حظي منحى STEM في السنوات الأخيرة بالكثير من الاهتمام والنقاش في ساحات التربويين، وفي العديد من الساحات الدولية. وعلى الرغم من أن التخصصات الفردية التي تشكل منحى STEM (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات) موجودة منذ بدء الحضارة البشرية، إلا أن STEM مصطلح ومفهوم جديد نسبيًا، تمت صياغته وتقديمه لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2001. ويغطي المفهوم نطاقاً واسعاً ومتداخلاً (Interdisplinary) من التخصصات تعمل مجتمعة لمواجهة حاجة الدولة إلى قوة عاملة مدربة على هذه المهارات.
يهتم منحى STEM بالتعلم القائم على المشكلات والمشاريع المرتبطة بالحياة، مع توظيف الأساليب الإبداعية في البحث والتقصي والاستنتاج والتحليل، حيث يحدث التعلم من خلال التطبيق العملي لحل المشكلات في سياقها الحقيقي، واتباع منهج متكامل للتعلم وليس من خلال حفظ الحقائق أو المفاهيم، فيتم تدريس محتوى محدد كوحدة دراسية متكاملة.
ويعتبر التفكير التحليلي من أنماط التفكير الهامة التي تميز الأفراد في علاقاتهم وتميزهم، فهو يساعد الفرد على مواجهة المشكلات بطريقة منهجية مع الاهتمام بالتفاصيل وتركيم المعلومات ذات الصلة وتنظيمها، والاستنتاج منها بعقلانية، والتخطيط لمخرجاتها بحرص يستند إلى الحقائق التي يعرفها الفرد، وآخرها وضع معيار منهجي محدد للتقويم. حيث أن التفكير التحليلي يعني بمواجهة المشكلات بحرص وبطريقة منهجية، مع الاهتمام بالتفاصيل، والتخطيط قبل اتخاذ القرار، والإسهام في توضيح الأشياء حتى يمكن الوصول إلى استنتاجات وتعميمات، وعليه يشكل التفكير التحليلي القاسم المشترك والمتطلب الرئيس لممارسة أي شكل من أشكال التفكير الأخرى.
علاقة منحى STEM بالتفكير التحليلي
حيث أن منحى STEM يقوم على فكرة التكامل بين فروع المعرفة، ولتحقيق التكامل، فمن الضروري معرفة العلاقات التي تربط العلوم المختلفة، وهذه إحدى مهارات التفكير التحليلي (تحديد العلاقة)، ويستند منحى STEM على العديد من الاستراتيجيات، بما في ذلك التعلم الاستقصائي وحل المشكلات والمشاريع والعصف الذهني والتعلم، وكلها تتضمن في خطواتها التساؤل، وتطور لدى الطلاب القدرة على تحديد السبب والنتيجة والملاحظة وتحديد خصائص الأشياء.
إن تنمية التفكير التحليلي هي الهدف الرئيسي والأول من ضمن أهداف البرامج التربوية في جميع المؤسسات التعليمية، حيث تمثل أكثر الأنشطة المعرفية تعقيدًا وتطورًا وتساعد الفرد على معالجة الرموز والمفاهيم واستخدامها في حل المشكلات الحياتية التي تواجه حياته.
يتعرض الطلاب لمواقف تعليمية وتعليمية تتطلب منهم أدلة وتفسيرات علمية ومنطقية، وهذا ما يدعو إلى استخدام عملية التحليل الذهني لتلك المواقف من توظيف مهارات التفكير التحليلي الذي يحث المتعلم، ويستثيره لتوليد عدد ممكن من الاثباتات المتسلسلة، والمنظمة، والمتتابعة، والمنطقية ضمن تلك المواقف التعليمية – التعلمية لغرض فهمها، واستيعابها، حيث أن التفكير التحليلي بمهاراته العليا من الخصائص والصفات القيمة للأفراد على وجه الخصوص.
يمكن للطلاب التفكير بشكل تحليلي حتى يتمكنوا من حل المشكلة بطريقة أفضل، وأن يكونوا أكثر تفكيرًا منطقيًا، وأن يكونوا أكثر إبداعًا، وأكثر استقلالية، وأكثر إلمامًا بالقراءة والكتابة في عالم التكنولوجيا. ومن الواضح أن تنفيذ تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يتضمن حلًا سياقيًا، وتفكيرًا تحليليا. وهذا يقودنا الى معرفة دور المعلم بالتحديد في تحفيز الطالب للتفكير التحليلي. حيث أن المعلم له دور مهم وكبير في تنمية مهارات التفكير التحليلي سواء داخل الفصل الدراسي أو خارجه من خلال المحتوى الذي يقدمه في مواضيع مختلفة. هناك العديد من الطرق التي يمكن للمعلم من خلالها تطوير مهارات التفكير التحليلي لدى الطلاب، منها:
- التخطيط لعملية التعليم: ينظم المعلم خطط الدروس اليومية وخطط الفصل الدراسي وعينة من الأسئلة والمواد والأنشطة التعليمية التي تحدد أهداف التعليم ووسائل تحقيقها.
