مقدمة:
لا شك أن هناك حاجة ماسة إلى صياغة منهجيات التعليم بشكل يتسق وكيفية تعلم الأفراد مع التركيز على استحداث أفضل السبل لمساعدة الأفراد على التعلّم من جانب، وزيادة كفاءة عملية التعلّم من جانبٍ أخر. من هنا، تم تطوير العديد من نظريات ونماذج التصميم التعليمي الهادفة إلى فهم وتحسين وحل المشكلات التعليمية، ودعم مصممي التعليم بنماذج توفر لهم الإجراءات المناسبة لتصميم الموارد التعليمية بمستوى يحقق الأهداف المرصودة (Reigeluth, 2013). في هذا السياق، قدّم العالم ميريل (Merrill,1983) نظرية عرض المكونات Component Display Theory كنظرية شاملة في تصميم التعليم تقوم على مبدأ الفصل بين المحتوى ومستوى الأداء المتوقع تحقيقه وتعمل على تزويد المصممين بالإجراءات العملية التفصيلية لتصميم محتوى المادة التعليمية على المستوى المصغر.
تسعى هذه المقالة إلى دراسة نظرية عرض المكونات في ضوء ما أورده مؤسسها والبحوث التربوية من بعده لقياس وتحليل مدى فاعليتها في تحقيق الأهداف المرصودة لها. وعلى وجه الدقة، تبحث في الإطار النظري والوصف الإجرائي للنظرية من خلال تقديم نظرة عامة لها، ثم تنتقل لدراستها في ضوء البحوث التربوية، لتنتقل بعد ذلك لمعرفة مدى خدمة النظرية لمجال التصميم التعليمي وتنتهي باستعراض أهم الانتقادات الموجهة لها.
نظرية عرض المكونات – نظرة عامة:
تم وضع هذه النظرية على يد العالم ميريل (Merrill, 1983) كمحاولة لتزويد مصممي التعليم بنظرية تساعدهم على تصميم عمليات التدريس بشكل يستند على محتوى التعلم وأداء الطالب المتوقع. وقد تأثر ميريل كثيراً بشروط التعلم لغانيي (1962) Gagné وأكد في نظريته على أن نتائج التعلم المختلفة تتطلب استراتيجيات تعليمية مختلفة. وعلى الرغم من أن مؤسس النظرية يُشير إلى أن السبب الدافع وراء تطوير هذه النظرية هو تصميم التعليم القائم على الحاسب، إلاّ أنه يؤكد أن النظرية أظهرت انسجامها وكافة بيئات التعلم.
توصف نظرية عرض المكونات بأنها شاملة وتضم مجموعة من المبادئ والطرق المترابطة التي تهدف إلى تصميم التعليم لأربع أنواع من المحتوى (الحقائق والمفاهيم والإجراءات والقواعد) وفق ثلاث مستويات من الأداء التعليمي المتوقع تحقيقه (التذكر والتطبيق والاشتقاق). كما وضعت النظرية أربع أنماط عرض رئيسية هي القواعد، الأمثلة، التذكر والممارسة، وخمس أنماط للعرض الثانوي هي المتطلبات السابقة، الأهداف، المساندات، معاني المصطلحات والتغذية الراجعة. وتنص على ان التدريس يحقق مراتب أعلى من الفعالية بقدر ما يحوي من أنماط العرض الأولية والثانوية (Merrill, 1987). في وقتٍ لاحق، قدمت النظرية للمصمم التعليمي أربع مبادئ يمكن الاسترشاد بها أثناء عمليات التصميم وهي (Merrill, 1994):
- سيكون التعليم فاعلاً أكثر إذا تم تضمين مستويات الأداء الثلاث: التذكر والتطبيق والاشتقاق، في أنشطة التعلم.
- يمكن للمصمم تقديم النماذج الرئيسة إما باستخدام استراتيجيات التعليم التفسيرية أو الاستقصائية.
- إن تسلسل عرض النماذج الرئيسية ليس حاسماً ما دامت كلها موجودة.
- أن التحكم ببنود الأمثلة والتمرينات التي يتم عرضها يجب أن يُسند إلى المتعلم.
نظرية عرض المكونات في ضوء البحوث التربوية:
تميل البحوث التربوية في تناولها لنظرية عرض المكونات إلى دراستها من حيث تأثيرها على تصميم البيئات التعليمية القائمة على الحاسب (Choi, 2013; Wilson, 1987)، حيث يعود السبب في ذلك إلى ما أورده تشوي (Choi,2013) من أن تصميم نظم التعلم بمساعدة الحاسب كان هو الأساس المحرك لتطوير النظرية وبالتالي استطاعت أن تتلاءم ومتطلبات هذه البيئات. ويضيف، استطاعت النظرية أن تزود المصمم التعليمي بالإجراءات التنفيذية اللازمة وخصائص الاستخدام الأمثل لتطوير نظم تعليمية قائمة على الحاسب تمتاز بالكفاءة وقادرة على جذب المتعلم.
وفي سياق متصل، أكدت عدد من الأبحاث فعالية مبادئ نظرية عرض المكونات في تصميم أنظمة التعلم الرقمية. فوفقاً لروسلي ونيجارا (Rusli and Negara, 2017)، أظهرت مبادئ النظرية كفاءة في تصميم نظام تعليم تفاعلي معتمد على الوسائط المتعددة حيث انعكس ذلك في التحسن الحاصل في نتائج تعلم الطلاب لا سيما في تطبيق المفاهيم والإجراءات والمبادئ المتعلقة بالمحتوى المقدم، كما يتوقع الباحثون إمكانية تكييف النظرية للاستفادة من خدمات الهاتف المحمول وتقديم إطار عمل لتصميم وتطوير بيئات التعلم المتنقلة (Glazatov, 2015).
من جانبٍ آخر، أجرى أنطوي (Antwi, 2017) دراسة لمحاولة تطوير النظرية باستخدام طرق البحث التكويني، وخلص في مراجعته للدراسات التي أجريت على النظرية، إلا أن البحوث انقسمت في تناولها للنظرية إلى اتجاهين: الاتجاه الأول هدَف إلى دراسة تأثير توظيف واحد أو أكثر من أنماط العرض الرئيسية التي نصت عليها النظرية على جودة التصميم التعليمي، في حين هدفت دراسات أخرى إلى قياس أثر دمج أنماط العرض الرئيسية والثانوية على كفاءة التصميم التعليمي الناتج، وخلص إلى أن الجمع بين أنماط العرض الرئيسية الثلاث (القاعدة والمثال والممارسة) شكّل أفضل استراتيجية من أي مجموعة أخرى، كما أكد أن النظرية أثبتت بالممارسة والتطبيق أنها تُساعد على تقديم المحتوى التعليمي وفق ترتيب منطقي ما كان له أثر إيجابي على جودة التعلم بشكلٍ عام.
نظرية عرض المكونات وخدمة مجال التصميم التعليمي:
كما تم إيراده سابقاً، تفترض نظرية ميريل أن هناك بُعدان يجب مراعاتهما فيما يتعلق بالتعلم: المحتوى والذي يتكون من أربعة أنواع (الحقائق والمفاهيم والإجراءات والقواعد)، ومستوى الأداء المتوقع والذي ينقسم بدوره إلى ثلاث مستويات (التذكر والتطبيق والاشتقاق). من هنا، تفترض النظرية أنه يمكن تصور هذين البعدين في مصفوفة واحدة كما هو مبين في الشكل (1).
شكل (1): نظرية عرض المكونات لميريل (Merrill & Twitchell, 1994)
بالاستناد إلى ميريل وتويتشل (Merrill and Twitchell, 1994)، تقدم هذه المصفوفة نموذجا لإرشاد عمل المصمم التعليمي حيث عليه أن يملأ كل خلية من خلايا المصفوفة بأنماط العرض الرئيسية والثانوية (تم توضيحها في القسم الأول من المقال) ذات الصلة بالمحتوى المقدم وذلك باستخدام إما استراتيجيات التعلم التفسيرية أو الاستقصائية.
