يعرف بالإغناء التعليمي، وذلك من خلال تدعيم المنهج بالبرامج التي يكون فيها تعمق بالمادة وزيادة لحصيلة معرفة الطالب بالمادة نفسها، أو برامج تكون خاصة بالتوسع في معرفة المادة وربط موضوعاتها واتصالها بمواد أخرى لتنمية فكر الطالب. لقد طبقت مع طلابي العمل على استخدام لعبة Minecraft والتي لم تكن ضمن المنهج ولم تكن مشاركتهم أساسية فيها، فكنت أحفزهم لحضور الحصة الأخيرة ليوم الثلاثاء من خلال اطلاقي لبعض الأسئلة خلال الحصة الأساسية والتي تستدعي تفكيرهم ليحضروا الحصة الإضافية، فكنت أعمل على تنمية مهارتهم باستخدام الحاسب والعمل على التفكير لتصميم المسجد الحرام  وتصميم مواقف خاصة به باستخدام ما تعلموه في البرمجة، فأصبح الطلاب يفكرون في طريقة التصميم وقراءة معلومات بناء الحرم المكي، وحضور جلسات نقاش مع معلمة الدراسات الإسلامية لسؤالها حول الحرم والطوابق والتصميمات الهندسية فيه، فلم يكتفوا بالتصميم فقط بل عملوا على محاولة معرفة معلومات أكبر حول نوعية الرخام في الحرم وطريقة بناء الكعبة، فكانت الرغبة لدى الطلاب للتعلم والشغف ومحاولة محاكاة الواقع والعمل على توفير أماكن للمواقف وأسباب تصميمها في هذا المكان نهجا لوصولهم للإبداع والإبتكار من وجهة نظري، كما أرى أن إمكانية تطويع نظامنا لم تعد مستحيلة في ظل رؤية ٢٠٣٠ وما يحدث من تغيرات في التعليم، فقد أصبح لدينا فصول خاصة للموهوبين وذلك يوضح محاولة تبني التعليم للإبداع  والابتكار، ولكي ينجح ذلك فلابد كما ذكرت مسبقاً أن نكون نعمل في الإبداع والابتكار ضمن وحدة واحدة وجهة مخصصة.

ماهي العلاقة بين الإبداع والدوافع؟ وشخصية الفرد؟

ما الذي يصنع الموهبة؟ كان هذا عنوان لإحدى الكتب التي تتحدث عن الإبداع، فهو أشار إلى وجود علاقة ارتباطية بين الدافعية والإبداع. فقبل أن أتحدث عن الدافعية عادةً نتساءل في حياتنا أو في مجال عملنا، فعلى سبيل المثال عندما يحدث تصرف عدواني من احدى الطالبات في المدرسة، نتساءل حول المسببات هل والدين الطالبة منفصلين؟ ما الذي دفعها لتسلك هذا السلوك؟ هل صديقتها استفزتها؟ فنحن على يقين أن تصرف الطالبة مبني على دوافع داخلية لدى الطالبة أو مثيرات خارجية وليس تصرفا فجائيا. وبناءَ على ذلك فإن الدافعية هي التي تحرك السلوك وتوجهه نحو تحقيق هدف أو غرض معين، وتحافظ على استمراريته حتى يتحقق ذلك الهدف.

والإبداع كما عرفه معمار (٢٠٠٣) بأنه ثمرة تفكيـر ونظـرة للمألوف بطريقة غير مألوفة، لتحقيق الأهداف وحل المشكلات الناشئة من المثير والإثارة، فيتم تحويل هذه النظـرة إلـى تـصميم قابـل التنفيـذ والاستعمال من خلال العلاقات الترابطية التي تنشأ في الـذهن لتلبية الاحتياجات الشخصية والاجتماعية. وهو بذلك يعد سلوكا ذهنيا وفقا لمقولة إديسون، فهو في معظمه جهد وعرق وإصرار ومثابرة، وهو بذلك ليس بمنأى عن احتياجه للدوافع التي تحركه وتوجهه والتي تعد ميلادا للإبداع. وكما يعد من سمات الإبداع طلاقة التفكير والمرونة والأصالة والشعور بالمشكلة والاستقلالية في إصدار الأحكام والتكيف، فيتميز الأشخاص المبدعون بالقيام بالمخاطرات وحب الاستطلاع والانفتاح على الخبرات الجديدة.

وتعد العلاقة طردية بين الدوافع والإبداع، فهو يعتبر الأساس والقاعدة لعمل إجراءات وأنشطة تقود إلى اتقان المهارات من ناحية، وإيجاد بيئة  تواصل مريحة للتفكير المبدع من ناحية  أخرى، فإن تهيئة الظروف المحيطة، وخلق شعور الإحساس بالأمن والأمان، وتعزيز المشاركة والتأثير، وتلبية الاحتياجات، وبذلك كلما زادت الدوافع يزيد الإبداع والابتكار.