- تشكيل مناخ الفصل الدراسي: يوفر مناخ الفصل الدراسي القائم على ديناميكيات المجموعة والمشاركة الديمقراطية مناخًا جماعيًا متماسكًا، حيث يمكن التعبير عن الرأي والاستكشاف الحر والتعاون والدعم والثقة بالنفس والتشجيع.
- المعلم المبادر: باستخدام مجموعة متنوعة من المواد والأنشطة، من خلال تعريف الطلاب على المواقف التي تركز على مشاكل الحياة الواقعية للطلاب، وباستخدام طريقة طرح الأسئلة لإشراك الطلاب بشكل فعال.
- يحافظ المعلم على التواصل: أسهل مهمة يمكن للمدرس القيام بها هي إثارة اهتمام الطلاب بالمشكلات الممتعة والحقيقية، وهذا يتطلب من المعلم استخدام مواد وأنشطة وأسئلة مثيرة لتحفيز الطلاب.
- المعلم مصدر للمعرفة: في كثير من الأحيان يلعب المعلم دور مصدر المعرفة، لأنه يعد المعلومات ويوفر الأجهزة والمواد اللازمة للطلاب، مع تجنب إعطاء الطلاب إجابات تعيق سعيهم للوصول إلى استنتاجات يمكنهم الوصول إليها بأنفسهم وتكوينها.
- المعلم بمثابة نموذج يُحتذى به: يعمل المعلم كنموذج يحتذى به، مهتم، محب للاستطلاع، ناقد في تفكيره وقراءته، متحمس، مبدع.
الأدلة التطبيقية على علاقة التفكير التحليلي بمنحى STEM
عملياً، دلت نتائج العديد من الدراسات على العلاقة الإيجابية بين التفكير التحليلي ومنحى STEM، حيث أشارت نتائج دراسة (Chonkaew, et., al., 2016) إلى أن أنشطة تعلم STEM المبنية على التعلم القائم على حل المشكلات طورت بنجاح قدرات التفكير التحليلي والمواقف تجاه تعلم العلوم. وبالتالي أدرك الطلاب مدى أهمية النظريات وتمكنوا من دمج معارفهم من مختلف المجالات لحل المشكلات وخلق ابتكارات جديدة. وأظهرت أن حوالي 80٪ من الطلاب سجلوا درجات أعلى في القدرة على التفكير التحليلي أعلى من المعيار المحدد البالغ 70٪ من الدرجة الكاملة.
بحثت دراسة (Parno, et., al, 2021) في مدى فعالية النماذج القائمة على STEM في زيادة التفكير التحليلي للطلاب من خلال بحث شبه تجريبي. فمن خلال التجربة تم تخطيط وتصنيع واختبار منتجين هندسيين، وهما المصعد الهيدروليكي المصغر والغواصة. وجدت الدراسة أن كلا النموذجين كانا فعالين في بناء مهارات التفكير التحليلي للطلاب. علاوة على ذلك، تأثر تحسين مهارات الطلاب بالحالة الأولية المختلفة والمعاملة المختلفة للتعلم. ومع ذلك، كلاهما مستقل عن بعضهما البعض.
وتعتبر نتائج دراسة ROGOVAYA, et., al., 2019)) من الأدلة الهامة على دور التفكير التحليلي في منحى STEM، حيث تبين من الاستطلاع الذي أجرته الدراسة على عينة من طلاب البكالوريوس أنهم على دراية بمفهوم التفكير التحليلي، ويتم استخدامه في الجامعة، وقد يشير هذا إلى أن الطلاب يفهمون كيفية ارتباط هذا النوع من التفكير بعملية التعلم ويستخدمونه بنشاط في التعلم. ومن النتائج أيضا، أن التفكير التحليلي يساعد على التعلم بشكل أفضل. وأن استخدامه يسمح لهم بتعلم المادة بشكل أفضل وتطوير القدرة على التحليل.
وبالتالي يمكن الاستنتاج أن التفكير التحليلي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمنحى STEM فهو يلعب دورًا مهمًا في العملية التربوية من خلال التعرض للمشكلات الحقيقة وتحليلها والبحث عن الحلول.
المراجع:
- Chonkaew, Patcharee & Sukhummek, Boonnak and Faikhamta, Chatree (2013), Development of analytical thinking ability and attitudes towards science learning of grade-11 students through science technology engineering and mathematics (STEM education) in the study of stoichiometry, Educ. Res. Pract., 2016, 17, 842-861.
- Rogovaya, O.; Larchenkova, L.; gavronskaya, Y.,Critical thinking in STEM (science, technology, engineering, and mathematics), Utopía y Praxis Latino Americana, vol. 24, núm. Esp.6, 2019 Universidad del Zulia, Venezuela Disponible en:
- Parno et al 2021, The effectiveness of STEM approach on students’ critical thinking ability in the topic of fluid statics to cite this article, Journal of Physics: Conference Series, J. Phys.: Conf. Ser. 1882 012150