دعماً لما سبق، يؤكد روسلي ونيجارا (2017) أيضاً أن زيادة فعالية التصميم التعليمي في ضوء هذه النظرية إنما يستند إلى مدى قدرة المصمم على توظيف أنماط العرض الرئيسية والثانوية لكل خلية، وقد تم إثبات كفاءة ذلك بالتطبيق والممارسة في عدد من الدراسات التجريبية. بعبارة أخرى، يمكن اعتبار المصفوفة بمثابة مخطط يسمح لمصممي التعليم بزيادة فعالية تصميماتهم التعليمية عبر اتباع خطوات محددة.
بالإضافة إلى ذلك، لخص مصلح (2017) عددا من مزايا هذه النظرية لمجال التصميم التعليمي أبرزها: أنها توليدية يمكن تسخيرها لتصميم جميع أنواع المحتوى ولكافة الإعدادات، وأنها تقدم إرشادات تساعد المصمم على اتخاذ قرارات تصميميه دقيقة، كما أنها تنتج موارد تعليمية يستند فيها التحكم إلى المتعلم من خلال تمكينهم من تحديد المحتوى والاستراتيجية التعليمية وعدد مرات التدريب التي يتلقونها، وهذا بدوره يعني إحداث خطوات عملية نحو تقديم التعلم التكيفي.
أهم الانتقادات الموجهة لنظرية عرض المكونات:
بالرغم من كل الجوانب الإيجابية والامتيازات التي تقدمها النظرية للتعليم والتعلم، إلا أنها أظهرت عدداً من جوانب القصور التي قد تحد من فوائدها المرجوة، كما بين ميريل نفسه وزملاءه لي وجونز (Merrill, Li, Jones, 1991):
- تركز النظرية في تحليل المحتوى على العناصر الأولية وبالتالي هي تُعنى بتعليم المكونات مع الإخلال في جانب تعليم المعرفة المتكاملة والمهارات ككل.
- تطبيق النظرية تنتج عنه أساليب تدريس سلبية غير تفاعلية وهذا لا شك يتعارض مع الاتجاهات التربوية الحديثة.
- تلزم النظرية المصمم التعليمي ببناء منتجه التعليمي من مكوناته التأسيسية وبالتالي هي تفرض المزيد من الجهد والوقت.
- النظرية تقدم وصفا لاستراتيجيات تصميم المقررات بشكل سطحي.
المراجع:
مصلح، معتصم. (2017). تطبيقات نظرية ميرل التدريسية في العملية التعليمية. مجلة جامعة الاستقلال للأبحاث، 2(1)، 107-136.
Antwi, S. (2017). Formative Research on Component Display Theory. ProQuest LLC.
Choi, S. Y. (2013). Application of component display theory in designing and developing CALI. Calico Journal, 3(4), 40-45.
Gagné, R. M. (1962). The acquisition of knowledge. Psychological Review, 69, 355-365.
Glazatov, T. (2015). Applying the Component Display Theory to the Instructional Design and Development of an Educational Mobile Application.
Merrill, M. D. (1983). Component display theory. Instructional-design theories and models: An overview of their current status, 1, 282-333.
Merrill, M. D. (1987). The new component design theory: Instructional design for courseware authoring. Instructional Science, 16(1), 19-34.
Merrill, M. D. (1994). Chapter 8: The prescriptive component display theory. Instructional Design Theory (pp. 158-176). Englewood Cliffs, NJ: Educational Technology Publications.
Merrill, M. D., & Twitchell, D. (1994). Instructional design theory. Educational Technology.
Reigeluth, C. M. (2013). Instructional-design theories and models: A new paradigm of instructional theory, Volume II. Routledge.
Rusli, M., & Negara, I. K. R. Y. (2017). The Effect of Animation in Multimedia Computer-Based Learning and Learning Style to the Learning Results. Turkish Online Journal of Distance Education, 18(4), 177-190.
Wilson, B. G. (1987). Computers and Instructional Design: Component Display Theory in Transition.
نظرية عرض المكونات ارتبطت أساسا بمستويات أداء تضمن الحد الأدنى من مستويات التعلم
فلوكان التصميم وفق الفكر البنائي والقدرات الذهنية العليا لكانت الإرشادات على اتخاذ القرارات أحسن وافضل