كما أن شخصية الفرد تلعب دورا كبيرا في تنمية الإبداع، وقد أشارت دراسة غنايم (٢٠١٦) إلى أن العوامل المزاجية قد تؤثر بشكل مباشر في الإبداع. وشخصية الفرد تعد جزءا داخليا في الفرد فيعد صعبا تغييرها دون وجود دوافع داخلية مثل الفضول وروح التحدي والمخاطرة وتقبل الفشل وأهمها التحرر من الخوف ليكون الفرد قادرا على طرح أفكاره؛ فالكبت  الفكري يعتبر العدو الأول للإبداع، فعند تدريسي لطالبة من ذوي صعوبات التعلم كانت لديها مهارة في برمجة خوارزميات الآلة الحاسبة وكنت أشاهدها دون أن تعلم أثناء مراقبتي لزميلاتها فكانت مستديرة ولا تدري بأني أراها، فكنت مبهورة في الحقيقة بالآلة الحاسبة التي صممتها، ولكن عند تقدمي إليها شعرت بوجودي فقامت بقلب الصفحة وفتح صفحة أخرى، في نهاية اليوم استدعيت الطالبة لأحثها على أن تبرمج وتريني أعمالها ولكن رفضت وأخبرتني أنها لا تعرف وذهبت مسرعة وأصبحت تتحاشى أن تصادفني حتى في ممرات المدرسة! من وجهة نظري الطالبة مبدعة كونها في الصف الأول ثانوي وتعرف كيف تبرمج ما يتعلمه الطلاب في الصف الثاني في الكلية التقنية. ولكن ما قتل إبداعها هو خوفها وترددها واعتقادها أن مستواها ضعيف وتأخذ حصص تقوية في أغلب المواد والجميع كان يخبرها بأنها تعاني من صعوبات التعلم ولابد من اجتهادها بشكل أكبر، ولذلك تعد شخصية الفرد من المؤثرات في تنمية الإبداع.

هل تعتبر نفسك مبدعا؟ لماذا؟ ماهي المهارات اللازمة لإطلاق مهارات الإبداع لديك؟

بعد دراستي لقيادة الإبداع والتغيير والتمعن في رحلتي الدراسية والفصول التي درستها أجد أنني مبدعة إلى حد ما، فأنا أمتلك الإصرار رغم التحديات التي تواجهني في عملي، كرفض الإدارة للتغييرات وعدم تقبل الأفكار الجديدة، فعلى سبيل المثال عندما أخبرتهم بأنه يمكن أن نغير من استخدام المنصة العادية لمتابعة الطلاب ومجالس الأمهات التقليدية  واستبدالها باستخدام أداة teacher kit   وتمكين الأهالي من المتابعة المستمرة والحضور في حال وجود تصرف غير مقبول ظهر في التطبيق، رفضت المدرسة التغيير خوفاَ من اعتراض الوزارة، علماَ أنه يمكن تطبيقها بشكل ثانوي جنبًا إلى جنب مع المنصة، فقمت باستخدامها بشكل خاص لمادتي كبحث للطلاب ليقوموا بتقييم أنفسهم في حصتي وإرسال تقييمهم إلي. ومحاولة تطوير مناهجي من خلال إدخال البرامج الإثرائية وحب الاستطلاع لدي، ولكن أجد أنني وإن كنت مبدعة أو أمتلك مهارات إبداعية فأنا لم أكن أوظفها بالشكل المطلوب، فعند عدم وجود رغبة للطالبة للتعلم أو الإبداع مثل الموقف السابق الذي ذكرته للطالبة المبدعة في برمة الآلة الحاسبة، أجد أنني لم أتصرف على تعزيز ثقتها والعمل على تنمية مهاراتها بشكل غير مباشر، أو عند تغيير مكان عملي، فأعتقد أنني لم أخرج بحلول إبداعية للمشكلات التي واجهتني! لذلك أرى أنه تنقصني بعض المهارات الإبداعية لأطور مهاراتي مثل الإحساس بالمشكلة بشكل أكبر والتفهم والتعاطف مع الآخرين وتنمية الخيال الواسع لدي لاستكشاف وتصور الحالات المستقبلية الممكنة، وحتى امتلاكي لمهارة الإصرار في نظري فهو محدود إلى حد ما ويحتاج إلى تطوير بشكل أكبر. فمن نظري أتمنى أن اتحلى بصفات ألبرت آنشتاين ومدى إصراره رغم الفشل وتعلمه بطريقة مختلفة وخلق علم رغم تحبيط من حوله، ولأصل للإبداع الذي أطمح إلى أن ألمسه في البيئة حولي، أرى أنه لابد من تطوير نفسي أولاً لأقود الإبداع والابتكار؛ فكما هو مذكور في القرآن الكريم “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

 


المراجع:

حسن، علي عمر بن الخطاب علي .(2020).سلوك المخاطرة وعلاقته باتخاذ القرار للغواصين، المجلة العلمية للبحوث والدراسات في التربية الخاصة(40).416-503.

بنيان، اروى نادر.(2016 ، ابريل26). نظرية فيجوتسكي: كيف تعلم المفاهيم العلمية للأطفال؟. تعليم جديد.

عمار، صالح بن درويش حسن. (2003). نحو تطوير العمل الإبداعي. مجلة جامعـة أم القـرى للعلـوم التربوية والاجتماعية والإنسانية، 2(15)، 1-26. 

غنايم، امل محمد، يوسف، سليمان عبد الواحد.(2016).تنمية الابداع الوجداني كأحد مقومات الشخصية المبدعة مدخل لتحقيق جودة التعليم النوعي في ضوء تطور بنية المخ وتكامل وظائفه. المجلة العلمية لكلية التربية النوعية(6).593-614.

البحث في Google:





عن بيان فضل الرحيلي

ماجستير في القيادة التَّربويَّة - مسار تعليم وتعلم، جامعة دار الحكمة، المملكة العربية السعودية

شاهد أيضاً

الدعم النفسي الاجتماعي

حرب على التعليم: أثر النزاع الإسرائيلي على مستقبل الأجيال في غزة

منذ السابع من أكتوبر 2023، ومع اندلاع الحرب على قطاع غزة، تعرّض المجتمع الفلسطيني لزلزالٍ …

اترك تعليقاً

اكتشاف المزيد من تعليم جديد

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading